أصداء

ماذا يريد.. أنصار الدولة الدينية؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


لا نستطيع أن نؤكد أننا نعرف بالتحديد ما يطالب به أنصار الدولة الدينية،لكننا نعرف ما سوف يفعلونه عندما يصلوا الى الحكم..، و هو أمر نستطيع أن نتبينه من الحملات الاعلامية التى لا تتوقف فى الكثير من منابر الاعلام العربى للترويج لهذه الدولة.

و جزء من الحملات الاعلامية التى يتبناها أنصار الدولة الدينية يقوم على مرجعية تاريخية، بجانب المرجعية الدينية، فهم يرون أن التاريخ كان عظيما و أن الدولة الدينية التى وجدت تاريخيا، حققت ما لم تحققه أى دولة اخرى، و ان الحل الأمثل هو العودة لتلك الدولة العظيمة..، على سبيل المثال ما كتبه الأستاذ محمد عبد القدوس فى جريدة الراية القطرية بتاريخ الأحد17/10/2004: "عندما كانت الدولة الإسلامية تسود العالم كان الإسلام الصحيح محور حياة كل مسلم، ورأيناه حاكماً لشؤون الحياة بأكملها! وبعد الضعف الذي طرأ علي أمتنا تراجعت مكانة ديننا، ونجحت الحضارة الغربية الزاحفة في الفصل بينه وبين شئون الدنيا"..، هذه هى رؤية هذا التيار للمشكلة و رؤيتهم للحل..، و فى النهاية هذه الفقرة هى عدة كلمات فى مقالة ضمن هذه الحملة الاعلامية،التى يقودها هذا التيار، بمعاونة مناهج وزارة التربية و التعليم، مع الاعلام بكافة فصائله، وهذه الكلمات القليلة التى أوردناها تحتاج للكثير من المراجعة أكبر حجما بكثير من مساحة تلك الكلمات، لدسامة ما فيها من مغالطات، مما يوضح لنا حجم هذه الحملة الاعلامية..

و الاعتماد فى هذه الحملة الاعلامية، كل الاعتماد، على جهل المتلقى الشديد بتاريخه، و حبه كذلك لدينه..، فالتاريخ كان عظيما، و السلف كان عظيما.. أنجز ما لم تنجزه أى حضارة اخرى..

و بالرغم من أن المرجعية التاريخية موضوع كبير، الا أن أغلب من له بعض دراية بالتاريخ السياسى يعرف أن التاريخ هو أول شاهد على فشل الدولة الدينية، و أن الدولة الدينية لم تكن دولة مثالية الا فى فترات قليلة جدا ليست هى التاريخ كله..، و أن الأستاذ محمد عبد القدوس - فى أفضل الأحوال - يخطىء فى حق قرائه عندما يختذل الموضوع فى مجرد "عندما كانت الدولة الإسلامية تسود العالم كان الإسلام الصحيح محور حياة كل مسلم، ورأيناه حاكماً لشؤون الحياة بأكمله".. فهو يعلم.. وبعض القراء يعرفون.. و نحن نعرف أن الموضوع اكبر بكثير من هذا..، و أن الصورة الحقيقية تختلف تمام الاختلاف عما حاول سيادته ان يمرره فى سطوره..، فالاسلام لم يحكم، و انما الذى حكم كان يزيد بن معاوية و المتوكل و الواثق.. الخ، و الاسلام لم يكن محور حياة كل مسلم، على الأقل لم يكن محور حياة الحجاج بن يوسف و بسر بن أرطأة.. الخ

لكن الأكثر رعبا فى موضوع الدولة الدينية هو كيف تعاملت هذه الدولة مع الكتاب و المفكرين والعلماء، وهى نقطة لا يلاحظها القارىء العادى لكن الأستاذ محمد عبد القدوس لابد و أن يعطيها أهمية خاصة..، ليس فقط لأنه يحاول ان يفهمنا ان الاسلام كان "محور حياة كل مسلم و أن الاسلام كان حاكما لشؤؤن الحياة كلها"، بل لتنكره لما حدث لزملاء له فى المهنة على يد تلك الدولة، و هو تنكر يزيد على مخاوفنا مخاوف.. و يضاعف ظنوننا ظنونا..

كيف نكلت هذه الدولة بالعلماء و أذلتهم و بهدلتهم عندما لم يسيروا فى طوعها، أو عندما كان الحاكم مستبدا و جاهلا و لم يستوعب انتاج المفكر أو العالم، و هو حديث محزن، نعذر فيه الجاهل لأنه لا يعرفه، لكننا لا نستطيع ان نعذر فيه الاستاذ محمد عبد القدوس و هو ينادى ضمنيا بعصمة تاريخ هذه الدولة، و يتخذ من هذه العصمة مدخلا لترويج مشروع الدولة الدينية المريب، مستغلا حب المتلقى لدينه و استعداده للهروب من واقعه غير المشرق الى أحلام تاريخية لم تحدث و امجاد لم تكن..

كيف يستطيع سيادته ان يتجاهل ما حدث لأحمد بن حنبل على يد الخلفاء العباسيين المأمون و الواثق و المعتصم؟ و كيف أنه اضطهد اضطهادا شديدا و عومل معاملة اللصوص لأنه لم يوافق على خلق القرآن، وأصر على أزليته؟ (الخلافة الاسلامية - المستشار سعيد العشماوى ص 181) ابن كثير البداية و النهاية 241ه

كيف يستطيع سيادته ان يتجاهل ما حدث لأبى حنيفة من اضطهاد على يدى الخليفة الأموى مروان بن محمد و الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور لأنه رفض تولى القضاء؟ الخلافة الاسلامية - ص 181

و كيف يتجاهل سيادته البهدلة التى تعرض لها الامام مالك، و مده وضربه بالسياط حتى خلع كتفاه فى عهد أبى جعفر المنصور؟ - المرجع السابق

و كيف يتجاهل سيادته اتهام الخليفة العباسى هارون الرشيد للامام الشافعى بالتشيع واضطهاده له؟ (المرجع السابق ص 178)

و كيف يتجاهل سيادته أن ابن رشد، أحد اعظم الفلاسفة على مر العصور، سجن لمدة ثلاث اعوام فى عهد دولة الموحدين فى الأندلس و حرقت كتب الفلسفة التى كتبها لاتهامه بالزندقة(تاريخ العرب السياسى فى الأندلس - سعدون نصر الله ص334 / تاريخ العرب و حضارتهم فى اللأندلس ص 352 - د. خليل ابراهيم السامرائى )؟

و كيف يتجاهل سيادته ما حدث لابن المقفع، الذى كتب لأبى جعفر المنصور كتابا اسمه "رسالة الصحابة" ينصحه فيه بحسن اختيار من يعاونه و حسن سياسة من يحكمه، فأمر به المنصور و قطع أصابعه التى كتبت الرسالة ثم قطعت أطرافه قطعة قطعة و شويت على النار أمام عينيه، و أجبر على أكلها، حتى مات..(الخلافة الاسلامية ص 181)، وهى بالطبع جريمة من ابن المقفع لأن فى هذه العهود - التى يرى الاستاذ عبد القدوس ان الاسلام فيها كان محور حياة كل مسلم - كان توبيخ الحاكم أو معارضته جريمة تستوجب العقاب البشع

وكيف يتجاهل سيادته ما حدث للسان الدين بن الخطيب؟ المفكر و الطبيب و الفيلسوف و المؤرخ؟ عندما دفع حياته ثمنا لأفكاره فى عهد دولة بنى مرين فى المغرب عام 776ه، وقتل خنقا و اشعلت النار فى جثته بعد ان احرقت مؤلفاته فى ميدان عام؟ كتاب الهلال - مصطفى نبيل مايو1991

و كيف يتجاهل سيادته ما حدث لشهاب الدين يحى بن حبش السهروردى أحد أعظم فلاسفة الاسلام؟ عندما أمر صلاح الدين الأيوبى بقتله عام 587ه فقتل خنقا ثم صلبت جثته؟حسين أحمد أمين - كتاب الهلال أغسطس
1991

و معبد بن عبد الله الجهمى االذى كان يرى أن القدر خيره و شره من العبد، فأمر الخليفة عبد الملك بن مروان بصلبه 80ه - العقل فى الاسلام - المستشار سعيد العشماوى ص 54

و غيلان بن مروان الذى تبع معبد بن عبد الله الجهمى فى أفكاره، والذى أمر الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك بن مروان بقطع يديه و رجليه - العقل فى الاسلام - المستشار سعيد العشماوى ص 55

وأشياء و أحداث اخرى كثيرة تجاهلها سيادته توضح لنا أن النموذج الذى يسعى لتسويقه نموذج لا علاقة له بالواقع، وان كان قد وجد فى فترات بسيطة، فهو بالتأكيد ليس الحالة التى تجعله يطلق الكلام على عواهنه بهذا الأسلوب.. خاصة و هو يعلم جيدا أن هناك من يستمتع بسماع مثل هذا الكلام الغير حقيقى، بل و يصدقه، وسيادته كذلك يعلم.. وبعض القراء يعرفون.. و نحن أيضا نعرف.. أنه كلام غير صحيح..! اللهم الا اذا كانت هناك أهداف خفية اضطرته لهذا الأسلوب..، و انا هنا لم أتعرض للتاريخ السياسى.. فهذا يحتاج لكتب تتناول بالتفصيل استبداد السلطة فى تلك الدولة التى يدعى البعض أنها كانت ملائكية..

وفى النهاية هى مهمة أنصار الحقيقة فى كل مكان ألا ينحنوا لحملات التضليل التى تعتم على الأسود من التاريخ، و أن يبذلوا كل مستطاع من أجل ايقاظ النيام و ايصال الحقيقة الى كل شخص..، فلن نتحمل ان يحكمنا من جديد أبوجعفر المنصور او المتوكل أو يزيد بن معاوية..أو أحد اخوانهم..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف