أصداء

حرية العقيدة في الاسلام وفي مصر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في ضوء المواثيق الدولية لحقوق الانسان

من منطلق دراساتي القانونية والسياسية أسمح لنفسي أن أنشر هذه الدراسة لكل من يعنيه الأمر ولحكامنا ومثقفينا واعلاميينا في مصر بعيدا عن التشنج والتعصب والحساسية وايمانا مني بحرية الرأي والرأي الآخر.

ان حرية العقيدة ركن أساسي في منظومة حقوق الانسان وعندما تسقط فان بقية الحقوق الاساسية تتهاوى معها بالتتابع. (1)

منذ وقت طويل اُعترف بمبدأ التسامح الديني عبر عدد كبير من النصوص القانونية سواء أكانت من دساتير الدول أم من المعاهدات والاتفاقيات الدولية. وفي الوقت الحاضر تحتوي جميع دساتير دول العالم تقريبا بندا يتعلق " بحُرية الضمير والديانة ". (2)

لقد جاء في الفقرة الثالثة من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ذكر "الدين" إدراكا لحقيقة مُفَادها أن الحرية الدينية ذات تاريخ ملطخ بالدم والعنف.

والاعلان العالمي لحقوق الانسان يَعتبر أن من الأساسي أن تُحمى حقوق الانسان بواسطة نظام قانوني لكيلا يصبح الانسان مضطرا كملاذ أخير الى الثورة ضد الطغيان والاضطهاد.

وبناء على ما تقدم تنص المادة الثانية "على أن لكل شخص أن ينتفع بالحقوق وكل الحريات المعلنة في هذا الاعلان دون أي تمييز ولاسيما ما كان قائما على أساس من الجنس أو اللون أو النوع أو اللغة أو الدين".

أما المادة 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان (1948) وهي مخصصة بأكملها للمجال الديني فتقرر:- " لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين. وهذا الحق ينطوي على حرية تغيير الدين أو المعتقد وكذلك حرية اظهار دينه وابداء معتقده بمفرده أو في جماعة. وسواء أكان ذلك جهارا أم خفية وذلك بالتعليم والممارسات والتعبد واقامة الشعائر ".

وقد تمت اضافة " حرية تغيير الدين بناء على اقتراح السيد/ شارل مالك ممثل لبنان بسبب الوضع السائد في بلاده حيث يلجأ اليها أشخاص يُضَطَهَدون بسبب ايمانهم الديني أو بسبب كونهم قد تحولوا عن دينهم الى دين آخر. (3)

على أن هذا النص لم يكن من الممكن ألا يثير رد فعل من جانب الدول الاسلامية حيث أن الاسلام يُظهر عداء لحرية الدين وبصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بتَرك الاسلام. (4)

فقد اعترض ممثل المملكة العربية السعودية على " حرية تغيير الدين " وانضمت العراق وسوريا إلى ممثل السعودية ولكن بلا طائل فقد رُفض إقتراحهم وإعتراضهم. (5)

أما عن مندوب مصر فلقد أبدى تحفظا فيما يخص " حرية الدين " وبصفة خاصة فيما يتعلق بالحق في تغيير الديانة . وذلك لأن الايمان الديني –وفقا لما قاله- "يجب ألا يُغيَّر بلا ترو أو تفكير وكثيرا ما يُغيّر الرجل ديانته تحت مؤثرات خارجية كالطلاق". وكان مندوب مصر يخشى من أن إعلان حرية تغيير الديانة أو المعتقد يعني أن الاعلان العالمي لحقوق الانسان سيشجع مؤامرات بعثات تبشيرية معينة معروفة في الشرق تبذل جهودها في سبيل تحويل شعوب الشرق إلى ديانتها. (6)

ومن الحق القول أن بعض مواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية الموافقة عليها في 16 ديسمبر 1966 تعلن صراحة ووضوح "الحق في الحرية الدينية وذلك في المادة 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 9 من الاتفاقية الأوربية والمادة 13 فقرة 3 من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمواد 18و 19 و 20 فقرة 26:2و27 من الميثاق المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية.

وقد وجد ممثل ومندوب حركة السلام الروماني السيد/ كيرشنر لزاما عليه أن يوضح أنه نظرا لتزايد الشواهد التي تدل على " التمييز والاضطهادات الدينية " في مختلف أرجاء العالم، فان الضمانات التي ترد في الدساتير بشأن الحرية الدينية والتي تعطيها بعض الحكومات لا تبدو مؤكدة تماما وأن القرار الحكومي الذي يعلن حرية الديانة لا تعني بالضرورة أن هذه الحرية سوف تُحتَرم في الواقع العملي. (7)

ويبدو المظهر الفردي لهذه الحرية الدينية في المقام الأول "في حق كل فرد في إتباع ديانة ما أو عدم اتباعها أو العدول عنها ولو أن الارتداد عن الاسلام محظور في الفقه الاسلامي ولا يوجد نص قرآني في هذا الشأن. (8)

وتستتبع الحرية الدينية في المقام الثاني الممارسة الحرة للديانة المختارة وذلك بمعنى الحق في الاظهار العلني للمُعتَقد وممارسة العبادة واقامة الشعائر والطقوس والقيام بالمواكب الدينية . (9)

وكذلك تتضمن الحرية الدينية في المقام الثالث في أن يكون المرء محميا بواسطة القانون والقضاء من كل فعل يمثل تعديا على الممارسة الحرة لديانته.

وعلاوة على ذلك فان الحرية الدينية تنطوي في المقام الرابع على الحق في إقامة احتفالات العبادة والحق في الاجتماع في أماكن مناسبة لاقامة الاحتفالات الدينية. ومن ثم الحق في تأسيس واقامة بيوت العبادة كالمساجد والكنائس والمعابد والمحافظة عليها. (10)

وفي المقام الخامس ينطوي حق الحرية الدينية على حرية تدريس وتلقين التعاليم والمعتقدات الدينية ومن ثم الحث في اقامة مؤسسات للتعليم الديني البحت. وكذلك حق الوالدين في تنشئة أطفالهم على الديانة التي يختارونها وتلقينهم لغات الشعائر والتقاليد.. الخ وذلك ما يتبعه من حرية الطبع وحرية حيازة وكتابة وطبع ونشر الكتب والأعمال المكتوبة والمجلات والصحف مما تكون رسالته تعليم الديانة ونشرها.

نجد اذن على وجه التحديد أن الحرية الدينية تقتضي وتتطلب كافة الحريات العامة تقريبا. ولئن لم تكن أي من تلك الحريات العامة مقصورة على الحرية الدينية فانها جميعا لا غنى عنها من أجل تحقيق تلك الحرية الدينية التي يقع على الدول واجب والتزام باحترامها وحمايتها وأيضا تشجيعها. (11)

بعد أن استعرضنا مفاهيم الحرية الدينية في ضوء المواثيق الدولية لحقوق الانسان نود أن نبين نقاط الخلاف في مفهوم حقوق الانسان.

طبقا للمفهوم الديمقراطي العلماني لحقوق الانسان، تنبع حقوق الانسان عن الشعب فيتميز في كونه يقر مبدأ المساواة أمام القانون دون تمييز على أساس الدين أو الجنس بينما في المفهوم الديكتاتوري الديني فتتبع حقوق الانسان لله أو للدكتاتور الحاكم. فلا يقر المساواة أمام القانون دون تمييز على أساس الدين. وهذا المفهوم تسير عليه كل من النظم العربية الاسلامية الحالية والتيارات الاسلامية المعارضة. فنجد تأثير هذا المفهوم في مجالات عدة نذكر منها:-

1-
في مجال الحرية الدينية: مازالت أكثرية المسلمين وأنظمتهم تعتبر المسلم الذي يترك دينه مقترفا لجريمة الردة مع أن الردة ليست جريمة. فليس لأحد أن يجبر في عبادة الله بخلاف ما يقتنع به ضميره. وان كانت قوانين الدول العربية لا تنص جميعها على قتل المرتد عملا بالحديث النبوي "من بدل دينه فاقتلوه" (ج 5709) فانها تمنع المرتد من الزواج وتعتبر الردة بعد الزواج سببا لفصله عن زوجته (حالة الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته) كما أنه يحرم من وظيفته ويضطر الهروب من بلده (ان استطاع) للنجاة من الموت. إن الحرية الدينية في الاسلام وفي كل البلاد العربية الاسلامية هي طريق في اتجاه واحد فقط لا رجوع فيه (تطبيق حد الردة).

2-
في مجال الأقليات الدينية: فان غير المسلم يعتبر من أهل الذمة فيُمنع الذمي مثلا أن يتزوج من مسلمة بينما يُسمح للمسلم أخذ نساء الذميين والذمي الذي يتزوج من مسلمة يجب عليه أن يعتنق الاسلام وإلا يعتبر مقترفا اثما لا يغتفر. ونشير الى وجود الآف من المسيحيين الذي يعملون في السعودية يحرمون من حق اقامة شعائرهم الدينية ويُمنعون من اقامة كنائس لهم هناك رغم أن السعودية هي التي تبني الجوامع في كل الدول الغربية بلا قيود. ولا يغيب علينا أن مصرنا المحروسة تضع العراقيل كل العراقيل لبناء أو ترميم الكنائس بل هناك بعض الحالات تحتاج لأكثر من ربع قرن لاستصدار قرار جمهوري أو تنفيذ هذا القرار ان صدر. وما كنسة منقطين –سمالوط- ببعيدة عن الأذهان. فمنذ 26 سنة والأقباط هناك يطالبون ببناء كنيسة لشعبها وأكثر من 5000 قبطي محرومون من الصلاة فيضطرون الصلاة واقامة الأفراح والجنازات في الشارع . يالها من حرية دينية منعدمة.

ان الدولة تتحمل المسئولية الأولى في مجال حرية العقيدة المنتهكة في مصرنا فهي تتحمل المسئولية بما يحدث للأقباط من حرمانهم من حريتهم الدينية ليس فحسب بوصفها وكيل المجتمع ولكن بسب ما تقوم به مؤسساتها الدينية والتعليمية والاعلامية من دور حاسم في تغذية مناخ التعصب الديني والكراهية الطائفية وبالتالي رعاية جيوش الظلام.(12)

ان الأقباط لا يطالبون الدولة في هذا المجال سوى باعمال التزاماتها المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الانسان وعلى الأخص:-

أولا: إعمال ما جاء في المادتين الرابعة والخامسة من إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو العقيدة من ضرورة قيام الدولة باتخاذ كافة التدابير لمكافحة التعصب القائم على أساس الدين أو المعتقد واستئصال أي تمييز يجري من هذا المنطلق.

ثانيا: إعمال ما جاء في المادتين الخامسة والعشرين من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من ضرورة أن تَحظر الدولة أية دعوة للكراهية الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف وأية جماعة أو شخص أو أشخاص يقومون بنشاط يستهدف إهدار أي من حقوق الانسان المعترف بها عالميا والمصدق عليها من مصر.

ان حرية العقيدة في مصر في خطر شديد بدرجة لم تعرفها مصر من قبل في تاريخنا الحديث وبدرجة يخشى معها على مستقبل مصر وعلى مستقبل منظومة حقوق الانسان بأكملها.

خلاصة القول أن الفقه الاسلامي يدين الارتداد وهذا ما قاله الشيخ محمد أبو زهرة العضو المصري في مجمع البحوث الاسلامية في دراسته الشاملة للعقوبات والقصاص. (13)

وكما يقول الكاتب الفرنسي بيرونسال هوجوز "ان حرية الدخول في الاسلام مطلقة أما حرية الخروج من الاسلام فمنعدمة ومستحيلة تماما" فان شهرة التسامح الذي يتصف به الفقه الاسلامي لا أساس لها بتاتا.(14) ويندر من الكتاب المسلمين من يقف ضد الاقتصاص من المرتد مستندا الى النص القرآني "لا اكراه في الدين" ومن الكتاب من يرفض قتل المرتد أو حتى سجنه.(15)

ولقد سبق أن أصدرت شعبة الرأي في مجلس الدولة من قبل فتوى تقول "بأن تطبيق القواعد الاسلامية الخاصة بالردة لم تعد تتفق مع الحريات في العصر الحديث ومن بينها الحرية الدينية.(16)

ولقد أجمع الفقه القانوني المصري على بطلان كل ما يقيد حرية الفرد في شأن الديانة وان انكار حق الفرد في اعتناق الديانة التي يرغبها يتعارض مع النظام العام.(17)

ولا يفوتنا أن نذكر أن المجمع المقدس للكنيسة القبطية سبق لها أن رفعت مذكرة الى الرئيس الراحل أنور السادات في فبراير 1977 بخصوص الأساليب التي لا يجوز السماح بها أو قبولها للتحويل إلى الاسلام وإساءة تطبيق القواعد المتعلقة بالردة ضد المسيحيين.(18)

وبعد هذا العرض نقول ماذا ينتظر النظام الحاكم في مصر من احترام حقوق الأقباط الانسانسية وحقوق المواطنة لهم. إن الذاكرة لا تنسى والتاريخ لا ولن يرحم.

ومن له أذنان للسمع فليسمع.

د. سليم نجيب

رئيس الهيئة القبطية الكندية

دكتوراه في القانون والعلوم السياسية

محام دولي وداعية حقوق الإنسان - قاض سابق

عضو اللجنة الدولية للقانونيين بجنيف

Fax: (514) 485-1533

E-mail: ssnaguib@symptatico.ca or ssnaguib@hotmail.com

المراجع

1) كلمة الأستاذ بهي الدين حسن الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان في احتفال المنظمة في 25 نوفمبر 1992 بيوم حرية الفكر والعقيدة على شرف الدكتور فرج فودة – دفاعا عن حقوق الانسان 1988-1993 صفحتي 254 و 255.

2) LALIGANT, Marcel: Le projet de convention des Nations Unies sur l’élimination de toute les formes d’intolérance religieuse, publié par le Centre de Droit International – Université de Bruxelles, Belgique (1977) page 106

3) Aldeeb Abu-Sahlieh, Sami Non-Musulmans en pays d’Islam – Editions Universitaires Fribourg-Suisse ,1977 page 106

4) المرجع السابق - صفحة 308

5) المرجع السابق – صفحة 308

6) Assemblée Générale des nations unies, 3e session, séance plénière 180, 1948, page 913

7) المرجع السابق - صفحة 107 Laligant, Marcel

8) Rondot, P.: La la ï cité en pays musulmans (Presse Universitaire Fran ç aise (P.U.F.) Paris (1960), Page 114 à 116

9) المرجع السابق صفحة 113

10) المرجع السابق صفحة 116

11) Cohen, Jonathan Qérand, L’intolérance raciale dans les droits de l’homme, librairie générale de droit et de Jurisprudence, Paris (1980) page 1972 à 192

12) بهي الدين حسن – المرجع السابق – صفحة 255

13) الشيخ محمد أبو زهرة: القصاص في الاسلام – مجلة الأزهر- القاهرة (1970) صفحة 773

14) Peroncel Hugoz, Jean-Pierre: le radeau de Mohamet: edition lieu commun ( Paris ) 1983 pp 53, 80 99

15) Rajman , S.A. , Punishment of Apostasy in Islam, Institute of Islamic Culture, Lahore 1978

16) الفتوى رقم 582 من مجموعة شعبة الراي القانوني – القاهرة (1976) صفحة 111 الفقرة 34

17) د. عبد الرزاق السنهوري: الوسيط – دار النهضة العربية – القاهرة (1964) الفقرة 231 وأيضا ايهاب حسن اسماعيل: عرض مبادئ الأحوال الشخصية للطوائف الدينية – دار القاهرة للطباعة (1957) صفحة 27

18) د. سليم نجيب: الأقباط عبر التاريخ – طبعة دار الخيال- القاهرة (2001) صفحة 157الى 163

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف