السنيورة: أعطوا مبادرة السلام فرصة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السنيورة كاتبًا في "النيويورك تايمز":
"أعطوا مبادرة السلام العربية فرصة"
الياس يوسف من بيروت : نشرت صحيفة "النيويورك تايمز" مقالة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة بعنوان "أعطوا مبادرة السلام العربية فرصة "، إعتبر فيها أن حرب الصيف الماضي بين إسرائيل و"حزب الله" كانت إنفجارًا للعنف أعاق كل بوادر السلام بدل إحلاله، ودعا إسرائيل إلى السعي إلى سلام وأمن إقليميين عبر حل عادل، مؤكدًا أن "للشعب العربي هواجس أمنية مشروعة والبرهان هو معاناتنا".وفي ما يأتي مقالة السنيورة بالعربية: "مرت سنة تقريبًا على قصف إسرائيل للبنان وهو وقت كاف لاستخلاص العبر من النزاع والتفكير في تبعاته.
كانت لجنة "فينوغراد" الإسرائيلية قد نشرت الأسبوع الماضي تقريرًا تمهيديًا دققت فيه في تصرف إسرائيل خلال ما سمته "الحملة" العسكرية الأخيرة لها. إلا أن التقرير لم ينجح في استخلاص العبرة الأهم من حرب تموز/ يوليو ومن الحروب التي سبقتها، ألا وهي أن الأعمال العسكرية لا تؤمن الأمن للشعب الاسرائيلي، لا بل على العكس، هي تزعزعه. السبيل الوحيد المتاح أمام شعب إسرائيل والعرب لتحقيق الإستقرار والأمن يكمن في حل سلمي شامل للنزاع العربي - الإسرائيلي السائد.
يندرج في هذا الإطار نداء المشاركين في قمة جامعة الدول العربية التي انعقدت في شهر آذار/مارس في الرياض مجددًا لتبني مبادرة سلام كانت قد اطلقت أساسًا خلال قمة بيروت في العام 2002 من قبل المملكة العربية السعودية وتبنتها الدول العربية كافة. تمنح هذه المبادرة إسرائيل الإعتراف الكامل من قبل الدول الـ 22 الأعضاء في جامعة الدول العربية مقابل انسحابها إلى حدود ما قبل 1967، مما سيسمح للفلسطينيين بإنشاء دولة مستقلة قابلة للحياة على مساحة 22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية.
هذا الثمن باهظ، إلا أن العرب مستعدون لدفعه كونه المسار الواقعي الوحيد الذي سيؤدي الى إحلال السلام بما يتطابق مع كل قرارات مجلس الأمن والجمعيات العامة لمنظمة الأمم المتحدة ذات الصلة ويضمن حق العودة للشعب الفلسطيني. إن الدول العربية لا تسعى لمحو اسرائيل عن الخريطة، لا بل على العكس، اننا نسعى إلى أهداف مشروعة للهدنة وهي حدود آمنة وامكانية عيش كل شعوب المنطقة بسلام وأمان.
لم تكن حرب الصيف المنصرم سوى الإنفجار الأخير للعنف في هذا النزاع الطويل، وقد أعاقت كل بوادر السلام بدل ايجاد فرص لإحلاله. لقد انتقد تقرير "فينوغراد" أهداف الحرب التي وضعتها الحكومة الاسرائيلية واصفًا إياها بالمبهمة وغير القابلة للتحقيق، مع العلم أن الجيش الاسرائيلي كاد وفي شكل خطر أن يبلغ الهدف الذي أعلنه رئيس اركانه الجنرال دان حالوتس ألا وهو "اعادة لبنان عشرين عامًا إلى الوراء".
لم يأت التقرير على ذكر الأضرار الهائلة التي ألحقت بلبنان حيث تم تدمير المطارات والجسور ومنشآت انتاج الطاقة في شكل منتظم، كما هدمت القرى ونزح ما يفوق ثمن الشعب اللبناني. ألحق القصف دمارًا وخسائر اقتصادية قدرت قيمتها بسبعة مليارات دولار أميركي في الوقت الذي خلف فيه العدوان 1،2 مليون قذيفة عنقودية ما زالت تقتل وتعوق الأبرياء.
والأهم، لقد أودت هذه الحرب بحياة ما يزيد عن 1,200 مواطن لبناني، غالبيتهم من المدنيين. مما يعكس صورة لمشاعر الظلم المتمادي الذي يساور العرب من جراء حجم الدمار الذي تلحقه اسرائيل بحياتهم ولقمة عيشهم واضطهادها للشعب الفلسطيني واحتلالها المستمر وغير الشرعي لأراض عربية. لقد اثبتت حرب تموز/ يوليو ان الأعمال العسكرية والانتقامية ليست الجواب الصحيح لمعالجة عدم الاستقرار وأن الجواب يكمن في التفاهم والدبلوماسية.
يجب أن يدفع ذلك إسرائيل إلى السعي لحل شامل مستند إلى مبادرة السلام العربية. ففشل لجنة "فينوغراد" في التطرق إلى تبعات الحرب على عملية السلام يدفع إلى الشك في أن تكون إسرائيل مستعدة للسماح باستمرار هذا النزاع ما دام يندرج ضمن ظروف مضبوطة نسبيًا. على إسرائيل أن تسعى إلى سلام وأمن اقليميين يمكن تحقيقهما فقط عبر حل عادل للنزاع العربي الاسرائيلي، إذ إن البديل الأوحد مزيد من التطرف والتعصب والدمار.
للشعب العربي، شأنه شأن الاسرائيليين، هواجس أمنية مشروعة، والبرهان على ذلك ما عاناه لبنان خلال الصيف المنصرم. لقد شهدنا مرارًا لجوء أطراف النزاع للقوة بذريعة الدفاع عن النفس والحفاظ على الأمن، دافعين بالوضع إلى مزيد من التفاقم ومزعزعين الأمن الذي يسعون اليه. أضف إلى أن التصعيد مرده عدم الالتزام مطلقًا بالقانون الدولي. فالإحتلال غير الشرعي والخروق الجوية وعمليات الأسر وتدمير المنازل وحواجز التفتيش المذلة والهجمات والهجمات المضادة، كلها أمور ما زالت تعزز مشاعر الغضب واليأس. ان استمرار الأعمال العدوانية وانعدام الثقة في هذا المجال مغايرين لعملية بناء الثقة التي تحتاجها هذه المنطقة بهدف تعزيز الاستقرار. ان النزاع مستمر منذ وقت طويل وأدى إلى الكثير من العواقب المربكة، والدبلوماسية تبقى الحل الوحيد.
إن للولايات المتحدة، نظرًا لدورها الفريد في العالم، مسؤولية الاقدام وبشجاعة على مساعدة طرفي النزاع على تحقيق سلام عادل ودائم. وشعوب الشرق الأوسط تتطلع ببساطة للعيش بحرية وكرامة بعيدًا عن مخاطر العنف والاحتلال والحرب المتواصلة. هذا ممكن إن أبدينا نية سياسية واتعظنا من عبر الماضي المؤلمة. وادارة جهود السلام هذه لا تقع على عاتق أميركا فحسب، لا بل انها تصب في مصلحة الولايات المتحدة أيضًا: فالسلام في الشرق الاوسط سيفسح في المجال أمام مصالحة مع العالم الاسلامي في ظل هذه الظروف التي تشهد المزيد من الانقسام والتطرف.
حاولت لجنة "فينوغراد" التوصل إلى استنتاجات خاصة بالقيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية من خلال تصرفاتها خلال حرب تموز/ يوليو. لكن العبرة الصحيحة تكمن في أن المسار الوحيد لإحقاق سلام دائم هو مسار سلمي. فبدعم الولايات المتحدة وشركائها في اللجنة الرباعية بشأن الشرق الأوسط - الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا، نتمنى اتخاذ مبادرة السلام العربية قاعدة لإحلال سلام شامل في منطقتنا المضطربة. فحينها فقط ستتمكن شعوب الشرق الأوسط من تحقيق هدفها المشترك والعيش بحرية في أمان وسلام شامل".