اللحظة الشعرية سينمائيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"نهار واحد فقط" للأمريكي ريتشارد لينكلاتير
مرة أخرى تثبت السينما قدرتها على التقاط اللحظة الشعرية وتسجيلها بأدواتها التعبيرية الخاصة، على الرغم من الصعوبات التي تفرضها تقنياتها المعقدة والتي تحيل أحيانا دون صناعة فيلم يعتمد أساسا على نقل الأحاسيس الداخلية ومشاعر الشخوص التي تتصف دائما بحساسية مفرطة. بكلام أخر، صعوبة نقل عالم رومانسي سهل الوصف كتابيا، الى شريط يحتاج الى أكثر من لحظة مكثفة والى أكثر من حدث، وهذا يفسر بدوره لجوء كثير من الأفلام العربية والهندية، على وجه التحديد، الى خلط الحالة الرومانسية بحراك درامي "منفوش" تأخد الكاميرا مساحتها الكافية في نقل أحداثه التراجيدية، أو الكوميدية، متجنبة بهذة الوسيلة حصر الحكاية ببطلين يعيشان حالة حب خاطفة، قد لا تدوم سوى برهة عابرة من الزمن، كحكاية فيلم "نهار واحد فقط" للأمريكي ريتشارد لينكلاتير. هذا الفيلم مثال على نجاح السينما في تبسيط أدواتها وملائمتها لعلاقة غاية في العفوية والسهولة يصعب معها اضافة أي حدث جانبي اليها وبالتالي يصبح تسجيلها رهانا خطرا على القدرات التمثيلية والأخراجية وبالدرجة الأساسية على كتابة الحوار وعذوبته.
في مكتبة صغيرة في أحدى شوارع باريس يجلس جيسي بين مجموعة من الصحفيين يجيب على اسئلتهم ويوقع روايته الصادرة حديثا. إذن جيسي صار كاتبا مشهورا والأعلان عن توقيع كتابه في الصحف هو الذي دل سيلين على مكانه. من خلف زجاج المكتبة حيث تقف وتنقل نظراتها، بفرح ممزوج بكآبة رومانسية، الى الرجل الذي جاءت لملاقاته حسب موعدها معه ولكن بعد تأخر طويل .. تأخر دام تسع، سنوات غيرت الكثير.
من هذة اللحظة سيتحول الفيلم الى لعبة حوارية تتصاعد لتشكل التطور الدرامي الكامل للفيلم مصحوبة بحركة كاميرا هادئة تبدأ معهم في جولتهم الباريسة التي يقترحها جيسي قبل أقلاع طائرته الى نيويورك. وما دام الفيلم برمته يعتمد على الأحساس الداخلي وتقلباته، لم يأبه المخرج بالمنظر الخارجي، فكانت جولتهم في باريس غير السياحية، في مقهى عادي يبدأ كلام شبه عام، تعريفي.. جيسي لجأ الى الكتابة وأشتهر بها وهي صارت من المختصين بعلم البيئة، حوار يعكس أهتمام كل واحد منهم ويعكس تجربته ورؤياه الى العالم. جيسي الأمريكي لا يفكر سوى بالكتابة لذاتها، لا أفكار كبيرة ووعود بتغير العالم. سيلي تكره الرأسمالية وتريد لنفسها دورا في تحسين العالم وبيئته. يسميها شيوعية وتلمح هي الى فرديته. من المواقف الفلسفية ينجر الحديث بحذر الى الماضي الى اللحظة التي ألتقيا فيها قبل تسع سنوات، كانا مثل طيرين لا تتسع لهما الأرض، الجنس، اللهو والسفر كانت أولوياتهم، واليوم العالم ومشاكله. بين المتنزهات تبقى الكاميرا على مستوى حركتها، تنتقل بتنوع عفوي من لقطات قريبة وبعيدة دون تسلسل محسوب، تماما مثل كلامهما، ولكن تغيرا في قوة تعبيرها التصويري يبدأ مع دخولهما في التفاصيل الدقيقة. جيسي الأن متزوج ولديه ولد. حياته الزوجية باردة وفاشلة، لاجديد فيها سوى الطفل. وهي وحيدة، رغم معاشرتها رجلا فرنسيا مثقفا. الكاميرا تنتقل الى النهر في جولة هي السياحية الوحيدة. القارب والمياه ينقل الحوار الى حميمية أكبر والخجل السطحي يبدأ بالتلاشى ليحل محله حديث عن الحب، عن العشق عن اللحظة العابرة التي غيرت حياتهما. أنه البوح. سيعترف جيسي أن روايته التي وقعها اليوم كانت عنها، كتبها عن حبهما الذي طال مساءا وحدا.
أسم الفيلم: نهار واحد فقط
سيناريو وأخراج: ريتشارد لينكلاتير
تمثيل: أيتان هاوك، جولي دلبي
أنتاج: أمريكي عام 2