أصداء

دستور العراق.. بناء دولة مدنية أم دينية؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

انتظرت بصبر، وإلى ان اتضحت معالم مسودة الدستور الجديد.. وقررت اخيرا مشاركة العديد من السيدات والسادة الكتّاب والمتخصصين بالقانون والسياسة لأطرح بعض تصوراتي المتواضعة في الدستور العراقي المقترح..ولكي أجنب نفسي الحكم مقدما على ما أنجزه الأخوة والأخوات في لجان الدستور المتنوعة، آثرت الاستماع إلى توضيحاتهم ومداخلاتهم العلنية التي تبثها الفضائية العراقية ووسائل الإعلام المختلفة الاخرى حول مسودة الدستور..ورغم الوضوح النسبي فيما جاء في الأبواب السته التي تضمنها الدستور..إلا انني ارى أنه من الضروري جدا ونحن قد دخلنا توا من بوابة القرن الواحد والعشرين، أن نعي حقيقة أن هذا الدستور يجب أن يعبر ليس فقط عن طبيعة المرحلة التي يعيشها البلد اليوم، بل أن يحمل الكثير من التصورات المستقبلية المستنيرة عن متطلبات المراحل القادمة، ويعبر بصدق عن طموحات الأجيال القادمة من أجل بناء دولة ديمقراطية وعصرية وحضارية تلحق بركب الدول المتطورة..
ولذلك يجب أن يكون هذا الدستور حضاريا ورصينا ولا تحتمل فقراته التاويل والشكوك..وهذا يعني أن لا يكون هناك تناقضا ما بين فقراته والذي مع الأسف الشديد نراها جلية وواضحة في العديد من فقراته..كما تأكد بعض الفقرات الرئيسية الوجهة الدينية الواضحة والتي يريد بعض الاسلاميين دفع الدستور باتجاهها، فمثلا:
في الباب الأول، المادة الأولى ( الجمهورية العراقية الاسلامية الاتحادية..الخ ) تعني أن شكل الدولة هو اسلامي ويعتمد على الشريعة الاسلامية كما ورد في المادة الثانية من نفس الباب حيث يقول: ( الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو المصدر الرئيسي للتشريع..الخ)..
فإذا كانت الدولة اسلامية وتعتمد على نصوص الشريعة الاسلامية، فما هي أهمية وضع بنود وفقرات تتحدث عن حقوق الانسان وحقوق المرأة والحريات الشخصية والخ..من الحقوق المدنية التي تتعارض كليا أو جزئيا مع احكام الشريعة الاسلامية؟
ورغم ادعاء العديد من الاسلاميين الذين ساهموا بكتابة هذه المسودة، من أن الدين الاسلامي يمنح حريات (أكثر) مما ورد في هذا الدستور، فإنهم لم يذكروا شيئا عن طبيعة هذه الحريات وما هي..وفي النهاية يقولون وإن تم التناقض ما بين حقوق الانسان واحكام الشريعة فالغلبة تكون لأحكام الشريعة..وهذا التصريح وحده يكفي ليفند ما يدعون !!

2- ان معظم ما جاء في مسودة الدستور قد تم اقتباسه من دساتير الدول المتحضرة العلمانية، ولكن لجان كتابة الدستور كبلت جميع تلك البنود بأحكام الشريعة الاسلامية، التي ستكون الكابح للتطور الذي ننشده للعراق ولشعبه..فلم تسلم لائحة حقوق الانسان العالمية من سيف الشريعة الاسلامية وأحكامها وكذلك حقوق المرأة..

3- وبالاضافة إلى هيمنة الشريعة الاسلامية على معظم مفاصل الحقوق الأساسية والحريات العامة، فإن مسودة الدستور تحاول أن تخلق سلطة دينية موازية للدولة العراقية التي هي في شكلها العام دينية..حيث تضمّن فقرتين في مسودة الدستور (المادة الخامسة عشرة والمادة السادسة عشرة)، الأولى تعطي استقلالية للمرجعية الدينية، أي أن القوانين الوضعية لا تسري عليها..والثانية تأكيد الحق لها بالتصرف بالعتبات المقدسة الكثيرة بعيدا عن متناول الدولة واشرافها، وتكون الدولة ملزمة بحماية هذا الحق..ولا ندري إن كانت هذه الفقرات تشمل أيضا المرجعيات الدينية المتعددة كالمسيحية والمندائية والأزيدية واليهودية !!

4- كما نلاحظ كذلك بصمات العقلية العشائرية المصلحية المتخلفة على مسودة الدستور.. حيث أفردت للعشائر فقرة واسعة، وتطلب المسودة فيها من الدولة (النهوض بها (العشائر) والافادة من قيمها...الخ).. فهل قيم العشيرة هي أسمى من دستور البلاد الذي يحمي ويرعى جميع المواطنين؟ وهل يعقل أن نسن دستورا عصريا وحضاريا ونشجع الانتماء للعشيرة (وقيمها) ونحن لمسنا لمس اليد كم من الجرائم اقترفت باسم العشيرة وقيمها.!!

5- خصصت مسودة الدستور فقرة جيدة لحماية الطفولة وصغار السن من استخدامهم في أعمال مهينه..الخ..السؤال هو ماهو السن القانوني للعمل؟ وما هو السن القانوني للزواج (المرأة والرجل) ؟ وكيف نحمي الفتاة الصغيرة السن من تزويجها عنوة ؟ ونحن نعيش في مجتمع عشائري الذي تضمّنه الدستور ويريد حماية قيمه؟ ألم يكن من البديهي والضروري فرد فقرة خاصة لهذا الموضوع الحيوي الذي يهم ويحمي أكثر من نصف المجتمع؟ أم أن هذا أيضا يدخل من باب المحرمات والتناقض مع الشريعة الاسلامية؟

وأخيرا أقول بأن مسودة الدستور بشكلها الحالي وبقاء فقراتها هذه دون تغيير جذري، ودون مراجعه من نخبة قانونية متخصصة وواعية ومجددة ومستنيرة، فإن سن هكذا دستور سيقود البلاد ليس فقط إلى بناء دولة دينية على غرار ايران وطالبان ولكن ستقودهذه الدولة البلاد إلى دكتاتورية تسلب الحريات تحت يافطة الدستور هذه المرة.. فهل يرض الشعب العراقي وبعد كل هذه التضحيات والمآسي العيش تحت ظل هكذا دستور أم سيعلنها واضحة للملأ : بأننا لا نقبل بغير دستور ديمقراطي حضاري يكفل الحريات كاملة للجميع دون تفريق وتمييز و تحت أية وصاية كانت..

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف