أصداء

هل حقا انّ العرب مهووسون بالعنف؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في مقالته المنشورة في إيلاف يوم الأحد، 10 نيسان 05، وبعنوان "الهوس العربي بالعنف"، يحشد د. محمد عبد المطلب الهوني جل طاقته لصب جام غضبه وما تيسر له من نعوت، لا تتسم في غالبيتها بالموضوعية، على العرب، الذين نفترض، وقد يكون افتراضنا في غير محله، انه ينتمي اليهم. والغريب ان د. الهوني يتحدث عن هوس العرب بالعنف ولو ان مقالته أخضعت لفحص مختبري لوقع الكاتب في مأزق لا يحسد عليه لما يتجسد في هذه المقالة من "العنف" المعنوي الذي لا يقل شأنا عن أي عنف يقصده الكاتب.
فهل المقصود بالكلام هو العنف الجاري في العراق حاليا، والذي يحصد يوميا أرواح الأبرياء؟
ولكن لماذا يربط هذا العنف ب"العرب"؟ أليس من يفاوض ويدير العملية السياسية في العراق هم من عرب العراق الذين يشكلون الأغلبية؟ الا اذا كان المقصود ان "الشيعة" هم ليسوا عربا! وان من يقوم بكل هذا العنف هم العرب " السنة"!
اما اذا كان المقصود هم "العرب"، كافراد أو جماعات، القادمين من خارج حدود العراق لتنفيذ عمليات انتحارية أو غير ذلك من نشاطات معادية أو ارهابية؛ فان في اللغة العربية ما يسع الكاتب معه التعبير عن هؤلاء الأفراد أو الجماعات ووصفهم بدقة لا تسمح بأي لبس.

فما هو العنف الذي يقصده الكاتب فعلا؟
هل هو عنف الجماعات المتطرفة، بشقيها العربي والاسلامي؟
هل هو عنف الحكام العرب ضد شعوبهم؟
هل هو عنف الشعوب ضد حكامهم؟
هل هو عنف المجتمع ضد مكوناته؟
هل هو العنف الذي تمارسه بعض مكونات المجتمع ضد البعض الآخر؟

اننا نعلن، منذ البداية، اننا نتبرأ من العنف بكل أشكاله ومن جميع مصادره ولا نعتقد انه الأسلوب الأمثل الذي يمكن ان يحقق الانسان من خلاله أي هدف.
لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين لهذه المداخلة مع مقالة د. الهوني بعد ان استبد بنا الغضب لما فيها من عسف وتجن وجور ومغالطات ولي لعنق الحقائق. فالكاتب يستخدم لغة تعسفية لا تتسق مع المنظور اللاعنفي الذي يتبناه والذي يدعو "العرب" لاعتناقه، ومن ثم اتخاذه أسلوبا للحياة.
خذ هذا المثال من أسلوب الكاتب: " العنف عند العرب أضحى هدفا في حدّ ذاته، لا وسيلة لتحقيق غاية لا يمكن إدراكها إلاّ به.
هذه جملة مستلة من مقالة د. الهوني، وهي جملة غامضة تتسم بالتعميم والاطلاق. فمن هم "العرب" هؤلاء الذين تقصدهم العبارة؟ هل هم العرب الأفغان؟ أم عرب فلسطين؟ أم عرب العراق؟ أم عرب السعودية؟ أم عرب أمريكا أم عرب أفريقيا؟ أم عرب أوربا؟ أم عرب أمريكا اللاتينية؟ أم عرب الجولان؟ فالعرب اصطلاح فضفاض يبدأ الحديث عنه ولا ينتهي. وهل حقا ان العنف هو المحور الذي تدور حوله حياة " العربي"؟ وماذا عنه هو، ان كنا سنسير وفق الافتراض السابق، فهل يقر هو بعنفويته، وفق المبدأ الذي يريد ان يطلقه الكاتب:" انت عربي، اذن انت عنيف"!
وماذا عني أنا، مثلا، فانا "عربي" مسالم، لا أعادي امريكا، رغم تقاطعي معها في العديد من القضايا، وأحب الأكراد حبا جما، ولا أشعر بأية مشاعر غير ودية اتجاه التركمان، ولا أدعو الى ذبح اليهود، بل الى حل مشكلتهم الأزلية فنحن كلنا لآدم وآدم من تراب، وكنت من مناوئي النظام الساقط في العراق وأقفت تقريبا كل ابداعي ضد رأسه. وأحب الديمقراطية التي تنبع من الشعب كزهور النرجس، وأدين بمبادئ العدل والحق والتسامح، وأشعر، وانا العراقي، بأن العراق هو موطن التسامح الحقيقي، ففيه انصهرت وتآخت الكثير من الثقافات والأعراق والاديان حتى صار بوتقة للوئام والمحبة. أفبعد كل هذا، وهو أمر يشاركني فيه الآلاف من المثقفين والمبدعين "العرب"، ويصطف معنا على نفس المبدأ الملايين من "العرب" المنتشرين في كافة أنحاء العالم، أقول، أبعد كل هذا يمكن أن نوصف بأننا "ارهابيون" أو "عنفويون"، أو "منحطون"! لا لشيئ الا لأننا "عرب"!
واستخدام الكاتب لكلمة "العربي" و"العرب" بهذا الاطلاق والتعميم توحي وكأنه لا يعرف عن العرب أي شيء وانه يستقي معلوماته من أفلام هوليوود والكتابات المعادية للعرب والتي تعتمد على اسلوب ال"ستيريوتايب"في معالجاتها للشأن العربي! فقد رسخت هذه المصادر صورة نمطية لدى القارئ والمشاهد الغربي/الأمريكي عن العربي وحصرته في صورة الثري الباحث عن اللذة، أو الارهابي، وتأخذك الدهشة وأنت لا ترى العرب ممثلين الا من خلال الجمل والخيمة والصحراء! فكم من الغربيين، واعني عامة الناس وليس النخبة، يعرفون نازك الملائكة ومي زيادة وبدر شاكر السياب وطه حسين وجبران خليل جبران(وقد يكون حظه أوفرا في أمريكا باعتبار المواطنة وانه كتب بالانجليزية مباشرة ونشر في أمريكا، ومن المفارقة ان أذكر هنا ان أحد الشعراء الأمريكان سألني عن اللغة التي يكتب بها نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب!) وفيروز وبشير منير وعدد لا يحصى من المثقفين والمبدعين العرب الذين أضافوا وأسهموا في احداث نقلة جوهرية في الوعي العام العربي وادخاله، أي الوعي، مرحلة الحداثة وما بعدها.
ثم ما معنى " لا وسيلة لتحقيق غاية لا يمكن ادراكها الا به"؟ فاذا كانت هناك غاية لا يمكن ادراكها الا بالعنف فما ذنب العرب اذا لم يجدوا بدا من استخدام العنف، باعتباره الملاذ الأخير؟ وأي شعب في العالم لم يلجأ الى العنف حين كان العنف مبررا أو غير مبرر؟ أليس هذا ما فعلته أمريكا بغزو العراق واحتلاله؟ هل يعتقد الكاتب ان أمريكا أسقطت نظام صدام حسين بتغطية بغداد وضواحيها بالورد والياسمين فلم يجد ذلك " الجرذ" بدا سوى الهرب لأنه يكره العطور التي رشت على العراق من أقصاه الى أقصاه! هل سمع الكاتب عن "شيء" اسمه "الصدمة والترويع"؟، وهذا قطعا لم يكن قطعة حلوى أو قوالب شوكولاته! وهل كانت أمريكا مضطرة فعلا لضرب اليابان بقنابل نووية راح ضحيتها الآلاف المؤلفة من الأرواح؟
هل في معلومات الكاتب ان بريطانيا حلت مشاكلها مع الارجنتين حول الجزر المتنازع عليها بتبادل بطاقات بريدية تحمل شعار فالنتاين؟
كم قتل الفرنسيون من "العرب" في الجزائر؟
وألمانيا في أوربا؟
وأوربا في ألمانيا؟
كم قتلت أمريكا من مواطنيها الأصليين، الذين يسمونهم " الهنود الحمر"؟
هل يعرف الكاتب الحروب التي خاضتها أمريكا داخل حدودها وخارجها؟ هل يعرف الكاتب ان أمريكا خاضت حربا شرسة ضد التاج البريطاني كي تنال استقلالها؟ هل سمع عن حرب أمريكا ضد المكسيك ووصول الجيش الأمريكي الى العاصمة مكسيكو واحتلالها؟
عن أي عنف نتحدث حقا؟
هل يعرف الكاتب ان أمريكا كانت، والى سبعينات القرن الماضي، تأتي بالدرجة الثانية، بعد جنوب أفريقيا، من حيث الترتيب باستخدامها العنف ضد مواطنيها، من خلال التمييز العنصري! هل سمع الكاتب ان السود في أمريكا لا يحق لهم ارتياد المطاعم المخصصة للبيض؟ ولا يستطيع الأسود شرب الماء من صنبور ماء في الطريق لأنه مخصص للبيض؟ وان السود يعيشون في أحياء خاصة بهم ومدارس البيض لا تقبل السود للدراسة فيها! فمن قتل مارتن لوثر كنغ، داعية حقوق الانسان والانسان الطيب والمسالم والذي أراد تحرير بني جلدته من خلال العمل السلمي.
هل هناك عنف أشد عنفا من ان تحتقر في آدميتك بسبب لون بشرتك؟

