أصداء

رسالة مفتوحة للسيد حسن نصر الله

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


بلغني عتابكم ولكن....

سماحة السيد حسن نصر الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد

فقد حمل إلىَّ صديق مشترك عائد من بيروت منذ أيام رسالة مفادها أنكم عاتبون علي بسبب ما أبديته من آراء في حلقة من برنامج "بلا رقيب" أذيعت على قناة نيو تي في اللبنانية قبل أيام بشأن مستقبل حزب الله، وهو عتاب من عزيز لا يجوز لمثلي أن يتجاهله و"يبقى الود ما بقي العتاب" كما يقول المثل السائر.
وأود ابتداء أقرر في غير مواربة أن حزب الله كقوة مقاومة له من المكانة في التاريخ العربي ما لا يحتاج معه إلى إطراء من شخصي الضعيف، وقد عبرت ولسنوات عن دعمي لحزبكم ما وسعني الجهد وأنتم تعرفون ذلك.
وقبل الدخول لصلب موضوع العتاب أود أن ألفت نظركم إلى أن الود الذي يوجب العتاب كان مفتقدا في موقف سابق اختلفت فيه معكم في التقدير وما كنت أتوقع أبدا أن يكون الخلاف مبررا لرد الفعل الذي اخترتموه. فقبل أشهر وجهت رسالة مفتوحة إلى سماحة مرشد الثورة الإيرانية نشرها هذا الموقع (إيلاف) على خلفية ما بدا أنه موقف رسمي إيراني من أحداث النجف التي قادها مقتدى الصدر، وهي رسالة كنت – وما زلت – على قناعة بأنها مصارحة لا مفر منها من موقع الناصح الشفيق، غير أنني فوجئت برد الفعل يأتي على نحو غير مباشر من "تجمع علماء المسلمين بلبنان"، وهو مؤسسة يشغل عدد من قيادات حزب الله مكانا مرموقا فيه.
وقد علمت من أحد قيادات التجمع أن رسالتي للمرشد استقبلت سلبيا من "البعض" معتبرين أنني أتبنى فيها "خطاب السلفيين"، وأعقب ذلك امتناع مجلة "الوحدة الإسلامية" التي يصدرها التجمع عن نشر مقالاتي التي لم تنقطع فيها لشهور في سلوك "إقصائي" لم يؤلمني بقدر ما أثار قلقي على مساحة الحرية التي كنت أتصور أنها متاحة في الحوار بين أبناء الصف الإسلامي في لفتة قد تمنح المصداقية لما ترمى به الحركة الإسلامية كلها من اتهامات تطعن في مصداقية احترامها لقيمة الحوار وقبول الرأي الآخر.
وبطبيعة الحال توقفت طويلا عند "تهمة" تبني خطاب السلفيين واستشعرت إلى أي حد تستبطن شرائح واسعة من الحركة الإسلامية في رؤيتها لبعضها البعض مخاوف وصور نمطية، وإلى أي حد يمكن أن يفتح الخلاف باب التنابز بالانتماءات، ومع تقديري الشديد لشخصكم الكريم ولقيادات حزبكم من المجاهدين، فإن المصارحة التي أعرف أنني سأدفع لها "ثمنا ما" تفرض علي أن أقول إن ما يحدث قد ذكرني ذلك بسلوك بعض الجهلة – وبعض سيئي النية – الذين يعتبرون كل انتقاد للفكر السياسي للسنة دليلا قاطعا على ثبوت "تهمة" التشيع بحق قائله. وقد كنت أتفهم إلى حد ما أن يصر كثير من السلفيين على موقفهم مني باعتبار الطبيعة المتحفظة لفكرهم، غير أنني انزعجت أيما انزعاج من استخدام المصطلحات نفسها ومنطق التصنيف نفسه من رموز شيعية لها وزنها كرد فعل على موقف خلافي، وهو ما تكرر على نحو مشابه في اختلافكم مع معا أبديت من آراء بشأن مستقبل الحزب.
وكما حرصت دائما كمسلم سني على تأكيد أن التشيع انتماء مذهبي جدير بالاحترام وليس نقيصة يوصف بها صاحبها من باب الاتهام، فإنني أسجل استهجاني الشديد لهذا المنطق الاتهامي في التعامل مع تيار كان – وما يزال – من أهم تيارات الحركة الإسلامية على الإطلاق وهو التيار السلفي، دونما حاجة لتأكيد أن الكل "يؤخذ منه ويرد عليه إلا الرسول صلى الله عليه وسلم".
ونأتي لموضوع المشاركة التلفزيونية الخاصة بمستقبل حزب الله المشار إليها في صدر هذه الرسالة، وأود توضيح ما يلي:
أولا:
أن الحزب نشأ في ظرف سياسي دولي وإقليمي مغاير تماما للظرف الحالي وأن الوجود العسكري الصهيوني في لبنان كان يعطيه مشروعية وطنية كان في حاجة إليها – إلى جانب المشروعية الدينية – ليحقق نجاحه النبيل في أن يصبح رمزا للمقاومة دفاعا عن لبنان كل لبنان، وأن إغفال التحولات التي شهدتها الساحة السياسية إقليميا ودوليا على السواء أمر لا يقره العقل.
ثانيا:
أن الرصيد التاريخي الذي حصل عليه الحزب من "التأييد" داخليا و"التضامن" خارجيا هو رصيد صنعته أولا وأخيرا صورة حزب الله المقاوم، وغير مقبول بأي مبرر أن يصبح هذا الرصيد في لحظة وبجرة قلم طوق نجاة لنظام استبدادي كالنظام السوري في مواجهة مأزق صنعته سياسات البعث البغيضة قبل أن تصنعه رغبة أمريكية أو أوروبية في قطع صلات وثيقة بين سوريا ولبنان.
ثالثا:
أن سيادة لبنان على أرضه شأن لبناني ليس لأحد أن يزايد على موقف اللبنانيين منه غير أنني ألمح خطابا يتصف بالحمق الشديد يتناقله همسا بعض القوميين العرب مكررين المقولات التي حاول بها البعث العراقي البائد أن يبرر ابتلاع الكويت، فأسمع كلاما عن "لبنان الذي صنعته سوريا" و"إمارة لبنان" لا دولة لبنان، ولست هنا في حاجة لأن أذكرك بأن هذه الشرر الذي بدا في الحالة العراقية الكويتية صغيرا اشتعلت منه نار عظيمة اكتوى بنارها العالم العربي كله. وبالتالي فمن حق المهمومين بهم الأمة – بل من واجبهم – أن يحذروا من هذا المنطق الملتوي الذي يبدأ همسا ثم ينتهي نارا ودمارا يدفع الجميع ثمنها.
رابعا:
أن المطالبة بالتغيير الديموقراطي في لبنان وسوريا وغيرهما لن تكون "عورة" يستتر بها أصحابها خوفا من مقصلة الاتهام بترديد "مقولات أمريكية" وطبعا معنى هذا أنها مقولات ملعونة!!!!
ولست هنا في معرض التذكير بأن حقوق الشعوب وحرياتها يعرفها العالم قبل أن توجد دولة تسمى الولايات المتحدة، والحركات الوطنية العربية تطالب بها منذ عقود. وإذا لم يكن الدرس العراقي كافيا لأن يعلمنا جميعا أن التهاون في مواجهة الاستبداد خوفا من "التدخل" جلب "الاحتلال المباشر"، فلو كان للشعب العراقي رأي في القرار السياسي لما ارتكب صدام حسين جريمة الاعتداء على العراق ولا جريمة غزو الكويت، ولا......
والأقرب إلى الصواب أن نتفق على أن التعامل مع الآراء من خلال تصنيفات جاهزة على هذا النحو غير مقبول عقلا بل قد يكون شكلا من أشكال الإرهاب الفكري، فهناك في العقائد "قول المرجئة" أو"قول المشبهة" أو"قول الأشاعرة"، أو.....، أما في السياسة فهناك أجندات سياسية تتشابه وتتقاطع دون أن يبرر ذلك تجاهل مصداقية الآراء والبحث في نوايا قائليها بحثا عن وجه شبه بينها وبين أجندة سياسية لـ "الآخر"، وعندئذ يمكن الاكتفاء بتصنيف الآراء دون مناقشتها.
واسمح لي أن أذكرك ببعض من كلمتكم في استقبال الأسرى الذين أفرج عنهم في الصفقة الأخيرة:
"بالنسبة للعدو، هذا عدو بيننا وبينه حرب طاحنة، ونقر بوحشيته وهمجيته ولكن، حتى الإسلام يدعونا إلى أن نعترف بإيجابية عندما يكون لدى هذا العدو إيجابية. أيا يكن السبب لدى الصهاينة الذي يدعوهم إلى الاهتمام بأسراهم أو بموتاهم أو بأجساد موتاهم فهذا أمر يجب أن يحترم. نحن العدو اللدود لإسرائيل. أنا أقف اليوم وأحترم هذا العدو الذي يهتم بأسراه وبأجساد جنوده، ويعمل من أجلهم في الليل والنهار. بالنسبة إلينا هذه قيمنا ولكن للأسف الشديد عندما تحصل عمليات تبادل يكون لدينا واحد واثنان وثلاثة والإسرائيلي لديه أعداد كبيرة، هذا ليس ناشئا من الخلل في القيم بل ناشئ من الخلل في موازين القوى".
إننا في حاجة ماسة إلى تأكيد قيمة الإنسان قبل الأرض، فالمسلم كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم "أشد حرمة عند الله من الكعبة المشرفة"، وأنت دون شك تعرف كم الدماء التي سفكها النظام السوري من دماء مواطنيه، وهو معيار كان يجب أن يكون مانعا قيام أي تحالف بينكم وبين هذا النظام الفاشي.
خامسا:
من ناحية أخرى فإن كل ما تستبيحه الأنظمة المستبدة من الشعوب العربية يتخذ من أعدائنا مبررا لاستباحة أضعافه واقرأ معي هذا الجزء من حوار مع المنظر العسكري الصهيوني مارتن فان كريفلد (مهندس الجدار العازل) يقول متحدثا عن الفلسطينيين:
كرفيلد: علينا أن نضربهم بقسوة بكل ما بوسعنا..... علينا أن نضرب بكل قوة وقسوة بحيث لا نحتاج إلى ضربة ثانية، إذ يمكن أن نقتل منهم 5000 أو 10000 وإن لم يكن هذا كافياً عندها علينا أن نقتل أكثر.
س: عندها فإن مصر وسوريا ولربما الأردن يشنون علينا حرباً؟
كرفيلد: علينا أن ننفّذ المهمة بسرعة مذهلة وبقوة... بسرعة مثل البرق، حتى إذا ما استوعب العرب ما حدث تكون المهمة قد انتهت، وعندها نعلن عن عزمنا الانسحاب الأمر الذي سيجعل عندهم (أي عند العرب) الحجّة لعدم خوض الحرب... بشكل أو بآخر ما سنفعله بالفلسطينيين هو ما قام به الملك حسين عام 1970 في أيلول الأسود، وهو بالتالي فرض سلطته، أو ما فعله الأسد عام 1982 عندما قتل 30 ألف من أبناء شعبه... يحدثونني أنهم عندما يذهبون إلى حماة ويمرون من جانب المسجد الكبير لا ينظرون إليه لأنه مُدّمر، وشاهد على الدمار الذي حلّ بهم، إن هذا الأمر له أثر كبير.
......................
س: إن الذي سيرتكب جريمة بشعة سيصل إلى المحكمة الدولية في لاهاي؟
كرفيلد: لماذا؟ لقد مات الحسين (ملك الأردن) موتة هانئة على فراشه، وكذلك الأسد.
سادسا:
أن القول بأن الديموقراطية والحريات مطلب مقبول وطنيا لكنه ليس على رأس قائمة الأولويات إنما يعني أن هناك من يحتكر تحديد الأولويات وأن على كل عربي من منطلق وطني أن يقبل راضيا – أو صاغرا – هذا الترتيب وإلا اعتبر خارج الصف الوطني، واسمح لي أولا أن أقرر أن هذا غير مقبول لأن ترتيب الأولويات أمر اجتهادي لا يجوز لطرف أيا كان أن يدعي احتكاره أو أنه محل إجماع.
من الناحية الواقعية فإن القول بأن الأولوية الأولى هي للصراع العربي الصهيوني يتعارض حتى مع توجهات النظام السوري نفسه، ففي 29/ 11/ 2002 نقلت وكالات الأنباء أن الرئيس السوري بشار الأسد اعتبر خلال لقائه النائب الاول لوزيرة الخارجية اليابانية المبعوث الخاص لرئيس الوزراء توشيميتسو موتيغي أن موضوع العراق يعد الاخطر حاليا والصراع العربي/ الإسرائيلي هو الأخطر على المدى البعيد. وأفادت وكالة الانباء السورية سانا أن الأسد ذكر بأن موضوع العراق هو الأخطر حاليا على المدى القريب في حين أن موضوع الصراع العربي/ الإسرائيلي هو الأخطر على المدى البعيد. أ. هـ.
فإذا كان من حق النظام السوري أن يؤخر الصراع العربي الصهيوني في ترتيب الأولوية، فإن من المؤكد أن من حق آخرين أن يتخذوا الموقف نفسه مع اختلاف بسيط هو اعتبار أن الأكثر أولوية والأكثر إلحاحا ليس القضية العراقية بل قضية التحول الديموقراطي في العالم العربي كله.
سماحة السيد حسن نصر الله
إن الصراع العربي الصهيوني هو صراع طويل يبدأ انتصارنا فيه بإعادة تنظيم البيت من الداخل عربيا وإسلاميا، وتأجيل هذا لما بعد انتهاء الصراع معناه أننا قررنا منح العدو انتصارا مجانيا، فمشكلتنا ليست في شجاعة الجنود ولا قلة التضحيات ولا غياب الحماس، بل كانت مشكلتنا وما زالت مشكلة كفاءة حرمنا أنفسنا منها بأيدينا عندما منحنا صكوك غفران لكل مستبد يختبئ وراء القضية الفلسطينية ليفعل بشعبه ما يشاء، بينما هو في الحقيقة يتاجر بالقضية الفلسطينية ويحمي عرشه من خلال التمسح بها وفي مقدمة هؤلاء النظام السوري.
فمن يرفض منح شعبه حقوقه الأساسية لا يمكن أن يكون صادقا عندما يدعي العمل لأجل استعادة حقوق شعب آخر.
ولو كان النظام السوري صادقا لما سقطت الجولان.
ولو كان صادقا لانطلقت المقاومة منها لا من لبنان.
وقد علمتنا التجارب أن الأنظمة القومية ذات الخطاب المتشدد تبالغ في دعم نخب خارج حدودها لتكتسب مصداقية وطنية زائفة وتبرر قمعها لمعارضيها وهو ما فعله النظامان العراقي والليبي لسنوات ويفعله الآن النظام السوري، ولا يجوز لحزب الله أبدا أن يكون شريكا في ذلك مع قناعتي التامة بحسن نواياكم، وأيا كانت الدوافع الوطنية.
إن دمشق التي ضاقت بمواطنين سوريين لأنهم يعارضون حكم البعث البغيض لن تتسع لحسن نصر الله أو غيره من حلفاء سوريا الفلسطينيين إلا في إطار بناء مشروعية مستعارة يستر بها النظام عورة افتقاره الفاضح للمشروعية.
إن المشكلة ليست في مطامع الأمريكيين التي يصر البعض على أنها الدافع الوحيد لأي موقف سلبي من النظام السوري بل هي في المقام الأول مأساة معارضين سوريين تشتتوا في المنافي في مقدمتهم الإخوان المسلمون الذين تربطهم بحزب الله مشتركات فكرية كان ينبغي أن تكون في اعتباركم عندما تقررون أمر مستقبل علاقتكم بالنظام السوري.
وهي أيضا معاناة أقليات سورية في مقدمتهم الأكراد الذين يعنون قمعا مأساويا يمتد لعقود.
إن إبادة الفلسطينيين على يد الصهاينة لا تختلف عن إبادة السوريين على يد البعث السوري، فاختلاف الموقف من جريمة ما تبعا لاختلاف جنسية الجاني أو الضحية هو موقف عنصري يرفضه الإسلام.
والنظام الذي يعتقل معارضيه لعقود متوالية لا يختلف عن النظام الصهيوني الذي يعتقل الفلسطينيين خلف الجدار العازل، ولو تأملت بنية النظام السوري لرأيت جدرانا عازلة لا حصر لها.
سماحة السيد حسن نصر الله
إن التاريخ الذي لن ينسى لك دورك التاريخي البطولي، هو نفسه لن يغفر لك موقفك الداعم للنظام السوري الفاشي أيا كانت الدوافع النبيلة وراء ذلك، وعروبة لبنان لن تحميها البندقية السورية.
وكما يقول المثل العربي: "صديقك من صَدَقك لا من صدَّقك".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مصر في 7 يناير 2005

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف