تحسن الأوضاع وإجراء الانتخابات..بين الواقع والأمنيات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ استلام الحكومة المؤقتة برآسة د. علاوي مقاليد السلطة، كان الشارع العراقي يتامل منها أن تنهي المظاهر المسلحة للمليشيات المختلفة وحلها، وكذلك القضاء على البؤر الإرهابية والتهيئة الجيدة للإنتخابات البرلمانية القادمة..وإذا كان انعقاد المؤتمر (الوطني) وانتخاب أعضائه ومجلس رئاسته يشكل نقلة جيدة باتجاه مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجه شعبنا ووطننا، وفي المقدمة منها فرض الأمن والاستقرار وإعادة بناء البلد المخرب والممزق والنهوض بعملية التنمية الإقتصادية وتشغيل اليد العاملة المعطلة والتهيئة للإنتخابات العامة.. ولابد من الإقرار بأن الموعد المحدد لهذه الانتخابات ليس واقعيا في ظل الظروف الأمنية الصعبة والعمليات العسكرية التي تشتد هنا وهناك، والتي تلقي بظلالها المخيفة على حياة وامن ملايين العراقيين.. كما لا يبدو في الأفق أي نية للمحتلين ان يغادروا البلد، سيما وان بناء القواعد العسكرية يجري على قدم وساق ولكن بكتمان شديد، وفي جميع ارجاء العراق.. وها هم اليوم وقد حولوأ بلدنا إلى حلبة للنزالات مع أعدائهم.. وإني اتذكر جيدا حينما خاطب السيد بوش الإرهابيين وتحداهم بمنازلة جيشه في العراق، (كما لو ان هذا السيد قد أرسل جيشه إلى تكساس او كاليفورنيا)، من اجل تصفية حساباته مع هؤلاء الأعداء!! كما لا يمكن ان نغفل، ولو للحظة واحدة، حقيقة ان الجيش الأمريكي لم يات إلى العراق من اجل سواد عيون العراقيين، بل جاء لكي يحكم السيطرة على منابع النفط والهيمنة على المنطقة بأسرها..فالرأسمالية ليست كغيرها، فهي أكثر (مبدأية) تجاه محاربة أعدائها والدفاع عن مصالحها وتنفيذ استراتيجياتها، لأن ما يحركها ويديم بقائها هو جني الأرباح فقط.. وهي لا تتورع باستخدام شتى الوسائل الشرعية منها والغير الشرعية لتحقيق غاياتها.. وفضائح شركات مثل هالبيرتون النفطية والتي رائحتها تزكم الأنوف خير مثال..وسياساتها العدوانية تجاه حركات التحرر ومنها القضية الفلسطينية وتشجيعها لحكومة شامير بانتهاك الأراضي والمدن الفلسطينية وقتل أبنائها، وسياسة الكيل بمكيالين خير شاهد على ذلك..
وقد أراد عدد غير قليل من العراقيين المؤيدين والمطبلين للحرب الأخيرة على العراق، وللتواجد العسكري الأمريكي فيه، إقناعنا بأن كل المواقف السياسية الخاطئة، والجرائم والتدخلات العسكرية التي اقترفتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة فيما يخص العراق والمنطقة والعالم كانت بسبب الحرب الباردة!!ولهذا كانت الولايات المتحدة (المسكينه) أسيرة لهذه السياسة نتيجة التنافس بينها وبين (المنظومة الإشتراكية)،.. وبعد ان أصبحت أميركا القطب الواحد في العالم، تغيرت هذه السياسة وتبدلت أولوياتها.. فأصبحت مفردات مثل (الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، ونظام السوق وإعادة البناء) هي التي تتصدر قائمة مبيعات الولايات المتحدة لدول العالم الثالث الغنية، إلى جانب بيع الأسلحة بالطبع! كما بدأ هؤلاء ومن بينهم من كان محسوبا على اليسار يعيبون علينا استمرارنا انتقاد السياسة الأمريكية ومخططاتها المعادية لطموحات الشعوب ومنها شعبنا العراقي، ويخطئون التحليل العلمي لماهية الرأسمالية وشرورها، من باب إننا ما زلنا أسيري أحكام ومقولات آيديولوجيه أثبتت فشلها بانهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية!! فاليوم، وكما يزعمون، فإن الولايات المتحدة قد غيرت جلدها وتفكيرها وأساليب عملها، وبدات تتصرف بتعقل وبشفافية مع شعوب العالم!! كما وإنهم عن عمد يحاولون تبرأة الولايات المتحدة من جرائمها ويغضون الطرف عن انتهاكاتها القديمة والجديدة. ولكن لا باس، فالأيام التي تلت الحرب والخطوات المريبة والمخطط لها من قبل قوات الاحتلال قد أثبتت صحة مواقف الأحزاب والمنظمات المناهضة للحرب، وستثبت الأيام القادمة أيضا خطأ من يأخذ بتصريحات المحتلين ويعتبرها قانونا ومرشدا له..
أما ما يهمنا نحن العراقيين هذه الأيام هو إعادة بناء وطننا وعلى أسس سليمة لا تسمح مجددا أن يسيطر على مقاليد السلطة دكتاتوريون مستبدون، أو قتلة محترفون، وتحت أي مسميات أو آيديولوجيات ( سياسية كانت أم دينية).. فالنظام الديمقراطي الذي تنادي به معظم التيارات السياسية العراقية، يلقى صداه بين جمهرة واسعة من أبناء شعبنا العراقي، وفي الوقت نفسه تسخر منه وتناهضه بعض المجاميع التي برزت بعد سقوط النظام، حيث كان قد استطاب لهذه المجموعات العيش تحت ظل النظام المقبور.. كما وأن العديد من التيارات الدينية لا تعترف أصلا بهذه الأفكار (الديمقراطية) لأنها (مستورده) وتتعارض مع (تعاليم الإسلام)..و..و..الخ. وإن قبلت بها على مضض، فإنها تحاول تحويرها وبما يخدم توجهاتها..
إذن فهناك فهم غير متجانس لدى العديد من التيارات السياسية لمفهوم النظام الديمقراطي وطريقة بناء مؤسساته وآليات عمله.. وإذا اتفقنا بأن النظام الديمقراطي الدستوري هو صمام الأمان لإعادة بناء الوطن واسترداد استقلاله السياسي والاقتصادي، وجلاء القوات الأجنبية من أراضيه.. فإن ما تقوم به السلطة الحالية والحكومة الحالية بعيد جدا عن تحقيق هذا الهدف.. وذلك للأسباب التالية:
أولا: انهيار هيبة الدولة بسبب تناقض التصريحات والأولويات بين أقطابها، لأن كل واحد من هؤلاء له أجندته ويرى ويفسر الأمور بما تمليه عليه طموحاته السياسية وانتماءاته الفكرية والعرقية والطائفية!! وبذلك فقدت الحكومة العراقية مصداقيتها أمام الجماهير كونها لم تعد حكومة وحدة وطنية كما أرادوا لها أن تكون..
ثانيا: التفاوض مع القتلة والمجرمين والإرهابيين، حيث صرح بذلك رئيس الوزراء د. علاوي، بأنه قد فاوض عددا منهم، وبرر ذلك بأنه يحاول من خلال ذلك عزل المتشددين عن غيرهم!! ناسيا بأن هذا التفاوض يعني وضع سيادة القانون جانبا والعفو عن الإرهابيين وعن الجرائم التي ارتكبوها بحق العراقيين الأبرياء وكذلك العمال العرب والأجانب..إلى جانب أن هذه المناورات تشجع على انتقال عدوى الإرهاب والجريمة إلى مناطق جديدة كما يلاحظ هذه الأيام.. ومن حق الكثيرين ان يعترضوا على هذا الحل كونه يمثل خرقا لأبسط مفاهيم الديمقراطية وسيادة القانون.. كما يحق بطبيعة الحال بعد هذه الخروقات القانونية، لأعوان النظام السابق المطالبة بالعفو عن مجرمي النظام البائد رغم الموبقات والجرائم الكثيرة التي ارتكبوها طيلة فترة حكمهم، فالجريمة بحكم القانون هي واحدة والعقوبة واحدة والعفو واحد!! ومن طرائف الأمور أن المؤتمر الوطني المؤقت والحكومة العراقية المؤقته طلبا من مقتدى الصدر نبذ العنف والانخراط بالعملية السياسية،(ولم يفعل لحد الآن)، وكأنهم بذلك يصيغون مفاهيم جديدة في بناء المؤسسات الديمقراطية، وبمعنى آخر فإن الإرهابي والمجرم والقاتل والعميل لدولة اجنبية له كامل الحق بالإنخراط بهذه اللعبة السياسية، مهما ارتكب من انتهاكات بحق أبناء شعبه، وكما يقولون ويدعون،من أن صناديق الإقتراع هي التي ستتحكم بما يريده غالبية الشعب!! ناسين أنه لا مكان للعقل الإرهابي في المؤسسة الديمقراطية لأنه يتناقض معها ومع مبادئها الإنسانية.. فهناك فرق شاسع بين تلك القوى التي ناضلت وما زالت تناضل من اجل بناء العراق الديمقراطي التعددي، والمؤمنة بالديمقراطية كنظام سياسي اجتماعي وتحترم قوانينه، وبين عصابات تستخدم هذا النظام كسلم للوصول إلى مواقع صنع القرار، من اجل تكريس نهج العنف لفرض تعاليمها وآرائها، كونها لا تحمل برنامجا سياسيا واجتماعيا اولا، ولا تنسجم تعاليمها وأفكارها مع أبسط حقوق الإنسان وحرية المرأة ومؤسسات المجتمع المدني ثانيا، والتي تشكل مجتمعة الدعامة الأساسية لبناء المجتمع الديمقراطي..
ثالثا: تفشي الفساد والرشوة والحزبية والطائفية في جميع مرافق الدولة والحكومة العراقية.. ولم يعد هناك مكان لتحقيق مبدأ تكافئ الفرص بين المواطنين ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.. فالوزارات قد تم تقاسمها طائفيا وعرقيا وحزبيا، واستشرت ظاهرة الرشوة وتوزيع وتبادل الغنائم، من اعلى منصب إلى أصغر موظف..فأصبحت سمعة النظام (الجديد) مشابهة لسمعة النظام السابق فيما يتعلق بتفشي الرشوة والمحسوبية والمنسوبية، والتي هي واحدة من الافات الكثيرة التي تنخر بجسد العراق.. لذلك ينبغي على الحكومة ان تتخذ التدابير القانونية والرادعة اللازمة لمكافحة هذه الآفة، وتقديم المسيئين مهما كان مركزهم إلى المحاكم ليكونوا عبرة لغيرهم..
رابعا: هيمنة الشركات الأجنبية على سوق العمل والعمالة، حيث يتوافد إلى العراق الألوف من العمال العرب والأجانب للعمل في هذه الشركات بدل تشغيل العراقيين الذين هم بأمس الحاجة للحصول على هذه الوظائف مما سيخفف من حجم البطالة المستشرية في أوساط الشبيبة وخريجي الجامعات نساء ورجالا، ويزجهم في معمعمة العمل لإعادة بناء الوطن. فعشرات الألوف من الوظائف في الشركات الأجنبية يشغلها الأجانب ومن بلدان اكثر تخلفا منا..ألا يستحق العراقيون منحهم شرف بناء وطنهم وفي هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العراق؟
خامسا: في الوقت الذي يفترض أن الجميع منغمس حتى الأذنين بمحاربة الإرهاب، والمتمثل بأنصار النظام السابق من بعثيين ومرتزقة متسللين، وكل المتطرفين الإسلاميين سنة وشيعة، نلاحظ زحفا كبيرا لأعوان النظام السابق وكوادره لاحتلال مواقعهم السابقة في جميع مفاصل الدولة (الجديدة) واسترداد ما خسروه من تلك المواقع وخاصة في الجيش الجديد والشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى.. وعندما تريد أن تحاجج من هم وراء عمليات الإعادة والتأهيل، نجد أن لهم جوابا حاضرا وهو عدم وجود الكفاءات التي تحتاج إليها الدولة لتسيير أعمالها ولذلك اعتمدت ثانية على هؤلاء...وبالمناسبة فإننا نشهد تزايد عمليات القتل والخطف والإرهاب بعد إرجاع هؤلاء إلى وظائفهم السابقة.. بينما توضع العراقيل والشروط أمام عودة المفصولين السياسيين وضحايا النظام المقبور إلى وظائفهم تحت طائل من الحجج الواهية!! أيعني هذا أن الدولة العراقية ستعيد تشغيل القتلة والملطخة اياديهم بدم الشعب والفاسدين من أعوان النظام السابق؟ فهل تيبست عروق النبته العراقية الشريفة المخلصة لهذا الوطن، لكي نستعين بالقتلة والذين أثبتوا كفاءة عالية بالقتل والإرهاب في زمن النظام المقبور؟ ها هو الشعب الكردي وتجربته وكوادره الأمنية والعسكرية وكذلك كوادر الأحزاب الوطنية العراقية الأخرى والتي يهمها مصلحة الشعب والوطن.. لماذا لا يجري الإعتماد عليها لضبط الأمن وتسيير عمل الوزارات والمؤسسات الأخرى؟ أم هو الحنين إلى الماضي الذي يدفع هؤلاء للولوج من الشباك بعد أن طردوا شر طردة من الباب.. فعلى القوى الوطنية العراقية العربية والكردية أن تكون دائمة الاستعداد للتصدي الحازم من استمرار تدفق هؤلاء إلى المؤسسات الأمنية والحكومية وفضح المتورطين منهم بجرائم وطردهم من مناصبهم التي لا يستحقونها، وإلا ستكون النتائج وخيمة على مستقبل هذا الوطن وشعبه..
