مكتبة إيلاف

ماذا حلّ بالفلسفة في العالم العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مكتبة إيلاف (8):

نص الملف الذي نشرته إيلاف في موقعها القديم في كانون الثاني 2004،


صحيحٌ أن مشاكل العرب عديدة ومتشعبة الأبعاد في هيكلية معقدة ما إن تتجلى حلول لها، حتى تتناسل مشاكل أخرى أكبر تعقيدا... وهذا يعني في العمق بون شاسع بين الرأي والرأي الآخر، بين الثقافة والسياسة، بين الوجدان العاطفي والوجدان المنطقي، بين الواقع وصورته الذهنية... بينما في الجانب الآخر من المرآة حيث اليائسون والحالمون يعتقدون أن مشاكل العرب مجرد مشاكل وهمية تنقشع بمجرد تغيير الحكومات، فلا حاجة للتساؤل ولا للجواب... ويكفي انقلاب سياسي، حرب على الأنظمة... ليكون العرب متحررين من هذه المشاكل!
نحن هنا في "إيلاف"، لا ندعي حل أي مشكلة بقدر ما نريد أن نخلق باستطلاع فكري مناسبةً للتأمل المثمر: يهمنا فتح مجال أكبر للتفكير الحر في مطارحة كل المسائل، مهما عظمت وصغرت. فكل مسألة، سواء كانت سياسية، فكرية، أدبية، فلسفية، فنية، غذائية، هي مسألة المجتمع بعينه: وأي مناقشة لها هي بالضرورة لحظة تماس مع جوهر بنية هذا المجتمع الذهنية، وبالتالي طريقة نظر أفراده إلى جل الأمور...
إن إحدى الخسائر الكبرى التي مني به العقل العربي في كل حروبه الإيديولوجية، هي فقدان حاسة التأمل الفردي؛ الإجماع عبر الأخذ والرد، التمحيص والنقد.. باختصار: التفلسف بالمعنى الكانتي للكلمة: "ماذا يمكنني أن أعرف، ماذا يجب أن أفعل، ماذا يمكنني أن آمل، ما الإنسان". أسئلة تتطلب أجوبة انثروبولوجية، دينية، أخلاقية وميتافيزيقية... انها جوهر أسئلة الحياة. ألم يقل ديكارت، عن حق، بأن "حضارة الأمة وثقافتها تُقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها". من هنا جاءت فكرة أن يكون لنا "ملف الشهر" لتناول شتى المسائل المقلقة.. وأن يكون أول هذا "الملف" مخصصا لهذا السؤال الذي ليس له جواب قاطع بل شهادات مختلفة يماط بمجموعها اللثامُ عن كل الأسئلة الكامنة:
ماذا حل بالفلسفة في العالم العربي؟
لِمَ لم تحظ الفلسفة في العصر الحديث، بمسار فكري مثمر عرفته الحضارة العربية في عهود تكونها فكرا وصراعا في لب مشاريعها الكلامية؟ كانت لنا بارقة أمل عندما انطلقت في أربعينات القرن الماضي حتى مطلع سبعيناته، حمى فلسفية تجلت بالشرح والتأويل والترجمة الدقيقة... كان هناك زكي نجيب محمود، توفيق الطويل، ابو العلا عفيفي، يوسف كرم، عثمان أمين، جميل صليبا، عبدالرحمن بدوي، زكريا إبراهيم، كمال يوسف الحاج والخ... أقلام سهرت ليالينا لخلق فكر يدأب على معاناة التفكير... مفكرون امتازوا بالتواضع وسمو المعرفة، اختاروا ان يعيشوا للفلسفة توغلا في مجاهل إنجاز الآخر الفلسفي للإتيان برؤيا جديدة. كم هي لحظة إنسانية ومثيرة للذهن والحواس، عندما لفت انتباهنا الدكتور الراحل زكريا إبراهيم بأن الحب مثلا مشكلة فلسفية... فأصدر عدة أجزاء تتناول الفن، الحياة، البنية... تحت عنوان "مشكلات فلسفية"... لكن، فجأة حل ليل بهيم لم تعد ثمة فرصة لـ"بومة منيرفا" الطيران فيه ( إشارة إلى مقولة هيجل: "بومة منيرفا لا تطير إلا عند حلول الليل"). سُدّت الأبواب وغابت الأسماء النبيلة وضاع كل إهتمام بهذه "المعرفة العقلية"، ولم يعد لمشروع الفلسفة، اليوم، سوى "نساخ ومنافقين" أغرقونا بتخريجاتهم الماضوية لا يرون شيئا جديدا أبعد من أرنبة أنوفهم إذ كل شيء موجود في ذاك التراث الذي يتغذى منه الظلاميون... وإن تجرأ أحدهم على نقل الآخر فليس لغاية معرفية وإنما لاجتثاثه وتشويهه تعريبا وتخريبا، (من بين إحدى المسائل التي سنتطرق اليها في ملفاتنا المقبلة، مسألة الترجمة / الترجيم في الثقافة العربية).

ماذا حلَّ بالفلسفة في العالم العربي؟ هل لدينا فلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة: أين هي اليوم؟ ما هي انجازاتها اليوم؟ غائبة - حاضرة... أم ان لغوا قائما على مجرد لحظات عرف ماضينا السحيق بعض إشكالياتها، نعتبرها فلسفة.

الفلسفة وما ادراك مالفلسفة... إنها مصطلح العقل بامتياز يعبر عن أفضل ما يعيشه المجتمع من حركة طبيعية تنافضاتها تاريخية. أين هي هذه الحركة وأين فكرها؟ لكي ندخل التاريخ علينا أن نشعر فكرا وممارسة بهذا المصطلح الذي غالبا ما يُطلق جزافا في الأدبيات العربية السائدة.
ماذا حلَّ بالفلسفة في العالم العربي؟ سؤال كبير تتفرع منه كل الأسئلة المتلهفة لأجوبة تشفي الغليل... ومع هذا فليس هناك أجوبة نهائية.. بل مجاذبات تأمّلية علها تجعل العينَ ترى أبعد، والأذن تلتقط أبعد من الإصغاء...أن تستحث العربي إلى استجلاء معنى مجيئه إلى هذا العالم؛ قيمة فرديته الخلاقة: أن يخرج من تراب الأسطورة الى فضاء التفكير..

عبدالقادر الجنابي

********

عبد الرحمن طهمازي
محاولات في خدمة الفلسفة وفي الاستهلاك اللا فلسفي

من الممكن رصد الفارق الثقافي بين الاجيال العربية عبر اتجاهات الاستهلاك في الثقافة المتمثلة نسبيا في القراءة، او في اعاده الانتاج، كما هو الحال في الترجمة والعرض والاعداد، او في الانتاج، أي في التأليف المبتكر او التأليف المجاور.
وليس من الصعب على المراقب ان يقر بان وضع الفلسفة ضمن هذه الاتجاهات هو وضع ذو دلالات مزدوجة ولا يخرج ايضا عن مجمل الاتجاهات المذكورة، فمن جهة، لم تتمتع الفلسفة بالحرية والاستقلال التام، وتشاطرها حقول المعرفة الاخرى في ذلك على نحو اقل تشددا، كما ان الفلسفة عانت من العزلة عن بقية الحقول، وبقي العاملون فيها مؤلفين لكتب تعريفية او مترجمين اكاديميين، او ناشرين تنويريين اما ان يكونوا فلاسفه بالمعنى الاصطلاحي، فذلك جهد لم يتضح الا منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي وبشكل محدود اكتسب شيئا فشيئا حق الاعتراف من المؤسسات التعليمية ودور النشر وفي عدد قليل من البلدان العربية، وفي كل الاحوال، فأن الخدمة الفلسفية هي اكثر ما يميز عمل الذين يعنيهم الامر، وهي خدمة ضرورية ولها الاولوية في مجتمعات يتفاوت فيها تقدير الثقافة والعلم ويختلط بالحاجات المباشرة والهيبة وليس لها حاجات معلنة الى العمل النوعي الحر والمستقل والذي توضع الفلسفة عادة في صدره.
بدأ احمد لطفي السيد بترجمة ارسطو الذي كان متداولا في ترجمات ومؤلفات اسلامية وتجهز المصريون والسوريون والعراقيون واللبنانيون بالتعلم الفلسفي فترجموا وعرضوا واعدوا وألفوا، ولا بد ان القارئ العربي، الذي بدأ تعطشه الادبي المشبوب الى الفلسفة في ستينيات القرن العشرين، كان يتطلع الى تراث فلسفي مستقل فلما لم يجده جاهزا لجأ الى الترجمات وكتب التعريفات وبعض الجهود الاصيلة، وقد سد الحاجة مترجمون ومؤلفون شكل بعضهم تراثا منذ الاربعينيات : عبد الرحمن بدوي، يوسف كرم، جميل صليبا، عبد العزيز البسام، سامي الدروبي، كمال الحاج، محمد عزيز الحبابي، بديع الكسم اضافة الى : زكريا ابراهيم، فؤاد زكريا، ماجد فخري، واخرين لا يقل اثرهم في التنوير والاثارة والترويج.
وقد كان من الواضح ان القارئ العربي صار اكثر استهلاكا للفلسفة انطلاقا من حاجات عميقة وملحة تحدوها تطلعات متعدده : سياسية، وفردية، وادبية.. الخ.. وكان يتجه الى الشذرات الشعريه والمسكوكات اللغوية ذات القابلية على اختزال الوعود النفسية والانسانية العامة، وكان نيتشه وبرغسون وسارتر بين الاسماء المتداوله، وقد اثارت بعض عبارات هيغل وماركس شيئا من الفضول الثقافي وترجم عدد من مؤلفات رسل، ووايتهيد، ونشر فؤاد زكريا كتابه عن سبينوزا، وصار من الممكن ان يفهم القارئ تاريخ الفلسفة على نحو ما، وان كانت خلفيات الفهم متقطعة، وفي حقيقه الامر، كان الترويج للفلسفة يمر غالبا الى عموم القراء بشئ من الاستغفال او بشئ من التبسيط المسيئ، خاصة اذا جرى ذلك باقلام لا تراعي تماما دوافع الفلاسفة المعنيين او مبادئ الاستقلال التي يتحلون بها.
كانت هناك حلقات اوسع للاهتمام بالفلاسفة الفرنسيين اذا كانت اهتماماتهم عامة ولغتهم تشجع على التداول العام، كذلك ببعض الفلاسفه الالمان المتجهمين، اما الحلقات الاضيق فقد انصرفت الى الاخرين الذين وجدت مؤلفاتهم صعوبة في التلقي.كان سارتر يشيع ادبيا، ولم يكن جذابا من الوجهة الفلسفيه، اما ميرلوبونتي، او جان فال او الن..الخ.. فأنهم تمتعوا بحصانه لم يستطع القارئ تخطيها الا لماما وفي الدوائر المتخصصة او المجاورة. وهذه هي حال البقية.
ومن الملاحظ ايضا، ان الفلسفة الانكلوسكسونية، والتحليلية منها على وجه الخصوص، لم تأخذ حصتها لدى القارئ العربي وهكذا فأن رسل اووايتهيد او مور او بيرس او اير او فيجنشتين لم يستطيعوا ان يخرجوا بعيدا عن الحلقات شديدة الضيق، وهذا امر قد يبدو ملائما وهذا هو ايضا شأن بعض الفلاسفة الالمان والفرنسيين و الاسبان والاميركيين.
فلا بد من التساؤل عن الاسباب غير الفلسفية التي لم تساعد هيوم، او يبنتز، او كانط،او ديكارت، او هوسيرل، في ان يكونوا في مجمل التداول الثقافي العربي وهل هي شبيهة بالتاريخ الخاص لكل منهم ؟. علما ان فلسفات مشتقة من افكارهم تتدفق في العبارات الثقافية العامة، وان كان الاستهلاك يحمل طابع المودات في معظم الحالات، التي ما ان تروج حتى تنحسر.
ومن المهم، في ما ارى، ملاحظة حجم الانجذاب نحو فلسفة العلوم، ونحو المنطق، فثقافتنا بعيدة الى حد بعيد، بسبب المؤ سسات او لاسباب اوسع واخطر، عن القواعد التي يعمل عليها فلاسفه العلوم الطبيعية و الانسانية كما انها متأثرة بالسياقات غير المنطقية في الحقول التي تحتاج الى المنطق احتياجا لا زبا، مع انه قد ظهرت ترجمات وتعريفات، فقد ترجم توماس كون وكارل بوبر واشياء اخرى ذات اهميه، ونشرت استعراضات وتواريخ ذات فائدة، ولا بد من التذكير انه لا يكفي التطلع والفضول مالم تولد حاجات للتلقي وحاجات للانتاج وميكانيزماته.
اذا كان للمرء ان يقول كلمة هنا، فأن ادارة الدفة، في الثقافة الفلسفية العربية، مازال يقع في منطقة المنعطفات الحرجة، وهذه الثقافة، على حاجتها، تعاني ايضا من عدم الاكتراث بانتاج فلسفة، كما ان تلقيها محكوم بظروف ملتبسة، ومع كل ذلك، نحن العرب اللذين اشتهرنا بتبديد التراكمات وبالتالي لم نقبض تعويضاتها، اقول: مع ذلك.. هناك الذين عملوا، ولا يزالون يعملون.. والتجدد يلوح هنا وهناك مصارعا، ومكتسبا بعض قواه.. الم يقل غرامشي عن الفلسفه، في مقابلته بين العقل و الارادة :انها تشاؤم العقل وتفاؤل الارادة ؟. انها ليست التشاؤم المعزول بل المقرون بأرادة متفائلة، وليست ايضا الارادة المتفائلة في عزلتها.. واعتقد اننا بحاجة الى الفهم المزدوج، او المضاعف او المجادل الذي يحمله كل فيلسوف على حدة، وتحمله الفلسفة من حيث كونها تاريخا للفلاسفة انفسهم، كما هو الدرس المنقول عن نيتشه.

***************

د. شاكر النابلسي
بؤس "الفلسفة" العربية الحديثة

كلمة فلسفة Philosophy في اللغة يونانية تعني المحب للحكمة. فمعنى Philo هو المحب أو المفتون وكلمة Sophy تعني الحكمة. وفي القرآن الكريم اشارات كثيرة إلى الحكمة بلغت عشرين اشارة. فمهمة الرسول في الإسلام ليس أن يتلو الكتاب ويعلّم المسلمين ما في هذا الكتاب ولكن ليعلمهم أيضاً الحكمة (يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة) (سورة البقرة، آية 151). واعتبر القرآن أن الحكمة مصدراً كبيراً من مصادر الخير ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) (سورة البقرة، الآية 269) ووضع القرآن الحكمة بمقام الكتب السماوية من حيث ضرورتها للرسل لاستقامة الحياة ونشر المعرفة والخير (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) (سورة آل عمران، الآية 48) مما يعني أن الله قد أمرنا بالتفلسف أي في البحث والنظر وإعمال العقل في أمور مختلفة. ولكن هذا الأمر الإلهي بالتفلسف لم نعمل به نحن الأمة العربية كما لم نعمل في أمور كثيرة أمرنا بها الله، فكنا من البؤساء وضُرب على فلسفتنا - إن وُجدت - البؤس والضحالة وقلة المعرفة، وغلب عليها التجميع وكتابة تاريخها فقط كما سنرى بعد قليل. وازدريت الفلسفة عند العرب في العصر الحديث ومنع تدريسها في معظم المدارس العربية وحرمت بعض الدول العربية تدريسها في جامعاتها والغت فروع الفلسفة من هذه الجامعات، واحتقرت الأنظمة الديكتاتورية الفلسفة واطلقت على كل عامل بالفلسفة ألقاباً لا تليق به، واعتبرتها سفسطة وكلام العاطلين عن العمل وزبائن مقاهي الرصيف. كما احتقرت المؤسسة الدينية العربية الفلسفة واعتبرتها من تراث الغرب الكافر، ومن أسباب الغزو الثقافي للعالم العربي، وأطلقت على من يعمل بها بالزندقة، وقالوا قولتهم الشهيرة "من تمنطق فقد تزندق". واختفى من حياتنا العربية الحديثة الحكيم الفيلسوف في كافة مجالات الحياة. وأصبحت الفلسفة العربية في البؤس الذي هي فيه الآن.

فما هي مظاهر بؤس “الفلسفة” العربية الحديثة – إن وُجدت - وما هي أسبابه؟

***

مظاهر هذا البؤس تتركز فيما يلي:

1- أن العمل العربي في مجال الفلسفة ما زال حتى الآن وبعد مضي أكثر من مائة سنة في المرحلة المبكرة للتفلسف. فما زال في مرحلة الجمع والتقميش والتوليف والتأريخ. ولم يصل بعد إلى مرحلة انتاج فلاسفة لأن انتاج الفلاسفة له شروطه التي سوف نشرحها من خلال بيان مظاهر بؤس الفلسفة العربية الحديثة.

2- انحصار الفلسفة الإسلامية في علم الكلام "الحذر" وفي التصوف "الحذر". ونقول هنا "الحذر" لأن علم الكلام علم مرفوض في بعض الدول العربية ولا مجال لتدريسه كما أن التصوف وكلمة صوفية من الموبقات، ومن الكبائر في بعض البلدان العربية. فحتى ما يُسمى بالفلسفة الإسلامية مرفوض في هذه الدولة، ولا مجال لتدريسه أو الكتابة فيه، أو السماح بدخول كتبه إلى تلك البلاد العربية. وكان أبرز من عملوا في مجال "الفلسفة" الإسلامية و"فلسفة" التصوف جمعاً وتوليفاً وتاريخاً، دون اضافة الجديد، هم من المثقفين المصريين أمثال أبو العلا عفيفي، ومصطفى حلمي، وعبد الحليم محمود، وغيرهم.

3- انحصار العمل في مجال الفلسفة في مجال تاريخ الفلسفة، سواء كان هذا التاريخ عربياً أم غربياً. فقد انتجنا كماً لا بأس به من تاريخ الفلسفة تقميشاً وتوليفاً، ولم ننتج فكراً فلسفياً جديداً. وكان أهم من كتبوا في تاريخ الفلسفة العربية والغربية، يوسف كرم اللبناني، ومصطفى عبد الرازق المصري وغيرهما.

4- اطلاق كلمة فيلسوف على كل داعية متواضع من دعاة الاصلاح السياسي أو الاجتماعي أو الديني. فنطلق على شبلي شميّل مثلاً لقب فيلسوف، لأنه اقتنع بمبدأ النشوء والارتقاء وتوسّع فيه، ونشره في العالم العربي. ونطلق على فرح أنطون لقب فيلسوف، لأنه دعا إلى اقامة المجتمع على أساس العلم الاجتماعي المبني على فلسفة النشوء والارتقاء. ونطلق لقب فيلسوف على اسماعيل مظهر الذي ترجم كتاب "أصل الأنواع" لدارون.

5- نحسب أن كل داعية ديني حاول أن يستعمل العقل في تطوير نظرة الدين إلى الحياة من الفلاسفة. فالشيخ محمد عبده يعتبر في رأي البعض من الفلاسفة، ومحمد فريد وجدي من الفلاسفة، والشيخان علي عبد الرازق وخالد محمد خالد من الفلاسفة. وكل من دعا دعوة اصلاحية اعتُبر من الفلاسفة. في حين أن الفيلسوف في الميزان القويم هو المحب لرؤيا الحقيقة كما قال أفلاطون في (الجمهورية).

6- نحسب أن كل من كتب في الفلسفة وأعلامها ومدارسها واتجاهاتها، أو درّسها في الجامعات أصبح فيلسوفاً. فنحن نطلق على عبد الرحمن بدوي وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وغيرهم فلاسفة، من حيث أن هؤلاء كانوا مدرسين للفلسفة. فلكي تكون فيلسوفاً لا يكفي أن تملك افكاراً نيرة وأن تتعلم في مدرسة أو تُعلّم الفلسفة في مدرسة. فالمدارس لا تُخرّج أدباء، ولا فنانين، ولا فلاسفة كذلك.

7- عملت مجموعة من الباحثين العرب في مجال الروحانيات إما من باب الدرس، أو من باب التصوف والتوليف والتوفيق. وقرأنا الاتجاه الروحي من قبل مُدرسي الفلسفة والعاملين في تاريخها كرينه حبشي وعثمان أمين وعباس العقاد وغيرهم. وهؤلاء لم يأتوا لنا بانجازات فلسفية جديدة بقدر ما كان لهم شذرات فلسفية متفرقة، لا تتعدى أن تكون خواطر تأملية وجدانية في الحياة والكون، أسرعنا فتلقفناها، وأطلقنا عليها فلسفة وعلى من جاءوا بها فلاسفة، كعادتنا في اطلاق مثل هذه الأحكام على أبسط الأفكار، وأكثرها سذاجة.

8- لعل أبرز العاملين وأنشطهم وأغزرهم انتاجاً في مجال التأليف التاريخي الفلسفي كان عبد الرحمن بدوي. ولعل بدوي - في رأي كثيرين وخاصة في مصر - كان من أكثر من عملوا في البحث الفلسفي اقتراباً من أن يكون فيلسوفاً وجودياً من خلال كتبه المختلفة: "الزمان الوجودي"، و "هل يمكن قيام أخلاق وجودية؟"، و "دراسات في الفلسفة الوجودية"، و "الإنسانية والوجودية في الفكر العربي". ونرى من خلال هذه الكتب أن بدوي لم يقدم لنا اضافة جديدة عما قام به فلاسفة الوجودية في الغرب، بقدر ما قدم لنا ما قاله وما فكر فيه هؤلاء الفلاسفة وما ابتدعوه من جديد على الفكر الفلسفي الانساني.

***

وإذا كانت هذه هي مظاهر بؤس "الفلسفة" العربية الحديثة، فما هي أسباب هذا البؤس؟

للبؤس أسباب كثيرة منها:

1- أن الدماغ العربي الآن في مرحلة الدماغ الانفعالى والغريزي، وهما مرحلتان من مراحل تطور الدماغ، يشترك فيهما الانسان مع الحيوان، ولم يرقَ الدماغ العربي بعد إلى الدماغ العاقل الراشد المدرك الذي يميز الانسان عن الحيوان. فنحن نتعامل مع حياتنا في معظم المجالات تعاملاً عاطفياً غرائزياً بعيداً عن إعمال العقل فيها. نحن لسنا أمة التحليل، والبحث، والدرس. نحن أمة الحب أو الكراهية، الدفاع أو الهجوم، الإيمان أو التكفير، اليمين أو اليسار. حركة الفكر لدينا هي حركة اجترار الماضي فقط، وليس استنطاق المستقبل. نحن سجناء الماضي بقوة قاهرة عابرة للتاريخ. تراثنا فقط هو ملجأنا الوحيد ضد الأخطار التي تحدق بنا، وحين تعصف بنا العواصف، وتشتد علينا الأعاصير.

2- انتشار الأميّة في العالم العربي الذي وصلت حتى الآن إلى خمسين بالمائة بين الذكور وستين بالمائة بين الإناث حسب تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة في 2002. وأمة تنتشر فيها الأميّة بهذه النسبة الكبيرة، وينحطُّ فيها التعليم، وتنحطُّ فيها التربية نتيجة لقلة المال المصروف على التعليم وسوء المناهج التعليمية، لا بُدَّ أن تعاني فيها الفلسفة من بؤس كبير.

3- يقوم الازدهار الفلسفي في أمة من الأمم على ازدهار حركة الترجمة. ولقد كان لازدهار حركة الترجمة في العصر العباسي وفي عهد المأمون بشكل خاص أثر كبير على الفلسفة الإسلامية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. وكون الأمة العربية الآن هي من أقل الأمم على وجه الأرض حركة ونشاطاً في مجال الترجمة حسب تقرير التنمية البشرية للأم المتحدة لعام 2002، فإن النشاط الفلسفي العربي قد تأثر بضعف وبؤس حركة الترجمة. فيما لو علمنا أن الفلسفة لا تزدهر إلا في ظل تلاقح الثقافات الناتج عن الترجمة المتبادلة.

4- معظم الذين يعملون في مجال الفلسفة من مدرسين وباحثين في تاريخ الفلسفة، هم من موظفي الدولة العربية التي تنظر إلى هؤلاء نظرة ريبة وشك، باعتبارهم مصدر القلق الرئيسي للسلطة. ومن هنا قامت معظم السلطات العربية بمنع تدريس الفلسفة في مدارسها وجامعاتها. وقالت بأن "الباب الذي تأتي منه الريح لنغلقه ونستريح." وهؤلاء الباقون في مجال الفلسفة وتدريسها موظفون يتجنبون حبَّ الحكمة التي هي لبُّ الفلسفة، ويعتنون فقط بتاريخ الفلسفة دون ابداعها، وبالمدارس الفلسفية دون ايجاد مدارس جديدة، خوفاً من بطش السلطة المحكومة في معظم العالم العربي للمؤسسة الدينية التي تعادي الفلسفة عداءاً كبيراً، وتعتبر الفلاسفة – إن وُجدوا – هم من الملاحدة والمارقين من الدين، وهم بالتالي من المنافسين لها في الامتيازات السياسية والمادية والاجتماعية والإعلامية. ولم تفطن المؤسسات الدينية إلى مقولة فرانسيس بيكون (1561-1626) وهي أن قليل من الفلسفة ينحدر بالانسان إلى الإلحاد، ولكن التعمق في الفلسفة يرفع الانسان إلى قيم الدين. ومن هنا رمت المؤسسة الدينية الفلاسفة بأنهم اليساريون الانقلابيون، وأن الدراسات الدينية وحدها هي الجديرة بالعناية والرعاية والدعم.

5- الثقافة العربية الحديثة هي أشبه بالثقافة العربية في العهد العثماني. ومن يقرأ كتابنا (عصر التكايا والرعايا – وصف المشهد الثقافي في بلاد الشام في العهد العثماني 1517-1918) سوف يجد أننا ما زلنا نعيش ثقافياً في العهد العثماني من حيث أن ثقافتنا ثقافة تعتمد على السحر والشعوذة والخرافة والتقديس، والانفعالية والغريزية والشعارات، والأحكام المُسبقة. والفلسفة هي التي تعلمنا كيف نجيب على كل سؤال بعقل منفتح وخالٍ من النظريات المسبقة، اجابة تعتمد على المعلومة والتجربة الحية.

6- انتشار الفلسفة في مجتمع ما يعني انتشار الحرية وعلامة من علامات انفتاح المجتمع على العالم القريب والبعيد. قال برتراند راسل (1872-1970) إن الفلسفة منذ القدم لها هدفان: الأول، فهم تركيب هذا الكون. والثاني، اكتشاف انجع الوسائل الممكنة للحياة الأفضل. وهذا يتطلب حرية كبيرة في التفكير والسلوك.

7- إن بؤس التربية والتعليم العربي قادا إلى بؤس الفلسفة. فالتعليم العربي الذي يُوصف بالانغلاق والتقوقع وتكفير الآخر ومعاداته قاد إلى إلغاء الفلسفة من كثير من المناهج العربية، مما أدى تشويه العملية التربوية وافسادها، وقاد ايضاً إلى تخريج أجيال الاجترار والتلقين، لا أجيال التفكير والابداع التي تعرف كيف تصل بين نقطتين من أقرب المسافات، وهي مهمة الفلسفة في أن تعلمنا اياه، كما قال جبران خليل جبران (1883-1931).

8- انتشار مفهوم أن الفيلسوف هو الحكيم في الثقافة العربية في حين أن الفيلسوف هو محب الحكمة والباحث عنها كما أسلفنا. ومن خلال هذا المنظور المغلوط للفيلسوف اصبحت الفلسفة من الترهات حيناً ومن المعارف المترفات حيناً آخر، من حيث هي تجريدية ومثالية.

9- ان علاقة الفلسفة بالسياسة علاقة وثيقة منذ أيام الإغريق، مما جعل السلطات العربية والمؤسسات الدينية تضع حظراً كبيراً على الفكر الفلسفي كما أنها تضع الحظر نفسه على الفكر السياسي. فهدف الفلسفة هو اخضاع السلطة السياسية من أجل مصلحة الفرد كما قال ألن بلوم (1930-1992). فكما أن السياسة نجاسة كما تقول العامة فإن الفلسفة سفسطة وضياع الوقت، كما تقول الامة نفسها.

وأخيراً، يقول سقراط (470-399 ق. م) إن الفلسفة تبدأ من الشك والسؤال، وليس من اليقين والجواب الجاهز. والثقافة العربية في ماضيها وحاضرها هي ثقافة الأجوبة الجاهزة واليقينات التامة. فلكل سؤال في الثقافة العربية جواب جاهز، لا يدع مجالاً للسؤال لكي يزوغ أو يفلت يمنة ويسرة. وتلك احدى عوائق تقدم العقل العربي الذي تآكل بفعل الصدأ الناجم عن عدم البحث عن أجوبة جديدة للأسئلة القديمة والجديدة. فالعقل كالضرع، إذ لم تحلبه كل يوم، جفَّّ وتيبّس، وأصبح كحبة جوز الهند الفارغة.

*******


د. سّيار الجميل
هل للعرب المعاصرين فلسفة وفلاسفة؟ ام انهم انتجوا كلام اللواغيا؟

مدخل
الفلسفة كما يعّرفها المعرفيون منذ القدم انها – باختصار -: " البحث عن حقائق الاشياء ". والفلسفة – في معاجم اللغة العربية – هي " الحكمة "، فهل انتج العرب المعاصرون والمحدثون " حكمة " من نوع ما وكشفوا عن حقائق اشيائهم ومعانيها على امتداد أكثر من قرن كامل مضى من الزمن؟؟ وهل ابدعوا معرفيا: نظريا وتطبيقيا في البحث والخلق لنظريات وافكار شغل العالم كله بها؟؟ يقال: احكم الامر من الحكمة، اي: اتقّنه ومن تنسب اليه الحكمة قد احكمته التجارب على المثل: ويقال لمن كان حكيما قد احكمته التجارب، واحكمت الشيىء فاستحكم: صار محكما. قال ذو الرمة:
لمستحكم جزل المروءة مؤمــــن من القوم، لا يهوى الكلام اللواغيا
ونعود لنسأل: هل انتج العرب فلسفة وحكمة على امتداد قرن كامل، أم انهم عشقوا الكلام اللواغيا، بكل ما فيه من اطناب واسهاب وثرثرة وتهويل ولغو وحشو وتكرار وهذر وانشاء خاو من المعاني.. الخ
العرب اليوم: بعيدا عن استنارة فكر وعن فاعلية تفكير
كنت قبل ثلاثة اسابيع ضيفا خفيف الظل على قناة الشارقة الفضائية في برنامج حيوي اسمه ( اوراق )، وفي حوار مبسّط مع صاحبته ومقدمته السيدة باريهان كمق عن حاجة العرب الى منهج فكر! قلت منذ البداية: بأن ليس عند العرب المعاصرين فكرا محدثا فهم في مرحلة طالت نهضويتهم فيها من الركود وهم ما زالوا في دوامة من التفكير الباحث عن نقاط البدء بعد لا الفكر المستنير الراسخ القائم بذاته! ومن المضحك المبكي ان يطلق البعض على انفسهم بـ " المفكرّين "!
قالت محاورتي وهي مثقفة ومتابعة: لماذا؟
قلت: لأن ليس هناك أي مجتمع في الدنيا اليوم يحترم نفسه ويتقّبل مثل هذا المصطلح او التعبير عن بعض ابناء نخبه. هذا مصطلح بليد اشاعه العرب بقولهم " هذا مفكّر.. " وهذه " نخبة من المفكرين ".. فالاصح – عندي - ان يطلق على كل واحد منهم اختصاصه الجامعي او المهني او النظري فيقال: الطبيب والمهندس والمحامي والقاضي والاكاديمي والمؤرخ والكاتب.. الخ أما ان يقال عن هذا " مفّكر " وذاك " فيلسوف " فهذا ما يضحك حقا.. فكل انسان مهما كان حجمه في هذا الوجود انما يفّكر في الاشياء ومعاني وما حوله من الامور ليسكن الى معتقداته ويتخذ عنها مواقفه وقناعاته وثوابته. وربما تختلف من احدهم الى الاخر جراء تباين عواطفهم ومشاعرهم وانسياقهم وراء مؤثرات واحداث وخطابات وانساق لا حصر لها ابدا.
قالت: وماذا بعد؟
قلت: ليس من واجب كل من هّب ودبّ ان يتطفل على تخصص الاخرين، واذا قبلنا بالمصطلح على مضض، فأنني أسأل: هل استطاع ( الفكر العربي المعاصر ) ان يفرض نفسه في مساحة معينة ومضيئة وضيئة في الفكر الانساني الحديث اليوم بكل ما وصل اليه هذا الاخير من التطور والعمق؟؟ هل نجح اي ( مفكر ) عربي بفرض نظرية معينة او فلسفة متميزة وشغل مساحة كبرى ومعتبرة من القراء والمهتمين والدارسين في العالم؟؟ الجواب: كلا.. واستطردت متسائلا: هل نجح العرب بكل جحافلهم من المثقفين والمختصين بعد مضي قرنين من الزمن على ما يسّمى بنهضتهم الحديثة ان يفرضوا موسوعتهم العربية العالمية – مثلا – وبأكثر من لغة على الثقافة البشرية؟ انهم ان كانوا قد فشلوا فشلا ذريعا حتى في الاتفاق على مبادىء معرفية وخطوط منهاجية عامة فكيف يا ترى ستكون لهم فلسفاتهم وفلاسفتهم؟ ربما هم يقولون ويتنطعون بأن لهم ما ليس للاخرين من فلسفة وفلاسفة.. دعوهم يقولون ويزايدون ما يشاؤون بينهم وبين انفسهم، ولكن من مصلحة اجيالنا القادمة ان لا ندعهم في غيّهم يعمهون! وساعرض في ادناه صورة نموذج من هذا الغثاء الذي يجتاح ثقافتنا العربية المعاصرة تحت طائلة شعارات تدعمها شهادات ورقية ( اكاديمية ) يغلّف بها بعض الجاهلين بها انفسهم!


حوار بيزنطي
نعم، بعد لأي من ذلك الحوار التلفزيوني، طلع على الشاشة ضيف من الاردن قدّم تعقيبا بائسا على كلامي كونه لم يفهم الصح من الخطأ وقال كلاما عاطفيا بما يشبه لغو من الكلام.. وكان المسكين لا يدرك الف " التفكير " من يائه! كان على اسوة اقرانه من الوعاظين الذين تربوا في صحراء قاحلة لا تعرف فيها المعرفة ولا شطآن العقل ولا لغة الاخر ولا فلسفة العالم.. كان مهذارا ثرثارا وكأنه لم يدرك ولم يكتب ما يقوله الحكماء والعقلاء على امتداد قرن كامل من الزمن؟؟ وهو الذي لم يعلموه الا كيل المديح والاجترار والاستطراد وقلة العقل وهذه مصيبة ابتليت بها ثقافتنا العربية اليوم وخصوصا عندما تخرج في اروقة جامعاتنا العربية البائسة ركاما من الجهلة الذين لا يصلحون ان يكونوا في اسفل سلم المجتمع لا في اعاليه! نعم، قال: كيف لا ونحن لدينا فلسفة وفلاسفة جهابذة عرب من المحدثين المعاصرين امثال ذاك وذاك.. فلاسفة كتبوا كما كبيرا من الكتب التي خدمت ثقافتنا العربية وقلت في نفسي: يا لسخرية القدر ان تغدو مؤلفات مسردة ومترجمة وكتابات لنصوص اعاد انتاجها اصحابها من جديد ونشروها في حياتنا الثقافية بثياب رثة.. فصّدق العرب ان لديهم فلسفة وفلاسفة!
اجبت هذا المتدخل بما يستحق بكل هدوء، اذ ادرك انه وأمثاله قد نكبهم الجهل ورفعهم الزمن فاصبحوا من السفهاء الذين لا يمكن الحوار معهم، ولّم ينفع معهم الا الاهمال والترفع فهم بمثابة لجام يعضلهم حتى يموتوا!!
عاد ليهذر من جديد ثانية مستخفا بتكنولوجيا العصر ومجّملا كلامه بترديد ما كان قد تلقّنه من عبارات سياسية في المجد والجهاد والسؤدد وكال المديح لتقاليده البدوية المجيدة التي اعتبرتها مجتمعاتنا المدينية العربية في الامس القريب تقاليد بالية لا تنفع المجتمع المعاصر! وعاد ليردد بكل وقاحة بأن للعرب اليوم مدارس فلسفية وفلاسفة عظام ومناهج راقية في الفلسفة! واراد تحويل النقاش الى قضية سياسية كالعادة العربية الفاشلة عندما تنضب آلية المعرفة ومن اجل ان يتبجح ضد العراق فاسكته بعد ان سألتني محاورتي بكل ذكاء: هل تتفق مع هذا الذي يطرحه ( الدكتور )؟ قلت لها: كلا لا اوافق ما يقوله هذا الرجل! فالامور ليست بمثل هذه السذاجة.. فأي فلاسفة عظام هؤلاء؟ وأي مناهج راقية في الفلسفة عند العربان المحدثين؟ وأي مدارس بها يتميزون؟ ان كل من كتب في الفلسفة من ادباء واكاديميين وشعراء ومثقفين عرب لا يعدو ان يكون مجرد انشاء كلام او تجميع نصوص او توصيف حال او ترجمات كتب او شرح قواعد او كتابة مقالات او ابيات شعر فلسفية.. الخ


اين الفلسفة والفلاسفة؟
انني اتحّدى ثقافتنا العربية (الحديثة) الاتيان بفيلسوف عربي واحد اليوم عند مطلع القرن العشرين او حتى من مثقفي القرن العشرين.. قدّم نظرية فلسفية عرفها العالم كله؟ او انه قدّم ابداعا فلسفيا في موضوع حيوي معين على الارض العربية وليس جزءا من انتاج معرفي في جامعات غربية؟؟ ولقد طالبت الجيل الجديد الذي اتمنى عليه ان يوظف طاقاته وخبراته بعد عشر سنوات من اليوم بعد رحيل جيلنا نحن هذا المخضرم بين قرنين.. طالبته بأن يؤسس ثورة نقدية عارمة لمنتجات آبائه في القرن العشرين ليقف على حقائق مذهلة وعلى اسماء كتاب مشهورين في ادبياتنا العربية كتبت في الفلسفة وغيرها، لكنه سيكتشف انها اسماء مخادعة ومهزوزة ومخاتلة ومستلبة لم يكن ذلك الكم الوفير الذي كتبته تلك الاسماء ونشرته الا مجرد ترجمات خفية عن لغات اجنبية ويا للاسف الشديد! خصوصا وان ابرز هؤلاء عاشوا في بيئة محلية لا تعرف الا لغة التهويل والمديح والتعظيم لأناس وصفوهم بالمفكرين والفلاسفة والعمالقة الكبار وهم لا يصلحون حتى لكتابة عرضحالات لدوائر رسمية او على اكثر تقدير اعتبارهم كتبة مقالات او مؤلفي كتب لا حياة فيها ولا فكر لها ولا ابداعات مثمرة عنها!
لقد اشتغل العرب من المسلمين وغير المسلمين القدماء بالفلسفة بعد ان تأثروا بالفلسفة الاغريقية فابدعوا واثمرت جهودهم اثر اعظم حركة للترجمة قامت في بغداد وبرغم كل ما قدمّه حنين بن اسحق والكندي والفارابي ومسكويه وابن رشد وابن طفيل وابن باجه والبيروني وابن ميمون وابن سينا وابن خلدون وغيرهم من اقوى الفلاسفة واصحاب المناهج والمدارس من علماء الكلام والاشاعرة والمعتزلة.. الخ الا ان حربا ضارية لا هوادة فيها مورست ضدّهم تحت مسمّيات واتهامات شّتى فوصف بعضهم بالتهافت ووصف بعضهم الاخر بالانعزال والبعض الاخر بالزندقة والالحاد.. نعم، كل ذلك جرى في دواخلنا العربية علما بأنهم ابدعوا واثمرت جهودهم عن براعة فكر حقيقي استفاد العالم كله منهم.. ولكن عصرنا الحالي لم يشهد ولادة فلاسفة عمالقة ولا حتى اقزام صغار يتفلسفون او حتى يهذرون عن عشق للفلسفة او عن جنون بها..
لقد عجز الفكر العربي المعاصر عن الفلسفة بسبب عوامل عديدة لا يمكنني اغفالها في مثل هذه المداخلة! فالعرب على امتداد تاريخهم الحديث قد غلبوا الافكار السياسية والمعتقدات الايديولوجية المتنوعة على تفكيرهم المعرفي فحادوا عن طرائق العقل، وكانوا وما زالوا يتغّلب الايديولوجي عندهم على المعرفي. والمعاصرون اليوم كانوا وما زالوا يختنقون في اقفاص حديدية سجنهم فيها حكامهم واباطرتهم.. او انهم وجدوا انفسهم في مجتمعاتهم يتشربون من ترسبات عقيمة وبقايا التخلف وهم في شرانق تحزهم خيوطها ولا تسمح لعقولهم بالتفكير الحر والتعامل النقدي المباشر مع الحياة.. والمعاصرون اليوم عندنا قد فتحت الاجيال الاولى منهم عيونها واسماعها ومشاعرها وكل جوارحها على ما يسّمى بـ " النهضة " و " التقدم "، وبعد ان اخذها هذا شمالا وسحبها الاخر يمينا وجدت الاجيال الجديدة نفسها وقد افترستها مشروعات مؤدلجة ومواعظ وممنوعات ومحرمات وخطب سياسية رنانة عدة ازحمت بالشعارات والمقدسات والتعليمات، فصمّت الاذان وتعطلت لغة العقل وقفل على الالسنة واضطهدت المشاعر وكممت الافواه واختنقت الانفاس..


العرب: خطايا واقع متعفّن
اي فلسفة عربية معاصرة يمكننا ان نقف ولو لمرة واحدة مع نظرية فلسفية واحدة؟ اي اثراء معرفي عربي حقيقي جرى في حياتنا الفكرية الحديثة لنظريات فلسفية حديثة عاشت في القرنين السابقين؟؟ هل كانت الكتابة وحتى التأليف من قبل بعض الكتبة والكتاب للنصوص في موضوعات كالداروينية او الماركسية او الوجودية او النسبية او البنيوية.. الخ هي التي تعتبرها جوقات من الجهلة والمداحين العرب فلسفة؟ هل نجح العرب المعاصرون في اثراء المعرفة الانسانية بالعمل جماعات وفرق عمل نظريا وميدانيا لانتاج اعمال مميزة يلتفت اليها العالم؟ هل ساهم العرب المعاصرون الذين يهوون الندوات والمؤتمرات والشعارات والخطابات الرنانة ان يعتنوا قليلا بتربية المبدعين من اولادهم وبناتهم كي يكون لهم مستقبل وشأن كبير؟؟ اي فلسفة عربية معاصرة هذه التي يتبجحون بها ونخبة المثقفين منهم تجتر المقولات وتردد النصوص وتستلب الافكار ولا تحترم الاخر وليس لها الا الاوهام والاخيلة والتشبب وذكر الامجاد وتكرار الاقوال والامثال وتدجن الكوارث وتشيد بالسلطات والدكتاتوريات..؟؟ اي فلسفة عربية معاصرة هذه التي لم تزل هذه النخبة من الكتاب العرب الذين لا يعرفون الا الكتابة ولا اتخّيل كيف انهم يكتبون وماذا يكتبون من دون ان يقرأون ولا يتدارسون ولا يتابعون!؟؟ كيف يمكنني ان أصف اوضاع حياتنا العربية المعاصرة التي لم تشهد حتى الان اي ثورة نقدية وفكرية حقيقية او اكاديمية منهاجية لدراسة تراثنا ونقده وكشف مستوراته وفضح عوارضه وتعرية مفاسده وتقويم اعوجاجاته الى جانب احترام رجالاته وثمار ابداعاته بعيدا عن النرجسية وعن التقديسية وعن التكفيرية وعن سحق الموضوعات الحية باسم عدم سحق الذات والذات منسحقة من عصر بعيد وقد غدت في اسفل سافلين!!


واخيرا: ما الذي يمكنني قوله؟
متى يتخلص العرب من صناعة الكلام اللاغي؟ متى يفكرون الف مرة قبل ان يهتاجوا ويقولوا ويكتبوا ويقدموا النصائح البليدة؟؟ متى يتخلصون من الوعظية وتوزيع الاحكام المجانية والقاء الاتهامات القاصمة على الاحرار والمفكرين والنقاد الحقيقيين؟ متى تفرز الحياة العربية النقاوة من المفاسد والبياض من العتمة والنظافة من الاوساخ والعقل من الجهالة والحداثة بعيدا عن اقانيم التخلف..؟؟
وتعالوا نسأل: اين العرب اليوم من بحثهم عن حقائق الاشياء وتوليد المعاني وخصب التفكير وابداعات الروح والعقل؟ اين هم من الحكمة؟ حتى لو كانت شعرا " وان من الشعر لحكمة " – كما يقول الرسول الاعظم -؟ اين هم الان من نظريات العصر الفلسفية الحديثة؟ لماذا يتقبلون كل شيىء مادي وتكنولوجي ينتجه الغربيون ببساطة وسذاجة باعتباره تحصيل حاصل مشروع وشرعي، ولكنهم يحجمون ويتبلدون عن قبول فلسفات الغرب ونظريات المعرفة الحقيقية المعاصرة؟ لو كان لديهم فقط حركة نقدية وفكرية وفقهية اجتهادية جريئة وحرة لنفضوا عنهم وعن انفسهم وعقولهم غبار الاختناقات وترسبات الماضويات وعفونة الواقع واحترموا تراثهم الحضاري الزاهر بعيدا عن تقديسه بغثه وسمينه، واحيوا مقاصدهم النظيفة التي لا تتقاطع او تتناقض مع ثوابتهم الراسخة.
نعم، لو بدأت مشروعات تجديدية وتحديثية في التفكير العربي والاسلامي الحديث وعالج العرب زمنهم لشاركوا مشاركة حقيقية في حياة العصر، ولكنهم ويا للاسف الشديد كانوا وما زالوا بعيدون جدا عن اللحاق حتى بفهم ذيوله وقوة صعقاته! لو تيسّرت الامور عندهم وغدت الحياة العربية بأيدي عقلائها ورجالاتها الحقيقيين لأنتجت بعد اجيال واجيال من ( نهضتها ) حكماء يتدبرون امرها وستحل مشكلات ومعضلات لا حصر لها بأيديهم باعتبارهم من اهل الحل والعقد.. ولتغير وجه حياتنا العربية واسرعت خطاها نحو ركب التحولات في العالم كله! وأخيرا ليس لي الا ان أسأل: هل ما زال هناك بشر سوي يقول بأن لدينا فلسفة حديثة وبعض فلاسفة كبار من المعاصرين؟؟

*************************


بُـرهـان شـاوي
هل هناك فـلاسـفة عـرب معاصرون؟

* لدينا كليات للفلسفة، ولدينا باحثون في الفكر الفلسفي، ولدينا شراح نصوص ومؤرخون، لكـن أين مشـرعـنا الفلسـفي؟

* هل صـار عرض فلسفات الآخرين، والتعليق على نصوصهم، هو فلسفتنا؟

* كم كتابا في الفلسفة يصدر عن دور النشر العربية سنويا؟

* لماذا يؤرخ عبد الرحمن بدوي لنفسه فقط في الموسوعة الفلسفية، وهل ننتظر مفاجئات في الانتاج الفلسفي من العراق بعد سقوط الحكم الدموي فيه؟

* هـل الواقــع العربي المعاصـر معـاد للفلسفة ولإعمال الفكـر بشكل عام؟


قـد يبدو غريبا أن نحـاول هنـا مناقشـة قضية شـائكة وعميقة، كانت، ولاتزال،ابعد ما تكون عن وسـائل الاعـلام العربيـة، بكل أشكالها المقروئة والمسموعة والمكتوبة. قضية كان تراثنا القديم يطلق عليها لفظ (الحكـــمة)، وأسس لها علوما سميت (علوم الحكمــة) رغم أن بعضهم أطلق عليها أنذاك ايضا نفس الاسم الذي يطلق عليها اليوم في في الفكر المعاصر، ونقـصد هنــا (الفلســـفة)!!.

للفـلسـفـة في جامعاتنا العربية، وفي جامعات العالم العريقة، كليات وأساتذة مختصصون، حيث تُدرس على مدى أربع او خمس سنوات، كما تُمنح فيها الشهادات الجامعية والشهادات العليا، بل ان أعلى شهادة الدكتوراه في مجال الدراسات الانسانية تمنح تحت لقب(دكتورفلسفة)، ثم يعلن عن مجال التخصص الدراسي والأكاديمي!!. لكن الفلسفة ليست مهنة أو حرفة، أو وظيفـة إدارية، أوإجتماعية، فلماذا تُدرس إذن؟ وهـل هناك وظيفة لفيلسوف؟ بل وهل هناك مهنة أسمها: التفلسف؟ ثم، أكل من درس الفلسفة وتخرج من كلية الفلسفة هو فيلسوف بالضرورة؟ وهل ان دراسة الفلسفة هي حكر على الجامعات؟

من الواضح، من عنوان المقال، اننا لا نريد هنا أن نخوض في حوار حول تراثنا الفلسفي، لنرد على طروحات البعض الذين ينفون وجود فلسفة عربية إسلامية، من حيث ان مؤلفات الكندي، والرازي، والفارابي، وان سينا، وابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد، والطوسي، وصدر الدين الشيرازي، والطباطبائي، وغيرهم، خير شاهد على حضور هذه الفلسفة، حتى وان كانت أسئلتها غير صافية فلسفيا، من وجهة النظر الفلسفية المعاصرة، إذ كان السؤال الفلسفي فيها يتداخل مع المنطق من جهة ومع اللاهوت من جهة اخرى، لكننـا نسعى هنا الى ان نقرب الفلسفة من الواقع العربي المعاصر، من خلال تفحص السؤال التالي: لقد كانت لدينا فلسفة عربية إسلامية،( سواء كان هؤلاء الفلاسفة عربا ام من الأعاجم، فالبلاد كانت بلاد الاسلام، فالاسلام كان هو الهوية، وليست القومية، كما هو الحال اليوم..!!) فهل لدينا اليوم فلسفة عربية إسلامية؟ أو بدقة أكبر: هل لدينا فلاسفة عرب معاصرون؟ رغم ان غير المسلمين من العرب، والذين يعشيون في البلاد العربية مع العرب المسلمين، لا يمكنهم الخروج بسهولة من فضاء الاسلام، إذا ما اعتكفوا على السؤال الفلسفي، أو غيره من أسئلة الفكر!!

فيما يخص الشعوب الاسلامية غير العربية مثل الايرانيين والهنود والبنغال، والباكستان، و شعوب أقاصي آسيا المسلمة، يمكن الأجابة على هذا السؤال بنعم، إذ لديهم فلاسفة ومتفلسفون، ونتاج فلسفي مرموق. فحسب علمي ان مؤلفات الفلاسفة الايرانيين المعاصرون امثال (داريوش شايغان) و(سروش) و(مطهري) و(حسين الطباطبائي) والبنغالي الهندي (محمد اسد) تدرس في بعض الجامعات الاوربية والآميركية،لا سيما في أقسام الإستشراق، وما كشفه المفكر الالماني (يورغن هابرماس) في الاعلام الالماني، واثار ضجة في الاوساط الفكرية الألمانية والاوربية، عندما تحدث عن حواراته مع المفكرين الشباب المعممين في ايران، واتجاهات الفكر الاسلامي. هناك، بغض النظرعن تقييمه الشخصي لها، تؤكد وجود تاسيس فلسفي واثق الخطى هناك.!! وكدلك تحدثت مرارا، بل وكتبت المستشرقة الألمانية الراحلة (آناماري شيميل) مرات عديدة عن مثل هذا النشاط في اللغات التركية والأوردية والبنغالية التي كانت تجيدها،( بينما نتعالى نحن على هذه اللغات ونلهث وراء اللغات الاوربية فقط؟ مجسدين بكل وضوح عقدة النقص فينا امام الفكر الاوربي، رغم اننا لو نظرنا، وامعنا النظر، وبحثنا قليلا في الثقافات الاسلامية الشرقية،لازدادت حدة هذه العقدة!!)، لكن السؤال المهم هنا هو: هل لدينا، نحن في البلدان العربية، مسلمين ومسيحيين، فلسفة عربية، وهل لدينا فلاسفة عرب معاصرون؟

صحيح ان لدينا كليات للفلسفة في معظم جامعاتنا، الا أن معظم دراساتنا وبحوثنا، ومعظم الاسماء التي كتبت، ولازالت تكتب، في مجال الفلسفة، سواء من داخل الحرم الجامعي أو من خارجه، تشرح النصوص الفلسفة، وتبين إتجاهات الفكر الفلسفي، وتؤرخ لفلسفات الاخرين، وتبحث فيها، لكن دون أن تطرح هي مشروعها الفلسفي، ودون ان تنتج فكرا فلسفيا خاصا بها، او تؤسس مقدمات نظرية فلسفية، سواء في رحاب الفلسفة الاسلامية السابقة، او على أعتاب الأسئلة الفلسفية التي أنجزها الفلاسفة الغربيون!! فهل صار الاشتغال على تاريخ الفلسفة هو الفلسفة؟

ربما سيجيب البعض بنعم، أي ان الاشتغال على تاريخ الفلسفة صار جزءا من الفلسفة والعمل الفلسفي، وربما سيجيب آخرون بانه منذ( ماركس)، الذي اعلن في رده على(فويرباخ) بان الفلاسفة سابقا إكتفوا بتفسير العالم بينما المهم هو تغيره، تحولت الفلسفة الى وسيلة فكرية جبارة للتغيير الاجتماعي والتاريخي، ونزلت من عليائها الى أرض الواقع الانساني المرعب. وبالتالي صار الأعتكاف على السؤال الفلسفي الوجودي والكوني يفهم كشكل من الترف الذهني، ولأُتهم صاحبه بالنزوع البرجوازي الصغير، وبانه دليل على أزمة الفكر البرجوازي في العالم الراسمالي في صراعه مع الماركسية، آيديولوجية الطبقة العاملة. رغم ان فجاجة هذا الطرح إختفت منذ الانهيار المذهل للاتحاد السوفياتي، الذي كان حامل لواء الماركسية الللينينية، والذي قدم بسقوطه خدمة جليلة للفلسفة الماركسية، وذلك برفع الوصايا الأبوية والعقائدية عنها من جهة، وفتح الأفاق أمام المفكرين في روسيا وبلدان الطوق الاشتراكي سابقا ان يعيدو طرح الاسئلة الفلسفية القديمة والجديدة التي توقفت منذ هيمنة الحزب الواحد على السلطة، وصار رقيبا ووصيا على الفكر الحر، كما حرر المفكرين الاوربيين من عقدة التطبيق الفج للحلم اليوتوبي بالخلاص ومن تحمل آثام القمع الفكري والسياسي في البلدان التي حكمها الشيوعيون،. وربما من المفيد هنا ان نذكر، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون، بانه كانت في روسيا وحدها قبل الثورة الاشتراكية تيارات فلسفية مهمة، كانت تمزج بين الفلسفات الاوربية والروح الشرقية، وكان هناك فلاسفة مرموقون امثال: سولوفيوف، ستراخوف، دانيليفسكي، ليونتف، رزانوف، شيستوف، برديايف، وغيرهم!

وعودة للدرس الاكاديمي الجامعي للفلسفة، تُرى ماهو شعور الطلبة الذين يدرسونها لسنوات ثم يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، يبحثون عن أية وظيفة فلايجدون، بل نجد ان دراستهم تصير أحيانا بابا للتندر عليهم كان يقولون: جاء الفيلسوف، وذهب الفيلسوف، وقال الفيلسوف.

ولو بقينا في الحرم الجامعي وواصلنا الأسئلة: تُرى أين هي مؤلفات وكتب هؤلاء الاساتذة والعاملين في مجال الفلسفة؟ اين مجلاتهم الفلسفية؟ أين مؤتمراتهم

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف