بوجعٍ في القلب والروح، تلقيت خبر رحيل صديقنا العزيز حسن العلوي، الملقب من قبل أحبائه بـ"فريموس"...ورغم أن هذا الخبر المؤلم لم يفاجئني إذ أنني كنت أعلم أن صحته تزداد تدهورا يوما بعد يوم، وأن جسده لم يعد قادرا على الاستجابة لإقباله الجنوني على ملذات الحياة، وعلى السماح له بلقاء أحبائه وأصدقائه مثلما اعتاد أن يفعل كل يوم في الدار البيضاء، مدينته المفضلة، فإني وجدت نفسي ضائعا في فراغ رمادي رهيب فكما لو أن الدنيا أقفرت من كل مباهجها بعد رحيله...

وكنت قد تعرفت على حسن العلوي في بيت صديقي عثمان العمير في مراكش الحمراء في ذات خريف بارد وممطر. ورغم قصر قامته، ونحول جسده، وشحوب وجهه، فإن حضوره كان طاغيا حتى أنه إذا ما تكلم، صمت الجميع للإنصات إليه وهو يتحدث ببطء، مُطرّزا كلامه بأبيات من الشعر القديم، وبحكم ونوادر وأمثال من التراث الشعبي المغربي.
وكان واضحا أنه عليم بخفايا وطنه، وبتاريخه القديم والحديث مؤكدا لي ولآخرين ما سيقوله لي عثمان العمير في ما بعد بأنه يكفي الجلوس إلى حسن العلوي للتعرف على روح المغرب قديما وحديثا. وتلك الجلسة الأولى التي جمعتني بـ"فريموس" زادتني اقتناعا بأن عثمان العمير يعرف جيدا كيف يقتني أصدقاءه، مُتجنباً دائما الثقلاء والبخلاء والمُتعاظمين من دون عظمة، والمُتفاخرين بما لا يملكون، وبما هم عاجزون عن فعله...

وذات صيف، كنت في طنجة مع العزيز الآخر محمد شكري. وعندما جاء ذكر حسن العلوي على لساني، نظر إليّ صاحب "الخبز الحافي" بشيء من الحذر، وسألني:

-هل التقيت بهذا الرجل؟

ذكرت له لقائي به في مراكش، فقال لي نافثا في وجهي دخان سيجارته:

-هذا رجل خطير ...

-وكيف ذلك؟

ورد عليّ محمد شكري قائلا بأن حسن العلوي جزء مهم من تاريخ المغرب الحديث سواء الإعلامي أو السياسي أو الثقافي، وأنه يتميّز بسخرية مرة تضاهي سخرية الجاحظ. وهو سليط اللسان بحيث يخشاه الجميع، الأصدقاء كما الأعداء. لذلك هو ينتصر في كل المعارك التي يخوضها. وأعلمني محمد شكري أيضا أن حسن العلوي كان على علاقة وطيدة بزعماء المعارضة الاشتراكية، وأنه مستودع أسرار العديد من الحركات اليسارية في المغرب...وفي النهاية حذّرني صاحب "زمن الأخطاء" قائلا:

-أعرف أنك سليط اللسان أيضا... لكن لا تحاول مبارزة "فريموس" لأنك ستكون الخاسر منذ البداية...

وتلك النصيحة أفادتني كثيرا، وجعلتني أحذر من كل يمكن أن يُعكر مزاج "فريموس"، أو يدفعه للهجوم عليّ خصوصا بعد أن عاينت خطورة هجوماته على الآخرين، وطريقته الساخرة في مواجهتهم بحيث يتحوّلون إلى كائنات حقيرة وشنيعة مثيرة للتقزز والنفور... لذلك كنت أحرص في كل جلسة تجمعني به أن أنصت إليه فلا أنطق بأي كلمة إلاّ عندما أكون متيقنا من أنها لن تثير حفيظته أو غضبه...ثم إن أحاديثه، وطريقته في استعراض الأحداث، وفي رسم صور غالبا ما تكون كاريكاتورية لشخصيات سياسية أو ثقافية أو فنية أو غيرها، مغربية وعربية، كانت تثير اعجابي إلى حد أني أجد نفسي مفتونا به، ومصغيا إليه بانتباه واعجاب، متعلما منه ما يُفيد وما يغني، وما يبهج القلب ويسعد النفس...

عزيزنا "فريموس"... نم هانئ النفس، وسلاما على روحك في العالم الأبدي