جعجع: براميرتز أخاف سورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
"سنقول في التشاور إن التصحيح يبدأ برئاسة الجمهورية"
جعجع لـ"إيلاف": براميرتز طلب ضباطاً فخافت سورية
في 14 شباط/فبراير الماضي، الذكرى الأولى لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وأمام نصب الشهداء في وسط بيروت شبك الثلاثة الأبرز في قوى الغالبية أيديهم عالياً أمام الجمهور الخليط المحتشد المتحفز سياسياً على وقع أناشيد وكلمات عالية النبرة لقياداته، تلك كانت أول إطلالة شعبية لجعجع بعد خروجه من السجن وعودته من فرنسا، الركنان الآخران الشريكان في الأيدي المرفوعة ذلك اليوم المشهود، رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري ورئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط خارج لبنان حتى ساعات من موعد انعقاد جلسة "التشاور" الأولى التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري . لكن الثلاثة وأركانا وسياسيين آخرين من "قوى 14 آذار/ مارس" يبقون على اتصال هاتف دائم لتنسيق مواقف يبدو جلياً عشية الجلسة أنها ستصر على أن التغيير إذا كان لا بد منه يبدأ من الرأس، أي رئاسة الجمهورية، "المشلولة بوجود الرئيس إميل لحود" على ما قال لنا جعجع.
قبل الوصول إلى الفيلا التي يقيم فيها رئيس حزب "القوات" يعبر قاصده حاجزي حماية لعناصر في قوى الأمن الداخلي يتميزون بلطف لافت، لطف معمّم على المكان زاد عليه جعجع الذي التقيناه بعد استراحة دافئة لدى معاونيه الإعلاميين بحفاوة وترداد "أهلا أهلاً" مراراً وإسقاط الكلفة بعد دقائق. لا يملك المرء إلا القول إن الرجل تغيّر في عمق، فنبرته وتعابيره الهادئة لا تمت بصلة إلى السخرية اللاذعة في تناول الأشخاص الذين يخاصمهم سياسياً ولا إلى العصبية التي كانت تطبع عباراته . حرصه واضح على إبراز الاحترام لمن يتحدث عنهم ، لا سيما الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون. وحتى عندما تكلم على الرئيس إميل لحود لم يتناوله في شخصه.
لم يكن هكذا سمير جعجع . قال لنا إنه محا الحرب من قلبه و"خلص، صارت ورانا". ولكن ماذا عن الذين انتقدوا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني لاستقباله في زيارة المعايدة ؟
"هؤلاء ضد المصالحة وضد اتفاق الطائف، آسف وأحزن جداً لموقفهم . يعرفون أن القضايا الجنائية التي رفعت ضدنا كانت سياسية غير قضائية و"مفبركة" وكيف انتزعت الاعترافات في التحقيقات، ولكن افتراضاً أنها صحيحة، وهي بالطبع غير صحيحة، أنا أمضيت 11 سنة وأكثر في السجن وأديت الحكم، ماذا يطلبون بعد؟ إذا كانوا يريدون أن نفتح ملفات الحرب فليتفضلوا. هل نحن وحدنا خضنا الحرب؟ ماذا عن الباقين؟ كنت آمل فعلاً أن يشيدوا فعلاً بخطوتي ويروا فيها خطوة إلى الأمام على طريق الألفة والمحبة بين اللبنانيين، إنما يبدو كما قلت، الحرب لا تزال في قلوبهم".
"لكم غيّرك السجن"، نقول له ، فيوافق: "نعم . في المستوى الشخصي غيّرني كثيراً ولكن ليس في مستوى الاقتناعات. خصمي السياسي لم يعد خصمي الشخصي. وفي كل ما أفعل أو أقول لا انطلق من شعور سيىء، أبداً".
الموقف في جلسات التشاور
ماذا عن جلسات التشاور التي تبدأ الإثنين بدعوة من الرئيس بري؟ " نحن ذاهبون إلى التشاور لنقول إن تصحيح الوضع في لبنان بكل مستوياته لا يمكن أن يحصل إلا انطلاقاً من رئاسة الجمهورية . لا يمكن أن يبدأ التصحيح إلا بإجراء انتخاب نزيه وحر لرئيس جديد . موقع رئاسة الجمهورية الذي يعني مشاركة المسيحيين في السلطة بدرجة أولى مشلول حالياً بحكم وجود الرئيس إميل لحود فيه، وبحكم الطريقة التي مُددت بها ولايته وما أدى إليه هذا التمديد. هذا الموقع مشلول ليس بسبب موقف حزب القوات اللبنانية أو غيره من لحود ، فرؤساء الدول والمسؤولون الدوليون يزورون لبنان ولا يلتقونه، وها هو رئيس وزراء بريطانيا توني بلير يجيء إلى بيروت ولا يقابله، ومثله الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ومفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا وكثر غيرهم. وليس صحيحاً أن اتفاق الطائف أفرغ رئاسة الجمهورية من الصلاحيات، فلا شيء في الدولة يحصل من دون موافقته. الرئاسة موقع مهم جداً في لبنان خلافاً للإنطباع الذي يحاول إشاعته بعضهم، ولئلا يبقى هذا الموقع مشلولاً سنصرّ في جلسات التشاور على الانطلاق منه للتصحيح وتوفير المشاركة في السلطة".
وسألناه : ألم تر في ما ساقه الرئيس لحود من ملاحظات على مسودة مشروع قانون إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري ورفاقه انتقاصاً من صلاحيات الرئاسة؟أجاب : "في البدء فلنتحدث في الخلفيات. قبل نحو شهر من صدور التقرير الأخير لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتز، في تشرين الأول الماضي ، زار براميرتز دمشق وطلب مقابلة بعض ضباط المتخصصين في المتفجرات وسلاح الهندسة في الجيش السوري، ضباط غير (رئيس الاستخبارات العامة في سورية) آصف شوكت و(رئيس اجهاز الإستطلاع السوري سابقاً في لبنان) رستم غزالي، ولم تكن وردت أسماؤهم ولا أدوارهم ولا أي ذكر لهم في التحقيقات والتقارير الدولية السابقة. على الأثر شعرت القيادة السورية أن براميرتز توصل أو هو على طريق التوصل إلى أدلة وإثباتات تشكل خطراً داهماً عليها. هذا هو التفسير لأسباب مواقف لحود المفاجئة من عملية تشكيل المحكمة الدولية، وليس خشيته على صلاحيات رئيس الجمهورية".
ورأى جعجع أن السجال حول الصلاحيات في هذه المسألة انطلق من بداية خاطئة جرّ إليها الرئيس لحود وزير العدل شارل رزق وآخرين ، وقال إنه استند إلى مشورة قانونيين ودستوريين أكدوا أن المطروح ليس معاهدة أو اتفاقاً بين الأمم المتحدة ولبنان ليتعلق الأمر بصلاحيات رئيس الجمهورية في التفاوض الواردة في المادة 52 من الدستور ." فمجلس الأمن يتخذ قرارات ملزمة، هل سمعتم يوماً أن الأمم المتحدة عقدت معاهدة مع دولة؟ بالتالي قانون إنشاء المحكمة يقره مجلس الوزراء ويرسله إلى مجلس النواب كأي قانون آخر. وحتى إذا افترضنا أن الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية امتنعت ولم تتجاوب مع قرار مجلس الأمن إنشاء المحكمة، فإن المنظمة الدولية تستطيع السير بها من دون موافقة لبنان بقرار ملزم من مجلس الأمن. والقرار الحالي المتعلق بها ملزم بها أصلاً، لكنه كلف الأمين العام أنان إجراء محادثات مع لبنان لوضع التفاصيل التطبيقية. هذا كل الفرق ولا يعني أن المحكمة لن تتشكل إذا لم يوافق عليها لبنان".
انتخاب الرئيس حكماً
وهل يرى احتمالاً لأن تنتهي ولاية الرئيس الممددة ولا يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد فتنتقل صلاحياته إلى الحكومة ؟ يجيب جعجع: "أعوذ بالله، لن تكون عودة إطلاقاً إلى سنة 1988 أخرى ( عندما تعذر انتخاب خلف للرئيس أمين الجميّل فتولت حكومة انتقالية برئاسة العماد عون صلاحيات الرئاسة). لا تقدر الأقلية النيابية أن تمنع انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأن هذه الجلسة لا تتطلب توافر النصاب بثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، خلافاً للإعتقاد السائد. هذه بدعة، أو فلنقل عرفاً، ولكن لا أساس له في الدستور الذي يقول أن الرئيس ينتخب في الدورة الأولى بأكثرية الثلثين ، وإلا ففي الدورة الثانية بأكثرية النصف زائد واحد. نحن الأكثرية في المجلس وحتى إذا لم يحضر الثلثان تجري الدورة الأولى وفي الدورة الثانية ينتخب الرئيس. ليس في الدستور ذكر لنصاب الثلثين، هذا عُرف ولكنه لا يعوق انتخاب الرئيس".
وماذا إذا لم يدع رئيس مجلس النواب إلى انتخاب رئيس؟ " في هذه الحال يتداعى النواب حكماً إلى جلسة في مهلة تبدأ قبل انتهاء الولاية ب 10 أيام، يترأسها نائب رئيس المجلس وإلا أكبر الأعضاء سناً وينتخب رئيس جديد".
وإذا لم يعترف بشرعيته المعترضون؟ " عند ذلك، ماذا يمكننا أن نفعل؟ ولكن يكون للبنان رئيس منتخب قانونياً وشرعيا".
سؤال طُرح ويطرح أحياناً في صالونات سياسية ، ألا تفكر بالترشح للرئاسة؟ " كلا، ألم يعد في هذه البلاد أحد يقدر على تولي هذا الموقع إلا "فلان أو علتان"؟ هناك كثر يصلحون لتولي الرئاسة، وشخصياً يقيدني الترشح . طالب الرئاسة يصبح في موضع يضطر معه إلى قرع الأبواب وسؤال الناس أن يدعموه. لست في هذا الوارد. وأنا منصرف إلى بناء الحزب في هذه المرحلة".
وكيف ترى إلى حظوظ الجنرال عون، المرشح الأبرز إلى الرئاسة؟ " رأيي أنه وضع نفسه في موقع أصبح معه الوصول إلى الرئاسة صعباً جداً".
أترى فارقاً بين ميشال عون الذي زارك في السجن وميشال عون اليوم؟ "لا، عندما زارني في السجن كانت بيننا فعلاً جلسة شخصية وجدانية لا علاقة لها بما يحدث اليوم، ولا يزال كما كان على المستوى الشخصي. أما سياسياً فنحن لا نشاطره موقفه، ونعتقد أن طريقنا هي الأصح وصولاً إلى خلاص لبنان، ومسيحييه أيضاُ. إنما ما يحصل بين المسيحيين ليس انقساماً، فلسنا حزباً واحداً لننقسم بل هناك في الأصل تعددية رأي، ثم أن الإنقسامات تكون على أسس شخصية وليس هذا هو واقع الحال . نختلف في الموقف والطرح السياسي ولا سبب شخصياً لأكون في صراع مع العماد عون، ثم أن الساحة السياسية تتسع للجميع، وحجم كل فئة معروف. رغم ذلك ، كنت أتمنى لو كنا جميعاً في استراتيجية واحدة، تحديداً في الإستراتيجية التي نعتبرها الفضلى لإنقاذ اللبنانيين ومن ضمنهم المسيحيون".
تتكلم والجنرال عون على المسيحيين، كيف تصف وضعهم في لبنان اليوم؟ "وضعهم في السلطة سيىء بسبب عقدة الرئيس لحود، وكذلك نتيجة لكل ما حصل في السنوات ال 15 الماضية التي كنا خلالها في السجون والمنافي بسبب معارضتنا الوضع السابق الذي ساد لبنان. لكن هذا لا يعني أن تبقى الأمور كما هي. وكما قلت ، التصحيح يبدأ من رئاسة الجمهورية التي هي حصة المسيحيين في الدولة ووجود الرئيس لحود فيها يعطلها".
ولا يعزل جعجع وضع مسيحيي لبنان عن بقية اللبنانيين، يقول:" اللبنانيون عموماً كانوا في وضع سيىء لكننا بدأنا نخرج منه. هذا شعب يحتاج إلى ضمان الحرية والأمن وهو يتكفل بالباقي. الحرية تأمنت بدرجات بعد 14 آذار/ مارس 2005 ونعمل لتوفير الأمن".
خطورة اللعب باتفاق الطائف
ثمة أصوات تدعو بين وقت وآخر إلى إعادة النظر في اتفاق الطائف الذي وضع بناء على موازين قوى معينة وفي ظروف استثنائية لوقف الحرب لم تعد قائمة؟
يستفزه السؤال فيسرع إلى القول إن "اللعب باتفاق الطائف خطأ وخطر جداً لأنه يفتح الشهوات والشهيات من كل ناحية وصوب . لا أعرف إذا كان لبنان يبقى لبنان الذي نعرفه من دون اتفاق الطائف. لبنان لم يتثبت حتى اليوم كدولة . لو تثبت كدولة لما كان ثمة لزوم للقرارات الأممية المتلاحقة لترسيم حدوده وحمايتها وجمع السلاح وغير ذلك . فلنثبته ولتكن هذه أولويتنا. نحن في مرحلة التثبيت هذه وهي انتقالية، وأخشى أن تطول لكننا سنصل في نهاية المطاف إلى بناء دولة جدية كما تكون الدول".