تُعرف الثقافة بأنها طريقة للحياة لدى مجتمع معين، وهي دائما رمزية تكتسب بالتعلم وتشكّل مظاهر للمجتمع الإنساني، حيث يتم تقاسمها ومشاركتها بين أفراد المجتمع. والثقافة عند كرويبر وكلاكهون هي محصلة أو نتاج، كما أن لها مضمونا تاريخيا، وتشتمل في نفس الوقت على الأفكار والقيم والنماذج. إلى جانب تميزها بصفة الاختيار والانتقاء، كما أنها تتميز بصفة الاكتساب، وترتكز بصورة أساسية على الرموز والتجريد للسلوك الإنساني. وبهذا يشكّل مفهوم الثقافة في حد ذاته أحد الأفكار الرئيسية التي ساعدت البشرية على تحقيق الكثير من جوانب التقدم والتطور والرقي الاجتماعي كما يقول مجدي حميدة. فهناك أربع معاني رئيسية لمصطلح الثقافة كما يميزها كريستوفر جينز:
1. الثقافة ينظر إليها أحيانا كحالة للفكر.
2. الثقافة شديدة الارتباط بفكرة الحضارة حيث تكون بعض المجتمعات أكثر ثقافة وحضارة من المجتمعات الأخرى. وهذه النظرة تعبّر عن أفكار نجدها عند أمثال هربرت سبنسر.
3. الثقافة كإطار جماعي للفنون والأعمال الذهنية لدى أي مجتمع منفرد، وهي توجد في المسارح وفي قاعات الاحتفالات وصالات اللوحات الفنية الجميلة والمكتبات العامة بدلا من الامتداد إلى كل مظاهر الحياة الاجتماعية للإنسان. وبهذا المعنى يطلق على الثقافة أحيانا بالثقافة العليا.
4. الثقافة أسلوب كامل في حياة الناس. وهذا التعريف جرى اعتماده من قبل رالف لنتون.

وإذا تكلمنا عن أنواعها بالأخص فإن: النوع الأول وهو الثقافة العالية عادة تستعمل لتشير إلى المعطيات الثقافية ذات الخصوصية المتميزة بدرجة عالية من الرقي، وهي على مستوى أعلى من الإبداع الإنساني. فالأعمال الفنية ذات الحضور المستمر تعدُ مثالا على الثقافة العالية. أما النوع الثاني فهو ثقافة العامة وتشير إلى ثقافة الناس العاديين وخاصة أولئك الذين يعيشون في مجتمعات ما قبل الصناعة؛ وتوصف كونها لا تصلح أن تكون فنا رغم أنها تحترم وتقبل كثقافة أصيلة وليست مفتعلة. والنوع الثالث ثقافة الجماهير، وهي إفراز للمجتمعات الصناعية، وهي بالضرورة إفراز للإعلام الواسع، مثال الّأفلام ذات الطابع الشعبي والمسلسلات التلفزيونية المحلية، وتستهلك فقط من الأفراد الذين يتحولون إلى متفرجين سلبيين في المجتمع. والنوع الرابع هو الثقافة الشعبية وتتضمن أي منتج ثقافي ينال إعجاب الناس العاديين ودون أن يستهدف إنتاج خبرات ثقافية. والنوع الخامس هو الثقافة الفئوية يشير إلى مجموعة من الناس تشترك مع بعضها في مسألة ما. وحسب كل هذه التعريفات فإن المجتمع الجزائري يشمل ثقافته نوعين أو ثلاث.

أما مفردة التنمية فقد أثيرت على نحو إجمالي، منذ منتصف القرن العشرين، وعلى نحو تفصيلي، منذ أواسط القرن العشرين بحسب المفكر إدوارد سعيد، فهي فليست سوى التعبير الاقتصادي والنظري.

وهي تعني تحقيق أحسن الظروف الإنسانية للفرد داخل المجتمع، والمفهوم اقتصادي محض قبل أن يكون مفهوما سياسيا أو اجتماعيا أو فكريا أو ثقافيا. فهو المتفق عليه بين علماء الاجتماع والاقتصاد بالخصوص.

وانطلاقا من هذه التعريفات المتعددة للثقافة يتبدى لنا تداخل الثقافة مع التنمية، بعدما أبعدت زمنا عن المجالات المختلفة، وغفلت عنها الحكومات والأنظمة، إلا أن اتضحت أهمية تحققها واقعا، وما يمكن أن تنجزه على صعيد المجتمع.

لذلك فإن أهمية الثقافة تتجسد في تقديم المشترك والتوعية للأفراد في شتى المجالات، ولأن لها علاقة بكل من الدين والسياسة والإعلام والتعليم والاقتصاد وغيره من مجالات الحياة الأخرى، والتي تمكّن الشعوب من التقدم وإحراز التطور على مستويات عدة، وبهذا المنطق، ومن هذا المنطلق فإنه يمكن القول بأن الجزائر عملت على إقامة محاولة تنمية ثقافية، في حدود إمكاناتها ولم تحقق النجاح المرجو لعدة أسباب أهمها تنافر النخب وخلافهم الدائم على مستوى القمة، إضافة إلى العراقيل الكبيرة التي واجهتها، وعلى رأسها الفساد السياسي والإداري أجهز على الميزانيات الكبيرة للمشاريع؛ والتي خصصتها الدولة للثقافة في سيبل خدمتها للتنمية وبخاصة الصناعة الإعلامية، ومشاريع المسرحة، وقاعات السينما، ومشاريع السمعي البصري من أفلام وتظاهرات، ومعارض دولية ووطنية. لذا فإن كان هناك من إسقاط لإستراتيجية الدولة فالجهة التي تُعاب هي جهة الوزارة والمُسيرين من الحكومة وكوادرها؛ الذين خانوا الأمانة الثقافية، وهضموا الحقوق وتلاعبوا بالمال العام. لذا فلا يمكن نسب الفشل للدولة التي وقفت على ذلك لأجل إظهار وجهها الحسن بين الدول. لقد منحت الدولة مشاريع صناعة الكتاب وتدعيمه وطبعه، ومساعدة الكُتاب على إيصال أفكارهم إلى الآخرين، لتوعيتهم ذهنيا ووجدانيا وحركيا، من أجل التحكم في الأزمات وتسييرها بكفاءة. فأين ذهبت كل تلك الميزانيات؟ إنه لا يمكن القضاء على الظواهر الاجتماعية من تخلف وفقر وجوع وبطالة وأمية إلا بالالتزام بوظائف الثقافة التي أسهبنا في تعريفها. إلا أن الكثير من المشاريع باتت حبيسة الأدراج والمكاتب، وصرفت الأموال الطائلة في مشاريع واهية ووهمية، لم تساهم في تحريك الواقع الجزائري نحو الايجابية والفكر والإبداع. إن المشكل ليس في وجود إستراتيجية من عدمها، إنما في تطبيقها على أرض الواقع، فإن الإستراتيجية موجودة كما باقي استراتيجيات المجالات الأخرى، لكن ما يغيب هو روحها.

فكثير من الدول وظّفت تراثها الثقافي ورأت فيه استثمارا اقتصاديا بديلا "من الحرف اليدوية، والسينما، والموسيقى والمنتجات الإبداعية الأخرى، والمعالم الأثرية القديمة الخالدة" فحققت من خلاله عوائد ومداخيل مالية كبيرة، إذ تنبهت هذه الدول إلى الأهمية الكبيرة التي يكتسيها هذا المجال الحيوي الذي رُبط بالاقتصاد، وأخذ مفهوم "الاقتصاد الثقافي"؛ إذ تداخل كذلك مع السياحة الدينية لارتباطها بالموروث الثقافي. لقد أصبح قطاع الثقافة يمثل موردا هاما واستراتيجيا لتطوير الأنشطة الإنتاجية في السوق الدولية. لذلك فالفرق بين الجزائر وهذه الدول أن الثقافة في الجزائر ينظر إليها كنقيصة، وكموضوع للترفيه، وهي بذلك صارت عالة على الخزينة لأن الوزارة والحكومة فشلت في شرح أهميتها وخطورتها للأفراد، وفي خلق فرص شغل فعلية، وفي خلق مؤسسات صغيرة، ومتوسطة حقيقية، وتنميتها لكثير الاختصاصات التي تشملهم الثقافة. فشل الاعتناء بالمثقف كرأسمال.