رغم الاهتمام الكبير بالإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سيعد إلا أن الرجل لم يأتِ بجديد، فما يفعله بكل بساطة هو تطبيق للبرنامج الانتخابي الذي أعلنه إبان الانتخابات الرئاسية، وقناعاته التي لم يخفيها يوماً منذ إصدار دستور 2014.

في مقابلة صحفية العام 2019 قال "الأستاذ" إن حملته الانتخابية تستند إلى مشروع قام بطرحه في سنة 2011 تحت عنوان "من أجل تأسيس جديد" واعتبر أن القضية في التأسيس وضرورة أن يكون هناك فكر سياسي جديد يترجمه نص دستوري بالفعل جديد.

"الرئيس الفصيح" لم يكُن يوماً مع دستور 2014 ووصفه بأنه ليس أكثر من تفصيل على مقاس عدة أطراف فيما دستور 1959 فُصل على مقاس طرف واحد، لذلك فإن ما يقوم به من إجراءات للوصول إلى تعديل الدستور ما هو إلا تنفيذ حرفي لما كان ينطق به ليلاً ونهاراً في جميع مقابلاته وتصريحاته وقبل أن يُفكر برئاسة تونس.

البعض رأى في خبرة الرئيس السياسية المتواضعة وعدم وجود حاضنة حزبية له نقاط ضعف تُسهل السيطرة عليه، إلا أن "الأستاذ" استغل ذلك للعمل بشكل تدريجي على تثبيت أقدامه شعبياً والضرب المنظم والتدريجي لقواعد اللعبة السياسية وصولاً إلى المرحلة التي كان فيها قادراً على إظهار وجه "الداهية" والانقلاب على كل المشهد السياسي وخاصة الطرف الأقوى "حزب النهضة".

خطوات الرئيس التونسي ومنذ يومه الأول في قصر قرطاج كانت تسير باتجاه واحد وهو تعديل الدستور وتغيير آلية الانتخابات، ويبدو أنه حصل على دعم من جهة ما، فليس من المعقول أن هذا السيناريو المحبوك وإضعاف الخصوم بهذا الشكل قد تم بيد الرئيس وحده، فلا بد من يد أخرى قد ساعدته على التصفيق، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون هذه اليد خارجية فلربما تكون اليد الداخلية أقوى وأكثر تأثيراً.

"داهية تونس" الجديد قرأ المشهد جيداً فالشعب التونسي الذي ثار على حكم زين العابدين بن علي لم يجد في الأحزاب سوى تكتلات تتصارع من أجل مصالحها ونفوذها، دون أي تحسن في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فالثورة لم تسفر عن أي تحسن ملموس يشعر به المواطن العادي، فما يريده الشعب ليس تغييراً سياسياً بقدر ما يريد تحسناً لأوضاعه المعيشية.

الرئيس التونسي بدأ يتلمس طريقه من الشارع التونسي الرافض لكل ما جاء بعد 2014، ليركب موجة الرفض التي أوصلته إلى قصر قرطاج، وما زال يواصل ركوبها لتغيير شكل النظام السياسي التونسي، دون أي مواجهة شعبية، وفي ظل حالة من الوهن والضعف تضرب قواعد كافة الأحزاب التونسية، ويبدو أن قيس سعيد قطع شوطاً طويلاً تجاه إعادة النظام الرئاسي إلى تونس وبصلاحيات تنفيذيه شاملة للرئيس.

باختصار ما قام به قيس سعيد ليس أكثر من تنفيذ لما تحدث عنه قبل عشر سنوات، ليثبت للجميع بأن فصاحته ليست ثرثرة لغوية بل كانت تخفي ما هو أعمق فالأستاذ الفصيح لقن السياسيين درساً في فنون اللعب على الحبال المشدودة.