تشكل خطبة الجمعة أهمية كبيرة لدى المسلمين، فقد فرضت قبل الهجرة لأهميتها باعتبارها المتنفس والطريق الذي يمكن أن ينتشر به الإسلام، وحسب المعلومات فإن الجمعة كانت تعرف قبل الإسلام باسم "يوم العَروبة" وهي تعني الرحمة، وقيل أن الجد السابع للنبي محمد (ص) كان يخطب في هذا اليوم وقريش مجتمعة ويذكرهم بأن آخر نبي سيكون من ولده، ويدعوهم إلى اتباعه والإيمان به، فالعبرة من هذا اليوم كونه يوم يجتمع فيه الناس ليخطب فيهم أحدهم بخطبة لها هدف ورسالة.

إن صلاة الجمعة تقام مرة واحدة في كل أسبوع، وهي لا شك يجب أن يخطب فيها الإمام أمام المصلين بخطبة يلامس فيها واقعهم والتحديات التي يواجهونها في هذا العصر، لكن ما أحببت أن أثيره في هذا المقال أن أكثر ما ألاحظه في خطب الجمعة أنها مبنية على السجع، وكأنها خطب أدبية بعيدة عن المآسي التي يعيشها الناس في بيئتهم ومجتمعاتهم، نحن في زمن تغيرت فيه المعطيات وكثرت فيه التحديات، ومن الظلم أن ينسخ الخطيب خطبة العصور الغابرة ويخطب بها في هذا العصر المختلف تماما، صحيح أن القيم الأخلاقية لا تتغير والآفات الاجتماعية تتكر ولكن كيفية طرح المواضيع ومعالجتها يجب أن تتجدد حسب طبيعة كل عصر.

أكاد أحفظ الخطب وديباجاتها، وككل مرة أتساءل فيها لماذا يحافظ الخطيب على نفس النمط، الذي بات يشكل روتينا أسبوعيا بدلا من أن يشكل حالة من التأثير الإيجابي، وللأسف يحافظ بعض الخطباء على النمط التقليدي في خطبهم، حتى كأنك تتلقى خطبة لا علاقة لها بواقعنا وما نواجهه من مدلهمات تعصف بنا بشكل يومي.

كنت أتمنى من الخطباء أن يدرسوا واقع مجتمعهم ويكون لهم علاقة مع المتخصصين في علم الاجتماع والنفس وتكون لهم علاقة مع رجال القانون والاقتصاد ومجالات أخرى ليكون لهم علم بما يحدث، وتكون خطبهم خطبا علمية مدروسة متوازنة نابعة من هذا الواقع المتجدد، وبناء عليه يوجهوا خطبهم لعلاج المشاكل.

إن خطب الجمعة لم تعد تؤتي أكلها وأصبحا نرى المجتمع من سيء إلى أسوأ، فالقيم الأخلاقية تراجعت والضمير الإنساني يكاد يكون خافتا، فهل يعقل أننا ما زلنا نسمع خطبا عن التيمم وعن تعدد الزوجات وغيرها من المواضيع التي أخجل من ذكرها والآفات الاجتماعية تنخر في مجتمعاتنا حتى غاب فيها الأمن الاجتماعي، وباتت الجريمة تنتشر بشكل مرعب من الاعتداء على الأطفال وسرقتهم وقتلهم، إلى تعنيف المرأة وقتلها، إلى الفساد الذي لم تسلم منه حتى الطبيعة والكثير والكثير.. ومن هنا حان الوقت لإعادة تجديد خطب الجمعة بالكيفية التي تعالج قضايا الناس ومشاكلهم، وملامسة معاناتهم باستخدام أدوات فكرية تتأقلم مع متطلبات هذا الواقع لإنقاذ ما يجب إنقاذه قبل فوات الأوان.