طقسية المشاركة.. في مسرحية الماء .. يا قمر الشريعة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
دأبت جماعة الناصرية للتمثيل من خلال اطروحاتها المسرحية المتجددة والتي لا تقتصر على تقديم نمط مسرحي واحد بل تجرب انماطا مختلفة ومنها ( التعزية المسرحية ) ، من اجل اعادة التواصل مع المتلقين والتركيز على تنوع الذائقة المسرحية لديهم ، ولعل مسرحية ( الماء .. ياقمر الشريعة ) تأتي في السياق ذاته ، حيث تسعى الجماعة من خلال هذه التجربة الى توسيع مساحة التلقي من خلال استقطاب الجمهور الواسع وتصحيح ما علق في ذاكرة الناس من صورة مبتذلة عن المسرح خلال العقود الماضية ، فالمسرح لدى الجماعة ليس مسرحا نخبويا ، بل هو محاولة لاختراق القواعد الشعبية الواسعة عبر طرح تجاربها المسرحية في ( المسرح الاسقاطي ) المعتمد علىالخطابات الجمالية والمفاهيم الفلسفية والتكوينات التعبيرية امام كل متلقي يريد ان يطور ذائقته المسرحية والثقافية ، فبعد مسرحية ( ليلة جرح الامير ) للمؤلف عمار نعمة جابر واخراج ياسر عبدالصاحب البراك تجيء مسرحية ( الماء .. ياقمر الشريعة ) للمؤلف الشاعر حازم رشك لتضيف لبنة جديدة في بناء ( مسرح التعزية ) وهي من النصوص المسرحية الشعرية التي تتعامل معها الجماعة لاول مرة عبر تجربتها المسرحية التي تمتد من عام 1992 وسنحاول تسليط الضوء على بعض تفاصيل التجربة املا في التعريف بها على الاقل .
يخط لنا الشاعر حازم رشك كرنفالا شعريا يخترق بواسطته واقعة الطف الاليمة عبر استحضار مناخاتها وصناعة مناخات جديدة مشابهة لها ، فبدء من لغة المسرحية الشعرية التي يعتمدها الشاعر في ترصين بناءه الدرامي ومرورا بخلق شخصيات افتراضية مثل شخصية ( الفرات ) الذي يظهر في المسرحية في هيئة رجل كبير السن يعيش حالة من حالات الشعور بالذنب واعلان التوبة . ويقوم الشاعر بفتح هذا الرمز على فضاءه الانساني ليكون مثالا للانسانية المعذبة المنتظرة للمخلص او المنقذ الذي يغسل ذنوب البرية وخطاياها ليرسم دولة العدل الكبيرة حيث المجتمع السعيد . ويتم ذلك عبر تهيئة القواعد الشعبية التي تمثلها في المسرحية شخصية ( بائع القر ) في حين نجد الغرباء الثلاثة يمثلون اتجاهات فكرية وعقائدية متنوعة ( اليهودي / المسيحي / العلماني ) في حوارية فكرية قلما نجدها على تحقيق الحياة السعيدة والهانئة للبشرية، ولعل الرؤية الاخراجية للمخرج ياسر البراك جاءت لتعمق هذه الرموز عبر فرضيات اخراجية جديدة في ما يسميه البراك بـ ( المسرح الاسقاطي ) ، حيث يدفع لنا في البدء بمؤلف جديد للساحة المسرحية وبنص مميز في المسرح الشعري كما سبق للبراك وان دفع للساحة المسرحية بالعديد من المؤلفين المسرحيين ، بعدها تعتمد الرؤية الاخراجية على النعصر التعبيري في تفجير الصورة الشعرية في النص عبر الاقتراب من النبض الحي للمتلقي وذاكرته الجمعية من استحضار رموز واقعة الطف في المأساوية بنظامي الخطاب السمعي والبصري ، وتمنح الاضاءة الملونة المشاهد التعبيرية بعدا جماليا اخذ يتعمق في عروض الجماعة بعد كل عمل تقدمه فكل لون على المسرح له صدى في داخلنا ، فاللون الاحمر المهيمن على بعض مشاهد المسرحية كان تعبيريا عن دموية المأساة المتجددة في استحضارات نهر الفرات النفسية ، والاخضر كان يعبر عن اشراقات الروح في الواقعة الحسينية ، اما الازرق فكانه تعبير عن سرية المكان الذي تجري فيه الاحداث واللون الاصفر الممزوج بالقشي كشف عن العالم الواقعي وما عمق هذه الدلالات الاهتمام الواضح بالسنوغرافيا كبؤرة جمالية مهمة في العرض ، فالكف المفتوحة في عمق المسرح تتنوع مستوياتها الدلالية لتعطي معاني كبيرة فهي باب للدخول وخروج الشخصيات وهي كف البراءة الخضراء بوجه سوداوية العالم ، وهي عين الماء التي ينبثق منها نهر الفرات وهي كف الامام العباس ( ع ) ساقي عطاشا كربلاء ، وهكذا تتنوع بتنوع الحدث الدرامي في المسرحية ، اما القرب الفارغة طوال العرض للتعبير عن حالة العطش الموزعة كشفرات مرجعية بداخل المشاهد فهي معادل موضوعي لثنائية العطش ( الموت ) والارتواء ( الحياة ) حيث تمتلاأ في نهاية العرض بدلالة وصول عطاء وتضحية اهل البيت ( عليهم السلام ) الينا نحن ابناء الحاضر، ولعل اللافت للنظر في هذا العمل هو الانسجام التام بين عناصر العرض الفنية وبين الممثلين الذين لعبوا دورا في ايصال رسالة العرض الجمالية فكانت جهود على بصيص ( الفرات ) وعمار سيف ( الغلام ) وكريم عبد جابر ( الغريب الاول ) وصفاء عبدالحسين ( الغريب الثاني ) وحيدر جبر الاسدي ( الغريب الثالث ) وعمار نعمة جابر ( بائع القرب ) واستبرق عبدالجبار ( ظل الفرات ) ومجموعة اطفال من طلبة ثانوية علي الكرار المطورة كلها جهود متميزة متفانية في سبيل انجاح العرض ولعل اصرار البراك على تقديم هذه التجربة الثانية في مسجد قديم كتعزية مسرحية ليعمق الاحساس التجريبي لدى جماعة الناصرية للتمثيل في الوصول الى قطاعات شعبية واسعة مؤمنة برسالة المسرح القدسية التي لا تختلف قداستها عن قداسة المسجد نفسه كما يقول البراك في دليل العرض حيث قدمت المسرحية يومين للرجال ويوم واحد خاص للنساء في محاولة من الجماعة لاشراك عدد كبير من الجمهور في طقسية العرض المسرحي .