لا يُعرف حجم المأزق الإقتصادي الذي يجتاح المواطن العراقي إن كان السبب الدولار ورقابة الخزانة الأمريكية والبنك الفيدرالي على منافذ بيع الدولار وتهريبه من قبل مصارف عراقية إلى إيران، أم أزمة الدينار الذي بدأ يشح في الأسواق المحلية بسبب تشديد الرقابة الأمريكية على سوق العملة وإنخفاض مبيعات الدولار التي كانت الحكومة تُقايضه بالدينار لتوزيعه كرواتب للموظفين في قطاعي الدولة والخاص.

سياسة الإستغباء التي تُمارس بإيهام الرأي العام بأن الأزمة وقتية ويعود وضع الدولار إلى سابق عهده ربما يفضح بشكل غير مقصود مقاصدهم من أفعال إيران التي تمتلئ خزانتها بتريليونات الدنانير المزورة لضخها في الأسواق العراقية من أجل الحصول على العملة الصعبة، ربما ستنتهي تلك الأزمة حسب إجتهادهم الخفي بعد أن تكون الجارة قد حصلت على مليارات الدولارات من الإقتصاد العراقي، وهو التوضيح المنطقي الذي يغرق في الجهالة يخجل هؤلاء من طرحه خصوصاً إذا كانت الولاءات وفقدان الإرادة السياسية هي ما تُميز خصائص السلطة في العراق، وبعد أن يصل الدينار إلى حضيض الإنهيار كما وصل إليه التومان الإيراني والليرة اللبنانية.

المأزق الذي بدأ يستعيد ملامح الحصار الإقتصادي الذي كان مفروضاً على العراقيين 1991-2003 وإضطرار النظام السابق إلى طبع الكتلة النقدية في مطابعه المحلية حين كانت الأسعار تُقاس بأوزان تلك الكتلة في ميزان الفواكه والخضروات وهو ما يلوح في أفق الإقتصاد العراقي من تكرار التجربة.

الورطة الإقتصادية التي يعيشها العراق ربما كان الحل بسيطاً وممكناً لو كان بيد رجال دولة وليس سلطة بإختصاص المصالح والمنافع ورغبات شخصية تدفعهم لبيع الوطن لمن يدفع الفاتورة من أجل زيادة أصفار ملياراتهم في بنوك الخارج.

عاجلاً أو آجلاً ستتضح مصداقية الشعارات المرفوعة لطرد الغُزاة من أرض العراق، والتي كانت تُطالب تلك الأطراف التي شكلت الحكومة برحيل آخر جندي أمريكي من العراق من حكومة ذلك الجندي المساعدة والتريث على الأقل في تقسيط العقوبات عليها أو مُساعدتها في إستدامة إقتصاد متهالك يُنذر بسقوط النظام السياسي على رؤوس كهنته.

الدينار العراقي الذي بدأ يتعرى قد يصل به إلى ورقة التوت التي لا تستر عورته خصوصاً وإن الإقتصاد الإيراني المنهار الذي كان يتعلق بقشة الدينار العراقي ربما يسحبه إلى قاع البحر.

الدينار العراقي، التومان الإيراني، الليرة اللبنانية، عناوين إقتصادية لأنظمة فاشلة مُصيبتها أن ذلك الفشل مردود على شعوبها وليس إلى السلطة.

الخبز المُر الذي بدأ يتذوق طعمه العراقيين ربما يُنذر بنهاية لحقبة زمنية تأسست بعنوان الديمقراطية وتحرير العراق مما قد تُعيد للحصار الإقتصادي دورة حياته.

حرب الخبز التي تُطارد العراقيين في حاضرهم ترسم صورة قاتمة لواقع رسمه نظام سياسي يتخذ السلطة مغنماً والوطن شركة تجارية لزيادة أرباحه ولو على حساب الشعب، يُقابله إستسلام للأمر الواقع ورضوخ غريب لا يُمكن تبريره إلا بالرضا والقبول لما يحدث.

أطرف تعليق لأحدهم وهو يسمع إشادة الضيوف الخليجيين بالكرم والسخاء العراقي في خليجي البصرة قوله "إذا كان العراق مصدراً تعتاش عليه دولاً بأنظمتها وشعوبها على إقتصاده، أليس بإستطاعته أن يستضيف بعض الضيوف من الأشقاء الخليجيين؟".