جلال الطالباني مواطن كردي رئيسا للعراق، لم لا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سيظل يوم السادس من أبريل لعام 2005، يوما مشهودا ومميزا في التاريخ العراقي خاصة، والعربي بشكل عام، فقد شهد هذا اليوم لأول مرة في التاريخ العراقي الحديث منذ عام 1920، إنتخاب رئيس الجمهورية من قبل الجمعية الوطنية ( أي البرلمان أو مجلس الأمة )، بعد أربعين عاما من تسلط حزب البعث وقمعه وجرائمه التي طالت العرب والأكراد من كافة المذاهب والملل، وهي سابقة أيضا في تجربة الأقطار العربية التي تعودت على الرئيس المفروض بإنقلاب عسكري في الغالب أولا، ثم إنتخابات مزورة نتيجتها دوما التسعات الخمسة، وقد تفرد الدكتاتور البائد صدام في أن الإنتخابات الشكلية التي نظمها قبل سقوطه، كانت نتيجتها مائة بالمائة، ولم يتبادر لذهن الديكتاتور ومن حوله أن هذا يعني أنه في يوم الإنتخابات لم يمرض ولم يمت أي عراقي ممن لهم الحق في التصويت. العلامة المميزة الثانية في هذا اليوم وذلك الإنتخاب أنه للمرة الأولى في التاريخ العراقي والعربي الحديث، يتم إنتخاب مواطن عراقي من الأصل والقومية الكردية رئيسا لكل العراق الموحد بعربه وأكراده وبقية الأصول والملل والأديان. في العرف الديمقراطي السائد في الدول العريقة بممارساتها الديمقراطية، هذه مسألة طبيعية، تحدث بإستمرار دون توقف الإعلام عندها، فلا أعتقد أن الإعلام الأوربي والأمريكي يهمه أو يلفت نظره إن كان الرئيس أو رئيس الوزراء كاثوليكيا أم بروتستانيا أم أرثودكسيا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا يسأل أحد عن أصل الرئيس الأمريكي على إعتبار أن الشعب الأمريكي حديث التكون، فلا يسأل احد هل اصول هذا الرئيس من بريطانيا أو فرنسا أو إيرلندا...إلخ. ولكن هذه المسالة في غاية الأهمية والحساسية في الأقطار العربية كافة، حيث منطق العشيرة والأغلبية هو السائد، وبالتالي يجلب معه روح السيطرة والمصادرة التي تجلت في بعض الأقطار بالتهميش لقطاعات واسعة من الشعب، وفي أقطار أخرى كانت تجلياتها بالقمع والمذابح كما ساد في زمن البعث الصدامي طوال قرابة أربعين عاما، فقبل حربه ضد إيران عام 1979، قام بتهجير عشرات الآلآف من العراقيين على أنهم من أصول فارسية، وإرتكب مجازر متواصلة بحق الشعب الكردي من مذبحة حلبجة الكيماوية إلى حملات الأنفال وما بينهما وما بعدهما، دون أن ننسى محاولاته الدؤوية في التطهير العرقي، حيث حاول نقل وتوطين العرب في المناطق الكردية، لمسح صبغتها الكردية، و هاهو العالم منذ عامين مشغول بعمليات التطهير العرقي التي ترتكبها عصابات النظام السوداني المسمّاة ( الجنجويد ) بحق أبناء شعبهم السوداني في (دارفور ) فقط لأنهم من أصول أفريقية، ولم يشفع لهم إدعاء نظام البشير أنه يحكم بإسم الإسلام، فقد تم قتل الآلآف وتهجيرهم وإحراق بيوتهم ومزارعهم، ولم يشفع لهم التاريخ الإسلامي المشرّف لإمارة دارفور الإسلامية، ورعايتها وكسوتها للكعبة المشرفة سنوات طويلة ؛ ومنطق البغي هذا والظلم هو الذي قاد ويقود نظام الطاغية البشير لقتل وسجن ونفي القيادات الإسلامية التي أوصلته للسلطة، فأنقلب عليها.
