الصين تشتكي من معدل نموها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
د.عبدالله المدني: في الوقت الذي تعمل فيها الدول جاهدة من اجل رفع معدلات نموها الاقتصادي، فان الصين تعمل في الاتجاه المعاكس، بمعنى أنها تحاول بأساليب متنوعة أن تكبح جماع معدل نموها السنوي الذي وصل في عام 2004 إلى 9.1 بالمئة و تجاوز ذلك إلى 9.5 بالمئة في العام الماضي.
صحيح أن تحقيق مثل هذه المعدلات أمر جيد و مطلوب لأنه يعني تحسنا في الدخول و تراكما للثروات و زيادة في فرص العمل و تضخما لعائدات الدولة من الضرائب و الرسوم، إلا أن الصحيح أيضا هو انه في حالة اعتماد النشاط الاقتصادي في حراكه و توسعه على الموارد الأولية بصفة أساسية سيظهر الكثير من التناقضات والسلبيات المؤدية إلى ما يعرف بلغة الاقتصاديين بالاقتصاد الساخن الذي من ابرز علاماته عدم توازن الطلب مع العرض في القطاعات الحيوية.
هذا ما تشكو منه الصين اليوم. فخلال السنوات العشر الماضية حدث توسع هائل في مشاريع البنية التحتية و قطاعات الإنشاءات و العقارات و الصناعة، الأمر الذي أحدث طفرة كبيرة في الطلب على الطاقة و بصور غير مسبوقة. و هكذا تحولت البلاد من دولة مكتفية ذاتيا في النفط إلى مستوردة لأكثر من ثلث احتياجاتها منه. و تشير الإحصائيات إلى أن الصين صارت اليوم ثاني اكبر مستهلك للنفط على مستوى العالم متجاوزة في ذلك اليابان، و إلى أن معظم النفط المستهلك يذهب إلى القطاع الصناعي المتنامي بسرعة صاروخية.
غير أن الحاجة المتزايدة إلى النفط مع كل ما يمثله من تحديات في ضوء ارتفاع أسعاره و التنافس العالمي على مصادره، ليست المشكلة الوحيدة الناجمة عن تسارع وتيرة النشاط الاقتصادي. فتكالب الشركات و الأفراد على الاستثمار في القطاع الصناعي و الإنشائي و العقاري بحثا عن الأرباح الكبيرة و السريعة أدى إلى تحويل المزيد من الأراضي الزراعية إلى أراض صناعية وسكنية. و النتيجة هي تقلص القطاع الزراعي و انخفاض حجم ناتجه و بالتالي حدوث ارتفاعات متتالية في أسعار المواد الغذائية، ناهيك عن ارتفاع أعداد المهاجرين من الأرياف إلى المدن والحواضر بحثا عن فرص العمل ذات المردود المالي المجزي و السريع، بكل ما يعنيه ذلك من مشكلات اجتماعية و ضغوط إضافية على الخدمات و المرافق و المواصلات.
إلى ذلك، أدى الإفراط في التركيز على الصناعة و الاستثمار العقاري إلى زيادة الطلب على مواد معينة مثل الحديد و الألمنيوم و الاسمنت بصورة دراماتيكية و غير مسبوقة عالميا. و يكفي أن نعرف انه نتيجة لذلك صارت الصين تستهلك بمفردها ثلث الإنتاج العالمي من الحديد و أكثر من ثلث إجمالي إنتاج العالم من الاسمنت. و تفيد الإحصائيات الخاصة بالطلب الصيني على الحديد بأنه وصل في عام 2004 إلى 260 مليون طن، أي أكثر بمرتين و نصف من إجمالي إنتاج دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة.
*باحث و محاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي