أصداء

قمة الجزائر: أي مقابل للسلام؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

انتهت في الجزائر أشغال القمة العربية العادية شكلا ومضمونا والمتميزة بالحضور الدولي اللافت، وأعلن العرب مبادرة سلام مهترئة كان شارون أول رافضيها لأنها في نظره متخلفة عن المسار الذي وصلت إليه عملية السلام حتى هذه اللحظة كما قلل من شأنها نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية آدم إيرلي، وتكلم السيد أمين عام الجامعة العربية حول أن العرب لن يقدموا تنازلات بدون مقابل لإسرائيل مع أن الرأي العام العربي والدولي يعلم تماما سيل الاتصالات والمبادلات التجارية والعلاقات الخاصة جدا بين تل أبيب والعديد من العواصم العربية دون أدنى مقابل سوى رضى وعطف الإدارة الأمريكية وتعطيل الإصلاح المزعوم.

وخلص إعلان الجزائر إلى أن السلام من خلال مبادرة قمة بيروت خيار عربي استراتيجي كما أن التضامن العربي والحفاظ على الأمن القومي ضرورة تاريخية تمليها الظروف الأمنية وتنامي الإرهاب في المنطقة ثم التدخل المتواصل للولايات المتحدة أساسا في الشأن العربي الداخلي، والعرب بهذا كأنما يعلنون للعالم أنهم غير صالحين للإصلاح ولو على المقاس الأمريكي.

إعلان الجزائر أشار بشكل محتشم إلى الملف العراقي مكتفيا بالتشديد على ضرورة تطبيق القرار الأممي رقم 1546 القاضي بتمتيع العراق بالسيادة دونما أدنى إشارة إلى موقف عربي محدد من الاحتلال وممارساته اليومية الحاطة من كرامة وحقوق العراقيين، فيما فرضت التطورات على المستوى السوري اللبناني زيادة بعض العبارات الرافضة لأي نوع من العقوبات على سوريا..

إذن انتهت " قمة الإصلاح " كما سابقاتها بإقرار سريع لمجمل التوصيات دونما تقدم ملموس على شكل مشاريع واقعية يمكن أن تجسد التضامن والعمل العربي الحقيقي، وبقيت السوق العربية المشتركة أملا يراوح مكانه فيما البرلمان العربي مؤسسة منشودة وقد لا تفي بأكثر مما تفعله البرلمانات المحلية للبلدان المشاركة في القمة، ويبقى أن القمم واللقاءات الثنائية بين القادة العرب قد تحقق بعض النتائج على مستوى رأب الصدع وتقريب وجهات النظر والتفاهم العربي المشترك.

ولعل أبرز ما طرح في نظري على الأقل وفي غياب المشروع العربي الواضح والمتكامل هو مقترح رئيس الوزراء الإسباني السيد ثاباتيرو الذي سبق وأن طرحه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شتنبر 2004 والداعي إلى إقامة تحالف حضاري بين الغرب و العالمين العربي و الإسلامي، يعتمد الندوة الأورو- متوسطية لبرشلونة كإطار مرجعي للتنفيذ وفق آليات تراعى فيها الجوانب السياسية والثقافية والتربوية للأطراف المؤلفة لهذا التحالف، وسبق للأمين العام الاممي السيد كوفي عنان أن أعلن دعمه لهذه المبادرة غير ما مرة كان آخرها خلال القمة الدولية حول الديمقراطية و الإرهاب المنعقدة مؤخرا في مدريد.

ومن شأن هذا المشروع الذي تدعمه أطراف أخرى كثيرة منها الجامعة العربية إن تهيأت له أسباب التحقق أن يشكل منافسا لمشروع الهيمنة الأمريكي الشمولي ويقوض أسس الحرب الاستعمارية الجديدة ضد العرب والمسلمين بدعاوى القضاء على الإرهاب والإصلاح الديمقراطي بينما ثروات شعوب المنطقة ومقدراتها الطبيعية هي المستهدف بالأساس. على أن المشروع الإسباني لا يخلو أيضا من المثالب وقد تكون له تداعيات في ما يخص الصراع العربي الإسرائيلي من حيث ترسيخ الوجود الصهيوني في المنطقة وإحلال التحالف المشترك مع إسرائيل محل التطبيع، وقد لا تكون المبادرة ردا على نظرية صراع الحضارات وإنما هي أيضا رد على ما يسميه بعض الصحفيين الغربيين بتحالف الأصوليات. ويخشى بعض الإسلاميين من كون هذه الدعوة مناسبة لتكريس التفوق المادي الغربي واستهدافا لمشروع الصحوة الإسلامية وللهوية الحضارية للأمة. بينما يرى فيه مناصروه فرصة كبرى لتحقيق السلم العالمي والإخاء بين الشعوب والحضارات والبديل الأمثل لحل النزاعات على المستوى العالمي وإشاعة ثقافة الحوار والتسامح بين الجماعات والأديان. غير أن مثل هذا التحالف تعوقه الهوة الهائلة الموجودة بين أطراف الحوار مما قد يؤدي في النهاية إلى تحالف تبعي يسيطر عليه قانون إذعان الغالب للمغلوب.

سعيد مبشور – المغرب –
mabchour@myway.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف