أخبار خاصة

طريق الحرير: معجزة هندسية في القرن العشرين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف في المناطق الشمالية الباكستانية 1/4
طريق الحرير: معجزة هندسية في القرن العشرين

عبد الخالق همدرد من إسلام أباد: من المعروف أن الإنسان دائمًا مايجري وراء مصالحه وكل أمر يراه مفيدًا له، لكن بعض الأحيان يقوم بأمور لا تفيد نفسه أو أفراد قبيلته أو عشيرته فحسب، بل الأجيال القادمة والشعوب المتجاورة. ومثل هذه الأعمال المفيدة لا تتم إلا بالتعاون بين بني البشر. وهنا نريد أن نحكي حكاية "طريق الحرير" أو "طريق قراقرم" التي تربط بين باكستان والصين وتمر عبر المئات من الأميال من الصخور الملساء وسلاسل من الجبال الشاهقة حيث لم يمر على بال أهالي تلك المناطق قبل نصف قرن أنهم سيتمكنون من السفر بكل سهولة على حافة نهر السند الشهير بين الجبال التي استعصت عليهم لشق طريق تربط بين قرية وأخرى ناهيك من أن تكون أداة ربط بين دولتين وسبيل تجارة برية هائلة.

ومن الجدير ذكره أن طريق الحرير تمتد بين إسلام آباد عاصمة باكستان و مدينة كاشغر عاصمة تركستان الشرقية أو منطقة شينجيانغ الصينية. وإن طولها من العاصمة الباكستانية إلى شعب (خنجراب) على الحدود الصينية 900 كلو متر.

قبل شق هذه الطريق

ولا تفوتنا الإشارة إلى أن حياة أهالي المنطقة الشمالية كانت صعبة جدا قبل بناء هذه الطريق حيث كانوا يضطرون إلى السفر على الأقدام أو على الحمر والبغال والخيل للتنقل من مكان إلى مكان أو نقل البضائع من وإليها. والطريق الوحيد بين تلك المناطق ومدينة راولبندي - المدينة التوأمة للعاصمة الباكستانية - كانت شِعب (بابو سر) قرب جلاس؛ لكن المشكلة أن تلك الطريق لم تكن لتصلح للسفر إلا لأقل من نصف السنة جراء الثلوج الكثيرة التي تسدها.

وقد بدأت الحكومة تركز على تفعيل تلك الطريق مرة أخرى؛ لكن بأسلوب عصري حيث يتم تنفيذ مشروع شق طريق ذات أربعة مسارات لتصبح بديلة لطريق قراقرم إذا انقطعت عن مديرية كوهستان في أسفل وادي نهر السند بعد تنفيذ مشروع إنشاء سد (بهاشا).

مساحة طريق قراقرم

بدأت مساحة طريق قراقرم في عام 1953 وانتهت عام 1956. وبدأت عملية البناء في 7 يناير عام 1959. وأخذت مدة عشرين سنة لاكتمالها وافتتحها الجنرال ضياء الحق رسميًا في 18 يونيو عام 1978 على جسر (تهاكوت) في إقليم الحدود الشمالية الغربية بحضور نائب رئيس الوزراء الصيني (كنغ بياو).

طريق منحوتة

من الصحيح إذا قيل إن هناك طرقًا أخرى أكثر وعورة من طريق قراقرم أو طريق الحرير إلا أن الميزة التي تميزها بين أوعر الطرق على المستوى الدولي أنها طريق منحوتة أكثر من كونها طريقًا مشقوقة، إذ تم نحت 2.7 مليون ياردة مربعة من الصخور الصماء؛ لكن مع ذلك فإنها ليست طريقًا متصاعدة فوق التلال والجبال، بل تلف مع لفات الجبال كحية سوداء. وهذا ما يجعل السفر عليها سهلا رغم أن سلسلة الجبال التي شقت فيها هذه الطريق مشتبكة على حافتي نهر السند مثل تداخل أسنان المشطين. وفي كل دقيقة بل وفي أقل منها تجد نفسك في مكان آخر ولا ترى خلفك إلى سدا من الجبال.

أما من ناحية مقادير المواد البنائية فإنه تم استخدام 80 ألف طن من الإسمنت و80 ألف طن من البترول و8 آلاف طن من البارود و35 ألف طن من الفحم، في حين استخدمت 1000 شاحنة ليل نهار.

مشروع مشترك صيني باكستاني

وكان هذا المشروع مشتركًا بين باكستان والصين وقد شارك في بنائها 24,000 عنصر من الجيش بينهم 9,500 من الصينيين. وقد ضحى نحو 400 منهم بحياتهم أثناء عملية البناء. وقد دفن الصينيون في مقبرة خاصة بهم في منطقة (دينيور) قرب مدينة كلكت قاعدة المناطق الشمالية.

كما أن الطريق تمتاز بجسورها الصينية الـ 99 ذات القوس الواحدة المبنية من الحجر. وهي تزيد من جمال الأودية التي توجد فيها؛ إلا أن الجسور التي شادتها باكستان فيما بعد طبعا تقل من تلك البهجة. والأعمدة الجانبية على الجسور الصينية تحمل على رؤوسها مجسمات أسد رابض؛ بيد أن معظم تلك الأسود انكسرت بفعل الزمن أو بأيدي أهالي المنطقة.

ويشتهر جسر (راي كوت) و(تهاكوت) و(داسو) التي تربط بين ضفتي نهر السند بمتانتها وجمالها؛ إلا أن جسر (تهاكوت) مبني بالحديد والإسمنت المسلح بدلا من الأحجار كما هو الحال في الجسرين الآخرين. ويقال إن جسر تهاكوت الجسر الثالث من نوعه على مستوى العالم. وقد تم إنشاؤه في مدة عشرة أشهر القياسية. ويمكن تمرير 70 طن من الوزن من عليها.

ويقول سكان المنطقة إن الصينيين قد قضوا على الكلاب المهملة إذ تمثل وجبتهم المفضلة. كما أنهم يقولون إن الجنود والضباط الصينيين كانوا يعملون بكل إخلاص وتفان. وعندما يحضر الموقع أي ضابط أرفع من الضابط المسؤول ، يصبح المسؤول جنديًا عاديًا ويشارك الجنود العمل.

مستقبل طريق قراقرم

إن طريق قراقرم ليست طريقًا تربط بين الصين وباكستان فحسب، بل إنها رمز للتعاون البيني بين البلدين واشتراك مصالحهما؛ إذ تمثل الصين الشريك الإستراتيجي لباكستان من جميع النواحي. كما أن العداء بين الهند وباكستان تزيد من أهمية التعاون الصيني لباكستان. أضف إلى ذلك أن هذه الطريق توفر المعبر البري الوحيد للصين للوصول إلى بحيرة العرب. وقد زادت هذه الطريق أهمية بعد إنشاء ميناء جوادر الباكستاني على يد الشركات الصينية.

أما مستقبل هذه الطريق فهو مشرق جدًا إذ جرت المفاوضات بين باكستان والصين لمد خط لسكك الحديد على حافة نهر السند يربط بين البلدين. وسيبدأ ذلك المشروع عام 2015. ويقال إن الصين واثقة بأنها تقدر على تحقيق ذلك الحلم إذ تمكنت من إنشاء أرفع خط لسكك الحديد في منطقة تبت الصينية التي تعتبر سقفا للعالم.

أضف إلى ذلك أن هناك تقارير تشير إلى أن الصين راغبة في المشاركة في مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني الهندي الذي تعارضها الولايات المتحدة بكل شدة وتمار س الضغط على الهند وباكستان لإلغائه وترغّب في استيراد الغاز من قطر عن طريق البحر ومن تركمنستان عن طريق أفغانستان. طبعا إن تنفيذ هذه المشاريع ستغير مسار حياة أهالي المناطق الشمالية. وسنذكر بعض التفاصيل عن تلك المناطق في الجزء القادم إن شاء الله.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف