أخبار خاصة

في ذكرى ميلاد صدام السبعين (1-4)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في ذكرى ميلاد صدام السبعين (1-4)
الرئيس المنهك وخفايا غزو أميركا للعراق

زيد بنيامين من دبي: انه الخامس من كانون الأول(ديسمبر) 1990. كانت حرب الخليج تلوح في الأفق. مشى قائدان عربيان لاستطلاع الفرقة العسكرية إلى جانبهما. نظرا بإحراج الى عيون بعضهما بعضا. على الاقل واحد منهما كان يعتقد انه لن يرى الثاني الى الابد. كان الرجل الاول هو صدام حسين والثاني أقرب حلفائه الملك حسين عاهل الأردن. قال صدام وقتها للملك "كل الكون ضدنا والله معنا. سيكون النصر حليفنا فلا تقلق ولا تحمل نفسك من الهم ما هو أكثر من طاقتها".

يتذكر الملك حسين تلك اللحظات بالقول "كان علي العودة الى بلدي وكنت حزينا وقلقا وتملأني التصورات السوداء. ما سمعته من صدام فاق مقدرتي على التعامل مع الامور"، وخلال اكثر من 6 عقود عاشها صدام، لم يستطع احد ان يثنيه او يتعامل معه.

كانت الدكتاتوريات تنهار هنا وهناك: سيسيسكو وموبوتو وميلوسوفيتش، لكن صدام حسين كان يحتفل بسقوط كل من شارك في حرب الخليج ضده لانه ما زال في السلطة وانه نجح في الوصول الى القرن الحادي والعشرين وهو يترأس العراق المنهك. كان عليه ان يحتفل لانه نجح في زرع الخوف في قلوب كل من مر من امامه، حتى حين تقاطع طريقه مع طريق شعبه في يوم من الايام وبالتحديد في 16 تموز (يوليو) 1979.

خلال 23 عاما كان صدام هو (الملهم) و (المنصور) و (الضرورة) ولو لم يكن النبي محمد (ص) آخر الانبياء، لسمي هو نبيا كما قال ابرز مساعديه وهو عزة الدوري في يوم من الايام. انه (المهيب الركن) الذي لم يقدم الخدمة العسكرية لبلاده كما كان هو القائد القادم من القرية ليحكم المدينة بأحكامها والتي اذته هو اولا باول حينما حرمته تلك القرية من التعلم وعاش في فقر حتى قرر الهرب الى بغداد.

السنوات الاولى...

ولد صدام حسين في البيجات وهي أحد تفرعات عشيرة (البو ناصر) في الثامن والعشرين من نيسان (ابريل) 1937، اليوم الذي كان يحتفل بعيد مولده رسميا فيه، وتشير بعض المصادر الى ولادته في 27 نيسان(ابريل) وبعضها ان ولادته كانت في 1935. وعاشت عائلته في العوجة الواقعة قرب تكريت (160 كيلومترا شمال بغداد) ولم تسجل ولادته في اي سجل رسمي، ربما لان العراقيين كانوا يترددون في تسجيل اسماء ابنائهم الجدد خوفا من الخدمة العسكرية في زمن الحروب العالمية ومن هنا كان الاختلاف في تاريخ ميلاده.

اختار والده الغياب بعد ايام قليلة من ولادته، فتولى زوج أمه صبحة (حسن الابراهيم) مهمة تربيته. اشتهر زوج والدته بالقسوة، وكان يعرف في العوجة بـ (حسن الكذاب) او (حسن الجذاب) وكان غالبا ما يهين صدام ويهمله حتى عن الدراسة، وكان غالبا ما يكون خارج حلقات الاصدقاء ويحمل عصا حديدية ليحمي نفسه، وكانت احدى ذراعيه تحمل وشما عبارة عن ثلاث نقاط كانت ترسم على اذرع الاطفال في تلك الفترة.

ولعل الشخصية الأبرز في تلك الفترة والتي تركت أثرافي حياة صدام كان خاله (خير الله الطلفاح) الذي حمله من العوجة الى بغداد حينما بلغ العاشرة وادخله المدرسة كما زوجه في ما بعد ابنته ساجدة.

كانت رؤية خير الله الطلفاح السياسية هي التي أسهمت في بناء صدام سياسيا. كان يكره البريطانيين ويتغنـى بأمجاد هتلر. وسجن خير الله الطلفاح لست سنوات بسبب انتمائه الى احدى المجموعات النازية التي نجحت القوات البريطانية في تفريقها عام 1941 مع ظهور حركة رشيد عالي الكيلاني. وخلال تلك الفترة كتب جملته الشهيرة التي غالبا ما يشار اليها حينما يتم استعراض حياته : كان على الله أن لا يخلق ثلاثا وهم الفرس واليهود والذباب.

