ملحق شباب ألاسبوعي

حلم ضائع ..وقارورة عطر فارغة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حاتم عطا: عبر باب موارب يتسلل نحوها بخطوات مترددة. يلقي عليها نظرته الاخيرة ..يتمسك بذكريات أفلتت منه على حين غفلة .تتدافع كلمات خرساء بشكل عشوائي ،للحظة يفكر أن يقتل كبرياءه .يحاول أن "يدلق" عليها اعتذاراته دفعة واحدة ، لكن اعتذراته تتلاشى أمام هجعة صمتها.هي ..الزوجة المحبة له دوما ، من سكبت له من حبها أنهارا .
هي..من غذت كبرياءه بتسامحها حتى أضحى ماردا . هي نفسها تحيل بصمتها مارد كبريائه الى تراب .
يلملم كلماته المبعثرة على عجل ويستجمع قواه . يعود بقطار ذاكرته ويمضي سريعا إلى سوق الماضي .
سأبتاع لها مبادرة لطيفة من مبادراتي السابقة ، من المؤكد أنها ستفرحها،سوف تغفر لي حتما. أنا انسان مثلها تماما أخطئ وأصيب ولكن "الحسنات تمحو السيئات" .
أجل " الحسنات تمحو السيئات " .. هذه الجملة الأكثر تداولا في قاموسها فهي تهتم كثيرا بكتب التعليمات والإرشادات الدينية والدنيوية . فهي غالبا ما تحدثت عن أهمية كتب تعليمات الأجهزة المنزلية وضرورة إتباع إرشاداتها . حتى أنها خصصت مكتبة صغيرة لهذه الكتب كي تعود إليها حين تحتاجها .

نعم لقد وجدتها سأتعامل معها بمنطقها . سأشتري المبادرة وسيكون غلافها "الحسنات تمحو السيئات" وهكذا أكون قد نجحت، سوف أذهب إلى أبعد "محل" في الذاكرة ، لاأريده حدثا عاديا ، أريد أن أفاجئها.
حسنا سوف أبدأ من اليوم الذي تعرفت فيه عليها أو بالأحرى من الليلة التي تعرفنا فيها على بعض. .ليلة زواجنا .
لم أعرفها قبل تلك الليلة ،ولم أرها قط سوى مرة واحدة .وفي إطار تلك الرؤية الشرعية التي تلازم الخطوبة عادة ،لم يجد الحب مكانا حينها .. كان زواجا تقليديا كبقية الزيجات التي تتم في مجتمع محافظ.الإبن المستوفي لمؤهلات الزواج يطلب من أمه أن تبحث له عن عروس وفق مقاييس خَلقية وخُلقية وإجتماعية تناسبه .

..وهكذا كان حبنا يشبهنا ، تم تحضيره لنا وإغتسل على ضفاف الإسلام ثم جاء ليجمعنا وهو يقطر شرفا وعفة وكرامة . كان حبنا على موعد مسبق معنا ، لم يكن حب مصادفة .جاء حبنا ملكا لامتسكعا .