والعنف أنواع، يا سيدي الكاتب.
فما يسمى بالمقاومة أو الارهاب أوالجهاد في العراق هو عنف دون أدنى شك، لكن كيف يرد عليه الأمريكيون؟
هل حدث وأن سمع أو طالع الكاتب، ولو من باب الفضول، عن كارثة سجن "أبو غريب" العراقي؟
السلطات العسكرية والمدنية الأمريكية حسمت الموضوع على انه "مجموعة تفاحات فاسدة في سلة الجيش الأمريكي"، وبدأوا بمحاكمات شكلية لجنود مساكين، كل الذي فعلوه انهم نفذوا أوامر عسكرية. والحقيقة، التي ربما لا يعرفها الكاتب هي ان المسألة لا تكمن، اطلاقا، في كونها مسألة مجموعة تفاحات فاسدة! هؤلاء الجنود مدربون تدريبا احترافيا على استخدام العنف "النفسي" من أجل الوصول "لتحقيق غاية لا يمكن ادراكها الا به!".
هؤلاء الجنود يستخدمون ما يصطلح عليه "الثقافة" بوعي وادراك كامل. ما أدرى جندي بسيط، سيق حديثا للجندية ووجد نفسه فجأة في الحرب في بلد يبعد عن بلده آلاف الأميال، لأطعام المساجين "لحم الخنزير"؟ ما أدرى هؤلاء السجانين بأن التعري أمام الآخرين، عند الرجل العربي، هو شئ محرج غاية الاحراج؟ ما أدراهم ان استخدام الجنس، ضد الرجال والنساء والاطفال، هو المفتاح السحري " لتحقيق غاية لا يمكن إدراكها إلاّ به"!

ونعود مجددا لمتابعة الكاتب في"هوس العرب بالعنف"، ولنأخذ هذه الفقرة من المقال:
" ذلك أنّ الشّعوب المنحطّة لا تنحطّ في جانب واحد من الحياة، وإنّما في كلّ مناحيها، بما في ذلك الجانب الرّوحيّ، لأنّ الانحطاط كلّ لا يتجزّأ."
ونحن نتساءل، بعد مطالعة هذه الفقرة:
ما الذي يريد الكاتب تحقيقه من خلال جلد نفسه وجلد العرب بأعنف النعوت؟
أهي الوصفة السحرية التي وجدها " الليبراليون الجدد" ناجعة لتقويم اعوجاج العرب؟
شتائم وتحقير وتدليس وتزوير للتأريخ وقفز على حقائق الجغرافية!
هل استخدام العنف النصي والبلاغي هو السبيل الوحيد الذي يكفل للكاتب تحقيق هدفه، الذي لا نعرف ما هو؟
ثم ان هناك مسألة هامة: كيف يمكننا التعامل مع كتابة من هذا النوع؟ هل تدخل في نطاق الفلسفة والتفكير والجدل أم المماحكات والفراغ؟ نحاول ان نفهم الجدل الذي يستند اليه الكاتب فنراه هشا لا أساس له.
خذ هذا الكلام من المقالة:" وتربط ذلك العنف بأسطورة مؤسّسة منتزعة من تاريخانيّتها. وبذلك تكون الأسطورة الآتية من عمق الماضي والطّوباويّة المبشّرة بفردوس المستقبل وجهين لعملة واحدة." ونحن نسأل الكاتب: ولماذا لا ينطبق هذا الكلام على الدولة "اليهودية"؟ فهل هناك أسطورة أكثر وضوحا وملائمة لمنطق الكاتب من أن يتعهد "يهوه" لشعب اسرائيل بأن يملكهم أرض شعب آخر، هو الشعب الفلسطيني، وبالعنف!؟ أسطورة عمرها أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وها نحن نراها اليوم تتحقق كأشد ما تكون الحقيقة وضوحا!

ثم يصعد الكاتب من حملته الشعواء: " القوميّون الذين لا يزالون يحملون شعارات الوحدة العربيّة كضرورة حتميّة، ويتكلّمون عن الدّولة القوميّة المبتغاة وكأنّها حقيقة شاخصة، وينبذون الدّولة القطريّة وكأنّها وهم، ويؤمنون بذبح اليهود وتحرير فلسطين من البحر إلى النّهر، ويعتبرون العرب جنسا نقيّا لا تشوبه شائبة من الأعراق الأخرى... لذلك نراهم يعيشون في خرائب أفكارهم، ويندهشون من سقوط مقولاتهم الواحدة تلو الأخرى"
ولا ندري ماذا كان الكاتب سيقول لو انه لا يعيش في فرنسا التي دخلت في اتحاد كامل مع دول أوربية لا يجمع بينها أي قاسم مشترك، سوى تقاسم الحدود ضمن نطاق قاري! ولا بد ان الكاتب قد شملته نعمة السفر والتجوال في الدول الأوربية بمجرد ابراز بطاقة أو الجواز الأوربي واستخدام عملة نقد واحدة وتعريفة جمركية! ربما يعتقد الكاتب ان انتعاش اقتصاديات هذه الدول هو شيء معيب، ولا بد ان الأوربيين مجانين لأنهم يفكرون بهذا الخيال الطوباوي الطفولي! كيف يمكن تحقيق وحدة بين ألمانيا وفرنسا وبينهما ما صنع الحداد؟ كيف تجتمع بولندا مع ايطاليا؟ ألا تحتل بريطانيا أرض اسبانيا؟ يا لهم من مرضى ومجانين هؤلاء الأوربيون!
لكن، شاء الكاتب أو أبى، فالأوربيون في طريقهم الى وحدة اندماجية كاملة، لسبب بسيط هو: انهم واقعيون ويفهمون مصالحهم.
ان "الدولة القومية" العربية التي يتحدث عنها الكاتب هي دولة لا تقوم على " العرق" كما يزعم الكاتب. ففكرة القومية العربية، جاءت نتيجة لظروف، نعتقد ان الكاتب على غير دراية بها، منها:
أولا: انها جاءت كرد فعل لتنامي " القومية الصهيونية"، لأن العقيدة اليهودية تقوم على الصهيونية. ولم تكن قائمة بالضد من أو على الغاء القوميات الأخرى التي تشاطرها العيش في بيئة مشتركة.
ثانيا: ان المنظرين الأوائل للفكر القومي هم، في غالبيتهم، من المسيحيين العرب، الذين وجدوا ان عليهم الخروج من مأزق الهوية في بيئة غالبيتها من المسلمين، فكانت عقيدة "العروبة" هي البديل والمعادل لعقيدة الاسلام، وبهذا حصل التوازن والطمأنينة التي بدأت بالتلاشي بعد ان ارتفع المد الاسلامي، الذي يعود لاسبابه، هو الآخر.
ثالثا: ظروف الاحتلال التي عاشتها الدول العربية و"العنف المادي والمعنوي" الذي مارسه المستعمرون ضد الشعوب العربية، جعل مبدأ الوحدة أمرا لا يتنافى مع المنطق. خاصة وان الدول المستعمرة(بكسر الميم) قد ركزت على تغيير الهوية الثقافية للعرب.
وما الذي يضر، في نظر الكاتب، ان تتحرك الثروات العربية، التي تتجمع في أرصدة عوائل وأفراد وانظمة، بين دول المنطقة، وان توزع على الشعوب بدلا من الاستجداء والاعتماد على المعونات الأمريكية أو صندوق النقد الدولي ومنظمات الاغاثة! على ما هو الحال عليه من غنى شديد لدى بعض الدول وفقر كارثي لدى الدول الأخرى! ما المشكلة في ان يتم ارتباط دول المنطقة بنظام اقتصادي موحد، في وقت اصبح فيه الاقتصاد عصب الحياة؟ وحدة عربية أو اتحاد عربي ليست بالضرورة ان تكون على نموذج جمال عبد الناصر أو صدام حسين، ولا تقوم على أساس عرقي أو ديني، بل تعمل ضمن الاطار الثقافي، ستكون، بالتأكيد، مصدر اسعاد لكل شعوب المنطقة. هذا ليس حلما طوباويا، بل "ضرورة ملحة، وليست حتمية". اتحاد عربي، على أساس الأغلبية، يكفل الاحترام الكامل لحقوق الأثنيات والأديان على اختلافها، لا نعتقد انه مؤامرة ضد البشرية.
ان الكاتب يعرف ان تجربة حزب البعث في العراق وسورية ولدت ميتة، كونها اعتمدت على الجانب الشوفيني في عقيدتها. ثم أجهز على هذه التجربة وصول أشخاص الى السلطة جعلوا من فكرة " الوحدة العربية" حمارا يتاجرون به من أجل البقاء في كرسي السلطة وتكريس النهج الشمولي. وسقوط صدام حسين لم يكن مفاجأة، بل هو لم يسقط، انما تم انهاء خدماته، والاستغناء عنه كرجل مرحلة.

ان المقالة التي دبجها قلم د.الهوني فيها الكثير من التسفيه والازدراء بالعرب. ولو ان الكاتب تناول بقلمه العنيف شعبا آخر كاسرائيل أو أمريكا لحوكم بتهمة معاداة السامية أو التحريض على العنف والكراهية والارهاب! والعجب، كل العجب، ان يتصدى "مفكر" لموضوع من وزن "العنف" دون أن يقيم وزنا لموضوعية أو منطق! ولا يجد حرجا من الانزلاق الى رمال التعميم المتحركة.

وهناك سؤال يطرح نفسه بهذه المناسبة:
لماذا يجب ان يلصق ابن لادن ومدرسته التي تسمى ب"العرب الأفغان" بالعرب والاسلام، والكل يعرف كيف نشأت ظاهرة ابن لادن وأين! فابن لادن هو صنيعة الحرب "الباردة" التي كانت "ساخنة" بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. والرجل كان يعيش ويتنقل ويدير أعماله بين أمريكا وأوربا. ومن هناك جندته المخابرات الأمريكية للذهاب الى أفغانستان مع جيش من المتطوعين، أطلق عليهم "المجاهدين"، وهي تسمية مفبركة الغاية منها خلط المفاهيم والاوراق والايديولوجيا. وقد ذهب هؤلاء ال"مجاهدون" للقتال ضد القوات السوفيتية "الغازية"! وبعد ان انتهت مهمتهم، كانت قد جرت تحت الجسور مياه كثيرة، كما يقول المثل، واختلفت المصالح وشقوا عصا الطاعة متمردين على قواعدهم الأصلية، وانتهى الحال على ما انتهى اليه، مما يعرفه الجميع.
لهذا لا يمكن التعامل مع ظاهرة ابن لادن الا وفق الحاضنة الأيديولوجية التي انتجتها وظروف نشأتها وتطورها.
وأحرى بالآخر ان يتعامل مع ابن لادن ومدرسته على انهم"التفاحات الفاسدة في سلة التفاح العربي"!

نعم، العنف أصبح مستشريا في العالم العربي، وقد يتطور الى اسلوب حياة. لكن ما هي أسباب هذه الظاهرة؟
لماذا يلجأ العرب الى العنف؟
لقد مورس العنف بكل أشكاله ضد العرب، حتى صار تبنيه أمرا لا مفر منه، لأنهم يردون على العنف بالعنف، وهذا مبدأ سوسيوفيزيولوجي لا يمكن التعامي عنه.

لا نعتقد ان هناك اليوم من العرب من يقول بمقولة "الدم العربي ونقائه"، وفق ما يذهب اليه الكاتب في عبارته:" ويعتبرون العرب جنسا نقيّا لا تشوبه شائبة من الأعراق الأخرى"، وربما كان الكاتب يقصد شعبا آخر حتما هو غير الشعب العربي. فنقاء الدم العربي انتهى مع بدء اختلاط العرب مع الشعوب الأخرى، منذ أكثر من ألف عام، ولم يعد العرب يفاخرون بأرومتهم. وقد لعبت عوامل مثل الهجرات المتعاكسة من والى المنطقة العربية، وكون دمشق وبغداد والقاهرة عواصم للعالم الاسلامي دورا مهما في اختلاط الاعراق، وهي ميزة للعرب كونهم شعبا منفتحا على الشعوب الأخرى، ولا أدل على تفتحهم الثقافي من ان معظم الأسماء التي نعرفها اليوم في مجالات اللغة والتاريخ والعلوم والفلسفة تعود لأشخاص من غير العرب. وبهذه المناسبة، فنحن لا نعتقد ان قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش "سجل انا عربي" كانت موجهة ضد الأكراد، مثلا، بل ان درويش كتب هذه القصيدة تحت وطأة شعوره بضياع هويته الثقافية بفعل الاحتلال الصهيوني.

ومن المغالطات الأخرى قول الكاتب:" و"الجنس العربيّ" عندما تخلّص من براثن أفكارهم قرّر أن ينتخب رئيسا لا يجري في عروقه الدّم العربيّ المقدّس"، وهنا يطيب لنا ان نعلق بما يلي: المقصود بهذا الكلام طبعا هو انتخاب الزعيم الكردي جلال الطالباني رئيسا للعراق، فكيف تم الأمر؟ أعني كيف تم تنصيب الطالباني رئيسا للعراق؟ هناك ثلاثة احتمالات يمكن مناقشتها وتفنيدها: أولا ان يكون الأمريكان هم الذين نصبوا جلال الطالباني رئيسا. وهذا الأمر غير واقعي، ولا نعتقد ان الكاتب سيحبذ الخوض فيه لأنه لا يتناسب مع التوجهات الليبرالية التي ينتمي اليها الكاتب.
ثانيا: ان يكون جلال الطالباني قد اغتصب السلطة في العراق، وهذا الاحتمال غير وارد خاصة مع وجود قوات أجنبية تراقب عن كثب سير العملية السياسية في العراق.
ثالثا: ان يكون "الجنس العربيّ" هو الذي ساعد على وصول الطالباني، وهو من غير العرب، لقمة هرم السلطة في العراق، وفي هذا ما يدحض دعاوى الكاتب وتحامله ضد العرب.
فالمراقب يرى ان أمر انتخاب الطالباني رئيسا للعراق ما كان ليحدث لو روعيت المعايير المتبعة في الانتخابات، لأن العرب يشكلون الأغلبية في العراق، لكن العرب فعلوها بشجاعة فائقة، واثبتوا انهم شعب حي ولديه القدرة على الاحساس بالآخر، لأن مسألة انتخاب الطالباني رئيسا تحمل في طياتها بعدا حضاريا وأخلاقيا قصد منها رد الاعتبار للاخوة الأكراد الذين لحق بهم حيف كبير في زمن النظام المقبور.
على انها ليست المرة الأولى التي يسود العرب فيها كردي أو غير كردي من غير العرب. فقد كان "سلطان" العرب وزعيمهم ذائع الصيت صلاح الدين الأيوبي. وقد تناوب حكم العرب أقوام شتى يمتدون بين البرامكة فالصفويون فالتتار فالاتراك.

والعرب ليسوا عاهة مستديمة وعالة على البشرية!
العرب أسهموا اسهاما لا يمكن حذفه والغاؤه من سجل تطور المدنية.
ولدى العرب ما يفخرون به حين تتفاخر الأمم بمنجزاتها واسهاماتها الحضارية.
يكفيهم ان رجلا منهم هو المأمون كان يكافئ العلماء ويمنح زنة الكتاب المترجم ذهبا.
توجه الخلافة العباسية واهتمامها بالعلوم التطبيقية هو مدعاة للزهو، فما فعلها شعب قبلهم، على حد علمنا، ان يشتري المعرفة بالذهب.
ان ما نريد التأكيد عليه هنا، ليس التفاخر الفارغ، والزهو الذي لم يعد له معنى، وانما نريد التأكيد على اننا ننظر الى نصف الكأس المليء، لا الى نصفه الفارغ! ولو فعلنا العكس لما سلم شعب من شعوب الأرض على الأطلاق.
ان العرب، شأنهم شأن أي شعب آخر، له مواطن قوة وضعف، سمو وانحطاط. فماذا كانت أوربا في الماضي؟ من يصدق ان الأوربيين، في فترة من فترات حياتهم، كانوا يضعون أقفالا على الأعضاء التناسلية للنساء؟ وانهم قتلوا العلماء وأقاموا محاكم تفتيش لمطاردة الفكر والمعرفة؟ الأوربيون أول من بدأ نظم الديكتاتورية وانتجوا شخصيات أساءت كثيرا الى السجل الانساني، وكذلك فعل العرب.
ماذا تفعل شعوب يسودها نفر مجانين بمقدس اسمه كرسي السلطة؟
هذا يورث العرش وذلك يغير الدستور من أجل اعادة انتخابه وآخر يبايع رئيسا مدى الحياة و..و..و...
لكن كل شيئ سيجئ بأوانه!
حين تنضج هذه الشعوب وتعرف انه لم يعد بوسعها الانتظار الى ما لا نهاية، سيتقرر كل شيئ!

والخلاصة التي نريد ان نختتم بها هي أن ظاهرة العنف تعد من الظواهر المعقدة، وهي بحاجة الى دراسة وتحليل على صعد مختلفة. والعنف، في أي مكان ولدى أي شعب، هو داء فتاك كالسرطان أو أي مرض خبيث آخر. والمنطق يدعونا، ونحن نفكر باستئصال هذا الداء، ان نأخذ بنظر الاعتبار ظروف نشأته واسبابها، حتى يسهل علاجه أولا، وضمان الا يتفشى من جديد ثانيا. وليس من الحكمة ان نعالج مشاكل الشعوب من خلال الحط من قيمتها وكيل الشتائم لها.


* شاعر وكاتب من العراق

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف