أصداء

إرحموا عزيزبعث ذل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

کان ذلک في أواخر الستينيات أيام کان حزب البعث في بداية مرحلة حکمه الثانية للعراق، في ذلک اليوم وجدت عمي متجهم الوجه و يبدو عليه الاستياء البالغ، و وجدت جريدة"الثورة"الناطقة بإسم"حزب البعث"موضوعة أمامه وعلى صفحتها الاولى صورة غريبة من نوعها، صورة سيارة صالون يجلس في داخلها"صدام حسين نائب رئيس مجلس قيادة الثورة(آنذاک)" وقد أطل من ثلاثة جوانب من السيارة مسلحين وهم يمسکون ببنادقهم الرشاشة و تتطاير من أعينهم الشرر، يومئذ کان صدام حسين يقود ماسمي بميليشيا الفداء التي بالطبع کانت تفديه هو لوحده فقط! هذه الصورة أرعبت عمي الذي کان من خريجي کلية القانون و کان رجلا ليبراليا بمعنى الکلمة حتى إنه قال جملة مازالت أصدائها ترن في أذناي(لو صفي الامر لهذا الرجل فسوف يدمر العراق) وقد کان الرجل يتمنى لو مد الله عمره ليرى خاتمة أمر صدام خصوصا حين إستلم حکم العراق"عنوة"من أحمد حسن البکر عام1979 حيث ضرب کفا بکف وقال"وقع الفأس بالرأس".


ومضت الايام، وتوفي عمي عام 1985 وقد کانت نار"قادسية صدام"تحرق شعبي إيران و العراق وتقود المنطقة بخطى وئيدة نحو حرب أخرى أمر و أدهى على العراق و المنطقة، ولم يتسنى له ليشاهد"عفن الختام"لحکم القائد الرمز، الضرورة، السيف، و صاحب عشرات الالقاب و المناصب حتى تم إختصارها جميعا في جملة معبرة تحمل في ثناياها جوهر وحقيقة الامر، تلک الجملة کانت(إذا تکلم صدام، تکلم العراق) فقد صار العراق إقطاعية له يفعل بها مايشاء و باتت"جرة"قلمه ترعب لا شعب العراق و إنما حتى زعماء و قادة دول المنطقة!!


صدام حسين، حين يقف اليوم"شامخا"أمام المحکمة العراقية و يوزع ألقاب البطولة و الخيانة لهذا أو ذاک، هو ذات الشخص الذي قام بمجزرة تموز1979 ضد رفاق"العقيدة و النضال"الذين کان جرمهم الوحيد إنهم لم يرضوا بإقالة البکر و تنصيب صدام محله، فکان ان صاروا"مجرمين و خونة"يستحقون الموت الزؤام، هو نفس صدام الذي ردد جملته الشهيرة باللهجة العراقية الدارجة"والله لو أسمع عراقي يهمس همس أطره"أي أقطعه"طر بأيدي أربع وصل"، لکنني ومع ذلک، أجد ان إعدام هذا الرجل شنقا مسألة فيها أکثر من نظر، رغم إنني أدرک جيدا الحق العام لمختلف العراقيين في ذمته، ذلک ان موته سوف لن يستغرق إلا دقيقة على أکثر ترجيح أو بضعة ثوان في الغالب بيد ان الإنعکاسات و التداعيات السلبية للعملية سوف تکلف الساحة العراقية الکثير بحسب مختلف التوقعات.


ولاأدري لماذا وجدت نفسي لا أرتاح لفکرة إعدام صدام حسين رغم إنني من الذين تضرروا من جراء حکمه الاستبدادي ودفعت أجمل سنين عمري لسواد عيون إستمرار حکمه البغيض، وحتى ان زوجتي و حماتي لازالتا تعانيان من آثار غازاته"الکيمياوية"عام1988 ومافتأت زوجتي تعيش کابوس هروبها مع أمها و أطفال أخيها خصوصا وانها قد اجرت عملية جراحية کبرى قبل أسبوعين من تلک المأساة، ومع أنه"لکم في القصاص حياة يا أولي الالباب"، فإن القصاص يجب أن لايقتصر على الجانب العضوي للإنسان، وإنني على يقين من ان القصاص"المعنوي"هو أشد و أقسى وطأة من القصاص العضوي. وهنا أجد من المفيد جدا أن أورد مثالا کإستطراد قد يکون مفيدا في هذا السياق، إذ قرأت لأعوام خلت خبر عن حکم أصدره قاض أمريکي بحق رجل قتل رب أسرة تتکون من طفلين و زوجة وکان الحکم يقضي بأن يتواجد هذا الرجل لأوقات محددة مع هذه العائلة المنکوبة وعلى ماأذکر صباحا عندما ينهضون و مساءا عندما ينامون وفي أعياد الميلاد و المناسبات العائلية الاخرى، وبعد أکثر من عام على هذه العقوبة الغريبة، هرع الرجل الى القضاء وإلتمس منهم أن يعدموه بدلا من أن يمضي حياته أمام عائلة تذکره يوميا بجريمته التي أقترفها.


الحديث النبوي يقول"ارحموا عزيز قوم ذل"، لکنني لا أجد هذا الرجل يمتلک مواصفات"عزيز قوم"ذلک ان غالبية العراقيين تمقته أشد المقت، بيد إنه ليس بالامکان إنکار حقيقة انه"عزيز حزب البعث و کل العروبيين" ولذلک لاأجد عيبا في ان يرحم هکذا"عزيز"من قبل هکذا شعب قاسى الامرين من"العزيز أنت"کما غنى المطرب حسين نعمة أيام کان صدام في عنفوانه، ولاسيما ونحن نعيش أيام ميلاد اليسوع الذي کان معلم الحب و التضحية و الايثار وان عدم شنق صدام قد تکون له فوائد جمة من شنق لن نجني من ورائه سوى التشفي الغرائزي وسوف يقدم العراقيين هدية ذات مغزى لليسوع وبذلک سوف تشملهم رحمته.


الحق، إنني لست رجل قانون و لاأملک تلک المعلومات الوافية عن الکثير من جوانبه، لکنني وجدت من المناسب جدا أن يغير حکم شنق الرئيس الى حکم آخر بأن يحفظ داخل زنزانة محصنة بجدران زجاجية سميکة يتسنى لکل من يزروه أن يراه و دعوا جانبا القول ان صدام حسين ليس من النوع الذي"يملک إحساسا إنسانيا"، ذلک إن أعتى مجرمي الدنيا هناک في أعماقهم السحيقة وعلى رغم أنوفهم کنههم الانساني، ولو فرضنا جدلا بأن الرئيس السابق لم"تهتز"لشاربه شعرة و انه لم يأبه بکل تداعيات جرائمه، عندئذ سوف يدخل العراق التأريخ مرة أخرى من أوسع أبوابه لعدة أسباب أهمها:
1ـ لم يسبق العراقيين أحد بمثل هذا الحکم الذي أنهى والى الابد"ضرورة"قتل الرئيس السابق.
2ـ صدام من طينة خاصة جدا يندر ان نجد لها مثيلا في الآفاق، ذلک ان کل إنسان مهما کان صنفه أو طينته، يمتلک حدا أدنى من المشاعر و الاحاسيس الانسانية، وإن إفتقاد صدام حسين لها سوف يثبت و بشکل قطعي إنه لم يکن إنسانا سويا وبالتالي فإن من لم يکن سويا ليس هناک من جناح عليه فهل ستشنقون مجنونا؟!

نزار جاف
nezarjaff@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف