عن فيلم الطريق الى بغداد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الفيلم الوثائقي " الطريق الى بغداد"
غياب الفيلم كشخصية
الجزء الاول:مغرب الارض
عرضت أحدى القنوات ألفضائية العربية فيلماَ وثائقياً عن العراق بعنوان "ألطريق ألى بغداد" عن عمليات تجنيد الانتحاريين الارهابيين وأرسالهم للعراق.سنتطرق الى الانتحارية البلجيكية "موريل ديغول"( لانها من بيئة غير عربية ) والتي فجرت نفسها في رتل امريكي في بغداد.
" بلجيكية، كاثولكية تعيش في مجتمع علماني يتضاءل أثر الدين فية وهي اكثر غرابة من زوجها إرهاباَ وبطولة"،هكذا جاء تقديمها في الفيلم وفي مشهد اخر عُرضت صور الانتحاريات الشيشانيات اللواتي احتجزن الرهائن في مسرح موسكو. موريل هي الوحيدة التي فجرت نفسها بينما الشيشانيات قضين بالغاز.
ما الذي يدعو الانسان ان يفجر نفسه ويقتل ابرياء أوجنوداً؟هل هذا بدافع ألمقاومة أم إخلاص لللافكار اليسارية ام هو الانتصار على الضياع الذاتي وألياس ألاجتماعي ُيتوج بألقصاص من المجتمع ألمسبب للنكوص وانهيار الشخصية؟. يلاحظ هنا ان الانتحاريين يفجرون انفسهم بين الناس ويقتلونهم اي (ألمجتمع) ولا يفجرون انفسهم في جسر مثلا اوبناية خالية من الناس!! اذا عداوتهم للمجتمع وللحياة
لايمكن ان نعزو التفجير الانتحاري الى المقاومة، فبأمكان المرء ان يحمل السلاح دون قتل نفسة. ووسائل المقاومة كثيرة أبعدها تفجير الذات، فعلى سبيل المثال واثناء المقاومه الفرنسية للمحتل الالماني صدرت رواية "صمت ألبحر لفركور، وهو أسم مستعار،ويُعتقد ان كاتبها سارتر"اصبحت الرواية جزء من ادبيات المقاومة الفرنسية التي طبعتها ونشرتها، تتحدث الرواية عن امراة فرنسية تعشق ضابط ألماني يقاسمها وابيها شقتهما بالاكراه.،هي ترفض التصريح بحبها له لانه محتل وتقاوم عواطفها الامر الذي يجعل الضابط الالماني الذي يبادلها الحب -و هو رسام - ان يتساءل لماذا هذا الرفض فيعرف ان سببه الاحتلال وفي النهاية يغير افكاره عن هتلر. هذا الرقي الانساني لمقاومة الاحتلال -المقاومة حباً-
لقد وصف ج.بيكر الانتحاريين الالمان الذين كانوا ينتمون الى جماعة بادر-ماينهوف كأنهم (اولاد بلا آباء ) القاسم المشترك الذي يربط هؤلاء النسوه ( الشيشانيات وموريل)هو غياب ازواجهن الذين قتلوا في حرب الشيشان. الحياة الاسريةا ستقرار عاطفي يتبعة في أغلب الاحيان استقرار فكري في الزواج الناجح عائليا وما عداه يعاني المرء من حالة تشرذم نفسي واختلالا عاطفيا ينجم عنه في كثير من الاحيان عدم توازن فكري - تشوش - خصوصا في الشخصية الضعيفة. الثشرد العائلي خلاف الاستقرا ر
هذا التشرد العائلي جلي في حالة البلجيكية موريل،فقد تزوجت غير مرة وفشلت عائليا. المرة الاولى من تركي ثم جزائري واخيرا من مغربي الذي جندها للموت. ثم أسلمت ولكنها احتفظت بعد اسلامها باسم مسيحي (مريم)
إن التعصب الفكري قناة تؤدي للارهاب حيث يعتقد المتعصب ان لا فكرة صحيحة غير فكرته وهي مطلقة ولذا يحاول ان يجعل موته مطلقا ايضا يتماشى مع افكاره،فالتفحير يتم بلحظة واحدة غير تدريجي اي دفعة واحدة لا تسمح بالنقاش هل يتراجع ام لا. مطلق ومحسوم، بمعنى اخر مثل افكار المتعصب مطلقة لا تناقش. والتفجير غير الموت، الذي يسبقه في احاين كثيرة (فترة احتضار ) أي غير دفعي.ان التعصب لايأتي عن تبنٍ مدروس للافكار او جهد فردي محض دون تاثير الاخرين انما تلقين مشوب بتشويش (في حالة موريل جاء اسلامها وتجنيدها عن طريق زوجها، وفي حالات اخرى عن طريق شبكات تجنيد الانتحاريين التي يستعرضها الفيلم ) مما يعزز لدى المتعصب فكرة اضمحلال الشخصية فيعوضها بالتعصب والنرجسية.
يسمي -فرويد - احدى صفات التعصب وهي ألنرجسية جاء في الفيلم " ان المخابرات الامريكية أبرقت الى بلجيكا - لقد تناثر جسد موريل اشلاءَ ووجد جوازها بالقرب من الحادثة-" لماذا الاحتفاظ بألجواز؟ الجواز اثبات للشخصية و الان جاء الدور للاعلان عن الذات المقموعة التي قضت كل وقتها مصادرة، ولو افترضنا انها تقوم بعمل جهادي ابتغاءَ لمرضاة الله فما جدوى الاشهار أذا عن الانا؟ النرجسية هي الدافع.
اللافت للانتباه ان الانتحاريين يسجلون وصاياهم على شكل فيلم فيدو ويتحاشون تسجيلها على شكل رسالة، لان الرسالة تدون بشكل فردي ولاتحتاج ان تظهر على الملاْ اثناء تدوينها بينما الفيديو يحتاج في اقل تقدير مصورواحد أوطاقم ثم تبث ألوصية بواسطة الفضائيات ويشاهدها الناس فيتحقق حب ألظهور حياتياً وبعد الممات للذات المهزومة وهذا تجلِ اخر للنرجسية.
الملاحظ ان مفردات التشرد العائلي واضحة الحضور في وقائع العلاقة العائلية بين البلجيكية موريل من جهة وزوجها المغربي من جهة أخرى على اعتبار ( ان كلمة الهروب مرادفة للتشرد ) نلخصها هكذا:
في حالة موريل:
1.تعدد الزيجات هروب من حالة الى اخرى بغية الاستقرار العائلي
2. إعتناقها الاسلام هروبا ًمن المسيحية.
وتغيير الاسم كذلك، ما هو الا هروبا من الاسم القديم وان احتفاضها باسم له دلالة مسيحية (مريم) يوضح حجم التشوش الفكري الذي تعانيه فهي لم تقطع جذورها مع المسيحة تماما وتختار اسم له دلالة اسلامية
3.تعاطيها المخدرات: هروب من سلطة العقل الصارم والمراقب
أما على صعيد الزوج:
من ام مغربية واب بلجيكي ثري فهو 1.
بحث عن اصل هوية شاردة وهنا يتكرر مفهوم التشوش ايضا بمعنى عدم تجانس الهوية
2.بعد عودة الزوج من المغرب هجر الحياة الاوربية وتشدد في اسلامه -هروب من النمط الحياتي القديم -
اما الزوجان فقد رحلا الى المغرب وعادا الى بلجيكا ثم استاجرا بيتا في الريف شاردين من المدينة. تتكرر في هذا الوقائع عبارة الهروب وبعد عودتهما ارتدت موريل الحجاب والقفازات (هروب من الزي القديم ) يستعرض الفيلم منزلهما في الريف: بيت خالٍ من الاثاث وقيد الانشاء (تقشف )و دون اطفال !! هنا شيء اخر وهو الهروب من القانون الطبيعي للعائلة (تكوين اسرة من اطفال) ومعيار ثانٍ: رغبة بالتقشف بعدد افراد العائلة اي الميول للرهبنة رغم زواجهما
يقول الارهابي ميخائيل بومان" أنني اعيش في عزلة اجتماعية تامة، ماعندي شيء، لاعمل، لاعائلة، لابيت لاأدفع أجرة منزل"
إنحباس في حياة الرهبنة أ ومع تجمعات القرون المسيحية الاولى. إلاسقاط نفسة للعالم المعيوش كعالم رديء - كتاب سيكولوجية التعصب منشورات دار الساقي - هذة الوقائع الحياتية نراها في حياة الزوجين ويضيف بومان "ان الحنين الى الموت، رغبة الموت امر واقع " - المصدر نفسه - اما الفوضوي الروسي فويناروفسكي الذي لقي مصرعه وهو يرمي قنبلة على الاميرال دوباسوف فكتب" سوف اصعد الى المشنقة دون ان تنقبض عضلة من عضلات وجهي، ودون ان اتفوه ببنت شفة.. ولن يكون موتي عنفاً يمارسه أحدهم بحقي بل المآل الطبيعي لحياتي كلها" -كماورد في كتاب البير كامو:المتمرد -
تعصب للموت يشتد ولا يهدا الى ان يصبح غاية طبيعية وعليه فالموت حاضر سلفا في اذهان الانتحاريين يفرضونه على الحياة ليس بشروطها وانما وفق شروطهم فلا عجب ان تاتي دعوات قتل الادباء من المتعصبين !! ولقد وجدوا في أ لخلاف مع الاخريين وفي الاحتلال ذريعة ليزينوا حبهم للموت برداء دينى بدلا من يموتوا سدىً
ابواسامة المغربي الذي فجر مبنى الامم المتحدة بساكنيه (صاحب مطعم في المغرب ) حين ُكلف بمهمة التفجير وزُف لة خبر مولوده الجديد قال: ان الاولى أي الموت احب لي من الثانية اي الولادة. ان النظرية القديمة التي تقول ان الفقر اساس المشاكل بنبغي ان تُراجع فأبو اسامة صاحب مطعم ويحقق ارباحاَ جيدة.
ان للارهاب سايكلوجية اخرى غير الفقر والظلم، التعصب هو احد قنوات الارهاب
جاء في الفيلم ان شبكات تجنيد الارهابين تنشط في مدينة طنجة المغربية حيث الجمعية السلفية، وطنجة واقعة قبالة الاندلس.فالشباب يتذكر مجدا عربيا ضائعاً. الاندلس ارض احتلها العرب ( تماما مثل الامريكين في العراق) بغض النظر عما انجزه العرب في الاندلس. والسؤال لماذا نحن العرب مرتبطون في الماضي الذي نحن كجيل يعيش في الحاضر لم نساهم بصناعتة بينما نتغافل عن حاضرنا حيث يمكن ان نساهم فيه.
ان الفيلم تعرض الى مشاكل شائكة ومعقدة وخلط وقائع مختلفة مع بعضها، من تجنيد الارهابين الى محاكمة المشتبه بتورطهمم والذين أُ فرج عنهم لبراءتهم، مرورا بأفغانستان مما اثقل على حبكة الدراما في الفيلم ناهيك عن عدم اعطائة اجوبة شافية عن موقفه من الاحداث كما ان عقلية الفيلم ظلت غامضة !!
.اعتقد ان التعرض لهكذا مشاكل حاسمة وخطيرة ينبغي منا اعطاء موقفاً واضحاً والا وقعنا في هاوية التشويش الذي يقود للتعصب.
لااعتقد ان الحياد موجود بل ان هناك انحيازاً عادلاً وانحيازاً غير عادل، فحتى القاضي منحاز أصلا للعدالة اما ماهو معيار العدالة فهذا بحث أخر
مثال اخر على خلط المفاهيم والتشويش على المادة الفلمية، عرض الفيلم مقابلة مع احد الاشخاص من مدينة طنجة مستذكراً الماضي اليساري للمدينة فيسمي المناضلين مهدي بن بركة وجيفارا ولا ادري ماالمقود بهذا الحشر؟ ان جيفارا ثائر حياة وليس داعية موت.
يقول جيفارا في رسالة الى والديه "ان إرادة صقلتها بمتعة فنان سوف تسند فخذيّ الهزيلتين ورئتي المنهكتين واني لفاعل " هنا متعة أي حياة وليس افتراضاً مسبقا للموت على طريقة الانتحاريين. فالفنان وحتى في انتحاره الشخصي يدعو الى حياة اجمل وما انتحار الشاعر خليل حاوي الا احتجاجاً على الاجتياح الاسرائيلي لبيروت
يقول جون برجر" لم يعد الموت الذي واجهه جيفارا معياراً لولاء الخادم لسيده ولاالنهاية المحتومة لتراجيديا بطولية " -وجهات في النظر ترجمة فواز طرابيشي- هذا منطق مختلف تماما عن منطق الانتحاريين
ومثال ثانٍ: حين يقول محامي الشبكة التي جندت موريل "ان موريل تحتاج الى 500 دولار لتصل الى العراق ولديها جواز سفر بلجيكي والحدود مفتوحة فلا تحتاج الى شبكة لتجنيدها -يقصد براءة موكليه - متناسياً انهم قاموا بأعدادها فكريا عن طريق التربية المغلوطة وتسهيل فكرة الارهاب وتلك جريرتهم.
والذي يشفع للفيلم عبارته الاخيرة وان قيلت متاخرة وفيها لبس و تشويش ( راجع توصيف التشويش في بداية المقال )
"ان الامريكان يقاتلون الارهابين، والارهابين يقاتلون الامريكين بوصفهم محتلين والعراقين يساعدونهم بوصفهم محررين " جزئياً يصح هذا القول، اما بصورة عامة ( فلا ) وان ساعد بعض العراقيين الارهابيين فهم تحت طائلة التهدييد وغياب حماية الدولة لهم
اما من الناحية الفنية: اعتقد ان أول سؤال يطرحه المخرج على نفسة حين يريد ان يصنع فيلما وثائقيا هو: هل اريد فيلما ام برنامجاً اذاعيا؟ فاذا كان الجواب فيلما اي بمعنى أختيار الصورة السينمائية
لقد اشرت في مقالتي (الحرق اسهل حلول الضعيف وهي قراءة في الفيلم الوثائقي - صناعة جندي - )على اهمية التعليق، ان التعليق المطوّل في الفيلم -الطريق الى بغداد - قد خلخل البناء الدرامي الذي كان -في الاصل - مهلهلا واعطى انطباعا ان التعليق موجود سلفاً في متن السيناريو وما مشاهد الفيلم الا ثانوية اوقل تابعة للتعليق والعكس غير صحيح الامر الذي حوّل الفيلم الى ريبورتاج اذاعي وهكذا غابت شخصية الفيلم رغم جمالية الكاميرا وحيويتها
علي البزاز
ali@ali-albazzaz.com