لدى الصين ما تقدمه لأبناء إبراهيم المتشاحنين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صحيح أن الصين يعوزها العنفوان والرغبة العارمة بقيادة العالم وتغييره وهي تفتقر إلى ضمير يدمن إزعاجها ويستمر في لذعها ويدفعها لاتخاذ قرارات ذات مسؤولية تجاه مآسي العالم، وهذا هو سر الجاذبية الأخاذة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن الصين تعيش مرحلة انتقالية من حقب تاريخية عرفت فيها عبادة الأبطال وتقديس القادة وهي تشهد انهياراً في نظامها الأخلاقي القديم ، في وقت لم تزل فيه نظم الحياة الأخلاقية الجديدة لم تتأسس بصورة كاملة، وهو منعطف تمر به معظم الحضارات في لحظات تحولها الكبرى كما في أواخر الإمبراطورية الرومانية، وبدايات عصر النهضة الأوربية وثورة الطبقة الرأسمالية.
ولكن عدم توافر الشروط لقيادة العالم لايعني عدم المشاركة في حل معضلاته الثقافية الروحية، والشرق كان دائماً متخماً بهذه التجارب، وهذا هو بيت القصيد. إن انكفاء الصين وتجلدها أمام النقد الأوربي والأمريكي بسبب نأيها عن التدخل في ملف حقوق الإنسان في مناطق التوتر في أفريقيا حيث استثماراتها الضخمة لن يدوم طويلاً، لأنها ستجد نفسها بعد سنوات قلائل مرغمة على الولوغ في أوحال الشرق الأوسط ومشاكله المزمنة وعلى رأسها قضايا ذات طابع ديني وإثني. وعلى حكماء الصين أن يعيدوا صياغة رؤيتهم تجاه أنفسهم وحقيقة دورهم في العالم.
مالذي يمكن أن تقدمه الصين لنا ؟ في محاضرة ألقاها الشاعر والمفكر السوري أدونيس في ألمانيا يناير الماضي أشار إلى تفوق الثقافات الوثنية على الديانات التوحيدية من وجوه عديدة، وأنها قد تجيب عن أسئلة لاتملك الأخريات جواباً لها.وهذا يبدو صحيحاً إلى حد بعيد.
تمتلك الصين باعتبارها أكبر الحضارات الوثنية رؤيتها الخاصة لعالم متعدد الثقافات وبإمكانها أن تكون ملهمة في إعادة النظر في الرؤية الوحدانية للإنسان والعالم التي تختزل الوجود في رؤية واحدة. ولكن قبل ذلك نحتاج نحن أن نعيد الاعتبار للثقافات والمجتمعات الوثنية وإشراكها في اقتراح الحلول للتخفيف من التعصب والرؤى المغلقة. لا أدري كيف ينجح محفل لتحالف الحضارات وهو مغلق بين أبناء إبراهيم بعد أن ولى ظهره لأديان وثقافات ينتسب إليها مايربو على البليونين من البشر؟ لدى الثقافات الوثنية الأخرى مايمكن أن تعلمه لنا.على الأقل هي غير ملطخة بدماء الحروب الدينية وأحقادها. إن البوذية يتزايد أتباعها يوماً بعد آخر، كما أن مراكز جلسات التأمل التي تتنامى بشكل ملفت وتجارب بعض المسلمين والمسيحيين بممارسة شعائر دينية نبعت من ثقافات الشرق الأقصى في موازاة شعائرهم الإبراهيمية، هي حقيقة تؤكد أن أبناء الديانات التوحيدية يجدون بعضاً من الطمأنينة في تراث الشرق البعيد، وقد كان المفكر العراقي هادي العلوي أحد القلائل الذي تنبهوا مبكراً لما يمكن أن تقدمه لنا فلسفة الزن الصوفية والطاوية.إن في تهاوي الحدود وتماهي الثقافات المتعددة وتداخلها واقتباس بعضها من بعض هو تمهيد لنشوء أنماط من الديانات الوسيطة، وترعرع ديانة عالمية واحدة تتجاوز كل الانتماءات الضيقة، ولم تعرف البشرية في تاريخها فرصة سانحة تضاهي هذه اللحظة التي نعيشها.
ولكننا لن نصنع شيئاً ذا بال إذا أصغينا لنذر الهلع من أن صعود الصين يجر في ذيوله سيادة قيم مجتمع لايمت إلى الحقوق المتعلقة بالحريات والإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا بصلة ضئيلة، وأن الإغواء الصيني الذي يتعاظم ليس إلا كابحاً للوعي العالمي المتنامي بتلك الحقوق.إن أي تهويل في الحديث عن تصيين العالم ليس إلا فزاعة لخلق أوهام عن ظل كئيب لشرور المملكة الوسطى قد أزف أوانه، وأن على الشعوب المحبة للسلام والحرية أن تتجمع حشودها لتخوض ملحمتها الكبرى، مذكرة بصراع الأمم والكائنات في فيلم سيد الخواتم.
علينا أن نكون أكثر حذراً لأن التخويف من الصين قد يكون إذا أمعنا النظر جيداً ليس إلا إدانة لحضارتها. * مفكر وكاتب سعودي
التعليقات
إنصاف الوثنية..
منصف -ما كتبه العزيز منصور هو إنصاف صارخ وهام للوثنية، وإذا كان أدونيس قد ألح في مواضع صغيرة على أنه "نبي وثني" فإن العزيز منصور قد بين ما للوثنية من أثر يمكن تعلبه في وقف تشاحن المؤمنين بأديان إبراهيم التي لم تهدأ معاركها حتى الآن .. الصين ستبقى الدولة القادمة بعنف سياسيا .. والحضارة القادمة ببطء والتي يمكن أن تكون هي الأمل الأخير لإصلاح هذا التوحش الذي يسكن أصحاب الأديان..مقال وتحليل يستحق النشر والإشادة ..الصين قادمة .. في وقت يطبل الليبراليون العرب لقدوم أمريكا الغير حقيقي..
مجرد سوءال
متتنع -اتساءل لماذ لم يبعث نبي في الصين او امريكا او افريقيا او اروبا كل الانبياء جاؤوا في هذه المساحة الضيقة
الثقافات الوثنية
علي القديم -يقول الكاتب "لدى الثقافات الوثنية الأخرى مايمكن أن تعلمه لنا.على الأقل هي غير ملطخة بدماء الحروب الدينية وأحقادها"فماذا نسمي هجوم التتر الذين قدموا من منغولياوهاجموا شعوب الشرق وقتلوا من قتلوا ودمرو مادمروا في هجوم بشع لا إنساني و هجموا على العالم الإسلامي وتدميرهم للتراث الثقافي للمسلمين من خلال إلقائهم للكتب في نهر دجلة..وواصلوا هجومهم على العالم المسيحي في أوروبا؟؟
Chinatown - مثال
ميرا -مقال متميز وتحليل موضوعي يستحق التأمل ويثير التساؤلات كعادة الكاتب السعودي منصور النقيدان. ربما ليس لدي ما أضيفه، غير أنني أتفق مع الكاتب كيف تم تجاهل حضارة عظمى مثل الصين من المشاركة في حوار للحضارات والثقافات العالمية. نعم الحضارة الصينية لها ثقلها الثقافي، ولكي أدلل على ذلك، فالصيني حينما يهاجر أو يسافر إلى أي مكان، فهو يهاجر بمنظومة مجموعته الثقافية. بالأمس كنت أسير في Chinatown في مدينة بوسطن، وعلى الرغم من صغر مدينة بوسطن، لم يمنع الصينيون أن يخلقوا لهم كياناً مستقلاً نحج في تغيير شكل المدينة. ومن المدهش أن نجد Chinatown في كل مكان ... مثل المدن الكبرى نيويورك وواشنطن دي سي ومناطق أخرى متفرقة حول العالم... حتى أن في دبي قرية صينية!ثقل ثقافي كهذا... سيتحول إلى ثقل سياسي.. ستساهم في تشكيله العوامل الإقتصادية الأخرى يوما ما.