الحص: حبيقة أراد اغتيالي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
رئيس الحكومة الأسبق يقلّب أوراق الذكريات
الحص لـ"إيلاف": خدّام أبلغني أن حبيقة أراد اغتيالي
عبارة شهيرة له لا تفارق أيًا من غرف مكتبه "يبقى المسؤول قويًا إلى أن يطلب أمرًا لنفسه"، صاحب العبارة الشهيرة" في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديموقراطية" جلس بهدوئه المعتاد يقلب صفحات الماضي مع "ايلاف" مستحضرًا التفاصيل الدقيقة التي طبعت شخصيته المؤمنة دائمًا وابدًا بالحوار والعلم والقيم الانسانية والاخلاقية. مبدئي وصادق مع ذاته وأمين على قضية يؤمن بها، من الغاء الطائفية السياسية في لبنان وتمسكه بوحدة البلد الوطنية الى عدم التنكر لعروبتنا.
فيما يلي نص المقابلة مع الرئيس سليم الحص
ولدتم في منطقة حوض ولاية بيروت وتعلمتم في مدارس المقاصد ثم انتقلتم الى الجامعة الاميركية في راس بيروت، حدثنا عن هذه المرحلة وماذا طبعت من ذكريات في حياتكم؟
ولدت في العام 1929 وفقدت والدي عندما كنت ابلغ من العمر سبعة اشهر، وانا اصغر اخوتي الاربعة، وكنا في حال ضيق شديدة ماديًا، وتحملت والدتي مسؤولياتنا وكانت امكانياتنا محدودة، وبدأت اقصد مقاصد البنات ثم تسجلت في مقاصد الصبيان، وفي الحرب العالمية الثانية كان زوج خالتي قد اثرى من التجارة واردت ان ادخل مدرسة الIC كي اتعلم الانكليزية بعدما تعلمت الفرنسية في المقاصد.
فقصدت ابنة خالتي التي اصبحت فيما بعد زوجة النائب والوزير السابق عثمان الدنا، فانتقلت الى الـ IC ، وتدرجت الى ان اصبحت في الثانوي، وفي تلك السنة ورثت جدتي لامي مالًا وتعهدتني ودفعت اقساطي المدرسية، واصبحت بعدها اتولى نفسي بنفسي واطلب العمل بعدما انتقلت الى الجامعة الاميركية، وكنت دائمًا من المتفوقين في الجامعة، وانا تخرجت العام 1952 بتفوق، ونظرًا لتفوقي كنت احصل دائمًا على حسومات في الجامعة ومساعدات دراسية، ثم اعمل لاغطي الباقي، واذكر انني قصدت الوست هول في الجامعة الاميركية لاطلب عملًا فوجدت انهم يطلبون عاملًا في جنائن الجامعة في الصيف لكن احدهم سبقني على ذلك، وراجعت الاعلانات في الجامعة فوجدت ان هناك مسابقة لاحسن رواية ريفية، وكتبت مسرحية بعنوان "مطحنة حامد"، وفزت بالجائزة الثانية، اي 40 ليرة لبنانية.
وخلال سنوات التخصص حصلت على عمل كمساعد للاستاذ نظرًا لتميزي في الدراسة، وبقيت على هذا المنوال حتى التخرج عام 1952 حيث دعيت الى مكتب امين الصندوق في الجامعة وقيل لي ان لك مبلغًا متراكمًا وطلبت العمل في انابيب النفط "تابلاين" وعملت محاسبًا هناك سنتين، وبعد سنتين جاءني عرض من غرفة الصناعة في بيروت كمراسل وانتقلت الى هناك ثم تعرفت الى زوجتي كانت تطبع الرسائل التي اعدها، وتسجلت في الماجستير وانا اعمل، واصبحت معيدًا مساعدًا في الجامعة وتركت غرفة التجارة وبدأت التعليم في الجامعة الاميركية، واخذت الماجستير في العام 1955 ، بعد سنتين من التدريس حصلت على منحة الدكتوراه الى الولايات المتحدة الاميركية من مؤسسة روكفلر فونديشن وعام 1959 توجهت الى اميركا، والمؤسسة كانت سخية معي ومولت رحلتي مع زوجتي وابنتي بين واشنطن وانديانا.
خلال تواجدكم في الولايات المتحدة الاميركية ما الانطباع الذي كونته عن الشعب الاميركي؟
الشعب طيب جدًا فطري ويؤمن كثيرًا بالحرية، ويحترم رأي الآخرين، وكنا في حوار دائم حول القضية الفلسطينية آنذاك وكنت القى اصغاء من المتحاورين.
في الحكومة
كلفتم بتأليف حكومة وحدة وطنية في العام 1976 فلعبتم دورًا بارزًا في المحافظة على سعر الليرة اللبنانية آنذاك، كيف كان الجو العام في سنوات الحرب وكيف تمت المحافظة على سعر الليرة يومها؟
عدت برتبة استاذ بعد نيلي الدكتوراه وترأست دائرة العلوم التجارية في الجامعة الاميركية، ثم جائني عرض وانا استاذ في الجامعة للعمل خبيرًا ماليًا في الصندوق الكويتي الذي كان حديث النشأة في العام 1964 وطلبت اجازة غير مدفوعة من الجامعة الاميركية وذهبت الى الكويت عامين مع زوجتي وابنتي، فدرست مشاريع انمائية كثيرة في الدول العربية، ورئيس الصندوق الكويتي آنذاك كان الشيخ جابر الصباح(رحمه الله) الذي اصبح فيما بعد امير الكويت، عندما عدت عام 1966 انهار بنك انترا وكان اعز اصدقائي المرحوم مدير عام المالية الدكتور سالم الذي استعان بي للبحث في قضية بنك انترا والتقيت برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وانفتحت امامي آفاقًا جديدة، وضمن الحلول التي وضعت لازمة بنك انترا هو اقتراح مني لانشاء لجنة لرقابة المصارف لدى مصرف لبنان لكنها مستقلة اداريًا عنه فعينت اول رئيس لها.
بعدها تعرفت الى الرئيس الياس سركيس كان حاكمًا لمصرف لبنان وبقينا نعمل سوية على اصلاح الوضع المصرفي، وعمدنا الى برنامج اصلاحي واسع جدًا وتبادلنا الثقة والاحترام، وفي العام 1976 انتخب الرئيس سركيس رئيسًا للجمهورية وقبل آوانه مع اشتداد الازمة، وكنت انتقل يوميًا لملاقاة الرئيس سركيس، وفي احد الايام قال لي اريدك ان تتولى اي حقيبة في الحكومة فقلت له اريد ان اتولى وزارة شؤون الاعمار والانماء، وعندما عجز عن تشكيل حكومة من الفعاليات توجه الي بالقول اريدك ان تشكل حكومة من التكنوقراط من غير السياسيين، فشكلت حكومة كان فيها سياسي واحد هو الوزير فؤاد بطرس، وفي عام 1978 طلب من الاستقالة كي يشكل حكومة من الفعاليات السياسية، فاستقلت واجرى مشاورات مع المجلس النيابي واختارني رئيسًا لحكومة الفعاليات، في نهاية 1980 شعرت ان التوجه العام لم يعد مقنعًا لان كان جهد الرئيس سركيس الإتيان بالشيخ بشير الجميل رئيسًا للجمهورية فقلت للرئيس سركيس انني لا استطيع الاستمرار على هذا المنوال فاستقلت.
الحرب
عايشتم الحرب في لبنان كرئيس للوزراء، هل ترون اليوم ان هذه الحرب يمكن ان تعاود في لبنان؟
استبعدها جدًا لان اللبنانيين تعلموا درسهم من الحرب الماضية، واعتقد راسخًا ان ليس بين اللبنانيين من يريد العودة الى الاقتتال مع وجود الحزازات السياسية والطائفية والمذهبية لكن ليس بين اللبنانيين من هم يريدون العودة الى الاقتتال ومن بينهم القادة السياسيين.
الاحزاب
المعروف عنكم انكم خلال حكمكم كنتم ولا تزالون تكرهون الميليشيات وزعماءها وتؤمنون بالحوار والعلم والقيم الانسانية والاخلاقية، كيف كنتم تمارسون الحكم في ظل وجود احزاب وميليشيات خلال الحرب في لبنان؟
كنا دائمًا في مماحكة يومية وعانيت الامرين وخلال فترة الاربع سنوات في حكم الرئيس الياس سركيس كان لدي مشكلة مع كل الرفاق من كل الجهات وكان لدي مشكلة مع القوات الوطنية، مع مطالبهم المتكررة، ولكن كان لدي مشكلة حقيقية واكبر بكثير مع القوات اللبنانية وحزب الكتائب والوطنيين الاحرار، لم اكن اؤمن بمنطق السلاح على الاطلاق، وكنت امقت السلاح واستخدام العنف واحاول ان اجد حلولًا عن طريق الحوار وطرح المشاريع واذكر انه خلال عهد الرئيس سركيس كانت هناك محاولات لتأليف حكومات اتحاد وطني فشلت جميعها، ثم في العام 1979 حضّرت مشروعًا وفاقيًا سمي بالمبادىء ال14 وعرضها الرئيس سركيس بحضور الوزير فؤاد بطرس،واتينا بكل افرقاء النزاع ووقعوا عليها دون اي نفع يذكر.
واذكر بهذه المناسبة انني حضرت، عندما سميت رئيسًا للحكومة للمرة الاولى مشروع البيان الوزراي ولم انس انني اوردت فيه عبارة تقول انه يجب العمل على الغاء الطائفية السياسية في الادارة والقضاء والجيش.واعترض الوزير فؤاد بطرس على اساس ان المبدأ جيد لكن تطبيقه صعب.
واقترح الرئيس سركيس آنذاك ان يشطب هذه العبارة في النصوص ونحاول تطبيقها فالافضل لنا ان نطبق شيئًا لم نتعهد به من ان نتعهد بشيىء لا نستطيع تطبيقه.
ومررنا بتجارب مريرة في هذا الصدد، فكان مشروع مرسوم بتعيين قضاة ووزير العدل كان يومها فؤاد بطرس وجاءني بمشروع قانون لتعيين 11 قاض نجحوا في المعهد معظمهم من المسيحيين والاقلية سنّة، فوقعت على المرسوم رغم ذلك، وبقي المرسوم في درج الرئيس سركيس بضعة ايام وعندما زرته قال لي سيشكل لك الامر مشكلة ومع اصراري عليه وقّعه، وكان المرسوم الوحيد في تلك الفترة الذي لا يعتمد على الطائفية، وبعد فترة جاء موضوع الجيش قيل نريد فتح باب الاستقالات وجاءنا المئات من الاستقالات ووزير الدفاع كان يومها الوزير بطرس وكان ثلثا الجيش آنذاك ضباط مسيحيين والثلث مسلمين فكان المستقيلون من المسيحيين اكثر من المسلمين فاقترح ان يكون عدد المستقيلين من المسيحيين بقدر المسلمين فطالبت بتوازن الثلثين والثلث. ومسائل ادارية اخرى كثيرة لم تكن تؤمن بالغاء الطائفية في الادارات.
محاولة اغتيال
تعرضتم لمحاولة اغتيال صبيحة عيد الفطر عام 1984 بسيارة مفخخة عندما كنتم في موكب رسمي الى منزل المفتي الشيخ حسن خالد في الروشة، من ترى وراء عمليات الاغتيال التي شهدها لبنان خلال فترة الحرب حتى العام الماضي؟
عملية الاغتيال التي تعرضت لها سمعت من هو الجاني على لسان نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، عندما اغتيل الرئيس كرامي العام 1984 كنت وزيرًا في حكومته ويوم الاغتيال كان لنا لقاء اسلامي واسع وطلب مني ان اتولى رئاسة الحكومة مباشرة لان رئيس الجمهورية امين الجميل آنذاك كان طرفًا في النزاع، وقبلت ان اتولى بالوكالة فاعترض الاستاذ حسن الرفاعي الفقيه في الدستور وقال لا يشارك احد ميتًا، لكنني اعتبرتها مسألة انسانية، وطًلب من رئيس المجلس النيابي حسين الحسيني ان يبلغ الرئيس الجميل باصدار مرسوم بتسميتي رئيسًا للوزاء بالوكالة فلبى الرئيس الجميل.
وفي اليوم التالي توجهنا الى طرابلس للمشاركة في المأتم وكان هناك السيد عبد الحليم خدام، وكان يستشيط غيظًا، لاننا لم نشاورهم في الموضوع من قبل، ووجه كلامه الى المفتي :"لم العجلة؟ فقلت له يا ابو جمال ان الرئيس امين الجميل طرف في النزاع فيجب ان يكون هناك شريكًا، وتوجه الي بالقول عندما تأتينا الى سورية في المرة المقبلة ذكرني كي اقول لك من دبّر محاولة الاغتيال، وبعد اسبوعين توجهت الى سورية للقاء الرئيس حافظ الاسد مع الرئيس حسين الحسيني، وتوقفنا عند الرئيس خدام فذكرته بما قاله لي فاجاب:"ايلي حبيقة كان في الشام وسآتي به كي يخبرك؟ قلت له انا بغنى ان اصافح ايلي حبيقة فقل لي من؟ فقال العملية قامت باشراف ايلي حبيقة مع العميد سيمون قسيس رئيس الشعبة الثانية في استخبارات الجيش ومعهم الدكتور جميل نعمة مدير عام الامن العام، وعندما عدت الى بيروت كتبت مذكرة للقضاء الذي من خلال المدعي العام دعا ايلي حبيقة الذي كان يومها وزيرًا، فقال له دعني اشاور فريقي وبعد ايام قال لا اريد ان اتكلم وانتهى الموضوع، ومنذ ذلك الحين لم يستمر التحقيق، وقال لي خدام ايضًا انهم اجتمعوا عند شخص اصبح اليوم وطنيًا هو ميشال المر، وبعد نحو شهرين جاء المر الى بيتي في زيارة ونفى الموضوع، ثم استمعت بعد فترة الى الوزير الياس المر الذي نفى الامر كذلك قائلًا ان اجتماع هؤلاء كان عند والدي ولكن ليس للتحريض على اغتيالك لانهم عادوا واجتمعوا عند ايلي حبيقة لهذا الغرض.
كتابات وحياة سياسية
كيف تمضون ايامكم اليوم وما هي المقالات والكتابات التي تقومون بها؟
بعد سقوطي في الانتخابات العام 2000 اعلنت انني انتقلت من حيز العمل السياسي الى حيز العمل الوطني، فالسياسي يعمل من اجل هدف معين، وبين 1992 وال2000 كنت رئيسًا للوزراء، وبعدما شنت علي حملة هائلة وظفت فيها امكانات مالية هائلة تركت العمل السياسي من اجل العمل الوطني، واعلنت انني انتقلت من الحيز السياسي الى الوطني، بمعنى انني ساتابع العمل في مجال السياسة ما عدا طلب المنصب، وانا في العمل الوطني امارس السياسة من الباب العريض جدًا، وانا امارس السياسة من خلال تأسيس ما يسمى منبر الوحدة الوطنية (القوة الثالثة) وحاولنا التقريب بين فريقين متنازعين اخيرًا وطرحنا مبادرات كثيرة، خصوصًا لجهة القرار 1559، ثم طرح موضوع الرئاسي وطرحنا مبادرة للرئيس لحود وقلنا له انه عليك الاستعداد للتنحي ضمن اطار مبادرة لانقاذ الوطن.
كما اصدرت حتى الآن 17 كتابًا حملت العناوين التالية:The development of Lebanonrsquo;s financial markets(1974)
نافذة على المستقبل(1981)
(لبنان المعاناة والسلم) بالانكليزية (1982)
لبنان على المفترق(1983)
نقاط على الحروف(1987)
حرب الضحايا على الضحايا(1988)
على طريق الجمهورية الجديدة(1991)
عهد القرار والهوى(1991)
زمن الامل والخيبة(1992)
ذكريات وعبر(1994)
للحقيقة والتاريخ، تجارب الحكم ما بين 1998/2000(2001)
محطات وطنية وقومية(2002)
نحن والطائفية(2003)
عصارة العمر(2004)
صوت بلا صدى( 2005)
تعالوا الى كلمة سواء(2006)
خبرة وعبر
بعد خبرة كبيرة في السياسة، ما هي العبر التي استقيتها من هذه الرحلة الطويلة مع السياسة؟
هناك عبرة رفعتها فوق رأسي وهي" يبقى المسؤول قويًا الى ان يطلب أمرًا لنفسه"، وعندما سمعت مجموعة من النواب يقولون انهم اجبروا من سورية على التمديد للحود تعجبت من الامر،وفي احدى الكتب جمعت مقالات عنوانها بيني وبين سورية واظهرت فيها كيف كانت العلاقة بيننا وكيف لم ارغم على شيء طيلة حياتي.