مأزق شهوة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
انعكاس الضوء في سقف الغرفة أشغل تفكيره مؤقتاً عن كل ما يعتريه من انعكاس سلبي استقر داخله, مولداً حالةً من الشتات وشعورا بالفشل, ومسامات فتحت أبوابها, لعبور عرق الخجل.
حاول التظاهر بالأرق والتعب للخلاص من مأزقه إلا أنه شاهد كذبه يستقر في مرآة عينيها, هي لم تألوا جهداً لإنقاذه من انعكاسات ماراه, إلا أنها تحسست الحزن ومرارته في كل تعابيره. قامت بمحاولة أخيره, مررت أناملها على وجعه لإنعاشه وبث الروح فيه, فشلت لأن الوجع كان اكبر من التمرير الدافئ, لعله يحتاج لبعث جديد وروح جديدة ليعود الماضي.
أرسلت له اعتذار تكفلت به غمضة من أعينها, كأنها لتؤكد انه يعاني الغمضة الأخيرة. لملمت جراحها الأنثوية لتغادر الغرفة, حاجرة على كل قطراتها أن تسقط خوفاً على أن تزيد من ألمه وشعوره بالقهر.
لم يقل شيئاً.. فضل الصمت.. ماالذي يستطيع قوله في هذا الجو الكئيب المكرس لحالة بؤسه المفاجأة, إنها المرة الأولى التي يعجز فيها أمام امرأة, يذبل فيها مثل تلك الوردة المنسية في دفتر عاشق يبسّها ضغط الأوراق لتكون ذكرى لحبيب غائب قد يأتي أو لايأتي..
اقتنع أن التشبث بالتعب والإرهاق ليس مقنعاً, لأنه من قاتَل لأخذ موعد منها حدده بنفسه, سعى إليه معانداً الظروف, متجاوزاً العقبات ليهيئ كل الأجواء ليغرق في فشل رجولته المتهالكة, لتلك الرجولة التي استعرضها أمام أصدقائه للتأثير على أشهى الإناث من بوابة وسامته التي لاتقاوم, كان يسخر منهم حين يجدهم استعانوا بحبات ( الفياجرا ) لإعادة ضخ الحياة لدمٍ يقبع فيه سكون الشهوة.
تقاعس في نهوضه من ذلك السرير اللعين, النوم أخذ يداعبه, أي نوم هذا الذي يأتي والفضيحة مشرعة أبوابها, عليه اللحاق بها لتبرير موقفه بأية وسيلة, ليصحح مايمكن تصحيحه, انتفض تفكيره حين لمع في ذهنه, أنها قد تعلك سيرة بين أصدقائه لتلاحقه الهمسات في كل مكان.
استقبلته ببسمة, شعر بها ببوادر شفقة حين أتبعتها:
- ستكون أفضل في المرة القادمة.
أحس بتوهان في انتقائه للعبارة التي يرد بها على هذه الجملة التي أزعجته كثيراً, لكن ماالذي يستطيع قوله بعد فشله, ثم أنها تتحدث عن مرة قادمة, تريد أن تضحك عليّ (شايفتني أهبل..لها حق.. قدامي هبر.. هبر.. وأنا فاتح فمي), كما أنه لا توجد امرأة تخاطر لتُأكل تكرر التجربة مع رجل سقطت أنيابه ويكابر. عاد ليفكر كيف يخرج من تيهه؟.. هل يحاول المماطلة لعل السبات ينتهي وتستيقظ خلاياه النائمة لتنقذ فحولته مما شابها, رده جاء يجتر حروفه بصعوبة بالغة:
- أعتقد أنه عار..ض لأنها الزيارة الأولى ورهبة اللقاء..
كأنها توقعت جوابه واستعدت إليه, وان تفكيره لم يصل لحد الخروج عن الغير مألوف في التبريرات, لذا اختصرت ردها بهدوء تام:
- لا عليك عزيزي
أبحر مجداً في شروده, فكر في الانضمام لملايين مستخدمي حبوب الحياة لإنقاذ نفسه, ذهب تفكيره لسياق أخر .. تساءل مع نفسه .. صحيح لماذا الرجال يركضون خلف هذه الحبات الداعية لحياة جديدة, فيما النساء تذهب لحبات الموت حماية مما ينتج عن الحياة.. لماذا الصراع بين الموت والحياة..توقف عند هذا الحد لم يشأ أن يملأ نفسه بمزيد من التشتت مردداً ( مو وقته).
لمح في حركة يديها بوادر مغادرة, فقد وضعتها على (شنطتها), يبدو أنها تريد المغادرة منذ خروجها بعد أن أيقنت بفشله.. هذا مادار في ذهنه..وأضاف إليه تفكيره .. حتماً تخشى أن تغادر كي لايفهم مجيئها من أجل هذا الغرض.صيحات وحركات قديمة في أفلام حب السبعينات الغبية. كيف أقتنع بذلك وهي التي هاجسها الجنس وتمارسه معي وتطلبه أيضاً عبر الهاتف الذي يشهد آهاتها الملتهبة أضاف لذلك قميص النوم (الشيفون) القابع في هذه (الشنطة) التي تضع يدها عليه استعداداً للمغادرة, منذ دقائق ارتدته ليظهر كل تفاصيل جسدها دون الحاجة لنزعه, كانت حركة أردفها متخاصمة تتناطح تبحث عن حسم.. ( وأنا زي الأبله) معطل إلا من لذة عيني التي تنقل شيئاً لعقلي لايحرك دمي.
لم يكن أمامها خيار لتغادر إلا أن تفتح باباً واضحاً للقاءٍ قريب مرتقب لتخرج من مأزقها فأشارت عليه بقوله لتكسر حاجر صمته وتفكيره السارح:
- تصدق .. اشعر بتعب أنا أيضا لكننا سنلتقي الأربعاء المقبل..أكون فيه مرتاحة وأنت كذلك..
اعتبر هذا الرد إهانة .. ماذا تقصد بـ أنت كذلك..إنها تشير لفشله على السرير مرة أخرى.. وهنا لم يتأخر مايجيب عليها به يحمل فيه إصرارا وتحدياً لما يعتريه:
- أنا بخير .. أصبت بإرهاق من العمل وماهي الا لحظات واعود لوضعي الطبيعي.
- لكنني مضطرة للمغادرة.
- لن تغادرين إلا بعد أن ننتهي..
كان هذا ماشغله في أن يكون ظنه, فيما لوغادرت سريعاً بعد خروجها من غرفة النوم, لذا بقيت كل هذه المدة ومع ذلك لم تستطع تغيير ماقد يفكر فيه. حاولت أن تكون أكثر هدوءً :
- أعذرني
- كلا ننتهي أولاً.
أردت أن تكون حاسمة هذه المرة لتضع النقاط على الحروف مع أنها لاتشاهد حروفاً أمامها أو نقاط, لكنها استغلت فشله بكل قسوة لتضع حداً لردوده السمجة:
- أعطيتك الفرصة ففشلت .. سأغادر
لاحت في ثنايا وجهه مرارة الهزيمة, أبرقت عينيه باحمرار أخافها من قد ينتج عنه من تصرفٍ حيال هذه الجملة القاسية, إلا أنها لم تحاول الشرود أو الابتعاد عن ملامحه حتى لا يشعر بهزة تكمن داخلها. أخذ بارتداء ملابسه لإيصالها من حيث جاءت, شرع في إطفاء الأنوار الخافتة في الشقة التي تعطي جواً مريحاً, لم يتبق إلا نور الممر حيث تقف بانتظاره عند أخر بابٍ في شقته, أصبح هذا النور الأخير كشمعة واحدة ترسل أشعتها على وجهها وتظهر ظل جسدها الملفوف المرتوي المتعطش للدفء, اقترب منها التصق بأنفاسها, لم يقاوم شفاهها المكتنزة, امتص ريقها, أغلق الباب بطرف رجله اليسرى فيما هو يمسح بيديه تلالها نازعاً عنها ثيابها,أشعل الأنوار مرة أخرى, عاد ملتصقاً بجسدها في رقصة كلاسيكية أوصلتها لذلك السرير ليراقب انعكاس ضوء في سقف عالمه.
قاص يمني
nedalqahtan@hotmail.com