مقالات حول خطاب بشار الاسد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد مأمور لعبد مأمور
عبد الغني مصطفى
لنا أن نسأل وليد جنبلاط اليوم.. هل خرج طراد حماده وجر وراءه محمد فنيش ووزراء نبيه بري ليحمي بصوت عالٍ التقاليد الديموقراطية لمؤسسة مجلس الوزراء ؟! الواجب الوطني يحتّم على وليد جنبلاط أن يجيب على هذا السؤال الهام الذي لا يجب أن يُوجه إلا إليه كونه هو نفسه ولا أحد غيره من جرّ 14 آذار إلى حضن 8 آذار، هو نفسه من جاء بنبيه بري رئيساً لمجلس النواب وبخمسة وزراء أقوياء يمثلون بكل حدة وصرامة 8 آذار بشعاره الشهير " شكراً سوريا على صنيعك في لبنان !! " وليس خافياً على أحد بأن جماعة 8 آذار هم تحديداً أزلام سوريا من اللبنانيين في لبنان وهم الذين تظاهروا في 8 آذار تحديداً وهو ذكرى إنقلاب البعثيين العسكري على السلطات السورية. لئن كانت إجابة وليد بنعم فهنيئاً له إذاً بما كان قد فعل إذ كان قد أتى بعناصر معمورة بروح الديموقراطية لتحمي الديموقراطية من تجاوزات تيار المستقبل وكتلة اللقاء الديموقراطي على الديموقراطية الحقّة وعليه يجب ألا يستغربنّ أحد إذا ما إنتقل وليد بك من الحزب التقدمي الإشتراكي إلى حزب الله ليكون نائباً لحسن نصرالله أو إلى حركة أمل فيكون نائباً لنبيه برّي وبهذا أو بذاك لن يكون عليه أي خطر بالإغتيال من قبل الأجهزة المعلومة. إما إذا كانت إجابته بالنفي فعليه إذّاك أن يقدم إعتذاراً عميقاً وخالصاً لمختلف شرائح الشعب اللبناني التي أخذت 14 آذار على عاتقها ومنها على وجه الخصوص تلك الفئات الكريمة المستنيرة من طائفة الشيعة - ولتلك الشرائح عندئذٍ أن تقبل أو ترفض الإعتذار فالإساءة للوطن لا تمحوها كل الإعتذارات.
الصحفيون الذين أحاطوا بطراد حماده لدى خروجه من إجتماع مجلس الوزراء، والذي أخذ يظهر غالباً بدون ربطة عنق، لم يصدق أحد منهم الحجة التي قدمها حماده لخروجه ونبهوه إلى أن شتم رئيس مجلس وزراء لبنان ووصفه بالعبد المأمور هو إساءة كبرى للبنان وللشعب اللبناني وتهون بجانبها أية إساءة للتقاليد الديموقراطية لاجتماعات مجلس الوزراء إن كان ثمة إساءة ! لم يكن طراد حماده، أستاذ الفلسفة الذكي، موفقاً في الرد على تنبيه الصحفيين عندما قال.. " كلنا عبيد لله ". لو أن بشار الأسد وصف السنيورة بالعبد لله لما كان هناك أي إشكال، لكنه وصفه بالعبد المأمور لعبد مأمور، وهو ما يعني أن السنيورة أحد أزلام عميل للإستعمار، قاصداً سعد الحريري، أي أقل من عميل للإستعمار. وكل البنانيين يعرفون السنيورة، رفيق الحريري الأقرب، رجلاً قومياً لا يقبل المساومة على مبادئه بأي ثمن وهو من أعلن أن وطنيته غير قابلة للإختبار !
الوزراء الخمسة الذين خرجوا من إجتماع مجلس الوزراء رافضين البحث في الإساءات التي وجهها بشار الأسد إلى لبنان والشعب اللبناني والقادة اللبنانيين إنما يعلنون بما لا يقبل الشك أنهم بجانب النظام السوري ولا أقول الشعب السوري ضد لبنان واللبنانيين ؛ ومثل هؤلاء لا يجوز أن يظلوا أعضاء في المجلس الوزاري. وتصرفهم هذا يتجاوز كل مفردات الحرية التي تعلل بها غازي العريضي الساعد الأيمن لجنبلاط. شعب 14 آذار يمتلك اليوم أغلبية برلمانية مريحة ويستطيع أن يحكم دونما أية حاجة لأزلام سوريا من لحود لبري لنصرالله. وبدون هذا لن يتقدم لبنان بوصة واحدة وسينتصر نظام سوريا ليقول للبنانيين.. أترون بدون عسكر سوريا والمخابرات السورية لا مستقبل لكم.. وما تيار المستقبل إلا حلم ليلة صيف !!!
--
خطاب الأسد: من يواجه من ؟
زيور العمر
لعل و صف خطاب الرئيس السوري ب " بالمنعطف " لا يجانب الحقيقة في شئ، إن لم تكن هي الحقيقة نفسها على إعتبار انه قطع الشك باليقين في عدم رغبة النظام السوري بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية بقيادة الألماني ديتليف ميليس في قضية إغتيال رقيق الحريري.
فقد توقع المراقبون أن يعبر الأسد، بكل وضوح، عن تعاونه الكامل مع لجنة التحقيق و أن يدعو شعبه الى تفهم خطورة المرحلة الراهنة على سوريا و مستقبلها السياسي في المنطقة و كان متوقعاً أن يأخذ قراراً إستراتيجياً صعباً يقوي فيه موقعه كرئيس للدولة و مؤسساتها و يجعل من تداعيات إغتيال الحريري فرصة للتخلص من ثلة الحرس القديم، إلا أنه كشف لمرة أخرى عن ضعفه و عدم قدرته على أخذ القرارات الصعبة و المواقف المصيرية، المطلوبة في هكذا ظروف تمر بها الأمم و الشعوب.
و عوضاً عن الإعتراف بضعف الإمكانات و قلة الحيلة في مواجهة المجتمع الدولي و حرصاً على الشعب السوري و مصالحه العليا دعا الأسد خلافاً لذلك الى المواجهة " الصمود " و التحدي في نبرة من الغطرسة و العجرفة عفى عليها الزمن. و حاول في خطابه المصيري تجنب قضية تسليم المشتبهين الستة الى لجنة التحقيق الدولية متذرعاً أنه حتى لو تعاون السوريون بالكامل فأنهم سيقولون في النهاية " أن سوريا لم تتعاون بشكل كامل " و بعد أن تبين جليأ خيار القيادة السورية الداعي الى المواجهة، نسأل الرئيس الأسد : من سيواجه من، يا سيادة الرئيس ؟
يبدو ان الرئيس الأسد نسي سواءاً عن قصد أو عن دون قصد أن الشعب السوري لا يقوى على تحمل المزيد من المآسي و الويلات ولن يتحمل وطأة عقوبات إقتصادية تطال لقمة عيش أبناءه و ليس على إستعداد للتضحية بأبناءه في معركة خاسرة. و إذا كان الأسد و حاشيته ورموز مؤسساته الأمنية حسموا أمرهم و قرروا المواجهة، عندهل نقول لهم : واجهوا بانفسكم عواقب ما اقترفتموه من اخطاء و جرائم.
اللافت في هذا السياق أن الرئيس الأسد يتناسى عن قصد التجاوزات الخطيرة و الممارسات المهينة التي أرتكبت بأيدي رموز نظامه بحق الشعب السوري و كيف جعلوا من سوريا ترزح تحت الديون نتيجة الفساد و عمليات النهب المنظم لثرواتها و تهريبها الى الخارج ناهيك عن الإنتهاكات الخطيرة بحق النشطاء السياسيين و أصحاب الرأي في السجون و المعتقلات المنتشرة في طول البلاد و عرضها فضلا ً عن أن النظام إستطاع بعد أربعة عقود أن يلغي الحياة السياسية والمدنية في البلاد لصالح هيمنة حزب البعث على لدولة و المجتمع.
و هنا نسألك: هل يراهن النظام السوري و رئيسه على هذا الشعب في خيار المواجهة مع المجتمع الدولي و القوى العظمى !؟ ربما تعتقد القيادة السورية كقرينتها السابقة في العراق إبان حكم الديكتاتور صدام أنها تستطيع أن تزج الشعب السوري في مواجهة مدمرة مع أمريكا و حلفائها الأوروبيين و " عندما يقع الفاس في الراس " يكونون أول من يتركوا ساحة المعركة و أول من يبحثوا عن مخابئ تحت الأرض.
لقد مضى الى دون رجعى زمن أن يكون شعب ما ضحية اخطاء و جرائم نظامه و هو ما يجب أن يتفهمه المجتمع الدولي المطالب بتشديد الضغوط على النظام السوري دون أن تطال قراراته الشعب السوري سواءاً من خلال عقوبات إقتصادية أو غيرها و التي ستكون أولى ضحاياها أبناء الشعب السوري و ليس رموز النظام و أعوانه الذين تمتلئ حساباتهم في الخارج بالملايين من الدولارات، كما أن على الشعب السوري أن يحسم أمره كذلك في إتخاذ خيار التغيير المؤدي الى بناء سوريا على أسس جديدة تتمثل في نظام ديمقراطي سلمي و مدني يحترم حقوق الأنسان و يعزز مفرداته و تسود فيه سيادة القانون و القضاء و العدل.
--
سوريا بين المطرقة والسندان
علاء غزالة
منذ بداية التغيير الديمقراطي في العراق، والذي تزامن مع ظهور الحركات التكفيرية و(الجهادية) وما يسمى بـ(المقاومة)، اشارت اصابع الاتهام المرة بعد الاخرى الى الدولة العربية (الشقيقة) والمجاورة للعراق بدعمها لتلك الحركات، علاوة على ايوائها لعناصر النظام السابق الذين لعبوا دورا مهما في التمويل والتخطيط للهجمات المسلحة في انحاء العراق كافة. ولكن سوريا انكرت باستمرار تلك الاتهامات، و(فبركت) مسرحيات للتدليل على انها هي ايضا هدف للارهاب، وبالتالي فان من مصلحتها ان تحاربه فضلا عن عدم ايوائه. ولكن المصاديق على ارض الواقع كانت تثبت العكس دائما. فالحكومتان العراقيتان السابقة والحالية، امتلك كلاهما ادلة دامغة على هذا التورط، وسعت الوفود المتتالية الى ايجاد ارضية للتعاون من قبل الجانب السوري استنادا الى التصريحات المعلنة من قبله. وقد وصل الامر الى حد ان يشك المسؤولون العراقيون ان الرئيس السوري لا يعلم ما يدور من وراء ظهره، اذ ليس من المعقول ان تكون سياسية اية دولة بهذا المقدار من الازدواجية بين ما تعلنه من مواقف رسمية، وما تخطط له في دوائر مخابراتها.
ومن ناحية اخرى، فان سوريا لم تخفِ تورطها في لبنان، على المستوى العسكري او المخابراتي، وتحكمها في شؤون ذلك البلد (الشقيق) والمجاور لها. وقامت برفد المليشيات اللبنانية بالمال والسلاح والتدريب بحجة (دعم المقاومة الوطنية).. ولكنها لم تنشأ اية (مقاومة) في الجولان وهي اراضيها المحتلة منذ عام 1967. وعلى مدى عقدين من الزمن آوت وساعدت حركة التمرد التركية بزعامة عبد الله اوجلان، ثم اضطرت الى ترحيله بعد ان حشدت تركيا الجيوش على حدودها مع سوريا في محاولة لانهاء ذلك التمرد والقبض على زعيمه. وكانت لسوريا ايضا مشاكل مع الاردن، الجار العربي الاخر، والتي ادت الى غلق الحدود بينهما لفترة طويلة. ولا ننسى ان حدودها مع العراق بقيت مغلقة فترة تقارب العقدين بسبب الخلاف الايديولوجي بين جناحي حزب البعث الحاكمين في كل من البلدين.
وهكذا يتضح ان لسوريا علاقات متوترة وتدخل في شؤون جميع البلدان المجاورة، ولكنه كان سافرا الى حد كبير في الحالة اللبنانية. وهذا التدخل سبب تذمرا في اوساط القوى الوطنية اللبنانية، والتي سعت الى طرد القوات السورية من الاراضي اللبنانية من خلال الدبلوماسية الدولية، ومجلس الامن. واثمرت تلك المحاولات باصدار القرار الاممي 1559 الذي طالب بانسحاب القوات السورية ونزع سلاح المليشيات اللبنانية، خصوصا المدعومة من قبل سوريا.
ولكن سوريا التي انتهجت على الدوام سياسة (حافة الهاوية)، كانت تتجاهل تلك القرارات والرغبة الوطنية اللبنانية، دون ان تتعض من التجربة التي مرّ بها النظام السابق في العراق حين واجه المجتمع الدولي، وقاد ذلك الى سقوطه. والواقع ان السياسة السورية انتهجت نهجا مغايرا، وان كان السيناريو متشابها. فحين احتل النظام العراقي دولة الكويت، وافقت سوريا على ان تكون ضمن القوات المتحالفة لتحرير الكويت، ولكنها لم تطلق طلقة واحدة في تلك الحرب. وهي وافقت كذلك على التفاوض مع (اسرائيل)، وان ماطلت وضيعت الفرص المتتالية لاسترجاع الجولان سلميا. وهي انسحبت من لبنان عسكريا بعد (انتفاضة الاستقلال) التي شهدتها لبنان عقب مقتل الرئيس الحريري، وان ظل شك في بقاء عناصر مخابراتها هناك. فهي تتظاهر انها تفعل ما يراد منها عندما يشتد الضغط عليها، ولكنها تفعل فقط الجزء الاقل اهمية، لتبقى مممسكة بخيوط اللعبة.
والمجتمع الدولي ليس غافلا عن هذه الحقائق. ولكن من طبيعة السياسة الدولية ان تنتظر الفرصة الملائمة. وقد لاحت تلك الفرصة بعد ثبوت تورط العناصر المخابراتية السورية، وبتواطؤ مع عملائها في لبنان، في مقتل رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري. وبدأت القوى الدولية في الضغط على سوريا في نفس الوقت الذي تعرض تلك القضية على مجلس الامن الدولي. وشكل مجلس الامن لجنة للتحقيق برئاسة ميليس. وجاء في تقرير تلك اللجنة انه (يصعب ان يتصور حصول الاغتيال بدون علم سوريا نظرا لتواجدها العسكري والامني في لبنان). وفي محاولة لتسفيه هذا الاستنتاج قال وزير الخارجية السوري لمجلس الامن ان ذلك يعني فيما يعنيه ان الولايات المتحدة متورطة في احداث 11 أيلول، وبريطانيا متورطة في احداث 7 تموز. فاجابه وزير الخارجية البريطاني انه اذا كان يلمح الى اشتراك هاتين الدولتين في اعمال الارهاب التي وقعت على اراضيها، فان عليه ان يقول ذلك صراحة. ولكن الوزير السوري لم يجب بشيء، فالقياس هنا مع الفارق. ان سوريا متهمة في نظر مجلس الامن بخلاف الدولتين الغربيتين، وليس من رد الاتهام القول لماذا لا تتهمون الاخرين؟ وفي خطابه الاخير حمل الرئيس السوري على العراق لعدم تعاونه في منع الارهاب، ولبنان كونها ممرا للمؤامرات على سوريا. وهي ذات السياسة السورية العتيقة، من التنصل واتهام الاخرين بما يتهموه بها.
قد لا يكون ا لسيناريو الذي اسقط صدام سوف هو ما سيعتمد في حالة النظام السوري. ولكن سوريا باتت بين مطرقة مجلس الامن الدولي وسندان الرفض الاقليمي لسياساتها. وبذلك فلن تستطيع ان تستمر في دعم (الارهاب)، ولا التحرش بدول الجوار اكثر مما فعلت. وستضطر، كما اضطرت في الماضي، الى تغيير سياساتها في المنطقة لتجنب الحرب التي ستسفر عن تغيير هذا النظام في سلسلة التغييرات الحتمية. وربما ستؤتى من الحكمة القدر الكافي للاعتراف بالذنب، والسعي الى اصلاح نظامها، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
--
الجديد في خطاب الأسد
الكولونيل شربل بركات
الرئيس الأسد الذي كان ينتظر العالم منه أن يتعاون على كشف المجرمين الحقيقيين الذين خططوا ونفذوا جريمة اغتيال الرئيس الحريري، والذي قيل بأنه كان كلف قائد المخابرات الجوية القيام بتحقيق خاص أظهر له كل شيء، لم يستطع على ما يبدو أن يقوم بما قام به السيد الوالد من قبله عندما طرد شقيقه رفعت قائد "فصائل الدفاع" التي اعتبرت في حينه أكثر الفرق العسكرية السورية قوة وانضباطا وولاء لشخص قائدها رفعت المذكور.
الرئيس السوري الطبيب الذي لم يكن قبلا عسكريا ولا أغراه الزي ولا الأوسمة ولمعانها، لم يستطع، على ما يبدو، حسم أمره بتقديم المسؤولين عن الجريمة للمحاكمة وتخليص البلد من مأزق سيقع فيه بدون شك. وهو كان حاول التحايل بطريقة دبلوماسية عندما شكل لجنة كانت ستخرج بتحقيق سوري يجرّم غزالة والمرحوم، كي لا نقول المغدور، كنعان وشركائهم اللبنانيين وتلفلف الموضوع عند هذا الحد، على أن يبقى النظام ورأسه ليساهم في إعادة الاستقرار والتعاون بين دول المنطقة ومع المجتمع الدولي. لكن، على ما يبدو، لم يقبل أحد أن تلخص مسؤولية الجريمة بغزالي وحده، وطالب الجميع بالحقيقة كاملة، وطرح اسم صهر الرئيس المسؤول عن الاستخبارات العسكرية آصف شوكت واسم شقيق الرئيس قائد الحرس الجمهوري ماهر الأسد، ما كان سيسمح، لو تم تسليمهما، ببقاء الرئيس لعدم علمه بالأمر، وهو الذي كان صرّح لوسائل الإعلام بأنه مستعد لتسليم من يثبت ضلوعه للعدالة على أنه خائن لسوريا. فماذا جرى لكي يتحمّس الرئيس الأسد وينزل إلى الميدان فيتحدى الأمم المتحدة، ويبشّر السوريين بالوبال، ويقرع طبول الحرب، معلنا حالة الاستنفار القصوى بدون سابق إنذار؟
الرئيس الأسد الذي عجّل بالتوجه إلى الطلاب السوريين على أنهم نخبة الأمة وطليعة التحركات الشعبية، وهم قد يحبون تقليد زملائهم اللبنانيين بالنزول إلى الشوارع، ورفع الأعلام السورية، وتحريك العواطف، علّ الجبهة الداخلية تستطيع تحمّل الآتي من عقوبات، وتمنع التأفؤف والتململ الذي ستحدثه، في وقت لم يعد حكم رجال المخابرات بقادر على السيطرة على الوضع بالسهولة التي تعوّد، فقد تفتّحت العيون وتعاظم الخطر ولم تعد تنطوي على أحد ألاعيب البعثيين ومخططاتهم، وقد رأى السوريون كيف تسقط أنظمة القمع المشابهة في دول العالم وفي الجوار.
الرئيس الأسد قد لا يكون قادر على مجابهة ماهر أو آصف، أو أنه تصوّر بأن لجنة التحقيق لا بد ستصل إلى الحقيقة، عاجلا أم آجلا، وسيتكلم كثيرون، ومن بينهم المطلوبون من اللجنة، ولا بد أن يفضح تورطه.
الرئيس الأسد ومستشاروه تأخروا كثيرا لكي يفهموا بأن الأمور تغيّرت في عالم اليوم، وهم ليسوا بمستوى الأحداث، ولا هم يلعبون لعبة إسرائيل المحاصرة، أو لبنان المستفرد، أو جماعة عرفات، أو بعض الأنظمة في دول عربية طالما ابتزوها بإرهابهم المعهود، ولكنهم يواجهون العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة التي جرحها تعنتهم وتدخلهم في شؤون العراق ولبنان وفلسطين، وتأييدهم للإرهاب، وعدم الاكتراث لكل النصائح، وكان الأجدر بهم التعاون منذ اللحظة الأولى.
يقول قائل بأن آخر أسلحة الأسد كانت تحريك القلاقل بواسطة عملائه وشركائه الإيرانيين والأصوليين الإسلاميين في فرنسا، ومن ثم نقلها إلى ألمانيا عقر دار ميليس، لتكون رادعا للتدخل بشؤونه، ومن ثم استرضائه للتوصل لتخفيف هذه الهجمة الشرسة، وهو ما يفسر استمرار هذه الأحداث بدون مبرر وانتقالها إلى أكثر من مكان لمدة غير قليلة، وكأن يدا خفية تحركها. ويستطرد هؤلاء بالقول بأن مظاهرات الأرجنتين أيضا، والتي كانت ضربة للرئيس بوش، وقد ظهر فيها بكل وضوح مشاركة جماعة سوريا وإيران من اللبنانيين القوميين، وجماعة حزب الله، والمنظومة الإرهابية الفلسطينية وغيرهم، وقد بدت الأعلام والشعارات بالصور في أكثر من صحيفة، كانت أيضا آخر وسائل الضغط قبل التفجير. ولكن الموقف الفرنسي الصارم واكتشاف بعض الخيوط التي تدينهم جعلت الأمور تنقلب ضدهم.
الرئيس الأسد في خطابه أمس قرع طبول الحرب، نعم، وأعلنها مجابهة مع المجتمع الدولي، وهو سوف يحمي القتلة، لأنه مشارك في الجرم، ويحاول أن يحرّك الشارع في سوريا وأيضا في لبنان، إذا استطاع، ولذا فهو يطلق كلمة السر التي سبق أن أشار إليها عند خروج جيشه، وهي إسقاط "السابع عشر من أيار"، وكأننا لا زلنا نعيش في بداية الثمانينات، وتحت وهج السوفيات، وحركات التحرر، وشعارات الأرض السليب والاستعمار، وفورة القوميات التي بادت منذ الأربعينات.
الرئيس الأسد استنفد كل الوسائل، كما قال، ولكنه لم يجرب أن يقول الحقيقة التي كانت ستنقذه من كل الشرور الآتية. فلماذا على السوريين أن يجابهوا العالم من أجل أن يبقى المجرمون متحكمين بسوريا وبشعبها وبخيراتها وبمصيرها، من أجل أن يتنعم قلّة من المحاسيب بملايين الدولارات بينما يتوق الملايين من السوريين للقمة عيش شريفة يريدونها بعرق الجبين ولكن بدون إرهاب وخوف وذل وشقاء.
الرئيس الأسد تهجم على رئيس الوزراء اللبناني، لأن هذا يريد أن يعمل بحسب ضميره، وهو المجروح والمتألم من فقد رفيق الأيام وزميل الحلم بلبنان، يزينه الاستقرار والهدوء، وينعم بنوه بالأمان بعد كل المآسي التي أرعبتهم.
الرئيس الأسد توجه إلى حلفائه في حزب الله بالإشارة إلى ما سماه المقاومة ودعمها، فلم يكن من هؤلاء وهم لا يزالون بعيدين على ما يبدو عن أحلام اللبنانيين بالوطن المستقر والمستقل وسيد نفسه، إلا أن خرجوا من جلسة مجلس الوزراء وكأنهم سمعوا النداء واستجابوا له. لكن موقف الرئيس السنيورة وبقية الوزراء كان مشرفا إذ أكملت الجلسة وتمت دراسة الخطاب والإشارة إليه في البيان، ما أوضح مرة أخرى أن لبنان يستعيد عافيته وسيادته واستقلاله، بالرغم من وجود من لا يزالون تحت الوصاية ورهن الإشارة لحماية مصالحة ضيقة والاستقواء بمن كان في سبيل الحفاظ على هذه الامتيازات التي تبعد كل البعد عن واقع لبنان وأهله وعن أمنياتهم وتطلعاتهم.
الرئيس الأسد قال كل شيء في هذا الخطاب، وهو قد يكون خطابه الأخير، لأنه لم يترك مجالا للتفاوض ووضع نفسه في زاوية ضيقة بمواجهة العالم أجمع. فهل أن دماء كل الذين سقطوا من تدخل سوريا في لبنان وغيره وكل دعوات الأرامل والأيتام وعذاب المغيبين في السجون التي يحق فيها القول "بأن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود"، ستلاقي استجابة ويأخذ العدل مجراه ويوقف المجرمون الحقيقيون ومشجعوا التخريب والإرهاب وترتاح سوريا من سجّانيها وسلاّخيها، وتعود العافية لأسواق دمشق وحلب، والازدهار للسهول التي كانت يوما أهراء روما، والتلال التي زينتها الأديار والقديسين؟ أم أن السيف الذي تسلط على رقاب اللبنانيين لن ينجوا منه أبناء سوريا، والمر الذي أذاقه هؤلاء لأبناء هذا الجبل سوف يذوقه أبناء الغوطة قبل أن ينال هؤلاء جزاء أعمالهم؟
الأمور تبدو متسارعة، والمواجهة بين زعامة سوريا، مجتمعة هذه المرة، والعالم أجمع لا بد واقعة، فهل تمر الأيام العصيبة هذه بالحد الأدنى من الخسائر؟ ولماذا على السوريين أن يشربوا كأساً شبيهة بكأس العراق، لا قدّر الله؟
تورونتو في 11- تشرين ثاني- 2005
--
لا يا سيادة الرئيس
تيري بطرس
في خطابه الاخير الذي القاه السيد بشار الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية، طالب ببرمجة رحيل القوات الامريكية من العراق.
سيدي الرئيس من حق اي انسان ان يبدي رأيه بما شاء، لان حرية الرأي حق مقدس يجب علينا كلنا ان ندافع عن من افتقده، ونحن متأكدين ان سيادتكم تقرون هذا الامر ولذا فنحن نعنتقد ان الشعب السوري الجار والذي نربطنا به علاقات تاريخية ولنا فيه اصدقاء ولنا فيه امتدادات قومية ودينية، فكل ما موجود في بلدي العراق موجود في سوريا، ولذا فالعراقي لا يشعر بغربة كبيرة حينما يكون في بلده الثاني سورية، اقول نخن نعتقد ان الشعب السوري يتمتع الان بكافة حرياته في ظل حكم سيادتكم وذلك لايمانكم الشديد بحرية الرأي وباقي الحريات الفردية.
الا ان كونكم رئيسا لسوريا يفترض فيكم ان تهتموا ببعض العبارات التي تقولونها مثل المطالبة ببرمجة رحيل القوات الامريكية، لان هذا الطلب يدخل في صميم سيادة العراق، ولا يحق لاحد ان يطالب به الا الحكومة الشرعية للعراق والتي تستمد شرعيتها من مجلسها المنتخب بارادة العراقيين الحرة، ان طلبك سيفسره العراقيين ليس تدخلا سافرا في شؤونهم بل محاولة الوصاية عليهم، وهم بصراحة لا يقبلون باي وصاية بعد ان تحرروا من نظام المقابر الجماعية والسجون السرية.
سيدي الرئيس
في زمن مضى كان كل رئيس عربي يعتبر نفسه القائد الوحيد للامة العربية، وما على بقية الرؤساء الا الانصياع لرأيه وقراره لان كل رئيس كان يعتبر نفسه هو الاصح وما البقية الا متامرين او عملاء كما نعتم بعض المسؤولين اللبنانيين، لم يفكر هؤلاء الرؤساء ابدا ان كل بلد يمتلك خصوصيات معينة او له مصالح مختلفة، لان الرؤساء والملوك ايضا كان يعتقدون ويؤمنون بان امة العروبة واحدة ولها مصلحة واحدة لا يدركها الا الرئيس او الملك، والمشكلة ان امة العرب فيها اثنان وعشرون رئيس وملك.
وهذا الامر خلق صراعات دائمة بين هؤلاء الملوك والرؤساء، والاكثر مرارة في الامر هو ان الشعوب كانت تصبح ضحية لهذه الحلافات، فكل شئ كان بمزاج القائد الضرورة وكل الاثنان والعشرون كانوا قادة الضرورة لم نستثني اي منهم، وكيف لنا ذلك، هل تود ان اذكرك باحدى الحوادث التي كان شعبنا العراقي والسوري ضحية للخلافات الشخصية او للطموحات الشخصية بين جريدي بغداد (صدام حسين) والمرحوم والدكم، في عام 1978 تحسنت العلاقات بين العراق وسوريا، الا انها بعد عام او اقل ساءت مرة اخرى، ففي حالة التحسن كان المواطنون من الشعبين يتزاورن بالهويات الشخصية وفي حالة سؤ العلاقة كان الزيارات لاتتم فقط بجواز السفر، بل كان في احيانا كثيرة يضع البلد اسم الاخر ضمن البلدان الممنوع التوجه اليها وان توجه سيكون من ضمن المشكوكين فيه، وهكذا سيدي الرئيس كانت التجارة تتوقف ومصالح الناس تتدمر، وماكان يدفع ضريبة هذه العلاقات السيئة الا الغلابة.
سيدي الم تملوا من هذا الخطاب الديماغوجي والذي لا يعني اي شئ غير خداع الذات، الا تعتقدون ان الشعوب في هذه المنطقة تريد ان تلتفت الى مصالحها بعد اكثر من خمسين سنة من الهاءها بالشعارات الثورية مرة بأسم العروبة واخرى باسم الاشتراكية وثالثة بأسم الاسلام.
سيدي الرئيس
نحن كعراقيين نرفض ان تتدخلوا في شؤوننا الخاصة، فخروج القوات الامريكية والبريطانية وكل القوات الحليفة والصديقة، مرهون بتحقيق مصالحنا المشتركة واولها القضاء على الارهاب، نرجوا ان تلتفتوا الى بلدكم وشعبكم ونحن نتمنى للشعب السوري كل الخير والتقدم تحت قيادتكم النيرة!
--
خطاب الرئيس الاسد بين مؤيد ومنتقد
ايلين فضول
ارضاء الناس غاية لا تدرك
مع أن الجميع تلقى باهتمام خبر الخطاب الذي كان من المقرر أن يلقيه الرئيس بشار الاسد يوم الخميس، لكن التوقعات كانت مختلفة بخصوصه وآثر معظم المهتمين تأجيل التعليق على الخطاب لحين الانتهاء من الادلاء به. مع أن التوقعات كانت معروفة مسبقاً عن أولئك الذين سيعلقون ايجاباً والاخرين الذين سيعلقون سلباً، لكن كان من الطريف أن يعلن أحد المحللين السياسيين المهتمين بالشأن السوري أنه كان يعرف ما سيقوله الاسد سلفاً، وأنه أجل كتابة تعليقه فقط ليقطع الشك الدي قارب اليقين.
من الطبيعي ألا يجيب الخطاب على كل الاسئلة التي أثارت قلق الشعب السوري على مدى الايام أو الاسابيع الماضية وليس غريباً أن يحتوي الخطاب على بعض الثغرات، كون الشعب السوري يعيش الخوف الحقيقي من الغد الغامض، وأمامه مثال حي لما يحدث في العراق، بغض النظر عن المسبب الحقيقي لتلك المأساة لان عامة الشعب هي التي تتولى في النهاية دفع الثمن الباهظ، وبالتالي سيتمنى أن يسمع كل ما يطمأنه ولا مانع أن يتمنى أيضاً أن يتمتع الرئيس بقدرات خارقة أو كما قال شخصياً ذات مرة العصا السحرية، مع أن الجميع يعرف تماماً أن تلك القدرات لا يملكها البشر عادة لحل هذه المشكلة العويصة التي جعلت سوريا تقف بمواجهة العالم.
انتهى الخطاب بين مؤيد ومعارض وكل يصر على أن رؤياه هي الاصح، ويتوعد الآخر المخالف بالويل الذي سيجره الى الكارثة، وأصر كل طرف على أن الحق بجانبه، ودلل على ذلك.
الاعلام الذي لا يرى الا ما يريده
اشتقت كلمة إعلام من الفعل أعلم أي أخبر، لكن السؤال هو ماذا يخبر الاعلام المتلقي؟ وما هي المعلومات التي ينقلها؟ من البديهي أن الاعلامي مهما حاول أن يكون حيادياً لن يستطيع تحاشي الوقوع في مزالق التحيز، يدفعه لذلك آراءه السابقة وسياسة القناة التي ينقل الاخبار لصالحها والجهة الداعمة لها، والمعلنين الذي تتداخل علاقتهم مع القناة والجمهور حتى يصبح من الصعب، بعد أن يشتد عود وسيلة الاعلام سواء كانت مرئية أم مسموعة أم كلاهما، التمييز بين اتجاهات الوسيلة الاعلامية وآراء جمهورها وأي منهما يقود الى الاخر.
تصر كل وسيلة اعلامية على رؤية جانب محدد من الحقيقة وهذا لا ينفي أنها صادقة في تسليط الضوء على جزء من الواقع. لكن تهمة التحيز التي تحاول كل وسائل الاعلام نفيها، يمكن بكل سهولة اثباتها عند تحليل مضمون أي خبر تناقلته كافة وسائل الاعلام، وطريقة صياغة هذا الخبر ليحدث الاثر المطلوب، مع أن مصدر الخبر قد يكون واحداً في بعض الاحيان. ويساهم الجمهور في تحقيق الغرض من أسلوب إيراد الرسالة المنقولة، لان كل فرد يثق بقناة محددة يعتمدها مرجعاً لتكوين أحكامه على مجمل الاحداث أو القضايا التي تواجه وطنه.
ومن الطريف أن الرقابة أصبحت ذاتية أي أن الفرد يطبقها من تلقاء نفسه و يتجاهل وجود وسائل اعلامية أخرى ويصر على استقبال الاخبار من قناة محددة، يتهم كل المصادر الاعلامية التي تخالفها بالتدليس والتحيز.
وفي عصر الصورة احتلت الانترنت المركز الاول في تحقيق التفاعل المباشر والزهيد الثمن، بين المرسل أي المواقع الالكترونية والمستقبل المتمثل بالجمهور.
وباطلاع سريع على تعليقات القراء نجد أن غالبية المعلقين في كل موقع هم من نفس الاتجاه، أي أن معظمهم يكون مع، أو يكون ضد، وتنقلب الاية في موقع آخر، فجمهور هذا الموقع الذين يحملون رأياً معاكساً، هم في الواقع من رواد هذا الموقع لانه يتبنى آراءهم وبالتالي تمثل مصداقية الموقع بالنسبة لهم مدى تطابق ما يقول مع ما يعتقدونه.
وبالتغاضي عن شهادة وسائل الاعلام السورية لانها مجروحة أي متحيزة بالطبع لصالح جدوى الخطاب وأهميته، يمكن التنبؤ بتعليقات القراء بالاعتماد على اتجاه الموقع أو الوسيلة الاعلامية التي قدمت مقتطفات من خطاب الرئيس أو تحليل له.
وحده موقع العربية الذي اتهم أكثر من مرة بانتقاء المواضيع أو صياغة الاخبار التي تسيء الى سوريا، كانت معظم تعليقات قرائه تشيد بالسيد الرئيس وبصموده، وهنا لا يمكن التأكيد تماماً إذا كانت التعليقات من بلاد عربية أخرى كما ادعى أصحابها، أو هم في الواقع سوريون، ساءهم أن يجتمع العالم بأكمله على اتهام دولة صغيرة، وينفد الحكم فيها أو على الاقل يهدد بتنفيذه، قبل أن تثبت إدانتها بالفعل.
والشعب الذي ينعم بالبطالة والفقرمنذ عقود آن له الان أن يجد هماً ينسيه الهموم الاخرى التي أصبحت ثانوية بالمقارنة مع تهديد الدافع الاساسي الذي يحرك الانسان وهو غريزة البقاء والبحث عن الامان.
--
سورية والمواجهة الأخيرة؟
د. فاضل فضة
بعد نشاط ديبلوماسي سوري مكثف، شهدته الفترة القصيرة الماضية، خطب الرئيس بشار الأسد على مدرج جامعة دمشق، ليقول بما معناه، أن الغرب متأمر على سورية، وأن الحل هو في الصمود وعدم الأنحناء أمام المؤامرة.
هل هي المواجهة الأخيرة، ومع الأمم المتحدة والعالم كله؟ أم أنه الحل الوحيد الذي يمكن أن يقدمه الرئيس بشار، بسبب طبيعة الحكم الحالي وموازين القوى الداخلية، كنتيجة لرفض قاطع بإرسال المسؤولين الستة إلى لبنان ليتم التحقيق معهم من قبل لجنة ميليس؟
إذا كانت سورية بريئة من إغتيال الحريري، فلماذا، لم يتم التعاون مع اللجنة بشكل واضح وصريح في المرة الأولى، ولماذا، اصّرت الإدارة السورية على التعامل بشكل حذر مع اللجنة، لماذا لم يتم التحقيق بالأصل مع السوريين الستة بشكل عادي وطبيعي؟
هذا الحذر والرفض، ادى إلى اصدار قرار الأمم المتحدة، الذي يطالب سورية بالتعاون مع اللجنة. واليوم، تتباطأ ايضاً سورية في التعاون، لا بل يبدو أنها سترفض، مما دعا الرئيس إلى القاء خطابه، ووضع سورية في دائرة مشابهة لما كانت عليه العراق قبل الحرب؟
إن الرفض السوري الذي اعلنه الرئيس الأسد، يعني تفاقم الأزمة بين سورية والعالم، ويعني من منظور الأصدقاء "روسيا" و "الصين"، وبعض الدول العربية، عدم تعاون النظام السوري مع لجنة ميليس، مما سيساعد على أحكام الطوق واصدار الأمم المتحدة لقوانين جديدة قد تكون اصعب واقسى، وقد تبرر الحرب على سورية مستقبلاً.
هذا الوضع الحرج، لا يهدد النظام السوري بكيانه الحالي فقط، بل قد يهدد سورية كلها وما يتبع ذلك من تداعيات، لا احد يحب أن يتصورها قادمة، خاصة أن الصورة السوداء مازالت ماثلة كل يوم امام العالم في عراق مابعد الحرب.
ويطرح السؤال، هل يكفي خطاب من الرئيس بشار الأسد، للقيام بالمواجهة، وشد اللحمة مع الشعب السوري وقواه السياسية المغيبة. هذا الشعب المرهق بالأصل، من طبيعة النظام السوري، وألته الأمنية المحاصرة لكل نشاط سياسي خارج دائرتها. هل يكفي خطاب، لإصلاح ما كان ومازال يطالب به، كل ناشط، وكل مقيد وكل عاقل يحب سورية. أم أنه كان من المفروض أن يتم إجراء تغييرات جذرية، وليست صورية، للتحالف مع كافة هذه القوى السياسية والإجتماعية النشطة الممثلة للشعب السوري.
إن الوضع حزين وقلق، لأن ما قد يحدث في المستقبل، قد يكون خطيراً جداً على الداخل السوري، ولإنه في النتيجة لن يدفع فاتورة المواقف والأزمات الحالية والقادمة إلا الشعب السوري البطل. هذا الشعب الذي دفع ومازال يدفع نتائج ظروف قاسية جدّاً من طبيعة حكم غير قادر على رؤية ماحوله، في أن العالم قد تغير فعلاً، ولم يعد يصلح وبأي شكل أن يتم الحكم بنفس طرق المرحلة التاريخية السابقة لعصر الإتحاد السوفييتي.
ماهو الحل؟ وماهي الطرق الممكنة لإخراج سورية من مأزق لم تتعرض له أو تواجهه منذ عهد الأستقلال؟
هل يمكن لقوى الشعب السوري ان تفعل شيئاً وهي المقيدة والممنوعة من الحركة، إلا للخروج وتأييد المواقف "الوطنية" الرنانة وإطلاق الشعارات الخلابة. هل يمكن للسلطة السياسية أن تسمع لمن يخالفها الرأي من الداخل.
لماذا تم استقبال كمال اللبواني في زنزانة، هل لأنه قابل مسؤلين امريكيين؟ ألم تقابل السيدة شعبان، وتترجى وغيرها من المسؤلين السياسيين السوريين، أن يتم فتح الحوار مع امريكا، ألم تقول السيدة شعبان، أن الإدارة الأمريكية لا تعرف من تخاطب من السوريين؟ وتخاطب غير المهمين؟
ماهو معنى المواطنة السورية معنى الحرية والديموقراطية التي يدعيها النظام؟ وكم من مرّة ذكرت اطياف المعارضة السورية أنها لا ترغب بتحول سياسي قسري في سورية، بل ترغب بتغيير من قبل النظام نفسه، وقيام مصالحة وطنية لحماية سورية وشعبها، من الداخل والخارج.
لقد حذرنا في أكثر من مقال، وحذّر الكثير من السوريين بالسيناريو الأمريكي الجديد، المختلف ببصماته عن سيناريو العراق، لكن العقل الأمني لم يكن قادراً على التنبؤ بما كان سيحدث. وكان الإصرار على سلوك ومنهجية ذات وتيرة واحدة في الحكم، وفي التباطئ بالإصلاحات السياسية، وفي عدم القدرة على مقاومة الفساد، وفي صراع كان مستمراً حول مصالح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وسيطرتها على النظام، مما أوصل سورية إلى ماهي عليه اليوم.
لقد سارعت القوى الوطنية السورية إلى القيام بمبادرات متعددة، باعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، ومبادرة رياض الترك، وغيرها من المحاولات المطالبة بالتغيير الديموقراطي السلس. لكن النظام الحالي لم يكن قادراً على القيام بأية مبادرة باتجاه القوى السورية الأخرى. لإنه مازال مصراً على أنه قادر على حل الأزمة لوحده، وبنفس الأساليب والطرق التي كان يستخدمها بالسابق، أي المواجهة مع العالم، في عالم لم يعد كما كان عليه في السابق.
إن الوطن السوري في خطر، وبسبب تاريخ وسلوك سياسي معين، وبسبب عدم القدرة على التغيير بما يتطلب ومتغيرات العصر، وبسبب المشروع الأمريكي للشرق الأوسط.
سورية محاصرة اليوم وغداً، بسبب الرفض، على الأقل إلى اليوم، بإرسال المسؤلين الأمنين الستة للتحقيق معهم من قبل لجنة ميليس.
هل يمكن أن نقارن بمصلحة هؤلاء الستة، مقابل سورية وشعبها كله؟
هل هؤلاء الستة متورطين فعلاً بمقتل الرئيس الحريري، وعلى النظام السوري الدفاع عنهم لإنهم على رأس اجهزته الأمنية وبعض العسكرية؟
إذ كان النظام السوري برئ من مقتل الحريري، هل يمكن وأمام العالم كله تلفيق قصة مقتله وتلفيق كافة الوثائق والشهادات، على أن القتل حدث عن طريق جهاز لبناني وسوري؟
إذا كان خطاب الرئيس بشار الأسد، يعبر عن سياسة ثابتة اليوم، ويعبر عن عدم إرسال من سيتم استجوابهم إلى لجنة ميليس، فأن سورية، لا بد قد بدأت تواجه إمتحاناً صعباً حظوظها في النجاح مشكوك بها.
عندها ستكون سورية قد دخلت نفقاً مظلماً، أو حضرت نفسها للدخول به؟
كل مايمكن قوله في المهجر ومن موقع آخر، حماك الله ياسورية، حما شعبك المظلوم والمقهور، وابعد عنه أياماً سوداء تلوح في الأفق كالإعصارات الأمريكية المدمّرة.
--
من يامحلى النصر بعون الله الى سوريا الله حاميها
حسين ديبان
هكذا اذن((سورية الله حاميها))أنهى أسد سوريا الخطاب الذي كان متوقعا له أن يكون حاسما وتاريخيا،فجاء عائما وفضفاضا،وبلا لون أو طعم أو رائحة،بعد أن توقع الجميع بحسن نواياهم أن يفعلها الأسد ويضع النقاط على الحروف انقاذا لسوريا وشعبها مما ينتظرهم،إذا ماقرر النظام ورأسه أن يضع سوريا وشعبها في مواجهة العالم،ويبدو أنه قد قرر ذلك بهذه النوعية من الخطابات التي مرت على أسماعنا سابقا،من الجار العراقي السابق قبل أن يقتلعه العالم،ويجعله أسير قفص المحكمة،بعد أن خسر العراق والعراقيون الكثير نتيجة إجرامه وعنجهيته.
الأسد اليوم بخطابه هذا خيَب آمال السوريين جميعا،وآمال من قلوبهم على سورية ولا يريدوا لها ولشعبها إلا الخير والسلام والإزدهار في بلد كريم،يحترم فيه الإنسان السوري أياً تكن ديانته وقوميته وجنسه،فبعد أن تسمَر السوريين أمام شاشات التلفزة ليسمعوا من رئيسهم الخبر اليقين،والقول الأمين،الذي ينقذهم وينقذ بلدهم،تفاجأوا بما لم يكن يخطر على بالهم،بعد أن إقتنعوا عبر الأخبار التي تم تدوالها في الأيام الأخيرة وملخصها أن رئيسهم لاعلاقة له بهذه الجريمة البشعة،وأن أشخاصا مقربين منه إستغلوا مواقعهم ونفوذهم ليقوموا بجريمتهم النكراء،وكان من ضمن تلك التسريبات الإخبارية أن الأسد الرئيس قد وضع يده على العناصر المشبوهة والمطلوبة للتحقيق الدولي،كما انه قد عقد العزم على إرسالهم حيث مقر لجنة التحقيق في لبنان.
لكن وكما قلت فقد جاء الخطاب ليشكل تراجعا عن مواقف سابقة إعتبرت ايجابية،فعندما يؤكد الأسد في خطابه اليوم براءة سورية،فهو يقول نصف الحقيقة وليس كلها،ونقصد نصف الحقيقة التي تعني بالتأكيد أن سورية الوطن لاعلاقة لها بهكذا جريمة ولا بكل الجرائم التي ارتكبها أو رعاها أفراد سوريون مهما علا شأنهم وأيا كانت رتبهم حتى لو كان لها صلة برأس القرار الأول أو الرأس ذاته،فهؤلاء وحدهم يجب أن يحاسبوا عن الجرائم التي ارتكبوها بحق بلدهم وأبنائه أولا وجيرانهم ثانيا،و ماأخشاه هو أن هروب الأسد الى الأمام في خطابه اليوم قد جاء نتيجة فشله في السيطرة على الأسماء المطلوبة للتحقيق الدولي،في ظل نظام التوزيع العصاباتي الذي يتحكم بالجسد السوري،ولكن الخشية الأكبر هو أن تصدق أحاسيسنا وأحاسيس أبناء انتفاضة 14 آذار من أن هكذا جريمة لا يمكن أن تكون إلا بأمر من الرأس الأول في سورية،وهو مادفعه اليوم الى هذا الخطاب التعويمي والهروب من المستحقات الدولية.
كنت ومازلت أتمنى أن تكذب مجريات التحقيق أحاسيسي وأحاسيس الكثيرين من الأخوة السوريين واللبنانيين والعرب،على الأقل فيما يخص علاقة الرأس الأول بالجريمة النكراء،أملا في درء الخطر عن سوريا وشعبها،لأن هكذا علاقة إن وجدت ستؤدي حتما الى المواجهة مع المجتمع الدولي،أما اليوم وبعد هكذا خطاب و بهكذا خاتمة((سورية الله حاميها)) لا يسعني إلا أن أضع يدي على قلبي خوفا ورعبا من أن تؤدي هذه العبارة الى ذات النتائج التي أدت اليها عبارة ديكتاتور العراق المخلوع((ماأحلى النصر بعون الله)) الذي قالها عام1991 مع تذكيرنا أن مايقلقنا ويثير رعبنا الأثمان التي تدفعها الأوطان والشعوب،أما الديكتاتوريات فلن تذرف عليها الدموع إن زالت.
hdiban69@yahoo.com