الشابندر وقراءة لمستقبل العراق بين الواقعية والخيال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كعادته مفكرنا الرائع الجرئ الأستاذ الشابندر ينزل الينا بمقال مثير للشجون، مفتّح للعقول، ومنبه للمخاطر، بمقال اسماه (مستقبل العراق بين الوجود والعدم) فهو وضع العراق بين الوجود واللاوجود، وهاتان الحالتان تحملان في مكنون معناهما مثالية الطرح، ومثالية الهدف. الذي يريده الأستاذ الشابندر. فالوجود هذه المفردة المجردة، تعني الوجود بما يشمل من عناصر الوجود المطلق للشئ. بدءاً بخالق الأكوان وانتهاء بالعقل، الأداة القادرة الوحيدة على استمرار وجود الأنسان وقيمه المحافظة على انسانيته.
لذلك لايمكن أن نقدم مثل هذا الطرح دون أن نوجد مساحة معقولة بين الوجود والعدم. فقد يكون لي وجود لكنه ليس في مستوى الطموح الذي يحافظ لي على توازن المجتمع الذي أعيش فيه. وممكن أن لايكون مثل هذا الوجود فيحيل وجودي الى نكد يدفعني للتفكير بالأنتحار. وأنا أرى العراق بهذه الحالة التي هو عليها، أفضل بكثير من وجودات شعوب ليس لها حضور دولي، ولكنها تعمل من الحبة كبة، وتسوق نفسها بأنها قائدة الشعوب، أو عزاً للأسلام و روحه المتدفقة بالحيوية والنشاط.
كذلك لايمكن أن أتقدم بمثل هذه القوة في الجرأة والصراحة، ما لم أضمن المحيط الجديد، والحالة الجديدة المفروضة على العراق اليوم. فتداخل المصالح من خارج الحدود وداخله، وصراع الأرادات الأقليمية والدولية، على بعض فصائل العمل السياسي العراقية. والتباين الحاصل بالنسبة لقرب وبعد هذه الفصائل من الواقع العراقي المعقول، تدعوا الى تأجيل مثل هذا الطرح.
وإذا كنا نعرف رأيكم أيها المفكر باستعمال الصدمة في بناء المجتمع العراقي، والذي يعني الهدم ثم البناء. فسيكون بالضرورة استخدامكم من حيث لاتشعرون بالبقاء على الهدم الحاصل من قبلكم، ليستغله المتحملون على الدين دوليا ووطنيا. وذلك بضرب حتى خلايا الأصلاح التي شدت على جراحها وهي تنتظر فسحة الحرية لتباشر بالبناء من خلال الأصلاح بالعمل، على الأغلبية التي كمت أفواهها سطوت النظام المقبور. مما دفعتها بالأستعانة بحيتان تنتظر اللجوء اليها، لتحيلها ذيول تهش الذبابة عن ظهرها ومؤخرتها. فنحن يا استاذ لسنا أغبياء ولكن صامتون بالقوة. والقوة دفعت الكثيرين ممن مارس حالة التقية أمام همجية النظام المقبور داخل العراق، أو بالأنعزال عن العمل السياسي حتى خارج العراق، هروبا من تأثير من يستغلون حاجتك لاستعبادك.
فالحالة العراقية التي كان عليها الشعب منذ 58 وحتى الآن لو وزعت مصائبها على شعوب الأرض لاندثرت، فكريا وابداعياً ووجودا حضاريا. ونحن نهضنا من تحت الركام نرفع راية التحدي لكل من يريد الغدر بنا. أو يتحين الفرص لالغائنا. فقلم الشابندر ومؤيدي فكره يكفي لان تكون الدعامة لسر وجودنا، نبدع ونفكر ونرسم المستقبل. وعندما أقول نحن أقصد كل العراقيين الذين ذكرتهم برسمك الرائع للفسيفساء العراقي.
