عندما نفتقد راجح الخوري، الذي أقل ما يقال فيه، أنه كان مبدعاً و"شهماً" وكان صاحب مسيرة إبداعية طويلة، فإننا ليس كزملاء له، لا بل وكقراء، نفتقد وجهاً صبوحاً وهامة وطنية عالية لا تلامس فقط ذوائب أشجار الأرز وإنما سحب السماء وحقيقة أنّ "راجح" هذا الإنسان المبدع قد كان مبدع ودائماً وأبداً وكان أحد النجوم المشعشعة في رسالة الكلمة الوطنية والقومية الصادقة.

إنّ هذا الإنسان الطيب والمبدع.. والصبوح الوجه والمحيّا هو أحد أبناء الجنوب اللبناني الذي كان قد أعطى للأحزاب القومية العربية أهم قادتها ورموزها والذي أعطى للبنان قلوباً نظيفة وألسنة صادقة وأقلاماً جريئة والذي أعطى للمقاومة الفلسطينية خيرة الذائدين عنها وخيرة دروعها الوطنية القومية.. وأيضاً وإنْ شئتم و"التقدمية".

لقد كان راجح.. راجحاً ودائماً وأبداً في كل المواقع التي أشغلها ومرّ فيها.. كان "تقدمياًّ" ووطنيا وقومياًّ وكانت رائحة الجنوب اللبناني "تفوح" منه عندما كان يلتقي من أحبوه وأحبهم من أصحاب الأقلام العربية الذين كانوا قد إضطروا إلى مغادرة بلدانهم والهرب إلى هذا البلد العظيم الذي كان لا غيره يحتضن من كانوا يهربون بقلوبهم وقناعاتهم وتطلعاتهم وبألسنتهم وأقلامهم من "زوار الليل" والنهار أيضاً والذين لا تزال لهم بقايا ناشطة في بعض "أقطارنا" العربية!!.

والمؤكد إنه عندما غيب الموت وبعد صراع موجع مع المرض "راجح" هذا الذي كان راجحاً جداًّ ودائماً وأبداً في كل المواقع التي كان قد مرّ بها.. خلال مسيرة إبداع طويلة.. وحيث أنه لم تكن له مهنة إلّا مهنة المتاعب هذه.. وإنه لم يكن يرخي إحدى أذنيه في هذا الإتجاه للومة لائم!!.

لقد كنت أتتبع مسيرة "راجح" بعد عودتي من لبنان، الذي كان قد أحتضنني كما إحتضن الكثيرين من الذين قد غادروا أوطانهم هرباً بقناعاتهم وبمواقفهم، وهذا وإنْ كانت هذه القناعات صحيحة أم خاطئة، وحيث أنّ معطيات اليوم وبعد كل هذه السنوات الطويلة قد باتت تختلف إختلافاً جذرياًّ عن معطيات الأمس فاليوم غير الأمس.. وأجيال اليوم هي غير أجيال الأمس.. وأيضاً وبالطبع فإنّ قناعات اليوم هي غير قناعات الأمس!!.