يقول رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشل: "مهما كانت الاستراتيجية جيدة، يجب أن تنظر في بعض الأحيان إلى النتائج"، فمهما كانت الاستراتيجية إلا أنها ليست سوى وسيلة للوصول إلى الأهداف التي يراد تحقيقها.

في عالمنا العربي هناك ذهنية سياسية يمكن وصفها بالمتزمتة، فرغم النتائج العكسية لبعض الاستراتيجيات إلا أن هناك إصراراً على مواصلة العمل فيها، والاستمرار في تحدي الواقع والمنطق، والظهور بمظهر المحافظ على المواقف، رغم أن أبجديات العمل السياسي تتطلب المراجعة والتعديل بناء على المعطيات والمستجدات.

اليوم وبعد مرور عقد من الزمان على الحرب السورية، ورغم أن الكل متفق على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة، إلا أنه ما زال هناك مَن يعتبر أن محاولة بعض الدول العربية إيجاد مسار آخر للتسوية وإشعال ضوء في نهاية النفق انقلاباً على معاناة السوريين وتجاهلاً لما مر به الشعب السوري من ويلات ونكبات قد تكون الأكثر إيلاماً في التاريخ الحديث.

موقف العالم وخاصة الدول العربية من الأزمة السورية التي بدأت في العام 2011 كان بهدف واضح ومحدد وهو حماية الشعب السوري، ودعم المعارضة السورية ومحاولة إيجاد بديل لقيادة المرحلة الجديدة في سوريا، ولعل السؤال الأهم اليوم، ما الذي تحقق من ذلك؟ وما هي النتائج التي وصلنا إليها بعد سنوات عشر أُعيدت فيها سوريا قرون إلى الوراء.

عشرات المؤتمرات الدولية التي عقدت ومليارات الدولارات تم ضخها، واستراتيجية العمل التي أتبعتها دول مختلفة، منها إقليمية وأخرى دولية، والنتائج التي لا يجادل فيها أحد كالتالي، نحو 500 ألف قتيل ومفقود منهم 12 ألف طفل قتيل، 55% من السوريين أجبروا على ترك منازلهم، 5.6 مليون لاجئ في دول الجوار والعالم، 6.7 مليون نازح داخل الأراضي السورية.

وإلى جانب المأساة التي حلت بالشعب السوري، فإن النتائج السياسية لم تقل فداحة، فالتدخلات الدولية والإقليمية في سوريا جعلت منها ساحة لحروب بالوكالة، ومنطقة صراع على النفوذ، ومقر لأشرس التنظيمات الإرهابية التي عاثت بالمنطقة والعالم فساداً، فضلاً عن ابتعاد سوريا عن المحور العربي.

بالمحصلة فإن الاستراتيجية التي اتبعها العالم في التعامل مع الأزمة السورية والقائمة على عزل النظام السوري بهدف أسقاطه، استراتيجية أدت إلى نتائج كارثية فالنظام اليوم راسخ وقادر على الاستمرار لفترة طويلة، والمعارضة معارضات فسيفسائية لا يعرف لها رأس، والتدخلات الخارجية تنخر عضد الدولة السورية، والاقتصاد مترنح، وفوق كل ذلك ملايين القتلى والمشردين وبلاد مدمرة، تحتاج إلى عقود لعودة الحياة فيها إلى طبيعتها.

التموضع والجمود في الموقف تجاه الأزمة السورية ومواصلة نفس الاستراتيجية القائمة على التدخل الخارجي لتغيير الوضع في سوريا أثبتت فشلها، والاستمرار في هذا الوضع لم يعُد مقبولاً فالخاسر الأول والأخير هو الشعب السوري، وهذا ما يستوجب أن يعيد العالم التفكير في الميكانيزمات الرامية لحل الأزمة ومساعدة السوريين وتخفيف معاناتهم الإنسانية.

العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أختصر النتائج خلال مقابلة له مع شبكة "CNN" الأمريكية، حيث أكد أن "الإبقاء على الوضع القائم، يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري"، وأن "الرئيس السوري باق لوقت طويل، وعلينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نريد تغييراً في النظام أم تغييراً في السلوك؟".

دولة الإمارات التي قام وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد بزيارة رسمية إلى دمشق الأسبوع الماضي، لديها رؤية قائمة مفادها أن استمرار الصراع لا يمكن التعايش معه، وأن عزل سوريا عربياً يعني بالضرورة ترك المساحات واسعة أمام التدخلات الخارجية، وأن التواجد العربي في الداخل السوري والحوار مع النظام هو الطريقة الأفضل لاستقرار سوريا ومساعدة الشعب السوري.

التفاعل الأردني والإماراتي المعلن والمصري غير المعلن حتى اللحظة مع الشأن السوري تفاعل قائم على أساس أن عشر سنوات من الأزمة والسير بتجاه واحد أدى إلى تعميق المأساة الإنسانية للشعب السوري، وتدهور الأوضاع بشكل لم يعُد يمكن القبول به، وإن الاستمرار في هذا الاتجاه يعني خسارة سوريا عربياً وإبقائها في دوائر النفوذ الإقليمي الأخرى.

حل الأزمة السورية لم يعُد ممكناً عبر التمسك باستراتيجية التغيير الخارجي، والواقع والشواهد كثيرة التي تثبت ذلك، والمنطق يؤكد أن الحوار مع النظام السوري وإعادته إلى المحور العربي هو السبيل الوحيد إذا ما كان الهدف الحقيقي هو مساعدة الشعب السوري، فبلا حوار مع النظام ومحاولة بناء التغيير من الداخل سيبقى النازح بلا أي مساعدة، وسيبقى اللاجئ في بلاد اللجوء يعاني الأمرين، وستبقى سوريا مدمرة بلا إعمار.

القفز على الحقائق ووصف الانفتاح العربي على النظام السوري بأوصاف عاطفية أمر لم يعُد مقبولاً، والإنسان السوري وتحديداً النازح واللاجئ هو من يدفع الثمن، وممارسة المثالية السياسية في الوقت الذي يعاني فيه شعب بأكمله من كارثة إنسانية فيها نوع من الأنانية المفرطة، والنتيجة واضحة للجميع فإما إعادة الاشتباك مع الأزمة من الداخل السوري، ومحاولة التأثير الإيجابي والتغيير الذي يضمن للسوريين حياة مستقرة، أو البقاء في ساحات التنظير الخارجية، ومواصلة المؤتمرات واللقاءات وإطلاق التصريحات دون فائدة.