جاء نبي حبي مبشرا بها داعيا قلبي لحبها ، جاءت أمي تعدد حسن خصالها وشرف نسبها وندرة معدنها حتى إعتنتقها حبا وشهد قلبي أن لاحب إلا هي..وكان الزواج.
لا تزال نظراتنا الأولى حاضرة وبقوة في رأسي .. لم تلتق عيوننا للوهلة الأولى ، تعانقا ..وكأنهما شموسا تتوارى خلف غيوم حمراء تغطي وجنتيها.
لقد بت كاملا، كل ما كان ناقصا في جسمي وعقلي وروحي إكتمل بوجودها ..إنها السعادة .
كان الصمت جاثما على جو الغرفة حين بادرتها بالقول ،" لم أحلم يوما بزوجة تحمل كل هذا القدر من النعم التي تحملينها . أعتقد أن الله تعالى قد جمع رزقي فيك ليكافئني بك على صبري ". صمتت .. بل خجلت وإحمرت ولم يعرف صوتها طريقه إليّ حتى إستفزيتها قائلا "أعتقد أنني الطرف الرابح في هذه الزيجة " فأجابتني سريعا بحب متدفق مغلف بحنق مفتعل،" لاوجود لخاسر في غير معركة ..صدقني يا زوجي العزيز إنني أشعر للمرة الأولى أن لي قلبا ينبض ، كان حجرا صلدا يقبع خلف ضلوعي فأحييته بحبك . لم أعرف يوما كيف يكون الإنسان مسافرا ولايكون غريبا حتى سكنتك، أنا مستعدة أن أطوف أعطاف الأرض وأطرافها دون أن اشعر بغربة شرط أن تكون معي ، بك فقط يكون لغروب الشمس إشراقة ليل جميل ومعك فقط تستحيل وحشته التي أخشاها إلى لقاء أتوقه".
كانت كلماتها تنساب كموسيقى سريالية أسمعها للمرة الاولى ..كانت ليلة شتاء باردة أدفأها حبنا. وبقينا نتراشق بالحب حين غيبنا النعاس.

في حضن القمر بت ليلتي ..في حضن الشمس صحوت
هل تذكرين ليلة لقائنا ؟ هل تذكرين صباحها الذي زفرنا فيه فرقتنا؟
في ذلك الصباح إكتشفت تفوق النساء حين يكون العدو حبا ، كنت قد نمت وأنا أضُمر لك هدية صباحية مغتسلة بندى الفجر معطرة بشذى الزهر. كنت قد نويت أن أصحو باكرا قبلك وأذهب الى السوق لشراء هدية تليق وحبك ثم أعود إليك مسرعا كتلميذ ناجح لأتسلم قبول هديتي منك . لكن حبك لي سبقني..صحوت على موسيقى كلاسيكية جميلة كانت تنبعث من حاسوب جميل كان قد وُضع على مكتبي الصغير في زاوية الغرفة ، لتقودني يداك الناعمتان بإتجاه حيث تنتظرني جملة حمراء تبرق من شاشته السوداء..زوجي العزيز محمود ..أحبك دهرا ..أحبك أبدا..أحبك حتى يُنفد حبي لك كل حب في الكون .. المخلصة لك دوما زوجتك عهود.

آليت على نفسي حينها ألا أمحو تلك الكلمات من حاسوبي أبدا . إحتفظت بها ذكرى عزيزة تفوق روحي معزة ولا أزال.

لم يكن حاسوبا محمولا..كان وطنا محمولا..كان زوادة من حبك حين أبتعد مرغما في سفرة عمل .كانت ملامسة مفاتيح سبقتني اليها أناملك تشبع جوع أصابعي وتسد نقص حبي.

ترى هل كنت تعلمين بهذا الحب الذي أحمله لك؟ هل كانت عيناي تفضحان حب عجز لساني عن الافصاح عنه ؟
والحب مواقف.. ولك فيه مواقف لاتنسى.
لم يستطع الدهر محو تلك الدهشة التي خلفها حبك .كنت في بعض سفراتي أُمارس معك لعبة حب تعجبك..كنت أخبئ في بعض الأماكن في منزلنا أجزاء عبارة كتبتها وأترك لك مهمة العثور عليها وترتيبها.كانت أول مرة مارسنا فيها هذا اللعبة بعد زواجنا بسنة.. أتذكرين ؟
كنت أظن نفسي مبدعا في حبك حتى فاجأتني بعد ثلاث سنوات بإحتفاظك بتلك الأوراق مع قارورة عطر فارغة كنت قد أهديتك اياها في فترة خطوبتنا في صندوق مجوهراتك.
حينها سألتك عن سبب احتفاظك بها وعن عدم تخلصك منها في أقرب سلة مهملات ، فاجأني جوابك كنهر من الخمر ،كأس معتق يسكرني ،"إن كان لأجسادنا سلة مهملات ، لرميت فيها برسائل حبك ولكن لا سلة مهملات لقلوبنا إلا قبر يضمنا ،لذا احتفظت بها ليكون مثواها الأخير كما أنا قبري. كم تمنيت لو أستطيع الإحتفاظ بكلماتك لأسمعها حين أشتاق إلى صوتك .. لو أستطيع الإحتفاظ بأنفاسك في قارورة لأتنشقها في غيابك."


رسامة مبدعة عرفتك.. خلافا للوحات المرسومة بالألوان كانت لوحتنا بيضاء خالصة مرسومة بحبك.

لاأذكر أنك أخطأتي في حقي ولاأذكر أنك افتعلتي مشكلة.
كانت حياتنا محض بياض إلا من تلك النقط الصغيرة السوداء .رجولتي غشاء غليظ يغطي حبي الكبير لك.كنا نختلف أحيانا في بعض نقاشاتنا وكنت أنا في كلتا حالتي خطأي أوصوابي أنهي نقاشنا بانزوائي عنك وبصمتي المتجاهل لوجودك.
كنت أتوق لمحادثتك ، لكن عجرفتي كانت تشلني حتى تمتد يداك المتسامحتان لتعيدني إليك .
كان ذلك في سالف كبرياء قتله بعدك.
ترى هل يعيدك الدهر لي؟ هل يعيد الدهر حبي؟
ترى لو أمكنك سماعي الأن .. لو شعرت بهذا الحب الذي تملكني على حين فجيعة هل ستغفرين لي كل زلاتي .. هل سترثين لحالتي ؟

أواه ياقمري.. أواه يامدّي وياجزري
عيناي الشاخصتان يصهرهما دمعي المنهمر على قبرك لو تدرين
قامتي الممشوقة قوسها خبر موتك.
لوعة فرقتك تملأ صدري.
الألم يعتصر قلبي،البكاء يخنق صوتي
تتزاحم الصور في ذاكرتي ،موتك المفاجئ يطوقني . لقد إستحال الكون الفسيح الى قبر ضيق.
وها انت رحلت ولم يبق سوى تلك الرسالة .. رسالة واحدة تختصر عمر مضى.

"زوجي العزيز محمود..
الآن وحنقك علي قد طاول السماء أكتب لك رسالتي الأخيرة.فبعد خروجك لعملك ، إشتد علي المرض على حين غفلة منك ،فتراءى لي المرض على هيئة ضبع رابضٍ على صدري يخنق عنقي وقد أقسم أن لايفلتها هذا المرة الا وقد استل أنفاسي .حينها علمت أن لا لقاء يجمعنا بعد فراقنا الأخير .وعلمت أن غربة موتي تسبقها غربة إحتضاري فلا قلبا رحيما بجانبي يشفق علي ولا لسانا بذكر القرآن يهدئ روعتي ولا عينان تبكيان شقائي ولا حضنا دافئا يودعني. المرض يدفعني نحو الموت وأنا لاأستطيع مقاومته.
كم كنت أتمنى أن ألقى الله تعالى وأنت راض عني محبا لي لا تحمل في قلبك لي الا الحب الذي أحمله لك .كم كنت أتمنى لو أن الله تعالى يمهلني قليلا من الوقت لأعتذر فيه عما بدر مني وأمسح تلك النقطة السوداء التي خلفتها على صفحة حياتي .
في هذه الأثناء والموت يحث المسير نحوي سأكتب لك اعترافات حبي .
زوجي.. ان كانا أمي وابي سببا لوجودي فأنت السبب في إحيائي .عندك تفتح أمامي عالم الرجال وعندك انتهى .
لاأريد موتي عقبة في طريق سعادتك، انعم في حياتك قدر ما تستطيع ،تزوج فسعادتك تسعدني،حتما سأظل أغار عليك حتى وأنا بعيدة عنك في قبري.لكن رجائي الوحيد هو أن تغفر لي زلتي وأن تظل تذكرني بعد موتي كما في حياتي وأن تزورني في قبري .
عودا على بدء ياخالق حبي ويا مبعث سعادتي
أحبك..

الحزينة لبعدك المحبة لك دوما
زوجتك عهود.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف