انقسم التاريخ البشري الحديث الى عصور بدأت بالزراعة والرعي واختراع العجلة اولا، عصور الفراعنة وبابل وسومر التي قامت علي ضفاف انهار هي النيل والفرات ودجلة.

ثم جاء عصر الصناعة الذي دخلته أوربا بعد الثورة الفرنسية واختراع آلة البخار وازدهار الفن والنحث كشواهد لذلك لوحة المونوليزا المعروصة في متحف اللوفر باريس الىوم .. وازدهر الفكر السياسي على يد جان جاك روسو.. وغيره ثم جاء اختراع السفينة ومركبة الفضاء وحدثت خلخلة في النسيج الاجتماعي وتفكك روابط القبيلة والأسرة الكبيرة والتحول من العقل الجمعي الى الفردانية وتأسيس مشروع الحداثة...

نشأت الديمقراطية تزامنا مع العصر الصناعي وامتدت الى عصر المعلومات و الخدمات و الاستنساخ.. ليصل العالم الىوم الى ما سوف يطلق عليه عصر الحكمة.

كل ذلك نتاج ثورة العقل.. فمجرد دخول الإنسان الى عصر الصناعة هاجر الإنسان من المزرعة تاركا الإقطاعية وحيدة بعد أن استعبدته لعقود متحالفة مع الكنيسة، فالاقطاعي كان يملك الأرض وما عليها من بشر وحجر و زرع.. لتأتي ثورة يقودها العقل يدخل بها الإنسان عصر الصناعة منتقلا الى المدينة ليمارس العمل في ورشة حدادة و يسكن مع زملاء المصنع من مدن مختلفة ليتكون المقهى وحديث التنوع وتتشكل الثقافة الجديدة والمرحلة الاجتماعية فتحول الإنسان من الإقطاع ومن الثقافة الساكنة ويدخل مجتمع المدينة مجتمع المخاطرة الذي عبر عنه المفكر الألماني اولريش بيك.

يتدخل العقل من جديد في عصر الانترنت ليخرج الإنسان من سلطة و قمع الدولة البوليسية ليحيا في عالم افتراضي وعولمة تخاطب الجموع مباشرة دون رقيب، من خلال الإنترنيت ومواقع (السوشيل ميديا) التواصل الاجتماعي محققا ثورة.. دخلت على إثرها البشرية عصر الحداثة المتأخرة كما يسميها عالم الاجتماعي البريطاني انتوني جوندز والتي سمتها التغير السريع الذي لا يمكن ظبطه والارتباط بالتقنية. كل ذلك واكبه خلخلة المجتمع و الدولة الساكنة لتصبح في حالة سيولة و تكتسب لأول مرة تلك الشعوب حريتها لدرجة الفوضى .. وتتخلص من حكم ديكتاتوري لكنها تصتدم بغياب نموذج سياسي يتماشى مع ثقافتها وهويتها فهي لم تدخل العصر الصناعي اصلا..

بل جاء النفط ليحقق نموا بدلا من التنمية و ليؤسس لثقافة استهلاكية تجعل البدوي يركب سيارته الألمانية و يتعامل معها كتعامله مع الجمل أو الحصان ، لقد دخل البدوي عصرا غير عصره متسلحا بثروة هائلة حققه له اكتشاف النفط ... و لم ينتقل بالتوازي الى مجتمع الحداثة الا من خلال المظهر و الديكور فاصبح كمن يلبس معطف الفرو في الصحراء الكبري . لقد بدأ غريبا ومتناقضا الى درجة ان يلبس ديكور الحقبة التاريخة للاسلام دون ان يكون مسلما حقا يحب لنفسه ما يحب لاخيه .. بل اصبح مقاتلا لكل من يختلف معه في فهمه هو وليس في الدين نفسه.. منصبا نفسه وكيلا أرضيا للدين السماوي ..

وبالبرغم من انتشار العلم و التقنية ولكن لم يواكبها وعي بقيمها و أساسها النظري فأصبحت مادة استهلاكية غير متجدرة في ثقافتنا بل نمارس في أحيان الاستعلاء عليها و على من انتجها .

اما النموذج الاخر فقد ظهر منسلخا من ماضيه معاديا له و محاولا الانتقام منه و منبطحا امام ثقافة الغرب و منبطحا لها منتقدا لكل ما هو اصيل في ثقافته و حياته.

نموذجان يمثلان تطرف و ليس وعي بطبيعة الأشياء وظروفها والعوامل المؤثرة في محيطها. والى ان نصل الى مشروع حضاري سياسي واجتماعي واقتصادي اساسه الثقافة الوسطية ويقوم على قيم العمل والجمال ويؤسس لثورة في العقل و الوعى ويشارك العالم القيم الإنسانية المشتركة سنستمر على هامش التاريخ المعاصر والتشظي الى حين .