والمقصود بالملقنين أولئك الذين تربوا في البيت والمدرسة والمجتمع على التلقين دون حرية حوار او نقاش او حتى سؤال، سواء حين يتم تلقينهم العادات والتقاليد الأسرية والمجتمعية أو حين تواجدهم في المدرسة لأجل التعلم حيث يتم حشو المعلومات في اذهانهم بطريقة التلقين ذي التوجه الواحد والرأي الواحد والتفسير الواحد بعيدا عن الفهم النابع من التفكر والتأمل والتمعناثناء القراءة التي تعوم فوق سطح الأشياء دون الغوص في اعماقها بحثاً عن الوجه الآخر للحقيقة.

والمُلَقَّنًُون، كائنات بشرية تنتمي للعصر الحديث بأجسادها دون عقولها كقطعان يسهل التحكم في توجيهها واستغلالها أسوأ استغلال وهي عقول تم تخزينها في مستودعات تحت سيطرة عقول أخرى تختار للقطيع ما يناسب عيشها مما يجعلها دائماً في صدام وصراع مع كل من يختلف مع ما تم حشوه في عقولهم القطعانية.

لذلك حيثما يتواجد الملقنون في المجالس الشعبية أو في منابر وسائل الاتصال الالكتروني التي اصبحت مؤثرة في عقول الناس بمختلف تنوعهم الفكري الايدلوجي، فان كل صاحب عقل تجاوز أزمة التلقين والأدلجة وآمن بالتنوع والتفرد والاختلاف المعرفي والحضاري، يلحظ مدى التخبط والتناقض والتوتر الذي يعانيه أولئك الملقنون عندما يأتون الى حوار ما في مجلس او مساحة تويترية لا لمجرد الاستفادة من الحوارات والنقاشات وانما لكي يقفون ضد اي فكر يخالف ما تم حشوه في عقولهم ذات الاتجاه الواحد خوفاً من ان تهتز قناعاتهم الهشة ومسلماتهم التي اصبحت تتآكل ليس بفعل نظرية كوجيتو ديكارت ولا بفعل ما تركته النظريات المعرفية لفلاسفة التنوير الغربي واليوناني وانما بفعل هذا الزخم التكنلوجي والمعلوماتي الحديث الذي احدث ثورة فكرية كبيرة في عقول المؤدلَجين والمُلَقَّنين وفضح الكثير من رموزهم الذين أُستغلوا ذات مرحلة غافية سذاجة القطعان التي ارخت رؤوسها لتلك الرموز الورقية ثم استيقظت القطعان فجأة من غفوتها لتجد كمَّاً كبيراً من المعلومات والافكار الفاسدة والمتخلفة والمناقضة لقوانين ونواميس الحياة والانسانية قد غُرست وما تزال في أعماق اذهانهم وعواطفهمفي زمن لا مجال لها فيه كي تبقى حية ولم يعد فيه شيء ينتمي للخرافة قابلاً للبقاء ولن يستطيع أي مؤدلَج أو ملقَّن الدفاع عن فكرته البائدة المخالفة للعقل والمنطق والفكر المستنير .

لقد استمعت وشاركت احياناً في حوارات بعض تلك المساحات وسخرت كثيراً من تلك العقول الملقنة والمؤدلجة بل واشفقت عليها كثيرا، وبعضها يحمل مسمى درجات اكاديمية عالية. حيث أجد بعضهم يريد ان يمارس احتكارا على عقول وآراء من يشاركونه المساحة التويترية التي تضج بمختلف العقول المستنيرة ويريد ان يرسم لها طريقة معينة في التفكير فيقول لهم وبدون معرفة بآرائهم وخاصة عندما يكون ضيف الحوار مفكراً مستنيراً او عالم فلسفة يملك افكاراً صادمة لعقول القطيع: لا يجب ان تستمعوا لما يقوله هذا المفكر في الجانب الفلاني، ثم يبدأ في استحضار الدين كمالك أوحد للحقيقة المطلقة ومفاتيح الجنة حسب ما تعلمه عن طريق الحشو والتلقين، لإقناع الحضور برأيه وكأنه ما يزال في عصر ما قبل ثورة التويتر والفيس بوك .. الخ.

والغريب أن هؤلاء المؤدلجين يتخاطبون مع عقول اكثر استنارة منهم ويعتقدون ان تلك العقول المستنيرة ينتمون الى القطعان القديمة.

ثم يقومون بأدلجة الحوار ومحاكمة نوايا الضيف التنويري وقِيَمه واسقاط ما في نفوسهم من توجسات وشكوك وعقد نفسية مزمنة وأفكار اجتماعية اقصائية على ذلك الضيف الذي أتى ليخرج عقولهم من الظلام الى النور فظنوه شيطاناً أتى ليسرق عقولهم التي لم تكن محشوة بغير الخرافة والجهل المقدس والكراهية.

والأكثر غرابة عندما يتحدث احدهم بيقين منقطع النظير عن صواب فكرته وخطأ فكرة الضيف المستنير دون ادراك لنسبية الصواب والخطأ وللفكرة التي تقول: أن العالم يشك والجاهل يؤكد .

لكن ما تحدثه منابر مساحات التويتر من إثراء للعقول بما فيها تلك العقول التي خضعت للتلقين عقوداً طويلة كفيل باحداث زلازل متتالية في تلك الأذهان التي ظلمها الزمن وتمت أدلجتها بما يجعلها متوجسة ورافضة وكارهة لكل شيء يخالف ما تم حشوه في عقولها بل وفي وجدانها الذي تشوه كثيرا وفقد النظرة الجمالية للأشياء الجميلة.. والأفكار الجميلة: المنبثقة من عقول مستنيرة ضحت بالكثير من اعمارها للتزود بالمعرفة الحقيقية التي لا تشبه معرفة اولئك الملقنون الحاملون لشهادات أكاديمية عالية المسميات وفارغة المحتويات لأنها لا تحوي علماً ولا فكراً ولا معرفة.

بل ان تلك العقول الملقنة تظل كارهة ورافضة لكل شيء جديد وجميل وعميق حتى وهي تستخدموتذوب عشقاً في احدث ما انتجه العقل الذي يبغضونه ويحذرون منه!!

سالم اليامي [email protected]