الحقيقة التي لا يجادل فيها أحد مفادها أن المنطقة باقية بكياناتها السياسية، ولن يحدث فيها أي تغيير يعيد تشكيل جغرافيتها، فالعالم تجاوز منذ زمن بعيد مرحلة ابتلاع الدول لبعضها البعض.

هذه الحقيقة تعني بالضرورة أن دول الخليج والدول الإقليمية الأخرى وخاصة إيران وتركيا عليها أن تتعامل مع واقع الجغرافيا وأن المصير المشترك لهذه المنطقة ليس خياراً متاحاً بل واقع على الجميع العمل ضمن سياقاته.

البقاء في مرحلة الصراع والتوتر المستمر بين دول المنطقة لم يعُد أمراً يمكن التعايش معه في ظل المتغيرات السياسية الدولية، وما أفرزته تداعيات جائحة كورونا التي أثبتت للجميع أن أي دولة ومهما كانت قوتها لن تستطيع الازدهار والتقدم إلا من خلال علاقاتها وشراكاتها مع مختلف دول العالم وخاصة جيرانها.

ضمن هذا الإطار يمكن قراءة الحراك الذي تقوده دولة الإمارات العربية بهدف فتح قنوات حوار تفضي في مجملها إلى البدء بحوار إقليمي واسع يشمل كافة دول المنطقة، في مسعى للتخفيف من حدة التوترات الإقليمية وتعزيز فرص الاستقرار والازدهار.

المنطق السياسي يقول إن الشواغل والاختلافات بين دول المنطقة خاصة مع إيران خلافات عميقة تتعلق بالأمن الإقليمي والاستقرار والتدخلات في الشؤون الداخلية للدول، وهذه قضايا ليست من البساطة بحيث يتم حلها بسهولة، إلا أن البدء بحوار مباشر بين طهران ودول المنطقة سيؤدي حتماً إلى التخفيف من التوترات وإبقائها ضمن حدود يمكن التعامل معها، وضمان عدم دخولها مربعات لا يمكن التنبؤ بنتائجها على المنطقة ككل.

المنطقة دخلت حوارات عديدة قادتها قوى دولية وهذه الحوارات أثبتت فشلها في حلحلة العقد الكثيرة التي تميز العلاقات الإقليمية البينية، ومن هنا فإن الحوار المباشر على قاعدة أن الجغرافيا تفرض على جميع الأطراف المصير المشترك، وبالتالي ضرورة الجلوس معاً للحوار والتفاهم حول المستقبل كون مواصلة حالة التوتر والصراع لن يدفع ثمنها سوى دول المنطقة ذاتها.

المبادرة التي تقودها الإمارات بالانفتاح على كافة دول المنطقة وفي مقدمتها إيران وتركيا مبادرة تسعى إلى الحوار والنقاش والتركيز على المصالح المشتركة، ومن ثم الدخول إلى مرحلة بناء الثقة، وهذه المرحلة هي التي سيتم فيها فتح كافة الملفات للحوار والتفاوض للتوصل إلى تفاهم إقليمي شامل يُخرج المنطقة من حالة اللاستقرار التي تعاني منها منذ عقود.

البعض قد يرى في الحديث عن انفتاح إقليمي نوع من الأحلام الوردية غير القابلة للتحقيق في ظل الاختلافات الجوهرية والمشاكل العميقة التي تضرب جذور التواصل والتعاون، ولكن لماذا لا ننتظر ونجرب الانفتاح والحوار المباشر بما أن المنطقة جربت كثيراً من الحوارات التي قادتها الدول الكبرى ولم تسفر عن شيء، فلعل النتيجة تكون استقرار المنطقة وازدهاراها على قاعدة "أهل مكة أدرى بشعابها"، فكما جربنا البدائل الأخرى فلنجرب العقلانية والاتزان.