تشهد الساحة السياسية الأردنية حركة نشطة تجاه تأسيس أحزاب جديدة تضاف إلى قائمة الخمسين حزب المسجلة في الأردن، وذلك في سباق محموم نحو الاستفادة من مرحلة تحديث المنظومة السياسية، والفوز بمقاعد مجلس النواب المقبل التي سيتم تخصيصها للأحزاب.

الإعلانات المتواترة عن نية بعض الشخصيات والنخب الدخول إلى معترك العمل الحزبي سترفع عدد الأحزاب إلى ما يزيد عن السبعين حزباً سياسياً في حال وصلت النوايا إلى مراحلها النهائية، في حالة أشبه بــ "الهجوم" على مقاعد قبة العبدلي دون الدخول في حسابات الشعبية والعشائرية والأوزان السياسية للمرشحين في حال الترشح المباشر في الدوائر الانتخابية لمخصصة لمحافظات المملكة.

ما يحدث في الأردن أقرب إلى الفوضى في تناقض صريح لطبيعة الأحزاب القائمة على التنظيم، فالحزب في جوهره بعيد كل البعد عن مجرد اجتماع مجموعة من الأشخاص وفق إطار تنظيمي، بل هو نظرية وتنظيم وممارسة، فالهدف الرئيسي الذي يسعى إليه الحزب هو الوصول إلى السلطة وممارستها وفق برنامج مُعلن لتوجهاته إزاء القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مرحلة مخاض تأسيس الأحزاب والعصف الذهني لوضع المبادئ التأسيسية وحشد المؤيدين لها، وما يتبع ذلك من تحديد البرامج العملية ليست بتلك البساطة التي نراها على الساحة الحزبية في الأردن، فالآليات والسرعة في تأسيس الأحزاب تشير إلى أن الموضوع مجرد ائتلاف مجموعة من الأشخاص بهدف مصلحي متمثل في الحصول على مقعد نيابي.

السرعة أو التسرع في تأسيس الأحزاب يرافقها محاولة بعض النواب والأعيان والوزراء السابقين وشخصيات عشائرية إعادة انتاج تموضعهم عبر بوابة العمل الحزبي، وهذا ما قد يشكل تحدٍ مهم للتجربة الحزبية باعتبار أن الرأي العام قد لا يرى في هذه الأحزاب أكثر من أحزاب رسمية تتزعمها شخصيات نخبوية مارست العمل العام لعقود سابقة.

ويضاف إلى مشكلتي السرعة وإعادة انتاج نخبة مشكلة احجام النخب المجتمعية المعروفة عن الدخول إلى معترك العمل الحزبي والخروج بأطر تنظيمية ممثلة للشارع تعكس توجهاته وواقعه المعاش بحجة أن الأمر لا يعد كونه تجميل حكومي بعيد عن القناعة بأهمية الأحزاب، وهذه النخب فعلياً تمارس الشد العكسي، فما عليها سوى التجربة لإثبات جدية التغيير وعدم الاكتفاء بتوقعات مبنية على تجارب سابقة.

الإشكاليات الثلاث السابقة تمثل في مجموعها إجهاض فعلي للتجربة، وستفرز فسيفساء برلمانية حزبية خالية من الدسم، فليس المطلوب وجود ممثل أو أثنين عن كل حزب، فهذا تهميش واضح للأحزاب وقدرتها في التأثير على توجهات البرلمان والحكومة، وفي ذات الوقت إفساح المجال أمام الأحزاب المحسوبة على النخبة الرسمية أو الأحزاب العقائدية للاستئثار بحصة الأسد من مقاعد الأحزاب، مما يعني بالضرورة تكرار للمشهد الحالي بصيغة مختلفة، وكأن الأمر أقرب إلى حالة تجميل خارجي منه تغيير في بنية العمل البرلماني الأردني.

تحميل الحكومة أو بعض أجهزة الدولة الأردنية وزر هذه الإشكاليات ليس في محله، فهذه الإشكاليات في الأساس نتاج مشترك لعقليات مجتمعية تريد الفوز بغنائم تحديث المنظومة السياسية وعقليات متشبثة بالبقاء في زاوية الرفض والانتقاد دون التجربة لتبيان جدية الدولة في توجهها نحو تمكين وتطوير العمل الحزبي إلى جانب عقليات "الفزعة" التي لا تنفع ولا تضر بل لا تزيد كونها عن فقاعات لن تؤثر فعلياً في المسار الحزبي المطلوب.

بالمحصلة فإن ما يجري على الساحة السياسية الأردنية فيه نوع من الخذلان للشارع، فلطالما تجربة التمكين الحزبي تحظى بدعم الدولة عبر التشريعات التي تشجع وتحمي الأحزاب والحزبيين مع توفر دعم من أعلى هرم السلطة فلا بد من خوض غمار التجربة والابتعاد عن التوقعات السلبية وترك الساحة لمن لا يرى في التجربة سوى مغنم أو لمن ليس لديهم أي برنامج أو فكر واضح.