يقولون ان الشياطين تسكن في التفاصيل، وقثد اثبتت احداث بدايات القرن الماضي ان تلك الشياطين صنعت مجموعة اشكاليات في قلب الشرق الأوسط على انقاض الدولة العثمانية، لتتركها للاستثمار في المستقبل لا لسواد عيون شعوب المنطقة، بل لمصالح اقتصادية وسياسية طويلة الأمد ترتزق منها تلك الشياطين وسدنة ممالكها ودولها من حروب وصراعات أشار اليها احد الدبلوماسيين الامريكيين في حفل توقيع اتفاقية لوزان 1923م حينما قال للموقعين انكم توقعون على بحور من الدماء بين شعوب هذه الكيانات والدول!

تلك الاتفاقية التي انتجت ممالك وإمارات وجمهوريات وملوك وأمراء ورؤساء قادة ليس لهم مثيل إلا في صفائح بريطانيا وشركائها الذين يكتنزون أسرار العالم وحكوماته، وفي خضم صناعة تلك الدول تم ادغام فلسطين وكردستان في كيانات سياسية مصنعة من ركام المؤامرات والمصالح الدولية، لتفرض واقعا في فلسطين تحول فيما بعد مصنع لأنتاج حروب التحرير التي شنتها الأنظمة السياسية حفاظا على بقائها في السلطة المحمية باجهزة الدعاية ووسائل الاعلام وأئمة المنابر وما فعلته بملايين البشر بتخديرها وتسطيح عقولها بالإثارة والتهييج والعبث بمفاتيح الغرائز وتسييس الأديان وإشاعة فكرة الجهاد لمقاتلة الكفار، وإلغاء العقل والحكمة في حل الإشكال، كل ذلك لا لشيء إلا لأبعاد طوابير الجياع والمحرومين وإلغاء الآخرين وقمع المعارضين واحتكار المال والسياسة والدين، وكذا الحال في كردستان التي قسموها على أربعة كيانات، حاولت تلك الدول اذابة شعبها في كياناتها القومية تعريبا وتتريكا وتفريسا، وكما لملموا اليهود من كل اصقاع الدنيا فعلت تلك الكيانات في كردستان تارة بحرب ابادة واخرى بتهجير وثالثة باذابتهم في قومية تلك البلدان.

واليوم وبعد أكثر من سبعين عاما على ضياع فلسطين التي ما تزال راقصة بلا جسد، تنتهكها المزايدات وأعراف الملالي وسلاطين الظلام وعقود من تهميش العقل واغتيال الحكمة والحكماء ومسخ المواطنة واعتماد العواطف والغرائز ونوازع الشر والحرب لادامة كرسي الحكم، اليوم وبعد ما يقرب من أربعين عاما على توقيع اتفاقيات السلام والإعتراف المتبادل بينها وبين كل من مصر والأردن وفلسطين وانتشار سفاراتها وقنصلياتها من موريتانيا حتى المنامة، وامتداد مصالحها التجارية والسياحية والصناعية والإستخبارية من الرباط إلى طرابلس الغرب وتونس وصولا إلى سوريا ولبنان والخليج، وجولات حزب الله وحماس وفتح وبقية المنظمات المكوكية معها في تل أبيب أو على الحدود سواء للمصالح الحياتية للسكان أو لمستقبل الوطن الذي تأخر قيامه بمزايدات الإعلام البائس وخطاب المزايدات وعنترياته الفارغة، ورغم ذلك ما تزال شماعة اسرئيل اهم اسلحة الدول الراديكالية والاحزاب الشمولية في الشعارات والمزايدات الساذجة والبلهاء عن العلاقات مع إسرائيل التي اصبحت تهمة بائسة لكل من يفضح نظامهم المتخلف وعقليتهم الجوفاء التي أوصلت شعوبهم إلى هذا المنحدر الخطير من التقهقر والضياع.

ازاء هذا الكم الهائل من استغفال الرأي العام يتساءل المرء هل كان زعماء مصر وهم قادة أعظم دول العرب وأكثرها تضحيات من أجل فلسطين، بل وأكثر قادة العرب نضالا من أجلها، خونة وعملاء، وذات التساؤل عن ملوك الاردن والمغرب والبحرين والامارات والسودان وقادة فلسطين يسارا ويمينا، وحتى يهدينا رب العباد ونخرج من دوامة النفاق السياسي والازدواجية، ستبقى الاسئلة تتناسل كلما علقت دولة فشلها على شماعات اسرائيل كما تفعل اليوم ايران، وجريمتها في قصف اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق بصواريخها الباليستية لتعمية العيون عن رؤية حقيقة سياساتها الفاشلة في كل الدول التي تحاول جعلها مجالا حيويا لمشاريعها الفاشلة.

كردستان وعاصمتها التي تحولت الى جزيرة للامن والسلام والازدهار في بحر من الفوضى والارهاب ليست بحاجة الى علاقة أو تطبيع مع إسرائيل لا في اربيل عاصمتها ولا في بغداد عاصمة العراق الاتحادي، لسبب بسيط هو اننا لم ننجح في إقامة علاقات طبيعية فيما بيننا كما ينبغي، فما زلنا متنازعين نكيل لبعضنا اكثر التهم قساوة، بل ان ما قتل منا بأيدينا في احترابنا منذ تأسيس مملكتنا وحتى يومنا هذا يفوق اضعاف ما قتلتهم اسرائيل في حروبها معنا!؟

حقا اننا احوج ما نكون الى التطبيع فيما بيننا قبل التفكير بالتطبيع مع اسرائيل!

[email protected]