لي صديق فتحاوي سابق يكره حماس، أو بعبارة أصح، يكره اثنتين من ثلاث "حماسات" فلسطينية، كما يصفها: "عندنا حماس الفنادق، وحماس الخنادق.. وعندنا حماس البنادق". إنه يكره ذاك الرجل البطين ذو اللحية البيضاء المشذبة، يخرج من جناحه الملكي في ذلك الفندق حيث يحيى حياته الهنية.

أما حماس الخنادق فيكرهها بلا حرج! حفروا، وتدربوا، وتسلحوا، وخططوا، ونفذوا، وما استشاروا أحدًا. ما سألوا فلسطينيًا أيلائمه توقيت المعركة؟ أهو مستعد ليلم أشلاء أولاده؟ أتحضّر ليمحو اسمه وذريته كاملة من السجل المدني؟ ما سألوا واحدًا من أكثر من 27 ألفًا لقوا حتفهم بسبب نزوة انتصار مبارك على طراز نصر إلهي دفع ثمنه لبنان نحو ألفي قتيل في تموز 2006 من أجل إطلاق رجل واحد؟ وحين بدأت الـ "أف 16" تفلح أرض القطاع، لاذوا بخنادقهم تاركين الناس فوقهم يحشرون في الطريق إلى الأبدية.

حماس البنادق شباب يركضون في وعر غزة، بلا حذاء ولا رداء، يبرّدهم حديد البندقية الروسية، وينشدون الدفء حين يقذفون ذلك الصاروخ الصغير نحو دبابة إسرائيلية. يموتون بلا أسماء، وتعود نفوسهم راضية مرضية إلى ربها بلا صلاة. هؤلاء لا يكرههم صديقي، إنما يبكيهم دمًا بدلًا من الدمع، "كيف لا وأنا فقدت يدًا وعينًا فيما كان ’الرئيس‘ أبو عمار يوقع اتفاق أوسلو".

إقرأ أيضاً: القضية الكُردية ليست معارضة!

صديقي الفتحاوي السابق يكره حماس – لبنان، "بل أكره كل الفصائل الفلسطينية في لبنان"، كما يقول. ماذا يفعلون هنا غير فتح جبهات داخلية خدمة لهذه الدولة أو تلك، لهذا المحور أو ذاك؟ هل سأل أحدٌ عن سبب معارك عين الحلوة الضارية بين فتح وحماس قبل أسابيع قليلة من 7 أكتوبر؟ أليست مصادفة مريبة يا رجل؟ ماذا يفعلون في جنوب لبنان؟ حزب الله سني؟

صديقي الفتحاوي السابق يكره حزب الله أيضًا.. يسخر من بدعة المشاغلة، فيقول: "إنها بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ولا نار اليوم تساوي نار قلوب أهل غزة المذبوحين على مذبح إيران". إنها بدعة "واسعة النطاق"، واسعة جدًا تشمل سوريا والعراق ولبنان واليمن.. أي كل ساحات نظرية "وحدة الساحات" التي مات عرابها الإيراني في مطار بغداد تحت أنظار الحشد الشعبي، ومات منسقها الفلسطيني في الضاحية الجنوبية تحت أنظار حزب الله. "يا شاغلني وانت جنبي!"... يغني صديقي مصرًا على أن التسوية الكبرى لن تبدأ في فلسطين، بل ستبدأ في جنوب لبنان لتنتهي في فلسطين، كما تريدها طهران وواشنطن وتل أبيب.

إقرأ أيضاً: أزمة غزة وسعي طهران لجعل المياه الدولية غير آمنة

صديقي الفتحاوي السابق يكره حل الدولتين. أي دولتين؟ اسألوا إيتامار بن غفير، فهو يريد حل الدولتين "الإسرائيليتين"، في إسرائيل وفي الضفة والقطاع. واسألوا أبو مازن، فهو يريد أيضًا حل الدولتين "الفلسطينيتين"، في الضفة التي نخرها فساده وفي ما بقي من غزة لتكون وقودًا جديدًا لفساد سلطته المتهافتة. واسألوا المرشد الإيراني، فهو أيضًا يريد حل الدولتين "الإسلاميتين" في الضفة والقطاع. وأرجوكم اسألوا الفلسطيني القتيل في غزة... سيقول لكم: "تبًا لكم في الدولتين.. وتبًا لكم في كل دول الطوق، ودول الصمود والتصدي، ودول الممانعة".

صديقي الفتحاوي السابق يكره الدماثة، ويتقن فن الشتيمة. وأجمل ما في حديثه دائمًا شتائمه في "فتح" وفي "إسرائيل".