فطرحك يا أستاذ تشائمي ومنذ فترة نقرأ لك. فهو يناقض نفسه للأسف، ففي الوقت الذي يرسم فيه هذه الصورة الفنية الرائعة عن الفسيفساء العراقي الجميل، تراه يضعنا بين فكي العدم المخيف. هذا هو العراق منذ القدم يكبو وسرعان ما ينهض. وما علينا إلا أن نرسم خارطة المستقبل السياسية الفكرية، لتدعيم حالة العراق الجديد. واستلام زمام المبادرة لنتقدم المحتلين والطامعين بنا حول الحدود، بوضع صيغة لجودنا الذي نريد. وعندما تبدأ حالة البناء الجديد فستموت الطفيليات أثناءها دون أدنى عناء، لأننا سنمتلك حريتنا وقرارنا، إن نحن توحدنا. وهنا لابد من العمل على مد جسور الثقة المفقودة بين كل مكونات المجتمع العراقي، وهي حجر الأساس بتحقيق كل ما يصبوا اليه فكركم الخلاق.
لقد قدم لنا الأستاذ المفكر صورة مختصرة جدا، لكنها مفعمة بقيم الوجود ومقوماته، وتأريخ عراقي حافل بالأبداع الذي يحمل في طياته عناصر الوجود. فقد قدم رؤياه التي يؤيدها الكثير من مثقفينا لاسيما منهم الأسلاميين، فهو يعرف مساحة محبيه ومريدي فكره. أنا أبصم له بالعشرة على كل ما قدمه لنا وما سيقدمه في الحلقات التالية. لكن لي وقفة ارجو من الأستاذ الطيب أن ينزل الى مستواي، ويوضح لي تسائلي المشروع، حيث تشاؤمي أنا بالأتجاه المعاكس لتشاؤمه هو. فهو يخشى من الداخل وهذا حقه الذي نعرفه تماماً. لكنه مستمر بالتحسن بعد سقوط الصنم ولمسناه في داخل العراق. وأنا أتشائم من الخارج وأقرأ الوضع العراقي، بأن يراد له ديمقراطية ليس على مقاسات شعبنا. وهنا لاأريد أن أقول دولة اسلامية فأنا اتفق معه بكل ما جاء في مقاله كما قلنا. ولكن ليسمح لي التوقف عند سطر واحد من مقاله الذي يقول فيه(هذا التنوع الهائل يعني حتمية الديمقراطية، يعني حتمية الشراكة السياسية، يعني حتمية الحرية، يعني حتمية الحوار، يعني حتمية فصل الدين عن السياسة هنا، نعم، بكل جرأة أقول ذلك.) رائع جدا ما يقوله الأستاذ وجرأته مفهومة. ولكن إذا كان هذا التنوع الرائع يفضي الى حتمية الديمقراطية، فهل حتمية الديمقراطية تفضي بالضرورة الى حتمية فصل الدين عن الدولة؟ وإذا فصل الدين عن الدولة فما هي صورة الفصل؟. فمثلاً الشابندرة وجود فكري ديني رائع ومتدفق، معتدل بكل ما للكلمة من معنى، فهل يحق له ممارسة السياسية والعمل ضمن الدولة؟ وإن كان هذا يجوز. فهل يعني أننا فصلنا الدين عن الدولة والشابندر جسد ديني بشحمه وعظمه وفكره وعقله؟ فهو جزء لايتجزء من الدولة وإن كان خارج منظومتها الوظيفية.
أما إذا كان ابعاد عالم الدين عن ممارسة الحكم، فأنا أطلب أكثر من ذلك، وهو ابتعاده عن الساحة السياسية، واهتمامه في المجال العلمي، حيث له كل الحق بتدريس السياسة التي يراها مناسبة للمجتمع وفق التعاليم الدينية، لكنه يحرم من ممارستها، باعتبار وجدوه فيها يمثل قيم الدين التي لاتستطيع مجارات السياسة اللادينية، إلا من خلال السياسي الأسلامي الذي يستمد تشريعه من العالم.
ومن الجانب الآخر فكلمة فصل الدين عن الدولة يراد بها من قبل التطرف العلماني، هو عزل الدين عن المجتمع كله. بحجة فصله عن الدولة، فهل يستطيع السياسي الذي يستمد فكره من الأسلام أن يحافظ على وجوده. وهنا أيضا صار من الصعب استعمال كلمة فصل الدين عن الدولة فهذا الناشط السياسي الأسلامي هو جزء من حالة من حالات الدين، فأين سنضع موقفه من الدولة وموقف الدولة منه؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تطرح نفسها من الدينيين الأسلاميين التنويريين كما أسماهم الأستاذ.
واليوم تجري في بغداد التحضير لديمقراطية لاتقتصر بفصل الدين عن الدولة، بل فصل الجيش والشرطة وجهاز المخابرات عن الدولة، وبهذا نعيش في ظل اجهزة منفصلة عن بعضها متسلطة على بعض. وفي هذه الحالة كيف نستطيع فصل القضاء عن هذه الفصائل المنفصلة؟ ولمن سينحاز القضاء وهل يستطيع الأستقلال؟
وهل يوجد في الديمقراطيات سيطرة الجيش، وقوى الأمن والمخابرات على الدولة، في وقت لايسمح للدين أن يشرف على الدولة اشرافا اصلاحياً حتى. ألم تكن الأمبراطورية التي ذكرتها فيها من الدين الكثير عندما قلت (العراق الذي دشن أول نظام أمبراطوري سياسي، عراق الكوفة وبغداد والبصرة.)
أعتقد اننا لابد لنا من ترك الدين وحاله اليوم، فالدين الأسلامي فكر حاله حال الأفكار الأخرى لابد له من أن يذوب في الدولة، لاأن يسيطر عليها. وذوبانه بها ليس في طريقة الحكم، بل على الدولة أن تقنن عمل الجهات الأجتماعية والسياسية، وفق ضوابط الحقوق والواجبات، التي تسمح للجميع التعاطي بها وفق القانون. وبهذا وضع الطرفين أمام القانون، الدولة والمجتمع.
لذلك علينا أن نترك الوضع السياسي العام ولننشغل بوضع ديمقراطية تنبع من قيمنا، مستعينة بتجارب العالم أجمع. ونرص الصفوف ونوحد الكلمة، لوضع دستور يحدد مساحة كل وجود وفق مواده التي ستستفتى عليها الأمة وما خالف ذلك فهو باطل.
وأسئلة أخيرة أرجو من الأستاذ الأجابة عليها في حلقاته الآتية حيث قال(نتحدث في حلقات مقبلة أن شاء الله تعالى..) وهي هل يضمن لنا الأستاذ الشابندر بأن تكون الجمعة ( عيد محمد (ص) ) عطلة رسمية في الدولة العلمانية؟ وهل يضمن لنا أن تعطل الدولة في أعيادنا الأسلامية مثل الفطر والأضحى والغدير؟ وهل يضمن لنا من أن لايعزل الدين في التكايا والمساجد والحسينيات، ويحرم التعاطي به سياسياً؟ وهل يضمن لنا أن لايكون الجيش المطرقة التي تقع على رأس كل من يتكلم بالسياسة من الأسلاميين كما يحدث في تركيا؟ وهل يضمن للمسلم المتدين أن لايمنع من الدخول الى قطعات الجيش وقوى الأمن وإن كان متسقلاً؟
ألم تبتلع فلسطين باسم الأصلوية الصهيونية، ولاتزال تتمسك بها؟ ألم يكن كل رؤساء أمريكا متدينين؟ ألم تؤسس ولاتزال أحزاب مسيحية ديمقراطية في عموم العالم؟ هل فصلت أوربا حقا الدين عن الدولة؟ فلماذا يا أستاذ ويا أيها العلمانيين العرب نمنع نحن من حيث يمارس العالم حقه بالرأي وإن كان دينيا؟
أرى طرحكم سيدفع الكثير من الأسلامويين من التحرك لضرب العملية الجديدة، وهم بأمس الحاجة الى رعايتكم باعطائهم الجرع الشافية، بعد اكمال دراسة مساحة الوعي لديهم. فحتى الجسم عندما يزرق بجرعات دواء لعلاج مرض ما، لابد للطبيب من التأكد من قوة تحمل الأعضاء السليمة له.
زهير الزبيدي
05 / 02 / 2005