احراج الأردن من خلال مغالطات ومبالغات مقصودة

يظهر مقال في جريدة اسرائيلية يحتوي على جملة نزعت من سياقها المنطقي وحرفت، وهذا ليس أمراغريبا في وسائل الاعلام لجلب الانتباه وخلق الاثارة والاستفزاز والشهرة ولكن ما يتبع ذلك من ردود فعل هو الغريب والمؤسف. اشتمت ذئاب النضال الكلامي القومجي الثوري الوراثي رائحة مؤامرة أو فضيحة وانهالوا شتما وصراخا من خلال الفضائيات معبرين عن حقدهم على الأردن.

ويتبادر للذهن السؤال التالي: عندما يأتي مقالا هاما في نيويورك تايمز او الواشنطن بوست يشيد بدور الأردن المحوري في تحريك عملية السلام، لماذا يلتزم هؤلاء الصمت المطبق؟ لماذا يلتزموا الهدؤ التام عندما يقف الرئيس محمود عباس ويشيد بالدور الأردني الايجابي ويشكر شخص جلالة الملك عبدالله الثاني لمساندته الفلسطينيين من خلال المنابر العالمية ومن العمل الدؤوب على واقع الأرض في دعم الشعب الفلسطيني.

احراج الأردن سياسة اسرائيلية مقصودة

لم تخفي اسرائيل استياءها البالغ من تبني الأردن لقضية الجدار العنصري وطرحه على محكمة العدل الدولية عام 2004 ووضع القضية أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة التي أيدت بأغلبية ساحقة قرار المحكمة الدولية ان الجدار غير شرعي وينتهك القوانين الدولية.
واستاءت اسرائيل من موقف الأردن الذي يتصدى لانتهاكات اسرائيل للمقدسات وفوق كل شيء اسرائيل غير سعيدة من موقف الأردن الداعم للشعب الفلسطيني. لذا ليس غريبا ان تسرب اسرائيل من حين لآخر معلومات خاطئة تهدف لاحراج الاردن.
ومن المحاولات الفاشلة اليائسة كانت في مارس آذار عندما طلبت الحكومة الاسرائيلية من مواطنيها مغادرة ألأردن بسبب مخاوف أمنية، علما أن عدد المواطنين الاسرائيليين في الاردن باستثناء موظفين السفارة لا يتعدى عدد ضئيل من السياح.

واوائل هذا الشهر خرجت اسرائيل بنظرية جديدة لاحراج الأردن حيث قال أولمرت ان انسحاب أميركي مبكر من العراق سيؤدي الى انهيار الأردن واستنكرت الحكومة الأردنية هذا الزعم الكاذب. ونسي اولمرت ان الأردن كان قويا قبل غزو العراق وهو قوي اثناء احتلال العراق وسيبقى قوي حتى بعد انسحاب الجيش الأميركي. من مصلحة الأردن ان يعيش العراق بأمان وهدؤ ورخاء ويكون مستقلا موحدا وتقوم القوات العراقية بمهمة الحفاظ على أمن البلد وحمايته.

مواقف اردنية ثابتة لا جدل فيها:

من مصلحة الأردن ومصلحة استقراره وأمنه ان يكون هناك دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة
الأردن يتمسك بحق العودة حسب الشرعية الدولية
الأردن يتمسك بالمبادرة العربية
الأردن يتمسك بمبدأ الدولتين كما أقرته خارطة الطريق
أكد جلالة الملك في خطابه التاريخي أمام الكونغرس الأميركي الشهر الماضي على حق الفلسطينيين بالحرية والاستقلال. وأكد ذلك مجددا في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية اواسط هذا الشهر. وأكده أيضا خلال محادثاته مع وفد الكنيسيت الاسرائيلي الذي زار عمان مؤخرا.
الأردن يرفض الارهاب ويرفض التطرف.
الأردن يقدم العون والمساعدة للشعب العراقي الشقيق ويستقبل مئات الالآف من العراقيين الذين يجدوا في الأردن ملاذا آمنا.
هذه الثوابت لا أحد يستطيع الجدل فيها او المزاودة عليها.

الدور الأردني المحوري في تحريك عملية السلام

شهدت العاصمة الأردنية في الشهور الأخيرة نشاطا وحراكا سياسيا غير مسبوق في دعم القضية الفلسطينية ودفع عملية السلام للامام وانهاء الحصار الظالم وانهاء الاحتلال الاسرائيلي.

يؤكد ويجدد جلالة الملك عبدالله الثاني باستمرار دعم ومساندة السلطة الفلسطينية لانهاء حالة الحصار الاقتصادي ووضع قضية فلسطين في قمة الأجندة الدولية وبذل جهد شخصي صادق وواضح وصريح وشجاع لتحريك العملية السلمية لتحقيق هدف الدولتين في اطار الشرعية الدولية وانسجاما مع مباديء المبادرة العربية.

اعترف العدو والصديق بهذه الجهود الاستثنائية التي يبذلها جلالة الملك. حتى ان الجيروسليم بوست الصحيفة الاسرائيلية ذات الميول الليكودية اعترفت بذك بعدد يوم الجمعة الموافق 20 نيسان ابريل وقالت الصحيفة بالحرف الواحد "ان عبدالله الثاني ملك الأردن يكرس جهودا غير عادية لدفع عملية السلام للأمام واستعملت الوصف التالي باللغة الانجليزية Most Proactive "
أي الأكثر نشاطا وعملا من أي قائد عربي آخر. بقيت وسائل الاعلام العربية المعهودة ساكتة ولم تنقل حالا ما قالته الجيروسليم بوست كما فعلت مع مقال هآرتس الخالي من الدقة.

خطاب جلالة الملك في الكونغرس الأميركي اختراق هام
المتابع للملف الفلسطيني يعرف تماما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يقدر الدور الأردني الايجابي لا سيما الدور الفعال الذي يلعبه جلالة الملك. واعتبر الرئيس عباس ان خطاب الملك امام الكونغرس الأميركي كان خطابا تاريخيا يجب توثيقه كورقة هامة ومرجعية في سجلات السلطة الفلسطينية وسجلات الأمم المتحدة لتأكيدها حقوق الشعب الفلسطيني بوضوح وصراحة خالية من الغموض والمبهمات في أهم منبر ديمقراطي في العالم وأشدها دعما لاسرائيل.
وفي الوقت ذاته أثار الخطاب حفيظة اللوبيات الصهيونية وأغضب الحكومة الاسرائيلية بسبب اختراقه أكبر معقل عالمي مؤيد لاسرائيل ونقل الرسالة الفلسطينية ووجهة النظر العربية بلغة يفهمها الغرب ويفهمها من يتعاطف مع اسرائيل. وكنت قد كتبت مقالا في منبر ايلاف بتاريخ 3 مارس آذار 2007 تحت عنوان "زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن تزعج مجاهدي الفضائيات" وأشرت لما قالته بعض وسائل الاعلام العالمية التي أشادت بهذا الخطاب ومنها صحيفة نيويورك تايمز التي قالت ان التقاعس ليس خيارا وجاء الملك عبدالله ليضع النقاط على الحروف. والكاتب المعروف توماس فريدمان وصف الخطاب بالايجابي ودعوة قوية لحل النزاع العربي الاسرائيلي. وأشرت لما قالته الواشنطن بوست Washington Post والبي بي سي BBC تأييدا للخطاب. وحتى الجزيرة الناطقة باللغة الانجليزية لم تستطع تجاهل الخطاب وخصصت برنامجا خاصا للخطاب Inside Story.
لا بد في هذا الصدد الاشارة الى روبرت د نوفاك Robert D Novak الكاتب الأميركي المعروف الذي قال في مقال اوائل هذا الشهر في الواشنطن بوست وبعد زيارة للضفة الغربية "أن اسرائيل تجد نفسها منعزلة برفضها للسلام وأشار لخطاب جلالة الملك أمام الكونغرس الأميركي وشدد نوفاك على الحاح الملك ان السلام يجب تحقيقه هذا العام وليس العام القادم او بعد خمس سنوات". وقال نوفاك أن خطاب جلالة الملك وضع اسرائيل في الزاوية. وذكر نوفاك ان اعلان الرياض الذي أعاد طرح المبادرة العربية شدد الخناق على اسرائيل. وتعرض نوفاك لانتقادات لاذعة من قبل مؤيدي اسرائيل بسبب مقاله المذكور.

واتساءل في هذا المنعطف هل هناك أي قائد عربي يبذل جهود شخصية استثنائية ويوظف كل ما لدى بلاده من طاقة ديبلوماسية لحشد الدعم من أجل انهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.

أذا أمام هذا الصخب والجهد والعمل الشاق لماذا يأتي بعض المشككين ليصرخوا على الفضائيات ويكتبوا في الصحف مقالات لتضليل المشاهد والقاريء على التوالي بأن هناك أجندة خفية مثل تمييع المبادرة او فرض التعويض على اللاجئين.

موضوع اللاجئين والشيطان في التفاصيل

ألا تنص المبادرة العربية على حل عادل لقضية اللاجئين بناء على قرار مجلس الأمن 194. ولا أحد يتوقع ان اسرائيل سترحب بتطبيق القرار بصدق وأمانة وستقاوم كل كلمة وحرف في هذا القرار. اذا كان التطبيق صعبا فهذا يجب التفاوض فيه لايجاد حل عادل. المبادرة العربية تضع المباديء الرئيسية ولا تضع تفاصيل دقيقة للحلول. هذا يأتي باتفاق الأطراف. على اسرائيل ان تقبل المبادرة كوثيقة مباديء واهداف رئيسية وحتى هذه اللحظة اسرائيل ترفض وتتهرب وتحاول التملص من التزامتها. وفي نهاية المطاف أي حل غير مقبول فلسطينيا سيرفض عربيا واردنيا. أي ان القبول الفلسطيني يبقى شرط اساسي في العملية السلمية. فلماذا التشويه ورسم صورة كاذبة ان الأردن يقترح التعويض كبديل للعودة. الاعتراف بحق العودة كمسؤولية اخلاقية تاريخية هي عنصر هام في حل النزاع ولكن التطبيق الفعلي يحتاج لجهود دولية وعربية وتفاوض ودراسات وتخطيط ولا يتم في جلسة سريعة بين المعنيين.
ولكن النقطة الهامة هي ان الأردن كمضيف لأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين على أرضه يحق له أن يبدي رأيه في هذا الموضوع ويمارس حقه في القبول او الرفض او التعديل او الفيتو. ولكن النقطة الأساسية بحاجة للتأكيد سوف لا يقبل الأردن بأي حلول غير مقبولة فلسطينيا.

نسف وتعرية وايضاح كذبة "نواجه نفس الاعداء"

كلفت لجنة المبادرة العربية التي تتألف من 13 وزير خارجية عربي الأردن ومصر بالمتابعة المباشرة مع اسرائيل لتسويق المبادرة العربية وممارسة الضغط على اسرائيل.

المعارضون لهذه الفكرة لم يقدموا أي بديل سوى الشعارات. اذا اردت ان تصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل عليك ان تتفاوض وتتحدث مع اسرائيل. لا تستطيع ان تتوصل لأي اتفاق بالريموت كونترول.
وبصراحة سئمنا من سماع المقاطع الصوتية الرنانة على الفضائيات ومن قراءة عناوين في الصحف تشوه الموقف الاردني. فعلى سبيل المثال نقلت وسائل اعلام عربية عن صحيفة هآرتس الاسرائيلية القول ان اسرائيل والأردن تواجه نفس الاعداء (ايران حزب الله وحماس). هذا تشويه ومغالطة بحاجة لتصحيح:

ما قاله جلالة الملك اننا جميعا في المنطقة بما فيها اسرائيل نواجه التطرف والارهاب وغياب الاستقرار. أليس الارهاب والتطرف عدوا للجميع.

ولم يقل كما نقلت هآرتس والقافزين على عربة التشويه أن عدونا واحد. ولكن البعض اراد ان يفسر ذلك انه تلميحا لحزب الله وايران وحماس.

هذا حقا غريب ومريب. الا تناقش الصحف العربية والعالمية والفضائيات وعباقرة التحليل يوميا مواضيع حماس وحزب الله وايران وغيرها. ألا يتحدث الاعلام يوميا عن طموح ايران الاقليمي والنووي ومخاطره على المنطقة. الا يتحدث الاعلام عن حماس وبرامجها الطالبانية وعن تسرب القاعدة لغزة والضفة. ألا يتحدث الاعلام عن اختطاف الصحفيين والانفلات الأمني الذي يهدد فرص السلام ويعطي اسرائيل الذريعة أنه ليس هناك شريك فلسطيني.

الا يتحدثوا عن دور حزب الله في لبنان ومساعيه لافشال مشروع المحكمة الدولية. ألا تكرر الصحف اللبنانية والعربية مقالات يوميه للتحذير من خطورة موقف حزب الله الذي قد يؤدي الى حرب أهلية ليخدم اسياده في طهران ودمشق.

ألم يحذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 2 آذار مارس 2006 من تواجد أدلة على تغلغل القاعدة لغزة والضفة.
أليس خاطفوا مراسل البي بي سي ألن جونستون هم اعداء للقضية الفسطينية لأنهم قدموا خدمة الاسرائيل وجلبوا الضرر لصورة الفلسطينيين في الخارج.

ولماذا مجرد تفسير البعض أن "تحذير الملك من التطرف والارهاب" انه اشارة لحماس وايران وحزب الله يخلق كل هذه الضجة التي كادت ان تحطم مقياس ريختر الذي يسجل قوة الزلازل.

سؤال لجماعات الصمود والرفض والممانعة
ونريد جوابا على السؤال التالي من مرددي خطابات احمد سعيد وجوقات ترديد الشعارات القومجية الرنانة الجوفاء:
ماذ فعل معسكر الصمود الممانع الرافض الجمهوري الثوري الوراثي الفاسد الذي أتى بالانقلابات ولا يزال يردد شعارات التحرير ماذا فعل لفلسطين؟ هل حرر شبرا مربعا واحدا؟ هل استطاع ارجاع لاجيء فلسطيني واحد لأرضه وبلده. هل قدم اي دعما ماديا للشعب الفلسطيني المحاصر؟. والحقيقة ان ما يقدموه هو مقاطع صوتية رنانة على الفضائيات ومقالات تشوه الحقيقة وفقرات ثورية ترويجية مأخوذة من موسوعة الخطابات الغوغائية التخوينية الجاهزة.

نهاد اسماعيل

لندن
nehad ismail - London،UK