قد يكون تنفيذ حكم الإعدام أمراً مشروعاً ومقبولاً قضائياً اعتماداً على طبيعة القوانين في كل بلد، ولكن من المؤكد أن إعدام الحريات للكُتاب والباحثين في شتى العلوم أكثر قسوةً وتأثيراً على العقل البشري حين يسود التضييق على الحريات في الإعلام عموماً.

في الماضي البعيد، شهدت الكويت تضييقاً على الحريات الإعلامية، بل خنقا لهاً نتيجة رقابة مسبقة على الصحافة اليومية الكويتية في فترات تعليق الدستور كما حدث في عامي 1976و 1986، لكننا نشهد اليوم اشكالاً من الإعدام للحريات الإعلامية في دولة دستورية.

فقد حرص المُشرع في الكويت منذ نشأة الدولة على الحريات كما وردت في مواد الدستور 37،36،35، إلا أن قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع والإلكتروني التي جاءت بوقت لاحق منحت الجهات الحكومية والخاصة والأفراد سلطات قادت إلى جدل دستوري وقانوني حتى اليوم.
ضاعت القوانيين التي ضيقت الخناق على حرية التعبير والبحث العلمي للمواطن الكويتي وغير الكويتي بين أولويات مختلفة تماماً عن احتياجات اليوم ومتطلبات المستقبل، فقد تقدمت إصلاحات قانونية وتشريعية ليست ذات أولوية على قوانين الحريات الإعلامية وقوانين مُلحة أخرى!
بلا شك أن ثمة العديد من التحفظات السياسية على انحرافات وتشوهات برلمانية في مجلس الأمة الكويتي خلال السنوات الأخيرة ولاسيما الحقبة بين 2013 حتى 2020 التي اتسمت بقرارات غير دستورية ومخالفة للائحة التنظيمية تسببت بالأذى للدولة عموماً والشعب الكويتي خاصة.

مفارقة اليوم في الكويت أشد إيلاماً على الكُتاب، فالصحف الورقية الخاصة والإعلام الالكتروني ايضاً باتت مصدراً لتضييق الحريات، بل إعدام للكُتاب من ذوي التاريخ في مسيرة الإصلاح والتصدي للفساد بشتى صوره واشكاله، فالمصالح الاقتصادية والمالية لها دوراً مؤثراً بالنشر!

فقرارات الإعدام للكُتاب بصفة خاصة تقودها بعض الصحف اليومية بما في ذلك ذات التاريخ في الصراع مع السلطة على المكتسبات الدستورية والحريات الإعلامية، حيث تتحكم بعض الصحف في الرأي والرأي الأخر والمغاير لاسيما الذي لا يتفق مع المصلحة الاقتصادية للصحيفة!
يتشرد الكُتاب الكويتيون اليوم بين مزاج رئيس تحرير ضيق الأفق وجاهل للتاريخ والتحديات السياسية وأصحاب مشاريع تصدير التطرف الديني والإرهاب الفكري واستغلال منبر الصحافة الكويتية لتحقيق غايات مسمومة بالمصالح لحركة "حماس" وتيارات متشددة فكرياً وذات عداء للدولة المدنية.

لم يعد لصوت العقل ولا المهنية الصحافية حيزاً ذهنياً في بعض الصحف الكويتية اليومية، فمسلسل التخريب والتدمير للحريات التي كفلها دستور الدولة أصبحت ليست ضمن الأولويات الإعلامية على خلاف الماضي الثقافي الجميل لدولة الكويت.

تتناغم أقلام نشاز تحت غطاء الصحافي المخضرم و "شيخ" الصحفيين مع صوت كاتب واهم ومقالات أكثر وهماً، في حين يوثب المُحرر الملوث بالسموم "الحماسية" والداعشية نحو إحياء تيار الإخوان المسلمين ومنحه القوة والنافذة كمحمد مرسي واتباعه في مصر والعالم العربي!

في الماضي، كنا نوجه اللوم إلى حكومات مختلفة، وهي بالأحرى حكومة واحدة ممتدة، ولكن اليوم أصبح ميزان النفوذ والقرار لدى صحف ذات توجهات غير مهنية تسعى إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية عبر إقصاء بعض الكـُتاب من الساحة الإعلامية الكويتية!
يتصور البعض واهماً أن إعدام الكُتاب سهلاً، دون الالتفات إلى تعدد نوافذ التعبير وتشكيلها مع جماهير ذات بصيرة مستنيرة علاوة على تغير الظروف الإعلامية بالمقارنة مع الماضي وخيارات محدودة في النشر.

تاريخيا، لم تتمكن دول من إخماد نيران أقلام وصدى أصوات إعلامية مدوية، فكيف الحال في عالم الانترنت والإعلام الالكتروني؟!
نشرت مقالاً في السابق بعنوان "تدوي النفايات السياسية" تعبيراً عن قناعة بإننا امام ظاهرة سياسية غير جديدة، ولكننا امام ظاهرة تدوير النفايات الإعلامية أيضاً وهي ظاهرة غير حميدة متورمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً!
*إعلامي كويتي