أما مسألة الانتخابات البرلمانية القادمة والتحضير لها وإنجاحها، فإن ذلك يتطلب من الحكومة الإنتقالية الحالية أن تتخذ عددا من الإجراءات الفعالة الكفيلة بنجاح هذه العملية المهمة ومنها: 1- أن تقوم بتصفية كل مظاهر التسلح وحل الميليشيات المسلحة المتعددة، وفرض الأمن والاستقرار في جميع مدن وقصبات العراق، وبدون ذلك لا يمكننا الحديث عن ضمان سير العملية الانتخابية بحرية وبنزاهة.. كما ستبقى هذه العملية شكلية، وغير معترف بنتائجها ولا تلبي الحد الأدنى من طموح ورغبات الشعب، لأنها ستقام تحت تهديد وابتزاز فوهة البندقية وعدم الاستقرار. 2- التهيئة للقيام بالحملة الإنتخابية للأحزاب والمنظمات والأفراد، إذ لم يبق على موعد الانتخابات غير أشهر قليلة ولحد الان لم يتجرأ حزب أو منظمة، أو مجموعه بطرح قائمة مرشحيهم، أو القيام بحملات انتخابية لهم بسبب سوء وتدهور الأوضاع الأمنية والحرب المستمرة..بينما نجد أن الحملات الانتخابية في بلدان العالم الأخرى تجري قبل فترة طويلة من موعد الانتخابات..فمتى سيتعرف الناخب على المرشحين وبرامجهم الإنتخابية؟ 3- السماح لملايين العراقيين المغتربين بالمشاركة في الانتخابات القادمة.. إذ ما زال الصمت مخيما على الحكومة العراقية حول أحقيتهم بالمشاركة في هذه العملية التي كفلها لهم القانون.. فهذا الصمت المريب، إن تمت ترجمته إلى حرمان ملايين العراقيين والمتعددي الكفاءات والقدرات والامكانيات من حق المشاركة، فهذا يعني أن الحكومة قد خرقت مواد الدستور وفقدت مصداقيتها أمام تلك الجمهرة الواسعة من العراقيين.. ولا يمكن تبرير غمط هذه الحقوق من قبل الدولة العراقية، لأنه باعتقادي ويشاركني به الكثير، من ان مشاركة المغتربين في هذه الانتخابات ستكون له آثار ايجابية على سير العملية الانتخابية وضمان حقوق العراقيين كافة.. 4- الانتهاء من عملية الإحصاء السكاني في داخل العراق وخارجه قبل موعد الانتخابات بفترة كافية لكي يتسنى للحكومة دراسة البيانات الكاملة التي ستتمخض عن نتائج عملية الإحصاء، وما يترتب على ذلك من وضع الخطط الإقتصادية والبرامج المختلفة المبنية على تلك النتائج.. كما ستساهم في ضبط عدد النفوس وعدد الناخبين وتوزيعهم حسب مناطق سكناهم لكي يتسنى للجميع الخوض والمشاركة بالانتخابات بشفافية..
فالآمال عند البعض كبيرة بنجاح هذه الحكومة بمهامها وخاصة مهمة إنجاح عملية الانتخابات، بينما تساور الشكوك أعداد لا يستهان بها من أبناء شعبنا في الداخل والخارج، ولكن الكل يحدوهم الامل بأن تسفر عملية الانتخابات عن تعزيز وتوطيد أسس ومبادئ الديمقراطية في بلادنا وبهزيمة الإرهاب واسترداد السيادة الحقيقية لعراقنا الذي طالت معاناته.. فالأيام القادمة ستكون مليئة بالمفاجئات والأحداث وستبرهن مرة اخرى مدى نجاح، او فشل الحكومة المؤقتة بخططها الحالية..