في كتاباته وصف خير الله اليهود بأنهم "نجاسة ومخلفات الشعوب الباقية". وكان خير الله الطلفاح هذا هو الذي صنع (صدام) سياسيا ومن العوجة تعلم صدام كيف يفرض بالخوف تلك الرؤى على اقرب مساعديه وهو ما سيكون واضحا في وقت لاحق لدى توليه السلطة.

عبد الناصر في شوارع بغداد...

كان الوضع في بغداد في بداية الخمسينات غير مستقر مع ظهور جمال عبد الناصر في القاهرة وكان صدام حسين من الاهداف الطبيعية لحزب كحزب البعث يسعى إلى تجنيد عناصر جديدةفي صفوفه يحملون الخلفية الثقافية نفسها لصدام حسين. وكان هذا الحزب قد ظهر فعليا في سوريا عام 1944 قبل ان يتخذ شكلا رسميا في 1947. وكان الهدف الاول لهذا الحزب هو توحيد الامة العربية وهو ما لم يتم حتى بعد اكثر من خمسين عاما تراوحت بين الحكم وعدمه في بعض البلدان العربية.

وعلى طريقة أفلام العصابات الأميركية التي تكلف أعضاءها الجدد بمهمة تثبت إخلاصهم،كانت المهمة الأولى التي أوكلت الى صدام حسين لدى انضمامه الى البعث الاغتيال، وكانت أولى ضحاياه سعدون التكريتي، وهو احد قادة الشيوعية في تكريت. والمعلوم ان الشيوعية كانت العدو الأبرز لحزب البعث العربي في بدايته، وكذلك حين تولى عبد الكريم قاسم السلطة بعد مذبحة قصر النهاية، على الرغم من ان الشيوعيين استخدموا طريقته نفسه كلما سنحت لهم الفرصة في مناسبات لاحقة.

نيران صديقة...

في العام 1958، اغتيلت العائلة المالكة الهاشمية في بغداد في ثورة دموية كما ذكرنا آنفا، لتبدأ مرحلة الدكتاتورية مع تولي عبد الكريم قاسم - وهو احد الجنرالات الكبار في الجيش العراقي في اخر ايام الملكية - مقاليد الامور في بغداد وهو الذي ناداه رئيس الوزراء العراقي (نوري السعيد) في اخر مرة رآه فيها بـ (كرومي) وهو اسم اطلقه تحببا دون ان يعرف نوري السعيد وهو صاحب المقولة الشهيرة (دار السيد مأمونة) ان كرومي هذا سيضع حدا له ولابنه الوحيد (صباح).

في العام 1959، قررت قيادة البعث العراقية التخلص من عبد الكريم قاسم بعد عام على توليه الحكم، وأوكلت هذه المهمة الى صدام حسين وعدد من زملائه، ليس لإثبات الولاء هذه المرة إنما للترقية/، وهو ما تم حينما تعرض 4 اشخاص لموكب قاسم ولكنهم اصابوه دون ان يقتلوه وقد تفاوتت القصص حول ماحدث بعد ان اصيب صدام حسين وقتها في رجله اليسرى وقيل ان صدام هذا نجح في قيادة سيارة قطعت الطريق امام قاسم وفتح النار ولكن السائق نسي مفتاح السيارة فيها وقد تسبب ذلك في ان يهرب صدام ورفاقه جريا وبعضهم ينزفون لكنهم نجحوا في قتل سائق الرئيس فيما اصابوا واحدهم الاخر اثناء مهرجان إطلاق النار في وسط بغداد حيث قيل إن صدام حسين هو الذي قتل زميله عبد الوهاب الغريري قبل ان يصاب باطلاقة احد زملائه الاخرين.

نجح احد مسؤولي البعث عن صدام في إخراج الرصاصة من رجله ليهرب في فجر اليوم التالي خارج بغداد على ظهر حصان ورغم جروحه نجح ابن البيجات في عبور نهر دجلة من اجل الوصول الى العوجة حيث ولد ومن ثم هرب الى سوريا.

استخدم صدام هذه القصة فيما بعد في اكثر من مناسبة كان ابرزها قصة لفيلم (الايام الطويلة) الذي قام بتمثيله زوج ابنته الذي قتل في ما بعد على يد علي حسن المجيد بعد هروبه هو واخيه (حسين كامل) الى الاردن بتهمة الخيانة ثم جرت تسميتهم (شهداء غضب) وفي وقتها قتل المجيد اخاه في منطقة السيدية في بغداد وسرت شائعة ان علي حسن المجيد حينما دخل الى بيت اخيه بعد ان اخمد اطلاق النار وضع قدمه على رأس اخيه الميت دليلا على النصر.

وقام باخراج الفيلم (الايام الطويلة ) المخرج البريطاني (تيرينس يونغ) وقام ببطولته الى جانب صدام كامل كل من ابراهيم جلال و محسن العزاوي و سلمان الجوهر وكان من الافلام الاخيرة التي اخرجها يونغ حيث اخرج 3 افلام اخرى بعد ذلك اخرها عام 1988 وتوفي عام 1994. خلال السنوات الاربع التي تلت هروبه عاش صدام حسين في دمشق ومن ثم العاصمة المصرية القاهرة وقد كرمه الحزب بجعله عضوا عاملا في الحزب وهنا صعد نجمه.

خلال اقامته في مصر بدأت علاقته مع ابنة خاله (خير الله الطلفاح) وهي ساجدة والذي تزوجها في عام 1964 وكان يحاول وقتها دراسة القانون في جامعة القاهرة قبل ان يعود الى العراق عام 1963 اثر انقلاب عبد السلام عارف على صديقه القديم عبد الكريم وبعد اشهر قليلة انقلب عارف على الزملاء الذين ساعدوه في الانقلاب ليدخل صدام الى السجن مرة اخرى حتى عام 1966 وهو العام الذي شهد مقتل عبد السلام بعد سقوط طائرته التي كان يقول عنها بما يمكن وصفه (بالقول المأثور) العراقيون (صعد لحم .. نزل فحم) اختصارا لمصير رجل في السلطة وخلال فترة سجنه كانت الامور خارج السجن تتوالى حينما اصبح احمد حسن البكر وهو من اقرباء صدام من الدرجة الاولى قائدا للجناح العراقي لحزب البعث وكان البكر غالبا ما يفضل صدام في اعطائه مختلف المهام في وقتها , ومع خروج صدام حسين من السجن كانت عمليات الاغتيال في العراق اسهل بكثير من الحصول على المسدس والاطلاقات التي سيتم بها هذا الاغتيال خصوصا وان الرئيس العراقي (عبد الرحمن عارف) وهو شقيق الرئيس السابق (عبد السلام عارف) كان يعرف عنه زهده عن الرئاسة وانه كان ينتظر يوميا الساعة الثانية ظهرا لانه موعد مغادرة وظيفته اليومية المتمثلة في (كرسي رئاسة الجمهورية).

اصبح صدام نائبا فعليا للبكر حتى قبل مجيء البعث للسلطة في 17 تموز (يوليو) 1968 حينما نجح حزب البعث في السيطرة على القصر الرئاسي بعد تواطؤ حراسه ورئيس الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف وهو التواطؤ الذي ادى بهم الى دفع الثمن غاليا فيما بعد .. حياتهم.

رسميا قيل ان صدام دخل القصر في دبابة وقد قاد عملية اطلاق النار داخل القصر الجمهوري بينما من كان هناك وقتها (واغلبهم اصبح ضد الثورة التي قادوها) قدموا رواية اخرى لما حدث رغم انهم لايشكون ان دوره كان اساسيا في عملية السيطرة تلك , وحينما اصبح البكر رئيسا بعيد نجاح الثورة قدم لصدام منصب نائب الرئيس له هدية لم يكن يعلم وقتها انها ستكون سكينا على رقبته في ليلة احتفاله بالذكرى الحادية عشرة لانطلاق الثورة.
استخدم صدام حسين المليارات من عائدات النفط التي حصل عليها من خلال تأميم النفط العراقي وقام بعملية تحديث واسعة على مستوى البلد لتتحول بغداد من سيدة هاربة دوما من الفيضانات الى مدينة حديثة فيها ابراج حديثة و طرق على اعلى مستوى واطلق صدام واحدة من اهم الحملات في العالم لتحديث نظام التعليم في العراق ببناء المدارس و محو الامية الامر الذي اثار اعجاب (اليونيسكو) التي قدمت له جائزة.

ومع كسب قلوب العراقيين بهذه الحملة كان صعود نجم صدام حسين يعنـي مزيدا من اطلاق النار في الكواليس خصوصا في منتصف السبعينات وهي الفترة التي شهدت افتتانه بالحكم في العراق وكانت تلك الفترة التي شهدت تحويل الاموال من البناء في العراق الى بناء من نوع اخر ... بناء الجيوش الجرارة.

في عام 1975 زار صدام حسين فرنسا, وهناك التقى جاك شيراك الذي اصبح في ما بعدرئيسا للوزراء ومن ثم رئيسا لفرنسا وكان شيراك قد دلل صدام كثيرا في هذه الزيارة من اجل ان يبيع له مفاعلا نوويا تبلغ قيمته 2 مليار دولار وهو ما نجح في الحصول عليه ... توقيع صدام بالموافقة.

ما كان مثيرا في هذا الاتفاق ان صدام حسين فرض شروطه التي علمه اياها خير الله الطلفاح (يمنع على فرنسا الاعتماد على اي شخص ذي جذور يهودية او له اي صلة قرابة بهم في الاشتراك في هذا المشروع) ووافقت فرنسا. اصر جاك شيراك ان المفاعل النووي هو للاستخدام السلمي المدني فقط بينما كان صدام حسين اكثر صراحة حينما قال " الاتفاق مع فرنسا هو الخطوة القوية الاولى من اجل انتاج قنبلة نووية عربية!"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف