عالم الأدب

جان بول سارتر في‮ ‬مئويته الأولى

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لامه البعض لأنه لم‮ ‬يحمل السلاح ضد الاحتلال النازي
جان بول سارتر في‮ ‬مئويته الأولى

فاضل عباس هادي من لندن: في‮ ‬الستينات تعرّف ملايين القراء العرب ونحن منهم على أعمال جان بول سارتر وأقطاب الحركة الوجودية في‮ ‬الرواية وفلسفة الآخرين البير كامو وسيمون دوبوفوار من خلال الترجمات الممتازة التي‮ ‬قام بها كتاب ومترجمون كبار مثل سهيل ادريس وعايدة مطرجي‮ ‬وجورج طرابيشي‮ ‬وغياث حجار وسامي‮ ‬الجندي‮ ‬وغيرهم‮. ‬وكانت مجلة‮ "‬الآداب‮" ‬التي‮ ‬يرأس تحريرها الروائي‮ ‬والمترجم الفذ سهيل ادريس هي‮ ‬الرئة التي‮ ‬ساعدت القراء على تنفس هواء الفكر الوجودي‮ ‬المنعش الجديد،‮ ‬الذي‮ ‬تزامن مع الفكر القومي‮ ‬العربي‮ ‬والحركة السياسية العربية في‮ ‬بحثها عن رسم ملامح خاصة للشخصية العربية وكان الاثنان،‮ ‬الوجودية والقومية،‮ ‬لعبا دوراً‮ ‬بارزاً‮ ‬في‮ ‬ظهور روائيين مثل مطاع صفدي‮ ‬ويوسف حبشي‮ ‬الأشقر وسهيل ادريس أيضاً،‮ ‬وكذلك هاني‮ ‬الراهب وغيرهم كثيرون‮.‬وكان الجو الثقافي‮ ‬بصورة عامة‮ ‬يبشر بتلاقح مثمر ومثير بين فلسفة‮ ‬غربية هي‮ ‬نتاج المدن المتروبول وفلسفة عربية تجمع بين الحاضر والماضي‮ ‬بهدف صياغة خطوط وأسس تمهد السبيل نحو عروبة من نمط جديد،‮ ‬عروبة حية،‮ ‬تواكب العصير وتتفاعل معه‮. ‬كان ذلك في‮ ‬الستينات وأوائل السبعينات‮.‬ والآن وبعد مرور أربعة عقود تقريباً‮ ‬يعود مؤسس‮ ‬الحركة الوجودية في‮ ‬الرواية والفلسفة الى الأذهان من خلال احتفال فرنسا وجميع محبي‮ ‬الكتابة والفكر الحر بمرور مائة عام على ميلاد جان بول سارتر‮.‬
وتشمل الاحتفالات بمئوية سارتر الأولى معارض ومحاضرات وندوات في‮ ‬باريس وفرنسا وبعض البلدان الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية،‮ ‬ومنها معرض شامل بالنص والصورة الساكنة والمتحركة في‮ ‬المكتبة الوطنية الفرنسية القريبة من معهد العالم العربي‮ ‬واعادة اصدار كتب سارتر مثل‮ "‬الغثيان‮" ‬و"دروب الحرية‮" ‬ومسرحياته العديدة من‮ "‬الذباب‮" ‬الى‮ "‬سجناء الطونا‮" ‬و"الوجود والعدم‮" ‬وكتابيه عن جان جينية وفلوبير‮.‬
كما خصصت الصحافة الأدبية والفكرية ملاحق خاصة عن سارتر وعصره،‮ ‬سارتر ومجايليه وأكبرهما البير كامو وبول نيزان،‮ ‬وسارتر ابن مرحلته وما بعدها،‮ ‬وسارتر السياسي‮ ‬الملتزم،‮ ‬وسارتر ورفيقة دربه الكبيرة سيمون دو بوفوار‮.‬

سبينوزا وستندال
منذ صباه كان سارتر‮ ‬يشعر بأن قدره الأكيد ونداءه العميق أن‮ ‬يجمع في‮ ‬كتاباته بين الفلسفة والرواية وقال في‮ ‬وقت مبكر بأنه‮ ‬يريد أن‮ ‬يجمع في‮ ‬نتاجه الابداعي‮ ‬بين الفيلسوف سبينوزا والروائي‮ ‬ستندال‮. ‬وهذا ما حققه فعلاً‮ ‬وبشكل‮ ‬غير مسبوق في‮ ‬تاريخ الأدب العالمي‮ ‬من خلال أكثر من نصف قرن من الابداع المتميز الممتاز‮.‬
ليس هذا فقط بل انه كان ناشطاً‮ ‬سياسياً‮ ‬معنياً‮ ‬بالحركة المطلبية للجماهير من‮ ‬يوم ليوم وهو الذي‮ ‬قال في‮ ‬كتابه‮ "‬ما هو الأدب؟‮" "‬من خلال مساهمتنا بما هو‮ ‬يومي‮ ‬نلحق بركب الأبدية‮". ‬وقد حقق جانباً‮ ‬من هذا من خلال مجلته التي‮ ‬ما تزال تصدر حتى الآن،‮ ‬مجلة‮ "‬الأزمنة الحديثة‮" ‬التي‮ ‬يقرأها السياسيون والدبلوماسيون،‮ ‬اضافة الى عامة الناس،‮ ‬ليعرفوا رأي‮ ‬سارتر بهذه المشكلة أو تلك الظاهرة،‮ ‬وليس بالضرورة أن‮ ‬يتفقوا معه أو‮ ‬يتخذوا موقفاً‮ ‬متماثلاً‮ ‬لموقفه‮. ‬وعلى المجلة تعاقب عدد من كبار المفكرين الفرنسيين والعالميين بما فيهم موريس ميرلوبونتي،‮ ‬كما نظم فيها محاور عديدة لمناقشة قضايا الساعة اللاهبة من الثورة الجزائرية الى القضية الفلسطينية‮.‬ ولا ننسى بول نيزان صديق سارتر والروائي‮ ‬الذي‮ ‬اشتهر بـ‮ "‬عدن العربية‮" ‬وفي‮ ‬تلك الأيام أيام الشباب اللاهب كان الرأي‮ ‬يتجه الى ان سارتر سيبرز في‮ ‬مجال الفلسفة وبول نيزان في‮ ‬مجال الأدب‮. ‬وعندما التقت سيمون دوبوفوار بسارتر في‮ ‬العام 1929 ‬جذبتها اليه ثقة سارتر بنفسه هذا الرجل الصغير الذي‮ ‬يريد أن‮ ‬يكون سبينوزا وستندال في‮ ‬الوقت نفسه‮.‬

الحقيقة الكونية
وُلد سارتر في‮ 21 ‬حزيران‮ (‬يونيو‮) ‬من العام 1905 ‬وتخرج من الجامعة قسم الفلسفة بامتياز أول وكانت دوبوفوار تخرجت من الجامعة نفسها بامتياز ثانٍ‮ ‬في‮ ‬العام 1929 ‬وفي‮ ‬العامين 1933 ‬و1934 ‬ذهب سارتر الى برلين ليدرس هوسرل وهايدغر ثم عاد ليدرس الفلسفة في‮ ‬مدينة هافر شمال فرنسا،‮ ‬في‮ سنة 1491 اعتقله النازيون ثم أطلقوا سراحه‮. ‬وفي‮ ‬العام 2591انتمى الى الحزب الشيوعي‮ ‬وفي‮ ‬العام6491 ‬أصدر‮ "‬كلمات‮" ‬ورفض جائزة نوبل التي‮ ‬منحتها له الأكاديمية السويدية‮. ‬وفي‮ ‬العام 1971 ‬أصدر دراسته عن‮ ‬غوستاف فلوبير مؤلف‮ "‬مدام بوفاري‮" ‬باسم‮ "‬أبله العائلة‮" ‬وفي‮ ‬العام 1980 ‬توفي‮ ‬سارتر وشيعه ما‮ ‬يزيد على 50 ‬ألف شخص‮.‬
سعى سارتر في‮ ‬كتاباته الفلسفية ورواياته الوقائعية الى رسم صورة للوضع البشري‮ ‬الى وضع مخطط تفصيلي‮ ‬للحقيقة الكونية‮. ‬وكانت مقالاته تقرأ بشكل واسع ولم‮ ‬يكن سارتر من الذين‮ ‬يقبلوا انصاف الحلول أو‮ ‬يطرحوا الحقائق مُرة كانت أم حلوة،‮ ‬بشكل خجول أو‮ "‬انساني‮" ‬مُدجّن‮. ‬ولا‮ ‬يعني‮ ‬هذا على الاطلاق انه كان خال من العواطف أو من اولئك الذين‮ ‬يحافظون على مسافة بينهم وبين المعيش‮. ‬كان رجلاً‮ ‬طيباً‮ ‬وعقلاً‮ ‬نيراً‮ ‬وشعلة من الالهام والملاحظة لا‮ ‬يفوته شيء وكل شيء‮ ‬يشغله ويشتغل عليه‮.‬
والآن وبعد أكثر من عشرين سنة على رحيله نتذكر ويتذكر‮ ‬غيرنا كثيرون السجالات التي‮ ‬ساهم بها سارتر والانتصارات التي‮ ‬حققها سارتر والتأثيرات العميقة التي‮ ‬تركها علينا سارتر‮. ‬الا تتذكرون معي‮ ‬يوم ترجمت مقالات سارتر تحت عنوان اختاره هو لها‮ "‬مواقف‮" ‬الى العربية وهذه في‮ ‬رأيي‮ ‬أثرت على عدد كبير مما‮ ‬يسمى بجيل الستينات مقالات عن جياكوميتي‮ ‬ونيزان وكامو،‮ ‬ومقال مثير للجدل بعنوان‮ "‬جمهورية الصمت‮" ‬وفيه المقطع الذي‮ ‬يقول فيه سارتر‮ "‬لم نكن أحراراً‮ ‬بقدر ما كنا أحراراً‮ ‬تحت الاحتلال الألماني‮ "‬ليس لأنه‮ ‬يبرر الاحتلال وانما لأن الاحتلال أو الرعب‮ "‬يوحد البشر‮" ‬ويدفع الناس الى مواجهة نداء الحرية والاختيار القاسي‮ ‬بداخلهم‮.‬

الالتزام الملتبس
يلوم البعض سارتر لأنه لم‮ ‬يحمل السلاح ضد الاحتلال النازي،‮ ‬وهناك من‮ ‬يلومه لأنه كتب بدلاً‮ ‬من أن‮ ‬يحارب،‮ ‬وهناك من‮ ‬يلومه على انه تأخر في‮ ‬ادانته للممارسات الستالينية في‮ ‬روسيا السوفياتية،‮ ‬الا ان هذا وذاك ما هي‮ ‬الا هنات تنجرف بسرعة ولا‮ ‬يبقى لها تأثير كبير على الجبل الهائل الذي‮ ‬اسمه جان بول سارتر جبل نقترب منه أو نبتعد عنه الا انه جبل قائم بحد ذاته جبل كبير حقاً‮.‬

اقرأ أيضا:


حسين الهنداوي
سارتر والحرية كتراجيديا


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف