معاّ على سرير الواحدة بعد منتصف الليل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في ساعة سكون، و المكان يلفه شيء من الضوء الباهت اللطيف، عينان جميلتان تحدقان في نقطة مبهمة، جسد منسجم يمتد باسترخاء، و رأس مثقل تحتظنه وسادة فارهة ينتظر قبلة تهب الحياة، زواج... طلاق... ولادة...و موت... كلها تجمعت في لحظة واحدة.
- "حبيبي...أين أنت؟!!" همست في أذني برقتها المعهودة.
- "أنا، أنا هنا... أسف حبيبتي ماذا تريدين؟"
- "أقصد...فيما كنت تفكر، ماذا يشغلك؟؟؟"
-"أشياء كثيرة تشغل الإنسان... ، الأسئلة الصعبة عادة ً... ، تعرفين...، ذلك الكتاب الأزرق الذي كنت أقرء فيه قبل قليل"
-" نعم، تقصد كتاب ول ديورانت (قصة الفلسفة)؟"
-" نعم...بالضبط "
- " أشياء كثيرة تجوب رأسي الآن... أكاد أقول إن رأسي مثقل بالأفكار وقد وقع في دوامة لا تتوقف أبداً...أناس يذهبون ويجيئون... تتصنم ذواتهم و تكبر... و الأصنام تشير إلى الآلهة... ، تعرفين... الأصنام لا تعرف الآلهة... أليس كذلك؟!!!"
- "نعم... أصنام من الذهب و أصنام من الشهوات... كلٌ يعرف ما يريد
ويعبد ما يحب"
لثمت شفتي ثم عادت تقول:
" حبيبي هون عليك... هكذا الناس منذ الأزل... إنهم يسيرون نحو خالقهم"
- " و الحقيقة أين مكانها ؟؟؟"
- "عند الله...، الله يفصل بينهم يوم القيامة... ، هل تريد أن تدَّعي أنك تملك الحقيقة المطلقة"
- "لا... معاذ الله أن أدَّعي مالا أعلم"
نظرت في عينيها وكأنها تريد أن تقول لي شيء ً عجزت عن نطقه شفتاها.
- " لا تترددي حبيبتي تفضلي قولي ما تريدين"
- " لم أرد أن أثقل عليك...، تتذكر... عندما تزوجنا لم نكن نعرف بعضنا جيدا ً...، تعرف النساء تختلف عن الرجال... يقولون: النساء من الزهرة والرجال من المريخ، ألست تعرف ذلك"
- " بلى... لكننا... تزوجنا و أنجبنا... وعرف كلٌ منا الأخر، أقصد أننا نحب بعضنا، أليس كذلك ؟ ألست تحبينني؟"
-" بلى أكثر مما تتصور...، أردت أن أقول أن الله جعل هذا التنوع كما جعل الناس شعوبا ً وقبائل ليتعارفوا و فضل بعضهم على بعض بالتقوى... والتنوع ضرورة وليس شيءً نرفضه أو نقبله على مضض...، وبهذا تكون حركة الحياة و به تكتمل الصورة... هل تريد أن أزيد فوق هذا؟؟؟"
- " نعم، فأنا لم أشبع من كلامك العذب بعد... ولم أرتوي"
- " يقولون: إن الحياة لا بد فيها من وجود النجار و الطيار و الطبيب و المهندس و الزبال... وبدون هذا التنوع تخرب الحياة"
- " لكن هذا في عالم الأعمال و ما أريد معرفته هو عن تنوع الأفكار و التصورات و القناعات إلى حد التناقض"
- " نعم، أعرف ذلك... كانت هذه مقدمة فقط و الآن سأضرب لك المثال التالي بعد مقدمة ثانية بسيطة:
إن علماء التربية يعرفون أن الأطفال في سن معينة عندما يجلسون حول مجسم يشاهد كل واحد منهم ذلك المجسم من زاويته و لا يمكنه تصور اختلاف ما يشاهده الآخرون، ولو طلب من أحدهم رسم ما يشاهده طفل أخر فإنه سيرسم الشكل الذي يشاهده هو من زاويته المحدودة.
و إن هؤلاء الناس بما يحملون من أفكار متنوعة ومتجاذبة و متناقضة يشبهون جماعة من الناس يلتفون حول اسطوانة رسمت عليها لوحة فنية في غاية الجمال، وكل واحد منهم ينظر من زاويته فيرى جزء مختلف من تلك اللوحة، وبعضهم ينظر بعيون مصابة بعاهات، فيسبب ذلك جدلاً كبيراً بينهم ويحاول كل منهم إقناع الأخر بصحة ما يراه فيبذل كل واحد جهده في البحث عن الأدلة ويقابله البعض بالسخرية و الاستهزاء، وفي نهاية المطاف تتكون لدى الجميع قناعة بضرورة التعاون و احترام تنوع الرؤى و التصورات كي تتضح الصورة كاملة، وبعد تغلبهم على كل المصاعب التي تعيق فهمهم الدقيق للواقع يأتي الفنان المبدع لتلك اللوحة ليكشف لهم أن تلك اللوحة الفنية التي كانوا ينظرون إليها لم تكن سوى الغلاف الذي و ضع فيه لوحته الفنية الرائعة التي أسماها (ضرورة الأخر)"
ابتسمتُ...، وكانت لحظة عناق.
- " كنت واثقا ً أنك ستبدعين هذا المثال الرائع و أن ذلك الفنان عندما رسم لوحته فوق شكل اسطواني أراد عشاقه أن يوحدوا رؤيتهم في كيان واحد"
ثم لثمت شفتي مرة ثانية... ، و نظرت في عينيها أبحث عن أشياء أخرى.
همست في أذني:
" غدا سنزور معرضا ً لوحاته الفنية رسمت فوق مجسمات اسطوانية".
المملكة العربية السعودية/ المنطقة الشرقية – مدينة القطيف