تحقيق في مشاريع شوّهت تضاريس المدينة:
بعد ان لقي 12 شخصاً مصرعهم، أضافة إلى وقوع أضرار مادية كبيرة لحقت بممتلكات المواطنين اثر الفيضانات والسيول الجارفة التي تركزت في مناطق جنوب شرق أربيل ولا سيما منطقة قوشتبة ودارتوو وبعض مناطق سكنية أخرى بمحيط المدينة المنكوبة قبل يومين، أدلى رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني تصريحاً بعد أن ترأس اجتماعاً استثنائياً مع عدد من الوزراء ومحافظ أربيل والمسؤولين الإداريين بمبنى المحافظة قبل يومين.

وفي تصريحه للصحفيين، قال بارزاني : "بعد أن عقدنا اجتماعات مع مسؤولين في مبنى محافظة أربيل، أخبروني أن ممرات تصريف المياه تم اغلاقها في السنوات السابقة، بسبب الاهمال بالجانب التقني، ما ادى لحدوث انسداد بهذه الممرات، وهذا ما قد يؤدي الى حصول كوارث على غرار ما حصل في اربيل. وعليه شكلنا لجنة خاصة للتحقيق في أسباب الفيضانات وتحديد المقصرين إزاء إغلاق مجرى تصريف مياه الأمطار"!

يا للهول.. احتاج الأمر لعقدين بل اكثر من الفشل والتراجع في جميع المجالات حتى اقتنع الرئيس بما حذرناهم منه منذ عشرات السنين حول خطورة التغيرات العشوائية وغير المدروسة التي حصلت على مدينة اربيل المغدورة.

نعم ..اخيراً اقتنع بارزاني بما كنا نقول ونحذر ونصرخ في مقالاتنا السابقة والتي اشرنا فيها بمسؤولية اخلاقية ومهنية ووطنية وانسانية إلى خطورة التغيرات التي حصلت وسوف تحصل لاحقاً على مخافظة اربيل وخاصة بعد تنفيذ الخطوات الاولية من مشروع الـ (ماستر بلان لتصميم الاساسي الجديد لتجديد مدينة اربيل كما يزعمون). كما حذرنا الحكومة من خطورة عدم التزام الجهات المعنية بـ (نظام تسجيل وتصنيف وتحديد درجات المقاولين فى إقليم كوردستان ـ رقم 1 لسنة 2007 الصادر عن مجلس الوزراء)(1) وبقانون الاستثمار في الإقليم الذي اغرى العشرات من الشركات المحلية والاجنبية والإقليمية والعربية للقدوم الى الإقليم واستثمار رؤوس اموالها في كثير من المشاريع ولا سيما العمرانية منها، بالرغم من غياب نظام مصرفي جيد وأنظمة تأمين فاعلة.

كتبنا عن خطورة الفوضى العمراني وبناء مشاريع عمرانية "مشاريع الإسكان الجديدة" بالقرب وعلى الوديان المحيطة بالمحافظة والتي اصبحت عائقا امام مسارات السيول الموجودة منذ مئات السنين في المنطقة.

حذرنا الجهات المعنية من خطورة بناء مجمعات سكنية وقرى (عصرية) ضخمة دون دراسة وتخطيط مسبق وغير المدروس. حذرنا وقلنا اوقفوا تشويه تضاريس المدينة القديمة التي يعود تاريخها لآلاف السنين، وتغيير مجاري المياه ومخارج السيول فيها.

قلنا مراراً وتكراراً: ان بدون دراسة جدية ومهنية لجعرافية محافظة اربيل، وعدم الالتزام بالمبادئ الاولية للتخطيط الحضري والاقليمي ستكون اربيل واهلها ضحية جشع المقاولين واهمال حكومتها الرشيدة والرشيقة.

كتبنا وكتبنا وكتبنا ولكن دون جدوى، ذهبت مقالاتنا وكتاباتنا وتحذيراتنا سراباً هباء. وفي الاخير وبعد وقوع كوارث متتالية بدأ الرئيس بالخروج من الصدمة وإستعادة الوعي، وكسر جدار الصمت واقتنع بصحة ما قلناه لهم قبل عشر سنوات من الآن!

عندما لا يُطبَّق القانون:
ان كارثة الفيضانات والسيول الجارفة التي تضرب أربيل بين فينة واخرى ليست فقط نتيجة الأمطار الغزيرة فحسب، إذ ثمة عوامل أخرى فاقمت من حدة محنة مدينة اربيل واهلها، الذين فقدوا اعزائهم غرقاً وغرقت منازلهم نتيجة الاهمال الحكومي وجشع الشركات الاستثمارية، حيث تشير التقارير إلى وجود شبهات فساد كبيرة في عدد من المشروعات العمرانية التي أقيمت في حدود محافظة اربيل خلال العقدين الماضيين، وخاصة بعد ان شهدت محافطة اربيل وضواحيها تنفيذ عدد كبير من المشاريع السكنية، الأمر الذي كان على حساب جزء كبير من المجرى والوديان المحيطة بالمحافظة والتي اصبحت عائقا امام مسارات السيول الموجودة منذ مئات السنين في المنطقة.

ويرى مراقبون إن الأضرار والخسائر البشرية والمادية التي تكبدها سكان الأحياء الفقيرة في محافظة اربيل هي بسبب الأخطاء الكارثية والمتمثلة في منح تراخيص بناء استثماري دون مراعاة للآثار المحتملة على حياة وممتلكات الناس.

ويرون أن هذه الأخطاء تتطلب من الحكومة الحالية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كل من شارك في ارتكاب هذه الجريمة ولم تراعي الوضع الهندسي والجغرافي للمناطق الفقيرة التي دفعت الثمن غالياً.

إن من الطبيعي إقامة مشروعات عمرانية وسياحية في أي مكان في العالم، لكن الشيء غير الطبيعي هو الطريقة غير المسؤولة التي اتبعت في إقامة تلك المشاريع الاستثمارية في محافظة اربيل تحديداً خلال السنوات الماضية.

ان فيضانات اربيل الاخيرة كشفت حقيقة مفادها: ان الحكومة لاتستطيع التستّر بورق التوت لإخفاء عورات اخفاقاتها وتراجعاتها وانتكاساتها لا اليوم ولا غداً ولا في المستقبل.

اخيراً اقول:

مؤلم حد النُّخاع عندما نكتشف أنّنا كنا نرسم ملامح مستقبل وطننا لشخص أعمى، ونصرخ وننتقد من اجل الاصلاح والبناء الحقيقي لشخص أصم، ونكتب معاناة شعبنا المستمرة لشخص لا يُجيد القراءة!

نعم .. مؤلم حد النُّخاع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) مديرية تصنيف المقاولين تابعة للمديرية العامة للادارة و المالية في ديوان وزارة التخطيط، تأسست بعد توحيد أعمال التصنيف في ادارتي السليمانية وأربيل في ظل الكابينة الخامسة لحكومة اقليم كوردستان، تقوم هذه المديرية باجراءات أعمال تصنيف الشركات والمقاولين في اقليم كوردستان وفق نظام تسجيل وتصنيف وتحديد درجات المقاولين فى اقليم كوردستان رقم 1 لسنة 2007 الصادر عن مجلس الوزراء. وللاطلاع على نظام تسجيل و تصنيف و تحديد درجات المقاولين فى إقليم كوردستان، وتعلیمات و قرارات وخطط وزارة التخطيط لتطوير والتنممية والتخطيط للاستثمارات الحكومية اضغط هنا.