أفعى في بنطلون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ظلمة غرفتي عادةً سرّية لا يخرق رتابتها سوى ضوء مصباح خجول ينير غلاف كتابين أحفظهما قريبا من وسائد تزدحم على سريري الياباني الذي يقارب أرض الغرفة، أحدهما المجموعة الكاملة لأعمال غسان كنفاني، والثاني مجموعة مختارة من الشعر الرِوسي، مترجمة إلى العربية.
من أسرار السرير الياباني، وهو إطار خشبي يلامس الأرض وفي داخله فراش، من أسراره أنه يُداني من الأرض التي منها وإليها المستقر. حالة مثلى أن يكون السرير أقرب إلى قبرمكشوف، فالنوم هو حالة موت مؤقت كما ينسب إليه!. متعة هو الموت القليل، يحملك إلى عالم من ملح وزبد، عالم في المفترق بين الوعي والهذيان، حيث المكان مساحة مفتوحة من عشب صناعي مشذَّب بأناقة ذقن قديس، تحاوط قبرا بلا غطاء، تقوم على حراسته خمس نساء حبالى من طائفة المورمن!.
النوم غيمة من خمر ومَلل، وملاءات مشدودة إلى أقصيي القطيعة: قطيعة النور وقطيعة التشبّث. النوم انفلات من مُخمل التحكّم وتسليم لأظافر الشياطين تحكّ بنعومةٍ قاع الروح. النوم فرصة الذاهب في تعبه للوصول إلى حافة الارتخاء، وطي للمسافة في بقجة الراجع إلى تكوّر الرحم، النوم أيقونة المعابد المهجورة وطواف هاذٍ حول كعبة من ريش وتمر.
النوم انقلاب والصحوعادة.
في النوم تداهمني قصيدة "غيمة في بنطلون" تطوّفني في تلافيف دماغ فلاديمير ماياكوفسكي، ألاحق مسار الرصاصة التي اخترقت حاجز الدم والفاكهة من شعره. هل لشاعر مسكون "بالرضوض والعذابات" أن ينهي حياته بطلقة مسدس لو تسنّى له النوم في قبر مكشوف، كسريري الياباني؟
فلاديمير في نيويورك يكتب الناطحات في تعويذة كنسية، وأنا في واشنطن أخبّ بقدمي العاريتين في طميّ اللغة. وكلانا يختصر التجربة الأميركية في جرعة أخيرة يستقيل بها من لزوجة الممرات المعتمة.
ـ وحين انفجر غسان كنفاني على الإسفلت البيروتي، طارت العصافير من نخر في جمجمتي المسكونة بالعناكب ودبق الهالويين.
علّمني سريري الياباني أن أزج الضوء في قارورة وأرميها إلى ماء العدم. وما أن يداهمني النهار الأميركي حتى أنتصب أفعى في بنطلون. هو صباح يدورعلى شوارع المدينة اللاهثة بتسارع مواعيدها الرتيبة ولقاءاتها المبرمجة وشخوصها الباهتة، كلٌّ في فلك يسبحون. وأنا أنتصب كأفعى في بنطلوني الضيق، وأناورالمسافة في مضيق من المياه المالحة والطحالب. في مدينة الجمادات يختفي حفيف الأصحاب وواصلو الرحم ليرتفع أزيز العجلات المسرعة على الإسفلت الواشنطني السميك.
ـ حين هبطت أشلاؤه على حديد الشرفات، وظلال المارّة، وشجرات الدفلى، خرج غسان من خيمة عزلته واتكأ إلى الشمس، ليشهد فصول موته العسير.
أن تكون ـ مختاراـ وحيدا وأعزلا في مدينة كواشنطن، يعني أن تواصل الانجرار من عتمة نفق، إلى نفق، إلى نفق، حتى تتكسر أظافرك، ويتساقط شعرك، وينسد صمّام قلبك من نقص في دفق عسل الوصل!.
هي امرأة خبرت بعضاً من رجالٍ، وذيّلتهم ببهلوان!. كانت تدوّره كقط مربوط من رقبته إلى حافة سريرها الياباني الشاسع، تتلهى بتفاصيل طاعته المستترة، وتتمدد على جسده كما الصوفي على سجادة من زجاج مهشّم. علّمَته أن يتهجى اسما أرادته له، وعلّمها أن تتقيء معاشرته!.
- لماذا لم تنفجرعلى ناصية سريري الياباني لأنقّط جلدكَ بمائي الذي لكَ من ورد وسكر.
ـ لماذا ترتفع الى أقصى قبة الزُرقة، وتخلّفني على إسفلت واشنطن السميك، ألدغ نفسي، وكل حيّ، كل صباح، ثم أختفي في بنطلون؟
الوقت ينزّ صدأً، وغيابكَ يضحد الحجر.
أزورك في هيبة الثلج، وتزورني في اندلاع شارات المرور.
أهرع إليك حتى لا أبتعد، فأصطدم بأعمدة الكهرباء.
أضواء المدينة تزيدني إبهاما، المارّون يسرعون إلى جهاتهم، وأنا أتلّوى في زواريب الكآبة.
كالأحصنة أصهل عن بعد:
إنه زلزالك، ولحمي دَوْس لحمك!
أم هو هذيان؟!.
مرح البقاعي
واشنطن
التعليقات
غسان والانفجار
خوليو -عندما فجروا سيارته مع ابنة أخته لميس كانت القضية في زخمها وأماني المناضلين والمناضلات تتطلع لتأسيس وطن يعبق بالبرتقال وعطره، يعيش به الجميع مع الإبداع والموسيقى والحرية والكرامة، لو تسنى لغسان العيش ليرى ما آلت إليه القضية ومن مسك زمامها لكان انفجر ضغطه حزناً ، أن تنتهي قضية غسان لأيدي مهووسين دينياً، لم يكن بتوقعه غسان في كل آثاره الكاملة، فلا أم سعد توقعت هذا المصير ولا عائد إلى حيفا ، 8 تموز كان يوماً أسود في تاريخ الصراع الفلسطيني ومن بعده لاتزال القضية مغلفة بالحزن، وزاد حزنها بانتهائها لإمارات اسلامية.غسان عاد ليزرع في فلسطين على أمل فجر جديد.
التابوات الثلاثة
قارئ حيادي -مرح البقاعي متمرسة في الجمع بين التابوات الثلاثة في نصوصها، وهي الجنس، السياسة، والدين.وهي لم تكن يوما ضحية رؤيتها وفهمها المعمقين لطبيعة العلاقات الانسانية، بل على العكس، هي تسرد هنا تفوقا حسيا وأخلاقيا على من كانوا أقزاما أو على حد تعبيرها"بهلوانات " في تجربتها الحياتية والعملية والشعرية الثرية.
خلوتي
جيهان -زخم التجربة الحضارية التي يُجملها دائما نصُك سيدتي، تعطيه قدسية خاصة،علاقتي بنصك خلوة شرعية، طقوسها تبدأ بقرائتي توقيعك، فألتهم السطور وأجد نفسي بين الأفكار، أغلق كل أجهزة الإتصال بالعالم الخارجي، وأنفرد بنصك حتى الثمالة، عذبة أنت، سهلة ممتنعة، عميقة هي معانيك ، تسافرين على بساط كلماتك من موسكو إلى بيروت مرورا بنيويورك وصولا الى واشنطن، جواز مرورك ثقافي، أختامه حرة، فلا تبالي بأنصاف المثقفين والمدَّعين، ولا يثنيك نباحُهم، فتقاليد القبيلة العربية خلقت فقط لتخنق إبداع النساء والشعراء،و مفخخات السلطة والبوليس السري وحرس القصر قتلت أحرارا وأقلاما، والفتاوى والمستفيدين بالدين وفقهاء الجهل بالرسالات النورانية الربانية كفّرت من قبل مؤمنين وعلماء،إبن رشد علم الغرب دروسا في الدنيا والدين، وحُرقت كتبه في بلاد العرب والمسلمين ، ونزار قباني شكل حالة وجدانية ثورية للشعب العربي من المحيط الى الخليج وخرج من عبائته الشعر الحر إلا أن حزب أعداء النجاح قذفوه في زمنه بالتهم ذاتها الجنس والمرأة والسياسة والدين، فكوني سيدتي كما عهدتك دائما نصا وتوقيعا ولا تبالي برقص البهلوانات،فالتصفيق في النهاية يكون لبطل الرواية، والكومبارس لا يمكن أبدا أن يكون البطل، وأخيرا مرحى بالنص وبالنص مرح.
لو كنت أعلم...
عبد الرحيم الوالي -مقال شاعري جميل من شاعرة أجملو أنا أقرأ المقال تذكرت نكتة مغربية عن غراب أراد أن يقلد صقرا صائدا للحيات. و كان من سوء حظ الغراب أن أول أفعى وقع عليها من الجو تفادت ضربة رجليه بسرعة البرق ثم لدغت مؤخرته. فصاح، و هو يحس بالسم يسري في جسده: "وا قلباه". و عندها أجابته الأفعى: "و الله لو كنت أعلم أن قلبك في مؤخرتك ما لدغتك". و كانت تلك آخر الكلمات التي سمعها الغراب قبل أن يموت. و إنا لله و إنا إليه راجعون.
لحظة اختراق الروح
جهاد الرنتيسي -للغة مرح البقاعي قدرة هائلة على اقتناص لحظةاختراق الروح ...والالتصاق بالذاكرة ...وحث الخطى للخروج من الملل التي تغلف حياتنا ...
تقاطع الانتحارات
محمد الإحسايني -تفاجئنا الشاعرة المتميزة ناصرة العلمانية والتمدن،مرح البقاعي،بقصتها" أفعى في بنطلون" التي تأخذ مرجعياتها عبر تقاطع انتحارات المبدعين. تركز مرح على النهل من قصيدة فلادمير مايكوفسكي الروسي: "غيمة في بنطلون"، مروراً بانفجار غسان كفاني في بيروت.[وهناك أيضا الشاعر اللبنانبي خليل حاوي]...نجحت الشاعرة في أن تجعل قستها تعكس القلق الوجودي. أسندت ضمي المتكلم الى الراوية- الساردة.والذاكرة التي حلبتها الساردة ليست بالأمر السهل،فقد جعلت منهاً موضوعاً لاستقراء الأحداث، بهد التموقع ي ملتقى مسائل فلسفية من صنف متغير بعد أن وضعتها- والعهدة على الرواي- في قلب تجربة سيكولوجية تمتلكها الساردة- الراوية من استمرار الكائن السردي، او الشخصية المفترشة،عبر الزمن.على أي حال، هذا نموذج لتقاطع الانتحارات التي لايوجد من سبب لها سوى تدهور القيم، في زحمة تطور المجتمعات البشرية