الدين والسياسة في الإنتخابات العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تشهد الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها في نهاية كانون الثاني 2005، تدخلات عديدة، لم تشهدها انتخابات أخرى في منطقة الشرق الاوسط من قبل. فعلى الصعيد الإقليمي، تختلف وجهات نظر الاطراف الإقليمية حول جدوى إجراؤها في الوقت الراهن. فإيران تصر على إجراء الانتخابات لأنها تعتفد بأنها ستاتي بأغلبية شيعية، اما دول الجوار العربي، خاصة سوريا والاردن والسعودية، فإنها تتخوف من احتمال مقاطعة واسعة من سكان المناطق السنية، الامر الذي يؤدي إلى الاخلال بموازنة سلطة الدولة العراقية في المستقبل. أما على الصعيد الدولي، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا هما أكثر الدول تحمساً لإجراء الانتخابات لأنهما تريان فيها خطوة مهمة لتخفيف المأزق الذي وصل إليه الاحتلال، في حين تتخذ بقية الدول الأوربية، موقف المراقب، استمراراً لمواقفها السابقة من تطورات القضية العراقية.
أما على العصيد الداخلي، فأن الساحة السياسية تشهد إنقساما ً واسعاً، يتمحور حول: الموقف من عقد الإنتخابات في وقتها المحدد، تنوع البرامج السياسية والاجتماعية، التحالفات الإنتخابية والعدد الكبير من القوى والحركات التي تشارك فيها. وبالاستناد إلى هذا الواقع ساقوم بتحليل الخريطة السياسية للانتخابات وتحالفاتها:
1 ـ تدخل واسع لرجال الدين في الانتخابات، حيث أصدرت المرجعيات الدينية العديد من الفتاوي المعارضة والمؤيدة. فالمرجع الشيعي الاعلى، السيد السيستاني، أفتى بوجوب إجراء الانتخابات في وقتها وكذلك وجوب المشاركة فيها، في حين تطالب الكثير من المرجعيات السنية، كهئية علماء المسلمين وغيرها، بتاجيل الانتخابات وتحرم الاشتراك فيها إذا لم تؤجل.
2 ـ يلاحظ الاستخدام المكثف للدين والمقدسات في الدعاية الإنتخابية، فعلى سبيل المثال يعلن مرشحو قائمة الإتلاف الوطني الموحد، تاييد ودعم المرجع الديني الأعلى، السيد على السيستاني للقائمة، في حين يعلن المسؤولون عن القوائم الاخرى، وخاصة القوائم الشيعية التي لم تنضمن للقائمة المذكورة، إن السيد السيستاني، لا يدعم أي قائمة ويدعو الناخبين إلى إختيار القائمة التي تمثل مصالحهم. إن إقحام الدين والرموز الدينية في الدعاية الأنتخابية، بدلاً من البرامج الإنتخابية والتاريخ النضالي للأحزاب المتنافسة، لايخدم الدين ورموزه المقدسة وبنفس الوقت لايخدم التنافس النزيه في الإنتخابات.
3 ـ الإئتلافات والاصطفافات تمتم على أساس، طائفي أو قومي، وليس على أساس سياسي واجتماعي، فأغلبية الأحزاب والحركات الشيعية، كونت الإئتلاف العراقي الموحد، الذي ضم 16 منظمة وحزباً سياسياً شيعياً. والأحزاب الكردية، شكلت قائمة التحالف الكردستاني، من 11 منظمة وحزبا كردياً. وجبهة تركمان العراق المتكونة من 5 أحزاب وحركات تركمانية.
4 ـ تشكل الاحزاب والحركات الدينية نسبة عالية من الكيانات السياسية التي تشارك في الانتخابات، 32 منظمة وحزب من العدد الكلي البالغ 115، أي حوالي 28%.
5ـ إنقسام حول موعد الانتخابات، الأمر الذي يهدد بحدوث مقاطعة واسعة نسبياً، خاصة في المناطق ذات الأغلبية السنية، إذا أجريت في الوقت الذي حدد لها. وقد أصبح هذا الاحتمال مرجحاً بعد إعلان الأحزاب الرئيسية في التيار القومي والتيار الصدري عدم اشتراكها في الانتخابات، احتجاجاً على عدم تحديد جدول زمني لرحيل قوات الاحتلال واستمرار أعمال العنف والإنفلات الأمني. كما أن حركات ومنظمات أخرى لم تشارك لأسباب تتعلق بقدرتها المالية وعدم تكافئ الفرص. إن ذلك يعني إن 91 كياناً سياسياً من مجموع 232 مسجلة لدى المفوضية المستقلة للإنتخابات لم يشارك في الإنتخابات، وهذا يشكل حوالي 40%.
6 ـ حضور بارز للمستقلين، يتمثل بمشاركة 21 قائمة، تضم ثلث عدد المرشحين، 1900 مرشحاً.
7 ـ زيادة نسبة النساء في أغلب القوائم عن نسبة 25% وهي النسبة المثبتة في قانون إدارة الدولة المؤقت.
8 ـ العدد الكبير من المرشحين، 6221 مرشحاً ل 275 مقعداً تتألف منهم الجمعية الوطنية، أي بمعدل 23 مرشحاً لكل مقعد.
9 ـ غياب أو غموض البرامج السياسية، لأغلب التحالفات والقوى السياسية المشاركة في الإنتخابات، الأمر الذي يعكس هامشية الفوارق بين البرامج السياسية ـ الاجتماعية للقوى المتنافسة.
إن التحليل السابق، يشير إلى حالة التشظي التي يعاني منها المجتمع العراقي وحركته السياسية في الظروف الراهنة، حيث نلاحظ محدودية التحالفت السياسية ـ الاجتماعية وضعف التنسيق بين القوى الوطنية العراقية ذات التجربة التاريخية، حيث تخوض الإنتخابات أما منفردة، كالحزب الوطني الديمقراطي، أو مع تحالفات محدودة التأثير، كحركة الوفاق الوطني والحزب الشيوعي العراقي، الذي يشارك ب " قائمة اتحاد الشعب " التي تضم مجموعة محدودة من الديمقراطيين والمستقلين، أو الأنضواء تحت خيمة التحالفات القومية ـ الطائفية، مثل الحزبين الكرديين الرئيسين، الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة، أو المقاطعة، كالحركة الاشتراكية العربية.
*التحليل أعتمد على أرقام المفوضية المستقلة للإنتخابات بعد غلق الترشيح.
فاخر جاسم
كاتب عراقي / السويد
FAKHIR JASSIM
RÖKULLAGATAN 24 C
254 58 HELSINGBORG
SWEDEN
TEL – FAX : 00 46 42 162339