حملة الاقامات السعودية في غزة: عائلات يفصلها معبر وقرار

ميرفت ابو جامع من غزة: لم يدر في خلد ناهض شهاب من مدينة غزة، ان رحلته هذه المرة الى القطاع ستطول بل ستحمل من الغرابة والاثارة ما لم تحمله مغامرات الابطال في رحلاتهم الى بلاد العجائب، التي لا يعرفونها ، كأنه رغم معرفته الجيدة بالمدينة يكتشفها لأول مرة من جديد .

شهاب الخمسيني قدم قبل 3 أعوام الى قطاع غزة وعائلته ،للاحتفال بتخرج ابنه يعقوب من الجامعة، وزيارة القطاع بعد شوق لتراب غزة ، ولكن رياح غزة كعادتها جاءت هذه المرة بما لا تشتهيه سفن عائلة شهاب، فكان الاحتفال بالتخرج، تلاه الاحتفال هذه الأيام بزفاف نجله يعقوب، وربما غدا من يدري بما سيحتفلون ! .
يقول شهاب لايلاف :" جئت الى قطاع غزة بعد الحاح من ابني يعقوب من اجل الاحتفال بتخرجه من الجامعة، وذلك قبل اسبوع من احداث حزيران 2007" ، ويضيف :" تركت عملي هناك، وقررت ان اقيم من اسبوع لعشرة ايام على اقل تقدير ، مستدركا :" الا ان الأوضاع انقلبت رأسا على عقب واصبح الأسبوع اسابيع وطال الى سنوات وانا انتظر عودتي الى السعودية لمتابعة اشغالي التي تعطلت هناك ".

3 سنوات مرت على حفل التخرج الذي كلف شهاب خسارة عمله وبيته وسيارتين احداهما سرقت والأخرى أتلفت بعد بقائها مدة طويلة بالشارع تنتظر قدوم صاحبها .
يضيف شهاب بنبرة يائسة " لقد رأيت هنا العجب العجاب، كل مصالحي تعطلت في السعودية "وطني الثاني" حيث بيتي واقاربي وعملي وبناتي المتزوجات.واخواتي ما من احد لهم سواي هناك".

ويحمل شهاب السلطة الفلسطينية والحكومة في غزة تدهور أوضاعه وعشرات ذوي الاقامات في السعودية الذين انتهت اقامتهم واخرون ينتظرون بقلق ان يعبروا الى بلاد غربتهم بسلام ويقول :" لولا الانقسام ما وصلنا الى هذا الحال في كل عام انزل لزيارة الاهل في غزة ، اول مرة يحدث مع اسرتي ذلك ، كأني مسجون هنا .

أثناء اقامته في السعودية يعيل شهاب 3 أسر من عائلته من قطاع غزة، ويرسل لها مساعدات للتخفيف من معاناتها في ظل اوضاع غزة المتدهورة اقتصاديا ، بفعل تعطل عمله في السعودية حرمت هذه الاسر من المبالغ التي كان يرسلها إليهم، بل ان وضعه المادي قاب قوسين او ادنى من التدهور ان استمر الوضع على حاله .

ويناشد شهاب العاهل السعودي ووزير الداخلية الذي قضى جل عمره فيها في الدراسة والعمل في ان يأذن لهم بالدخول للمملكة والعودة بعائلته لممارسة حياته الطبيعية المستقرة ، ولم يكن زياد عمر في الاربعينات من عمره من رفح جنوب قطاع غزة احسن حالا من شهاب ، فحقائب سفره التي اتعبت من الحمل والعودة ما زالت من 3 سنوات على اهبة الاستعداد للسفر لافتا إلى انه اكثر من 6 مرات عبر معبر رفح الحدودي وتم ارجاعه من قبل المصريين لانتهاء اقامته .
وزار عمر الذي يقيم في المملكة السعودية منذ 30 عاما ، قطاع غزة قبل اسبوع من احداث حزيران 2007 ، لرؤية الأهل والاطمئنان إليهم ، الا ان عمر زادت مأساته عندما اشتد الخلاف بين فصيلي فتح وحماس واغلقت مصر معبر رفح ، ومنع من السفر والعودة الى السعودية حتى انتهت تأشيرة دخوله وكذلك اقامته.

ويتساءل عمر لماذا يحدث لنا ذلك، لا احد يلتفت إلى معاناتنا، بيوتنا اقتربت ان تدمر بفعل ذلك فليسمحوا لنا بالعودة من اجل اعمالنا ، ماذا جنينا لنعاقب بهذا المنع .
ويصف عمر رحلة الانتظار ،قائلا" الوقت يمضي وانا احترق من داخلي، فتأشيرتي انتهت قبل عام ونصف وكذلك اقامات افراد اسرتي ، ويزيد "من ذلك الوقت وانا ابحث عن طريق للعودة، إلى عملي ، واضاف:" سافرت 3 مرات ولكن أرجعني المصريون الذي رفضوا دخولنا بسبب انتهاء اقاماتنا .

كلما نسج شهاب وعمر املا في العودة ، يصبح بسرعة وهنا كخيوط العنكبوت إذا عبرا ابواب معبر رفح البري المغلقة دوما ،حيث يتم ارجاعهم حال افتتاحه من قبل السلطات المصرية التي تمنع دخولهم الى اراضيها بحجة انتهاء اقاماتهم وتأشيراتهم .
الاحباط واليأس بعد هذه السنوات تسللا الى شهاب وعمر وغيرهما فلا جدوى من الصراخ او الصمت فلا احد سيسمعهما لأن الجميع يصرخ من لسع سياط شتى، ويقول عمر:" كلنا تحولنا الى مرضى نفسيين حياتنا قلق وانتظار ، عملي توقف هناك ولي بيت وسيارة اوصيت الجيران عليه، ولا يخفي عدم اطمئنانه إلى عدم متابعة اموره بنفسه ،حتى في غزة يضيف :" بفضل الاحداث التي مر بها القطاع لست امنا هنا على افراد اسرتي فلا عمل هنا ولا حياة ، ويواصل:" نعيش ببيت بالايجار بعد ان تهدم بيتنا في اوائل انتفاضة الأقصى ،واعيل 3 اسر من أقاربي تعاني وضعا اقتصاديا صعبا ، توقف عملي هناك سيؤثرفي وضع هذه الاسر التي اعيلها .

حكاية شهاب وعمر لا تقل تفاصيلها معاناة عن فيصل الصفدي الذي يصل الليل بالنهار ليسمع صوته للمسؤولين هنا وبالسعودية لعل احدا يلتفت الى معاناتهم، وهم يعدون الدقائق ليلتم شملهم بعائلاتهم في السعودية ، فيما الوعود فقط يتلقونها دون ان يلمسوا شيئا على ارض الواقع .
وكان فيصل " 24 عاما " قد جاء قبل سنوات برفقة شقيقيه "ألفت ،ورشدي، للدراسة بجامعات غزة، وهما من مواليد السعودية،وقد انتهت الدراسة وتخرجا في الجامعة، كي يلتم شملهم باسرتهم في السعودية الا ان الشتات كان حال الفلسطينيين، فيعيش واشقاؤه في غزة وبقية اسرته في السعودية .

يقول فيصل :" اعد الدقائق والثواني هنا وانا بعيد عن اسرتي كما انني لا استطيع ان ابني مستقبلا في ظل هذه الاوضاع المتوترة، فلا فرص للعمل هنا .
وشكل فيصل لجنة باسم اصحاب الاقامات السعودية، ويمثلها في غزة، وبحسبه فإن " اكثر من 120 شخصا من اصحاب الاقامات السعودية يفصل المعبر بينهم وبين أعمالهم وعائلاتهم ،مشيرا إلى ان كثير منهم فقدوا مقاعد لهم بالجامعات وفتيات زواجهن على حافة الانهيار، واماكن عملهم تعطلت وطلاب مدارس فقدوا مدارسهم.

واضاف الصفدي لايلاف ان لا احد يعير قضيتهم اي اهتمام لافتا انهم خاطبوا الرئيس الفلسطيني محمود عباس " ابو مازن" والرئيس المصري محمد حسني مبارك وجلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية و وزير الداخلية السعودية سموالأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود وكافة اصحاب القرار الفلسطيني والعربي ،بان بتدخلوا لانهاء معاناتهم قبل ان تتحول اوضاعهم لكارثية .

وتستغرب الخريجة الجامعية والمولودة في المملكة السعودية من قطاع غزة ايمان " 24 عاما في ان الأجانب اكثر رأفة واهتماما بذوي الجنسيات الاجنبية من سكان قطاع غزة من ابناء جلدتنا العرب وتقول لايلاف :" لو كنت احمل اقامة اجنبية أو جنسية غير العربية " السعودية " لكان الوضع افضل " وتوضح انها حرمت من جمع شملها باسرتها في السعودية وحضور مناسبات عدة هناك منها زفاف شقيقتها .مشيرة إلى انها قدمت الى غزة في عام 2006 لتلتحق باحدى الجامعات وفي كل عامين تسافر للسعودية لتجديد اقامتها الا انها انتهت اقامتها عام 2007 بعد احداث حزيران ولم تتمكن من يومها للسفر ورؤية اسرتها حتى الآن.