اليوم الوطني الذي محتفل به في دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر، يأتي هذا العام بمذاق استثنائي خاص، حيث دخلت الدولة مرحلة سياسية جديدة بتولي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ قيادة البلاد في مايو الماضي عقب وفاة الرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في عملية انتقال مؤسسي للسلطة بشكل أبهر العالم وأثار إعجابه وتقديره، وحيث عكس توافد القادة والزعماء على أبوظبي لتقديم واجب العزاء وتهنئة صاحب السمو رئيس الدولة بتولي منصبه، عكس أمرين مهمين أولهما الثقل والمكانة التي تتمتع بها دولة الإمارات إقليمياً ودولياً، وثانيهما الإحترام والتقدير الشخصي الكبير الذي يحظى به سموه في الأوساط والدوائر الاقليمية والدولية.

هذه المرحلة في تاريخ دولة الإمارات تمضي وفق نهج إستراتيجي محدد المعالم رسمته وثيقة "مبادىء الخمسين" ويتحقق على أرض الواقع بشكل مبهر، لاسيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، حيث تستكمل رحلة صعود المجد وإبهار النموذج على الصعيد التنموي والاقتصادي، وحيث تبدو تحركات صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في مناسبات دولية عدة مثار إهتمام الجميع عالمياً، وأحدثها حضور سموه قمة "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ المصرية، حيث جذب خطابه إهتمام العالم أجمع ولاسيما فيما يتعلق بتحمل دولة الإمارات مسؤولياتها الدولية بشأن أمن الطاقة، وحرص سموه الشديد على طمأنة الشركاء من القوى الدولية كافة بشأن إلتزامات الإمارات سواء في هذا الملف الحيوي للغاية، أو في ملف التغير المناخي الذي تبذل فيه الإمارات جهوداً جبارة تجعل منها قاطرة عالمية للخطط والاستراتيجيات المرتبطة بموضوع المناخ، ناهيك عن إستعداداتها ومبادراتها الفاعلة في إطار إستضافة مؤتمر "كوب 28" العام المقبل بإذن الله.

تمضي الإمارات في تبريد الأزمات وبناء الجسور وتنقية الأجواء وتعزيز شبكة تحالفاتها الدولية وتنويع شراكاتها الإستراتيجية، فضلاً عن تعظيم فرص الإستفادة من العلاقات الجديدة مع شركاء إقليميين مثل إسرائيل، بما يسهم ليس في تعزيز الانجازات الاقتصادية والاستثمارية فقط، ولكن أيضاً في ترسيخ ونشر ثقافة التسامح والتعايش من خلال هبوط الحديث عن السلام من علياء السياسة إلى التعاملات اليومية العادية بين الشعوب. مؤخراً تابعنا جميعاً أحد مردودات الجهود الإماراتية التي تبذل في صمت بحثاً عن تحقيق الأمن والسلام في العالم أجمع، حيث التقى ممثلون لروسيا وأوكرانيا في الإمارات لمناقشة إمكانية تبادل أسرى الحرب واستئناف صادرات الأسمدة الأوكرانية إلى إفريقيا وآسيا، وناقش الوفدان السماح لروسيا باستئناف صادرات الأمونيا مقابل الإفراج عن عدد كبير من السجناء الأوكرانيين.
إن احتفال الإمارات، قيادة وشعباً، باليوم الوطني هو احتفاء بمعان وقيم ومبادىء نبيلة، فاليوم هو يوم الإتحاد والوفاء، فتجربتنا الوحدوية الفريدة لا تزال، وستبقى إن شاء الله، تجربة ملهمة إقليميًا ودولياً، وستبقى مصدراً من مصادر قوتنا وسيبقى كفاح وإرادة الآباء المؤسسين مصدر إلهام وفخر لجميع مواطنينا، فكلنا يستلهم قيم ومبادىء وروح المغفور له بإذن تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وندين بالولاء لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله. أبرز من تعلم وتشرب ونهل من مدرسة القيادة والحكم التي ارتبطت بحكمة وبصيرة القائد المؤسس.
في يومها الوطني، تسطع الإمارات ويصعد نجمها وثقلها وتأثيرها الإستراتيجي، وتبدو أكثر ثقة في نفسها وتمضي وراء تحقيق أهدافها بكل اقتدار، وفي ضوء تخطيط إستراتيجي دقيق، ولا تنسى يوما أنها أحد أهم الداعمين للقيم والمبادىء الإنسانية والحضارية والأخلاقية عالمياً، ولا تنسى كذلك أنها عاصمة للعمل الإنساني والإغاثي، وأنها نقطة إشعاع عالمية مضيئة للتعايش والتسامح والإعتدال والإنفتاح وقبول الآخر في عالم يموج بتيارات شتى من الكراهية والتحريض واستعداء الآخر، ولا تنسى كذلك أنها قبلة الحالمين بالسعادة والعيش الكريم، من عشرات الملايين الذين يتوقون للعيش في وطن السعادة وكرامة الانسان والتعددية التي أصبحت نموذجاً عالمياً يحتذى به.

الإمارات ليست فقط دولة نموذج نجحت في توظيف مواردها الطبيعية لمصلحة شعبها، وليست فقط دولة تسعى لأن تكون من أفضل دول العالم في مؤشرات التنافسية العالمية، وليست فقط أيضاً دولة توفر لمواطنيها أفضل سبل الحياة والمعيشة وتضعهم في مصاف الشعوب السعيدة عالمياً، بل هي أيضاً دولة التسامح، الذي اقترن بها وأصبح هو والإمارات وجهان لعملة واحدة، وتلك مسألة في غاية الأهمية لأن معضلات العالم تبدأ في معظمها وتنتهي عند إشكالية التسامح الغائب أو المغيب سواء في العلاقات الدولية أو العلاقات بين الشعوب، وهو أيضاً السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار العالمي شريطة أن يؤمن الجميع به كما آمنت الإمارات.
كل عام وإمارات الخير والعطاء بخير، قيادة وشعباً، وكل عام ووطن الوفاء والقيم والمبادىء الانسانية يمضي في تقدم وتطور وعمل لمصلحة البشرية جمعاء.