إنطلاقا من هذه الممارسات الخاطئة المحّرمة دوليا، كان مشهد إنتخاب المناضل الكردي الأستاذ جلال الطالباني، رئيسا للجمهورية العراقية حدثا فريدا ومميزا، وقد قوبل في داخل العراق بترحيب الأغلبية الساحقة في الجمعية الوطنية، وبادر غالبية رؤساء وملوك وأمراء الدول العربية لتهنئته متمنين الأمن والإستقرار للعراق والعراقيين كافة في ظل رئاسته....وقد لفت إنتباهي تكرار توصيف واحد لهذا الحدث المميز في العديد من وسائل الإعلام العربية، فقد تكرر القول : ( أول رئيس غير عربي لدولة عربية )، وهذا التوصيف غير دقيق تاريخيا، ويدل على دهشة وشبه رفض عربي مكتوم...لذلك كان عنوان هذه المقالة : ( مواطن كردي رئيسا للعراق..لم لا ؟؟. ). وعدم دقة هذا التوصيف نابعة من الحقائق التاريخية، فجلال الطالباني ليس أول رئيس غير عربي لدولة عربية، فقد سبقه في ذلك العديد، فقد حكم الحكام والولاة الأتراك غالبية الأقطار العربية حوالي أربعة قرون، ورغم بطشهم وجرائمهم إلا أنه قبيل الحرب العالمية الأولى عند إتفاق الشريف حسين بن علي مع الحلفاء ضد الأتراك، كانت هناك حركة أو إتجاها عربيا يرفض التحالف ضد الأتراك بحجة أنهم مسلمين، فلماذا ننسى أن جلال الطالباني مسلما، وليس وافدا بالقوة والغطرسة كالولاة الأتراك، بل هو إبن العراق فيها ولد ونشأ وترعرع وناضل ؟؟. هل يصدق عقل أن أحد الولاة الأتراك الذي عرف بجرائمه ومشانقه لمعارضيه في بلاد الشام، عُرف بإسم (أحمد باشا الجزار )، ورغم كل مجازره حتى هذه اللحظة هناك شوارع بإسمه ( أحمد باشا الجزار ) في أكثر من مدينة عربية ؟؟؟. والحالة الأقرب إلى الأذهان هي حالة ( محمد علي باشا ) الذي حكم هو وأولاده مصر سنوات طويلة، فهو من اسرة ( المماليك ) جمع ( مملوك ) أي مملوكا لغيره، ومن المؤكد أن أصوله من ألبانيا، ورغم ذلك حكم مصر، وأرسى فيها بدايات النهضة، وقاد حروبا لتوحيد مصر وبلاد الشام، وكان أكثر إخلاصا لمصر من غيره من حكامها العرب...
من هذه المنطلقات الحضارية الديمقراطية، يكون الحكم على الحاكم أو الرئيس ( مواطنيته ) وليس أصله وفصله، ومقياس المواطنية هو الإخلاص للوطن، والإخلاص والتفاني في خدمة الوطن لا علاقة له بالأصل، فكل الحكام العرب الحاليين من اصول عربية، ورغم هذه الأصول، ها نحن نرى ونعيش قمعهم وجرائمهم وفسادهم، حتى تحول شعار ( بلاد العرب أوطاني ) إلى ( بلاد العرب أكفاني )!!!. إزاء ذلك فلم لا يجرّب الشعب العراقي رئيسا للعراق من أصول كردية هو الأستاذ أو المام جلال الطالباني، والعديد من القرائن تؤشر على أنه سيكون أخلص وأنفع للعراقيين :
1. إن نضاله الطويل من أجل حرية الشعب الكردي، وتجربته الطويلة في المنفى، من المؤكد أنها ستجعله أكثر رحمة على شعبه العراقي، عربا وأكرادا وباقي الطوائف والملل والنحل، لأن من جرّب الظلم من الصعب أن يكون ظالما. 2. إن علاقاته العربية الواسعة خاصة مع الأحزاب السياسية التقدمية العربية، من شأنها أن تجعله أكثر حرصا على هذه العلاقات وهو في موقع الرئاسة، وفي السبعينات ونحن في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لم نكن نصدق في بيروت، أن جلال الطالباني من أصول كردية وهو شبه مداوم في مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في زمن المرحوم غسان كنفاني. 3. وهذا هو الأهم أن جلال الطالباني رئيس منتخب من الجمعية الوطنية العراقية، التي ستراقب أداءه الرئاسي، ولن تسكت على أية أخطاء أو تجاوزات، فقد ولى عهد الحاكم الفرد الذي حوّل العراق مزرعة لفساده وجرائمه...
4. إن القبول برئيس كردي للعراق، يعني الإعتراف بأن من ينتخبه الشعب هو الجدير بذلك، وفي إختيار جلال الطالباني إعتراف جريء بأن العراق لأبنائه جميعا، لا يحق لقومية أو مذهب أن يتسلط على الاخرين ويصادر حرياتهم، والجمعية الوطنية العراقية التي إختارته رئيسا، تقول صراحة : إن مستقبل العراق الموحد المضمون هو في الإعتراف بكل قومياته ومذاهبه على قدم المساواة، كما إنه رسالة ميدانية واضحة للشعب الكردي، بأن زمن القمع والتهميش والتعريب القصري قد ولّى بلا رجعة...فلنجرّب رئاسة المام جلال الطالباني، فربما تكون تأثيراتها العربية واضحة، لأن التفرقة الممارسة في الأقطار العربية تفوق كافة العنصريات، فهل من المعقول أنه لم يتقلد أي مسيحي عربي منصب الرئاسة في أي قطر عربي، بما فيها مصر البلد الأصلي للأقباط البالغين حوالي عشرة ملايين من مجموع الشعب المصري ؟؟. وهل من العدل أنه في كل وزارة مصرية بالكاد يكون هناك وزير أو وزيران مسيحيان ؟. وطوال عهد عبد الناصر كانت وزارة التموين محجوزة لرمزي إستينو، لدرجة أن المصريين، كانوا ينكتون قائلين : الريس بيعطي وزارة التموين لرمزي إستينو المسيحي، علشان كل ما تصير أزمة تموين الناس يقولوا : آه..ما هو بسبب الوزير المسيحي !!!وتصور الحالة و مصر من ستين عاما وهي تعيش مشكلة تموينية، وإعتمادها في الغذاء أساسا على المعونة الأمريكية التي تفوق مليار ونصف دولا سنويا !
لذلك...الحذر..الحذر مام جلال..فالعيون من المشرق إلى المغرب مصّوبة عليك، وتذكّر أن العرب حتى اليوم، يخلّدون جد أجدادك البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي، لأنه إنتصر وحرّر القدس، ولكن لو إنهزم أمام الصليبيين، وحياة القدس والأقصى الشريف، لكان تعليق العرب من المشرق إلى المغرب : عيني..واحد كردي..شو بيطلع منه غير الهزيمة....
نعم مام جلال : التاريخ يكتبه الأقوياء...ولكن بالعدل والحرية والمساواة !!!.
* كاتب المقال أكاديمي فلسطيني، مقيم في أوسلو ahmad64@hotmail.com
* تنبيه و رجاء للإخوة والأصدقاء والأحباب العراقيين : لا يعلق أحدكم قائلا..عيني شو دخلك إنت الفلسطيني بالرئيس العراقي !!. أنا أكتب مجرد رأي كي أطبق الشعار القومي ( بلاد العرب أوطاني )، وهو مجرد رأي غير ملزم لأحد، خاصة أن الذي إنتخب جلال الطالباني رئيسا هي الجمعية الوطنية العراقية، وأنا لست عضوا فيها، يعني ما إللي دخل بالإنتخاب !!!.