الثقافة والإعلام والأمن القومي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
اقترنت كلمة الأمن القومي في الوجدان العام بالمفهوم البوليسي وهو ما يشير إلى ضيق أفق اجتماعي وسياسي يسأل عنه الجميع وأولهم من تعامل مع هذه القضية باعتبارها أمرا من صميم اختصاصهم لا يجوز التدخل فيه من قبل المثقفين الطفيليين.
يشهد تاريخنا الطويل على أن كلمة الأمن كانت تعني أول ما تعني الأمن السياسي أو أمن النظام الحاكم أكثر مما تعني الأمن بمعناه العام أي الأمن للجميع والأمن على كل الأصعدة وليس أمن الحاكم من تآمر المحكومين ومن ثم يصبح تحقيق هذا الأمن مسئولية الجميع وليس مسئولية جهاز يسمى جهاز الأمن العام أو جهاز أمن الدولة.
ما شجعني على التطفل حول هذه القضية هو هذا الحوار الذي أداره الأستاذ صلاح عيسى على صفحات جريدة القاهرة حول قضية وجود (السيدة زينب) عقيلة بيت النبوة في القاهرة العاصمة وليس الجريدة منذ أن قام بنشر مقال كاتب هذه السطور عن مؤتمر السيدة زينب الذي عقد في دمشق في يونيو الماضي فكان أن انبرى البعض لنفي وجود عقيلة بني هاشم في ضريحها المشهور ثم جاء القول الفصل من الأستاذ عبد الرحمن عوض في مقاله بتاريخ 28-9-2004 مثبتا لهذا الوجود.
إنه سجال رائع بكل المقاييس وما أحوجنا جميعا إلى استجلاء وجوه الحقيقة حول كل القضايا التي تواجهها أمتنا بعيدا عن ثقافة الصوت الواحد والتقريرات الفوقية.
وفي نفس العدد (28-9) كتب الأستاذ بيومي قنديل عن تجربته المريرة عندما ذهب لحضور الاحتفال بمولد السيدة زينب رضوان الله عليها حيث يقول (ذهبت كما هي عادتي فلم أجد ذلك العيد الذي يسمح للمصريين بإعادة إنتاج أنفسهم وهو الأمر الذي يسمح لهم بالاستمرار والبقاء ومقاومة ما يتعرضون له من محاولات للإبادة الثقافية بتخطيط أمريكي ومباركة إقليمية وبعبارة أوضح أصولية وهابية فوجدت المكان كئيبا بعد أن أغلقه مسئول ضلله مستشارو السوء في وجه القادمين من أعماق الجنوب ليس لتكدير الأمن العام أو السلام الاجتماعي وليس للتخطيط لارتكاب الجرائم المقدسة كما يفعل الأصوليون الذي يستطيع أي تافه منهم أن يكفر قارة بأكملها بل لمديح آل البيت وأولياء الله الصالحين) ثم تساءل الأستاذ بيومي قنديل عن موقف المثقفين من ذلك التصور الذي اعتمده بعض المسئولين المصريين من اعتبارهم الاحتفال بموالد أهل البيت تهديدا للأمن لمجرد أنها تجمعات جماهيرية ضخمة في حين أنها دعم للأمن والاستقرار.
الشيء المؤكد أن الأمن بمعناه الأشمل أي أمن المجتمعات وليس مجرد أمن النظم يبدأ من الثقافة وينتهي بالحراسة.
الأمن القومي يبدأ من نشر ثقافة الحب وعلى رأسها بكل تأكيد حب الرسول الأكرم وأهل بيته وهي النقيض الكامل لثقافة التهييج والتخوين والتكفير ومحاكمة النوايا وإطلاق الأحكام جزافا ممن لا يملك ضد من لا يستحق.
فماذا صنعنا نحن في كل هذا؟؟
المتأمل للخطاب الإعلامي العربي يرى بوضوح أن الكل قد أدمن هذه اللهجة واعتاد على هذا الخطاب وآخرها ما حدث في تلك النقابة التي كان يفترض أن تكون حارسة للعدالة والاعتدال وحرية الكلمة فإذا بها تتبنى فتاوى التخوين العشوائي فما بالك بهذا الخطاب الذي يصف عمليات تفجير المدنيين وقتل الأطفال باعتبارها جميعا من أعمال المقاومة المشروعة للعدو الغاصب الذي جاء ليقضي على الإسلام والمسلمين (؟!) ثم ذهب هذا الإعلام الغوغائي أبعد من هذا حينما شكك في وجود ما يسمى بتنظيم القاعدة وأبي مصعب الزرقاوي واعتبر كل هذا من فبركات الإدارة الأمريكية ودعاياتها الانتخابية إلى آخر تلك المعزوفة التي ما فتئ إعلامنا يكررها وسيبقى يكررها حتى ولو أدرك شهرزاد الصباح فاضطرت إلى السكوت عن الكلام المباح المتاح الرخيص الذي ظن البعض أنه لا يكلف شيئا لأن البعض ظن أن الحريق بعيد عنا.
أي أن هذا الإعلام قد قام بدور الرديف الإعلامي لعصابات الزرقاوي بعلم أو بدون علم وإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فعليك أن تخلي الساحة فوراً.
لقد كتبت سابقا محذرا من خطورة الاستعانة بتلك القوى الطالبانية ومنحها فرصة العمل والمدد في العراق ونشر مقالي هذا في جريدة (نهضة مصر) في يوليو الماضي حيث قلت ما نصه
(أما أن تكون مقاومة هذه الهيمنة الأمريكية برفض الإصلاح باعتباره مفروضا من الخارج ومنح المفسدين في الأرض من أمثال الزرقاوي لقب المقاومين والتهليل لأفعالهم لا لشيء سوى أنها تضع المشروع الأمريكي في مواجهة صعوبات لا يستهان بها فهذا ما لا يقبل به صاحب عقلٍ سويٍ لأنه يعني ببساطة أن مناهضة الهيمنة الأمريكية أصبحت مسئولية تلك القوى المناهضة لأي إصلاح والتي ظهرت وتسيدت في تلك الأجواء المعادية للديمقراطية والحرية الفكرية وتعني ضمن ما تعني أنه ما إن تنتهي معركة الاحتلال في العراق حتى نجد أنفسنا في موقع أبعد بكثير عن أي إصلاح وعندها ستطالعنا نفس تلك الأدوات الإعلامية بنبأ القبض على تنظيمات (العائدين من العراق وإحباط مخططاتهم والاستيلاء على ما يحملونه من أسلحة وجوازات مزورة..).
وهكذا وبدلا من التحرك خطوة واحدة للأمام فإننا نكون بذلك قد تراجعنا عشرات الخطوات إلى الخلف.
خذ عندك أدبيات تلك المقاومة التي تحرص فضائيات الفراغ العربي على إبرازها وتقديمها إلى الجماهير في كل نشرة أخبار إنها أدبيات الذبح وسفك الدماء أدبيات الجاهلية الأولى حيث يذبح الرهائن كما تذبح الخراف وتعلق الرءوس على الرماح أو تعرض لنا تلك الفضائية صورا لعشرات الجثث الممزقة والمتفحمة نتيجة تلك التفجيرات الإجرامية العشوائية لا فارق بينهم وبين أوباش بني أمية الذين ساقوا حرائر أهل بيت النبوة أسارى ورءوس الشهداء محمولة على الرماح ثم تكتفي هذه الفضائية أو تلك بحذف مشهد الرأس المتدحرج كونه يهز المشاعر!! وكأن كل ما سبق لا يسيء إلى المشاعر الإنسانية وإلى الإسلام والمسلمين ثم يختتم كل هذا الغثاء والقرف ببيان من أبي مصعب الزرقاوي أو من جماعة التوحيد والجهاد تذيله أو تتصدره آيات القرآن الكريم ومتوعدة بمزيد من تلك العمليات الإجرامية ثم يجرى اختتام ذلك المشهد الدموي بفاصل تحليلي عن قرب رسوب جورج بوش في انتخابات الرئاسة القادمة وعن نهاية مشروع فرض الإصلاح الأمريكي ولا بأس بخبر صغير في نهاية النشرة عن زيارة وفد تحسين صورة الإسلام الذاهب إلى لندن وباريس بقيادة الدكتور العبقري صاحب معجزة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ثم مقال صغير عن أن (المقاومة) العراقية هي دليل عافية الأمة في مواجهة المحاولات الأمريكية لتعديل المناهج وحذف آيات الجهاد من المنهج الدراسي). وما زال النقل من المقال المذكور
(الدرس الأفغاني والدرس العراقي: يقول الإمام علي بن أبي طالب: لا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بالغت في إيلامه فإن العاقل يتعظ بالآداب والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب. يعلم الكثيرون أن تلك الجماعات الطالبانية التي أصر البعض على إنكار وجودها لم تهبط إلى العراق من القمر بل ذهبت إليه عبر حدود مفتوحة لدول مجاورة لا تمانع من تكرار تجربة أفغانستان في العراق وكان أن أوصلتنا التجربة الأفغانية البعيدة عن عقر دارنا إلى الحادي عشر من سبتمبر ولا ندري أين ستوصلنا التجربة العراقية التي تحمل نفسا طالبانيا تكفيريا أكثر خطورة وعدوانية من بدايات التجربة الأفغانية إذ أن الحريق هذه المرة في عقر دارنا والذين يقومون بترويج هذا الفكر الطالباني عبر وسائل إعلامهم هم ممن لم تنفعهم أي عظة حتى بعد أن بالغت في إيلامهم وبلغت الحد الأقصى في هذا الإيلام غزوا واحتلالا لواحد من أهم بلدان العالم الإسلامي وهو العراق.
ونحن في انتظار مزيد من الهزات الارتدادية فنحن لا تنفعنا أي عظة (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا...) وصدق الله العلي العظيم) انتهى النقل.
ولا تعليق
* كاتب وأستاذ جامعي من مصر