ثقافات

الهندية – طويريج: بيتنا وبستان بابل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في الذاكرة، كما في صرة سفر الهائم الغريب، زوايا قد تغدو نائية او مجردة، بيد انها مع ذلك تظل غالية وعبقة بل قد تصبح ملاذاً حميماً للروح، وهميا ومتخيلا ربما، نعيد تزيينه وتلوينه بين حين وحين كي يظل بهيا تشبثاَ بذكرى ما او لمجرد الوفاء لمسقط رأس او مرتع طفولة سامٍ وجميل، وهل أسمى من قطعة ارض عالية يتلوى الفرات العظيم من الألق بين يديها في رحلته الخالدة نحو الجنوب؟ وهل أجمل من هذه البقعة الاصيلة بعطائها الصامت والسخي من المفكرين والفقهاء والسياسيين والشعراء والفنانيين المؤسسين للجديد والكوني الروح دائما؟ ويكفي ان نذكر من ابنائها اسماء مؤسس الغناء الريفي العراقي عبد الامير طويرجاوي وأمير التمرد العراقي الشاعر الوجودي حسين مردان والموسيقار الكبير محمد جواد أموري والشاعر الشعبي الشهير إبراهيم الشيخ حسون الهنداوي والنحات البارز أحمد البحراني والقائد العسكري الفريق الركن محمد رفيق عارف اول رئيس لأركان الجيبش العراقي والقاص المبدع مهدي شاكر العبيدي والشاعر التقدمي الراحل أحمد آدم والشاعرة الثائرة ونسة الفتلاويّة المجاهدة الشهيرة المواودة في طويريج في عام 1895 والتي نالت شهرة كبيرة من خلال المشاركة في الثورة العراقية الكبرى في 1920، وعشرات المفكرين والعلماء والفنانين والكتاب والعسكريين والسياسيين غيرعم.

ومدينة الهندية من نوع تلك الاوطان التي يمور في الواحد منا دفء نبضها بين آنٍ وآن، فنداريه كالجمرة الطيبة خشية الاندمال الكامل دون ان نعرف لماذا غالبا. بالنسبة لي اعرف لماذا: لقد ولدت ونشأت وتفتحت كل بداياتي الاولى في طويريج، الاسم الآخر الموسيقي والجميل والتاريخي لقضاء الهندية الذي يندر ان يذكره ابناؤه دون بهجة صادقة بهذه العلاقة به او تلك. فهذه ليست محاولة لتسجيل تاريخ مدينة، او لتحليل طوبوغرافيا ارض او بحثا في اصول عشائر او اقوام. انما مجرد صفحات عنها اولى وقلبية تراكمت مع مرور الزمن لرد جميل هائل للمدينة الام التي لا يغادرني عبقها ساعة رغم انني لم اعش فيها سوى سويعات الطفولة والصبا.. انه ايضا تحية اجلال ووفاء ليعقوب عزيز ورحمة جواد، أبي وأمي، رمز هذه الارض الطيبة ونبع الوفاء لها لديّ.

مركز قضاء الهندية في 1917 بعدسة المس بيل جلال مياه الفرات وخضرة البساتين واسراب الطيور الملونة وبراءة الطفولة والصبا هي اللحظات التي تملأ مخيلتي على مدى السنوات كلما خطر ذكر طويريج في البال. بيتنا الصغير والمتواري في زاوية زقاق ضيق في محلة الگص الانيقة كان هو نفسه مأوى لنخلتين كريمتين بالرطب والظلال والنسيمات العذبة وزقزقات عصافير طوال النهار ومنذ مطلع الفجر الذي كان، في بيتنا، يقترن بل يتماهى دائما مع همسات تراتيل صلاة أمي التي لم تكد تنقطع الا لتبدأ من جديد، ناشرة الهيبة والبركة وعبق الروح في كل مكان منه.
اما من الناحية التجارية فكانت الهندية سابقا تعتمد على المجارش الوطنية التي كانت تدار بالايدي من قبل نساء ورجال وقد امتدت على طول الساحل حوالي 20 مجرشه وبعمق 30 ـ 40 مترا من الساحل والطنبي وهو الصوب الصغير وفيه 3 ـ 4 مجارش وكانت الاف الاطنان المنتجة من الارز في الشامية والمشخاب تجلب الى الهندية لتجرش وتصدر اما الى كربلاء والمسيب والكوفة او الى بغداد ومدن اخرى او الى مناطق نائية في البادية الغربية وذلك اذ كانت منافذ الهندية الرئيسية تشهد يوميا لا سيما في فصل الربيع مجيء افراد وجماعات من البدو الرحل للتزود بالرز المجروش وكانوا يضطرون احيانا على امضاء ليلة او اكثر في الهندية تاركين جمالهم في اماكن خاصة لربط حيوانات النقل تعرف بالطولات مقابل اجر زهيد.

ولقد حولت تلك المجارش الهندية الى محطة اقتصادية لامعة في المنطقة لاكثر من ستين سنة بين تاريخ سقوطها بيد العثمانيين اثر حملة نجيب باشا على المنطقة في 1842 وبين افتتاح سدة الهندية في نهاية 1913. فقد وفدت الى الهندية عشرات العوائل ومئات الايدي العاملة الرجالية والنسائية من مختلف انحاء العراق للعمل سواء كعمال في المجارش او في السفن النهرية التي صارت ترتاد شواطئ الهندية محملة ايابا بالشلب وذهابا بالرز، او في الخدمات والمهن اليدوية الكثيرة التي ولدت بفضل تلك الحركة الاقتصادية ومنها الحمالة والكيالة والمطاعم والمقاهي والخياطة..والخ. كما ظهرت بموازاتها طلائع حركة ثقافية وفنية مستفيدة من التفاعل والبحبوحة الاقتصادية الجديدة تلك. وفي مقابلة صحفية نشرت في عام 2004 يذكر الحاج علي ابو الخير وهو متابع جيد لاحداث الهندية، ان الصفة الغالبة للحياة في الهندية قبل افتتاح السدة كانت تحولها الى ما يشبه "معمل لجراشة الشلب". وقد استمرت الحال على هذه الشاكلة الى فترة قصيرة بعد افتتاح السدة حيث اضطر عمال الجراشة على الهجرة الى بغداد بحثا عن عمل جديد فيما بدأت الكوفة باقامة مجارش للشلب لديها لسد حاجاتها المحلية من الرز. كما اشتهرت ناحية الرجيبة في الهندية بزراعة التنباك (التبغ) الذي يستعمل في (الناركيلة) او ما تسمى (الغرشه) وهو نوع محسن وبجودة عالية.

لقد كانت الهندية حتى صيف 1956 عالما مجهولا بالنسبة لي لكنها كانت العالم كله. لكن وفاة والدي المثقف الشاب المباغتة في منتصف ذلك العام تسببت في رجفتي الاولى في العمر ولم اكن ابلغ التاسعة من العمر بعد وتزامنت مع اليوم نفسه الذي كنت سأذهب فيه معه لأستلام شهادة نجاحي من الصف الرابع الى الخامس الابتدائي في مدرسة الهندية الاولى. صور جثمانه المسجى ثم نعشه المحمول على اكتاف عشرات المشيعين وبينهم رجال علم ومثقفون ورجال قبائل لازالت تقطن ذاكرتي كما لو انها حدثت للتو وكذلك دفء ذراعيه الملتفين على جسدي الطفل آنذاك. يعقوب عزيز ورحمة جواد اورثانا الصبر والعفة والكبرياء جنبا الى جنب الفرح بالانتماء والوفاء الى الهندية امنا الرؤوم في ارتضاع كل الخصال الاخرى وفقط الخصال. هذا الشعور ظل يتراكم ويتراكم مع دورة الزمن واتساع المعرفة وتقاطع المصادر والاجتهادات حولها كما لو ان لهذه المدينة الحميمة وشائج خفية مع الحياة.
ففي كتابه المعروف "تاريخ المدن العراقية"، يذكر المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني مثلا ان مدينة طويريج كانت في بدايتها تسمى "طريق المبتغى" الى كربلاء اذ انها في رأيه كانت الطريق الاقرب للوصول الى كربلاء لزيارة الامام الحسين (ع) ثم صغرت هذه الكلمة فقالوا على غير القياس (طويريق) ثم جرى عليها تصحيف آخر فأبدلت القاف جيما فصارت.. طويريج.
لكن آخرين توهموا ان مصدر اسم طويريج هو تحريف محلي لعبارة two way reach الانكليزية على اساس ان البلدة كانت المحطة الوحيدة الموصلة بين الطريقين الرئيسيين المتجهين الى الحلة شرقا لأحدهما والى كربلاء غربا للثاني، زاعمين ان تلك العبارة وضعت كعلامة مرور نصبتها القوات البريطانية المحتلة على مدخلي المدينة ومكثت فترة طويلة بعد انسحابها منها ثم تطورت التسمية مع الزمن فاصبحت "تويريج" ثم طويريج لصعوبة نطقها بالنسبة لمعضم الناس تلك الايام الا ان هذا التفسير ضعيف برأينا اذ ليس هناك وقائع او وثائق تثبت وجود علامة مرور كتلك، كما ان المس بيل التي زارت المدينة في 1917 واخذت لها صورا عديدة كتبت اسم طويريج هكذا: Tuwairij وليس كـ "two-way-reach" في عدة رسائل مهمة لها احداها على الاقل الى هنري دوبس المندوب السامي البريطاني في العراق تزف له نبأ احتلال طويريج.

وثمة تصور ثالث راودنا برهة لا يستبعد الاصل البدوي المحض لأسم طويريج بعد ان تأكد لدينا وجوده لدى القبائل العربية اذ يحمله عدد من الزعماء او الامراء منهم مثلا الامير طويريج بن هدل التميمي من شيوخ الشريفات في منطقة حفر الباطن.
بيد اننا نعتقد ان الاسم بابلي الاصول من ناحية المعنى في الاقل، وان الاسم البابلي مشابه للاسم الحالي على صعيد اللفظ ايضا ويعني الطريق الاقصر. وبالتالي فان معنى طويريق كان لدى البابليين "طريق المبتغى" لزيارة كربلاء التي وقبل ان تصبح طريقا لزيارة الامام الحسين (ع) كانت مزارا مقدسا حيث اورد الأديب اللغوي (انستاس الكرملي) ان بعض كتب الباحثين تذكر ان كلمة كربلاء منحوتة من كلمتي (كرب) و(إل) أي (حرم اللـه) او (مقدس اللـه) نظرا لأن (ال) كان معناها (اله) عند الساميين أيضا. لذا فهي تتضمن بالضرورة موقعا مقدسا و(قرب) الله روحيا خاصة وان (كرب) البابلية قريبة جدا من العربية. فيما ذكر السيد العلامة هبة الدين الشهرستاني ان كربلاء كانت مدينة قديمة حيث ورد ان اسمها يعنى (كور بابل) وهو يعنى مجموعة من القرى البابلية.
وينقل العلامة الراحل مصطفى جواد عن أحد الباحثين في تاريخ كربلاء قوله ان "كل ما يمكن ان يقال عن تاريخها القديم انها كانت من أمهات مدن طسوج النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس (الفرات القديم) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا، ماريا، صفوراً، وقد كثرت حولـها المقابر، كما عثر على جثث موتى داخل اوان خزفية يعود تاريخا إلى قبل العهد المسيحي، وأما الأقوام التي سكنوها فكانوا يعولون على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مائها لكثرة العيون التي كانت منتشرة في أرجائها".
وتؤكد مصادر عديدة ان "الهندية" سميت بهذا الاسم لوقوع اراضيها على شاطئي "نهر الهندية" الذي كان الوزير الهندي المعروف آصف الدولة المتوفي في عام 1895 (وهو جد النواب اقبال الدولة ومؤلف "الرسالة الآصفية" ووزير اكبر شاه امبراطور الهند) قد انفق على حفره في عام 1893 (1208 هجرية) وافتتحه بعد سنتين من اجل ايصال الماء الى مدينة النجف فنسب اليه وذلك ايام الوالي العثماني احمد باشا.

وهناك من يرى ان سبب تسميتها بالهندية يعود الى ان والدة السلطان عبد الحميد الثاني التي كان اسمهاrdquo;هنديةldquo; او تكنى بالهندية، زارت البلدة القديمة فسميت باسمها مع مرور الزمن. الا ان هذا الرأي ضعيف وغير مدعو تاريخيا.

والحال ان طويريج تقع في منتصف الطريق تحديدا بين بابل وكربلاء وعلى مبعدة بضعة فراسخ عن قلب الامبراطورية البابلية الكونية آنذاك بل نعتقد انها كانت بلدة زاخرة بالحيوية من بلدات تلك الامبراطورية بغض النظر عن اصل التسمية وكون المؤرخين لم يذكروا انشاء قرية سميت بهذا الاسم الذي يمكن ان يكون من الأسماء السامية او الآرامية أو البابلية وكلها قريبة من العربية. ويعزز هذا الافتراض ان نهر الهندية هو تحديدا نهر بالاكوباس (الفرات القديم) الذي كانت الحضارة العظيمة لتلك البلاد تستقي منه قاطبة. ونلاحظ هنا ان كربلاء نعتت احيانا بأسماء عديدة مختلفة اخرى منها الغاضرية ونينوى وعمورا والنواويس والحائر والحير والطف وطف الفرات وشاطئ الفرات وشط الفرات. الا إن الهندية هي المقصودة على الارجح بطف الفرات وشاطئ الفرات وشط الفرات نظرا لكونها المنطقة الاقرب الى كربلاء اطلالا على الفرات.
ومما يعزز رأينا بعدم استبعاد ان يكون الاسم او معناه قديما جدا كون طويريج هي ايضا الطريق الاقصر بين مدينتي بابل العاصمة ومدينة بورسيبا البابلية القديمة المعروفة حالياً باسم (البرس) أو (برس نمرود) المحرف من الاسم القديم بارسبا أو بورسيبا والواقعة جنوب غرب الحلة، والتي كانت في الايام الزاهية للامبراطورية البابلية حاضرة كبرى ومركزا دينيا ساميا اشتهر بثورة النبي ابراهيم الخليل على عبادة الاوثان. ويعتقد بأنها كانت امتداداً لمدينة بابل، ويسميها المؤرخون في المصادر القديمة (بابل الثانية). وبورسيبا من الأسماء السومرية ومعناه (سيف البحر) أي ساحل البحر. ولذا يعتقد أن هذه المدينة كانت تقع قرب بحر أو بحيرة، ربما كانت بحر النجف المندثر حالياً، والتي ما زالت واضحة للعيان.
والمدينة قديمة التأسيس وقد جاء ذكرها في شريعة حمورابي سادس ملوك سلالة بابل الأولى، حيث يذكر في شريعته تجديد أبنية المدينة المهمة لاسيما معبد (نابو) إله الحكمة والمعرفة في عهد نبوخذ نصر الثاني. وقد جاء ذكرها بعد ذلك في العديد من الإشارات التأريخية للعهود التي تلت حمورابي وسلالة بابل. وكان أكبر ازدهار لبورسيبا في عهد المملكة البابلية المتأخرة والمعروفة بالسلالة الكلدانية (612 - 538) قبل الميلاد، وخاصة في عهد الملك الكلداني نبوبلاسر وابنه (نبوخذنصر) واستمرت المدينة في الوجود الفرثي والعهد الفارسي الساساني. وكذلك ذكرت المدينة في أخبار الفتوح الإسلامية للعراق حيث كان فيها جيش فارسي اشتبك مع جيوش المسلمين بعد موقعة القادسية في طريقهم لفتح المدائن، وقد ظلت بورسيبا مأهولة لزمن خلال العهد الإسلامي وتؤكد ذلك بعض الأخبار التاريخية العربية.
فخلال فترة حكم نبوخذنصّر (604 - 564) بلغت بورسيبا (ومعناها في اللغة الاشورية " برج اللغات (أوج ازدهارها وشهرتها الدينية باعتبارها مدينة الاله الحامي للامبراطورية البابلية نابو، وقد ساعدها قربها من العاصمة، بابل، في أن تصبح مركزاً دينياً هاما حيث بنى فيه حمورابي (الذي حكم في الفترة 1792-1750 ق. م.)، أو أعاد بناء معبد إيزيدا وكرّسه لمردوك (كبير مجمع آلهة البابليين)، واعتبر الملوك اللاحقون نابو إلهاً لإيزيدا وجعلوه ابن مردوك، وأصبح معبده الثاني مباشرة في القدسية بعد معبد مردوك في بابل. وهناك زقورة غير مكتملة بناها نبوخذنصّر وهي الآن خربة، ونقب فيها في عام 1902 عالم الآثار الألماني روبرت كولدواي. ويظهر أن الزقورة دُمِّرت جراء حريق بالغ القوة، وربما كان حريقا ً غير مقصود في حصران القصب وفي الزفت الموضوع أصلا ً في لب البناء لدعمه من الداخل. وقد دمر الملك الأخميني أحشورش الأول بورسيبا في أوائل القرن الخامس ولا زال اكتشاف تاريخها ومنجزاتها غير كامل تماما.
ونعتقد ان قضاء الهندية يحتوي هو ذاته على كنوز اثرية بابلية كبيرة لم يتم اكتشاف معظمها بعد. ويأتي العثور على بعض الآثار في احد المواقع مؤخرا والمعروف بـ "تل كريط الخبازة" الواقع على مسافة 12 كم غرب المدينة ليدعم هذه الفرضية غير النهائية. اذ ان الهندية كانت امتداداً لمدينة بابل ولا تبعد عن عاصمة الامبراطورية سوى مسيرة بضعة ساعات مشيا على القدمين باتجاه الشمال الشرقي. اما بالنسبة لبورسيبا فالمسافة مماثلة نظرا لأنها عمليا ضمن المناطق المجاورة لقضاء الهندية وعلى مسافة عشرة أميال تقريباً.
لكن الهندية تقع ايضا على الطريق الاقصر بين بابل وقصر الاخيضر الذي لا يبعد عن الهندية الا (40) كيلومترا من جهة الغرب. وقد اختلف المؤرخون في اصل تسمية هذا القصر كما اختلفوا في تحديد زمن بنائه ونسبته، غير أن الآراء تتجه إلى ترجيح كونه أثراً عربياً إسلامياً يرجع تاريخه إلى النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة وكذلك حال كهوف الطار الاثرية الواقعة في منتصف الطريق الى الاخيضر على بعد 30 كم جنوب مدينة كربلاء و 15 كم الى الشمال الشرقي وعدد هذه الكهوف 400 كهف اضافة الى موقع الاقيصر الاثري الواقع على مسافة 10 كم الى الشمال الغربي من حصن الاخيضر.
وفي الطريق بين الحلة وطويريج يقع مشهد الهة الشمس الذي اقامه نبوخذنصر حسب بعض الروايات، فيما تقول روايات اخرى يتناقلها السكان عن تاريخ "مشهد مرد الشمس" هذا ان الامام علي كان قد وصل الى هذا الموقع في الطريق الى صفين وقد قاربت الشمس المغيب ولم يكن قد صلى بعد فدعا الله ان يعيد الشمس الى كبد السماء ليؤدي فريضته فعادت باذن الله قراب رمحين وبعد ان صلى الامام سارت نحو الغروب فبنى هذا المشهد اكراما للذكرى. بيد ان الكتابة التي وجدت هناك تدل على ان نبوخذنصر الملك البابلي هو الذي اقام هذا المشهد اكراما لإلهة الشمس (شمش) فلما جاء المسلمون حافظوا عليه الى يومنا هذا. وينقل الحسني عن كتاب "الاشارات الى معرفة الزيارات" لأبي الحسن علي بن ابي بكر الهروي المتوفي في حلب عام 611 هجرية المطبوع في دمشق سنة 1953 قوله ان في مدينة الحلة مشهد الشمس "يقال ردت لحزقيال النبي (ع) ويقال نيوشع بن نون (ع) وقيل لعلي بن ابي طالب والله اعلم". (الحسني ص 144).

ومن المناطق الاثرية السياحية التي كانت تابعة للهندية لازمنة طويلة ناحية الكفل التي تقدر مساحتها بحدود (543) كم مربع، وتضم (175) الف دونما من الاراضي الزراعية, وهي تبعد عن الحلة 30 كيلومترا من جنوبها الشرقي وتحدها من الجنوب والجنوب الغربي مدينة النجف والكوفة ومن الغرب ناحية الحيدرية المعروفة باسم (خان النص) لتوسطها المسافة بين النجف وكربلاء واحتوائها على خان قديم، اما شمالها الغربي فتمثله الهندية (طويريج) وفي شرقها ناحية القاسم. والكفل مدينة تفوح بالتواريخ لكثرة ما تحتويه من تلال اثرية واسوار ومبان تعود للعهود البابلية تشتمل على (76) موقعا اثريا منها ما هو بقايا اسوار بابلية وشواهد تاريخية

ويقطن الكفل حاليا نحو 150 الف نسمة جلهم من ابناء القبائل ويتردد عليها اليهود من مختلف الانحاء لزيارة النبي حزقيال المعروف بذي الكفل لأنه كفل الشعب الاسرائيلي بالنجاة من البابليين والمدفون في مسجد قديم في هذه القصبة تقوم على طرف منه مئذنة جميلة الصنع ذكرها ياقوت الحموي في معجمه تحت اسم "برملاحة" التي كانت مأهولة في فترات متتالية للبابليين والاخمينيين والسلوقيين والفرثيين والساسانيين والعصر العباسي.

وتضم ناحية الكفل مقام ولادة النبي ابراهيم الخليل المولود في ما يقارب 1900 ق.م في قرية مازالت تسمى باسمه (قرية ابراهيم الخليل) وهي القرية نفسها التي شهدت محاولة حرقه والمذكورة في القرآن الكريم فضلا عن وجود قبر النبي الصابر ايوب في شمال الناحية على طريق حلة - كفل إذ توجد قبة وصحن يقصده الزوار من جميع انحاء العالم. وتقول مصادر تاريخية متطابقة ان النبي ذي الكفل واسمه (حزقيال بن بوزي) وهو احد انبياء بني اسرائيل جاء من فلسطين الى بابل عاصمة الدولة الكلدانية مع المسبيين اليهود اثناء السبي البابلي الاول في سنة 597 ق.م وانه كان يقوم بمهمة الكاهن لهم مدة عشرين سنة حتى وفاته فدفن في الكفل وله مزار وقبة مخروطية الشكل وصحن يمتلك قدسية عند الديانات السماوية الثلاثة وقد ذكره القرآن الكريم في الآية: (واسماعيل وادريس وذا الكفل كل من الصابرين). كما يقع في المنطقة مرقد الصحابي رشيد الهجري وضريح الامام زيد بن علي بن الحسين ومراقد اخرى منها مرقد بكر بن علي وعبد الله بن زيد، فضلا عن مسجد النخيلة الذي صلى به الامام علي بن ابي طالب.

تبعد مدينة الكفل عن مدينة الحلة ثلاثين كيلومتراً من نقطة ينقسم فيها الفرات الى قسمين قسم يدعى (نهر الشامية) او نهر ابو كفوف على حد تعبير مصادر الري في عش

قروية تنقل المياه من نهر الفرات في

الهندية (بعدسة المس بيل في 1918

رينات القرن الماضي وقسم آخر يدعى (نهر الكوفة).

وشاع اسمها (بذي الكفل) في أوائل العهد العثماني في حين ذكرها البلدانيون او الرحالة العرب بأسم (القسونات) تلك القرية التي عدت واحة في الصحراء تمتد من حدود بابل البابلية والتي قامت علي ارض اثارية سميت عند قدامي البابليين باسم (بر ملاحة) ووصفها ياقوت الحموي في معجمه بأنها موضع من ارض بابل قرب حلة دبيس بن مزيد الاسدي ومنها قبر باروخ استاذ حزقيل وقبر يوسف الربان وقبر يوسغ وليس يوشع بابن نون، وقبر عزرة، وليس عزرة بناقل التوراة الكاتب، وفيها ايضاً قبر حزقيل المعروف بـ(ذي الكفل) الذي ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة الأنبياء. ولأهمية هذه القرية - المدينة جعلها العثمانيون ناحية وجاء ذكرها في وثائق سنة 1850 بأنها تابعة الى قضاء الهندية (طويريج) وبقيت ناحية ملحقة بهذا القضاء حتى سنة 1969 ثم صدر مرسوم جمهوري يلحقها بقضاء الحلة في محافظة بابل.

ومعروف ان الكفل تتوسط الطريق العام بين محافظة بابل ومحافظة النجف وتبلغ نفوسها نحو 15 الف نسمة اكثرهم قبائل عربية عريقة النسب كطفيل وبني مسلم والجبور وغيرهم ويشتغلون بزراعة الأراضي الخصبة وتربية الأغنام والجاموس وتعد ارضها جغرافيا ملائمة لأقامة المؤسسات الصحية الطبية لتربتها وهواؤها العليل بل هي الأرض التي تصلح في نظر الخبراء لان تكون موقعاً سياحياً لاسيما السياحة الشتوية لان الفرات يشق المدينة الى اقسام عدة. واهم مميزات هذه المدينة انها تضم مرقد (ذي الكفل) ومنارته التي عرفت بأسمه وهي مخروطية الشكل من اعمال الجايتوخان المغولي، واختلفت المصادر في شخصية (ذي الكفل) فقيل انه بشر بن ايوب النبي الذي جاء بعد حومل بن ايوب وقيل انه الياس وقيل اليسع وقيل جاء بعد سليمان يقضي بين الناس كقضاء داود، وقيل انه لم يكن نبياً بل عبد صالح تكفل لنبي في قومه، ثم قيل انه تكفل الأسرى اليهود لدى نبوخذ نصر بأن يكونوا صالحين غير اشرار فوافق نبوخذنصر على كفالته لهم فمنحهم العاهل البابلي حرية ممارسة الطقوس والعمل والتجارة والزراعة واقامة اكاديمية ينتجون فيها افكارهم الدينية الخاصة بهم لكنهم غدروا به وبتاريخه بعد سقوط بابل بيد القبائل الاخمينية.

ومنذ القديم حتى وقت قريب كان اليهود العراقيون ويهود البلدان الاخرى يقيمون احتفالاتهم الدينية في مدينة الكفل مرتين في السنة وفيها يمارسون طقوس العبادة وترتيل الاناشيد التوراتية والتلمودية ويحيون فيها اعيادهم القديمة ويحملون الصواني الحافلة بالشموع الملونة تعبيراً عن الرموز العبادية التي في باطنهم الحضاري وقد بلغت اعدادهم في تلك الاحتفالات اكثر من ثلاثين الف يهودي ولمدة اسبوعين او اكثر على مدى فصلين في كل سنة وكل ذلك يظهر مدى انفتاح المجتمع العراقي على الاثنيات والسلالات المتباينة في تنوعها وخصائصها القومية والدينية.

وتتفق المصادر الكبرى علي ان ليس ثمة تاريخ يسجل لمدينة الكفل قبل العصر البابلي الحديث(625-539) قبل الميلاد انما في حدود هذا العصر قد حددت اثاريتها وذلك من خلال تحريات البعثات التنقيبية في طبقات ارضها اذ تنتشر فيها تلال آثارية كثيرة بما يقدر بـ(20 تلاً آثارياً): منها (تل ابو حنطة)، وأشات (ابو لكن) وتل اسود وتل (رميزان) وبعض تلالها الآثارية ترجع الى العصور التي تلت العصر البابلي الحديث. وعندم القوات اامريكية تحتل مدينة الهندية وجسرها الاستراتيجي في 2003 ا زارها ويليام ولكوكس المهندس العالمي الكبير وطوف بأرضها والأراضي التي تحيط بها في اثناء تخطيطه وبنائه (سدة الهندية) سنة 1911 قال متنبئاً ان في باطنها ستتفجر الينابيع فأية ينابيع يقصد فهل كان يقصد النفط ام آبار العذوبة الفراتية واظنه كان يشير الي الأثنين معاً: الذهب الأسود والذهب الأبيض.

حاليا، تبعد طويريج نحو 20 كيلو مترا عن مركز محافظة كربلاء غربا و24 كيلومترا عن الحلة مركز محافظة بابل شرقا تحدها من الشمال سدة الهندية ومن ا

لغرب ناحية الحسينية ومن الشرق ناحية ابي غرق ومن الجنوب منطقة الحيدرية.

ويتربع قضاء طويريج على ضفاف الفرع الرئيسي لنهر الفرات وكذلك على جدولين متفرعين منه هما جدول ابي غرق والجدول الغربي. ويقسم الفرات المدينة الى قسمين كبيرين يربطهما الجسر الوحيد على نهر الفرات في المنطقة وهو من الخرسانة المسلحة ومقام على ركائز كونكريتية متينة بعد ان كان جسر الهندية السابق معرضا للتصدع دائما بفعل قوة التيار في ايام صعود ارتفاع منسوب النهر اذ كا عبارة عن سفن خشبية اوصل بعضها ببعض بالواح خشبية ايضا.

وقيل ان تنفيذ الجسر الحديدي تم باشراف مهندس انكليزي كان قد وضع رسالة ماجستير عن تصميم لجسر مماثل مقام في استراليا ويحمل نفس المواصفات، وان العمل فيه استمر حوالي خمس سنوات وتضمن ادخال سبيكتي شيلمان ضخمتين من الحديد بعمق 20 مترا تحت الارض والثالثة وضعوا عليها قالب من الاسمنت.


يبلغ طول الجسر (173.7) متراً وعرضه 14 متراً يتوسطه قوس حديدي مزدوج ومزخرف وبلغت كلفة إنشائه 351.299 ديناراً. وقد شهدت بنفسي افتتاحه في السادس من نيسان من عام 1956 من قبل رئيس الوزراء نوري السعيد حيث حضرت احتفال التدشين ضمن جمع من تلاميذ مدارس المدينة تم احضاره للترحيب بنوري السعيد الذي وصل بطائرة هيلوكوبتر. وقيل ان السكان رفعوا للحكومة العراقية عريضة في حينه طلبوا فيها إنشاء جسر ثان الى الجنوب من الجسر الجديد عند طرف المدينة نظرا للامتداد العمر قتلى على جسر الهندية خلال الغزو الامريكي للعراق في 2003 ني للمدينة باتجاه مجرى النهر نحو الجنوب.

والجسر الحديث الثاني هو من المشاريع الاستراتيجية والحيوية الهامة في المنطقة وسيكون بطول 264 مترا وعرض 15 موزعة على 12 مترا للتبليط و1,5 متر للممرات، وقد دخل مرحلة التنفيذ في نهاية 2006 وهو متكون من جزئين اساسين الاول عبارة عن جسر خراساني فيما يتكون الثاني من مقتربات للجسر بطول 11 كم وبكلفة اجمالية قدرها اربعة مليارات و480 مليون و50 الف دينار مخصصة من الدولة.

وكان إنشاء جسر ثان حديث في طويريج مطروحا كأحد مشاريع مجلس الأعمار المشكل في اواخر العهد الملكي الا ان المشروع لم ينفذ واستمرت معاناة اهل المدينة نظرا لاتساع الرقعة السكنية للمدينة على جانبي الفرات ومن كلا الجهتين الشمالية والجنوبية لذا فقد أصبحت الحاجة ملحة لتنفيذ هذا المشروع المتبلورة فكرته منذ اكثر من خمسين عاما حسب رسالة لمها الخطيب على موقع صحفي في الانترنت مشيرة الى ان الحاجة له أصبحت أكثر إلحاحا بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين حيث أصبح الجسر الحديدي الوحيد بمثابة المعبر الاجباري الوحيد لمئات الآلاف ان لم نقل ملايين الحجاج سنويا من زوار العتبات المقدسة في مناسبة عاشوراء وزيارة الأربعين لضريح الامام الحسين وأخيه العباس يأتون مشيا على الإقدام او بالسيارات وبشكل شديد الكثافة بعد ظهر كل خميس طيلة أيام السنة مما يخلق حالة دائمة من الاختناقات المرورية الامر الذي دفع البعض الى دعوة الجهات الحكومية الى نصب جسور عسكرية طافية خلال هذه المناسبات كتلك المستخدمة على شط العرب لحين انجاز الجسر الثاني للمدينة كأجراء مؤقت.

والهندية "مدينة الجداول المنسابة بهدوء مع نسيمات الصباح حيث تتمايل اعناق النخيل وتفوح رائحة العنبر، وتتصاعد رائحة البساتين المختلطة بعبق القداح والياسمين"، كما كتب باسل عبد الجبار في مقالة جميلة عن الطبيعة في طويريج نشرها قبل سنوات عديدة شدد فيها على ان الذاكرة تختزن فيها على مدى الايام صورا "تجسد معالم محفورة في سجلات الزمن لأماكن تركت بصمات واضحة في تاريخ المسيرة الطويلة، انها صور رائعة لابداعات الخالق واختراعات الطبيعة، جمال ساحر اخاذ يشبه لوحة ابدع في رسمها فنان، ومناظر تستقر في الذاكرة تداعب الوجدان والمشاعر لايمكن ان تمحى. ومهما مرت الايام وتقادم الزمن تظل شاخصة، تروي قصة الزمن للذين مروا.. والذين ينتظرون، وما بين اللحظة واللحظة هناك نداء قادم يخرق السكون وينادي المشاعر ويغري الناظر: انه نداء الطبيعة الخلابة مابين الماء والخضراء واية البهاء والحسن".

وهذاالرأي نجده سلفا في الفولكلور العراقي حيث اشتهرت طويريج بجمال وبهجة الطبيعة الى حد ان العيش فيها صار بمثابة الحلم كما عبرت عن ذلك الاغنية العراقية القديمة والشهيرة التي غناها الفنان حضيري ابو عزيز وقبله كثيرون ومطلعها:
اني ارد اشرج تشريج واكضي العمر بطويريج
الدنيا بيها بلا ضيـج

وتقول الامثال الشعبية عن سخاء اهلها:

ما تبقالك هموم ابشر يزاير من توصل طوريج ما تظل حاير

وتحيط بطويريج شبكة غزيرة من المياه حيث يحدها من الغرب والشرق جدولان مهمان هما جدول بني حسن وجدول علي الغربي فيما يتهادى نهر الفرات كالبحيرة المترامية الاطراف في وسطها قاسما المدينة الى قسمين. وكان لابد لزائر هذه المدينة قبل 1955 ان يشاهد جسرها التاريخي الذي بني عام 1913، قبل ان يحل محله جسر حديدي هو الجسر الوحيد في هذه المدينة. اما الريف فهو هنا كما وصفه احد الكتاب العراقيين "لوحة أبدع الخالق في خلقها حيث الجداول والبساتين المظللة ورائحة العنبر، والنسيم الذي يكحل الاجفان ليغمر الزائر بفيض من المشاعر الدافقة التي تود لو ان اللحظات تطول وتطول لترسم الاحداق هذه المناظر البديعة التي لابد ان تحفر لها مكانا في الاذهان مدى العمر".

وفي نبذة تاريخية عن حياته كتب مفتي لبنان الجعفري آية الله السيد حسين الحسيني (1906 ـ 1970) انه كان في المنطقة في أواخر العشرينات وكانت الثورة العراقية الكبرى قد انتهت منذ وقت قريب، وقد تم تنصيب الملك فيصل الأول ملكاً على العراق، وانه "عندما قصدنا النجف الأشرف من كربلاء "سلكنا في ذلك طويريج وكانت تفصل بين كربلا وطويريج بحيرة يجتازها المسافر بالسفن، ورحنا نمشي من طويريج (الهندية) مع النهر، ونمرّ بالعشائر وكان العمل يجري بحماس في حفر الجدول الأيمن المعروف بجدول (بني حسن) وتطهيره". (انظر: http://www.banihashem.org/albeqaa/index.htm). الا اننا لم نستطع العثور على مصادر تؤكد وجود بحيرة كهذه.

وقد اشتهرت منطقة الهندية المحاطة بالبساتين من جميع الجهات بخصب اراضيها الزراعية وبانتاج التبغ بكميات كبيرة وخاصة التنباك (وهي مفردة ايرانية تعني تبغ الاركيلة) وبنوعيات اجود مما تشتهر به بعض مدن كردستان العراق، حيث ينقل هذا النوع من التبغ الى كربلاء كي يجفف ويعبأ بالاكياس ليرسل الى مراكز الاستهلاك، كما اشتهرت بكثرة الفواكه والمحاصيل ومنها الى جانب التبغ التمور الحنطة والذرة والرز اذ تشتهر الهندية بزراعة الرز (العنبر) وهي نوعية تمتاز برائحتها الطيبة ومذاقها الجيد. والمدينة اضافة الى ذلك محطة تجارية بين محافظتي الحلة وكربلاء وهي تعتمد في زراعة اراضيها على مياه الفرات الا انها تتميز وتنفرد بسعة الانهر المتفرعة من نهر الفرات.

وذاع صيت الهندية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن الماضي كميناء نهري لاسيما لنقل الرز من منطقة الفرات الاوسط الى المناطق الاخرى. اذ كانت تجثم على امتداد ضفتي النهر واطراف القصبة معامل ابتدائية لتقشير الشلب ليكون رزا تدعى ب"المجارش" قدر عددها بزهاء ثلاثين مجرشة يشتغل فيها نحو الف وخمسمائة عامل فيما كانت كميات الشلب الطائلة ترد من اطراف "المشخاب" و"الشامية" ومن نواحي القضاء نفسه فتجرش فيها وتصدر الى مختلف الانحاء وهذا ما جعلها مخزنا من مخازن التموين الكبيرة وتساعدها على ذلك سهولة المواصلات النهرية والبرية. وقد ادى ذلك النشاط الاقتصادي الى جعل المدينة مركزا يستقطب الايدي العاملة من الانحاء المجاورة ويزخر بقوافل الابل التجارية. وكان البدو يفدون عليها على الدوام حتى قبل سنوات قليلة وهناك عدد كبير من سكان طويريج هم في الاصل من ابناء القبائل الرحل، فيما يعتقد ان كثيرا من الزوار الفقراء القادمين من دول اخرى لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء خاصة قرروا هم ايضا اختيار طويريج موطنا جديدا لهم مع مرور الوقت وهو حال مستمر لحد الآن مما يفسر وجود جماعات سكانية مختلفة الاصول في المدينة.

اما المؤرخ العراقي الراحل عبد الرزاق الحسني فقد اعتبرها في كتابه "العراق قديما وحديثا" بانها "روضة مدن الفرات الاوسط" واصفا قصبة طويريج التي هي مركز قضاء الهندية بانها "متوسطة بعمرانها، جميلة بمناظرها، حسنة بموقعها، تمتد على ضفة النهر اليمنى، ويربطها بالضفة اليسرى، التي بدأت العمارة فيها مؤخرا، جسر حديدي متين بني عام 1955 وتحيط بها الحقول والبساتين التي تسقيها الجداول والنهيرات الكثيرة وتنير شوارعها وبيوتها الاضواء الكهربائية منذ عشر سنوات، وفيها من النفوس (6800) نسمة، اما نفوس القضاء فعددهم (82466) نسمة بحسب احصاء 1947".

كما لاحظ الحسني ان "اسواقها مستقيمة طويلة، وشوارعها عريضة مزفتة، ورصيفها الممتد على ضفة النهر اليمنى من اجمل ما تقع عليه العين فيها، وقد غرست الاشجار المختلفة على جانبي هذا الرصيف، كما غرست على جوانب بقية شوارعها"، ورأى في وسط القصبة "ميدان فسيح تزينه حديقة غناء وتشغل جانبا منه بناية مشروع اسالة الماء وامام هذه الحديقة صرح الحكومة الواسع ودار القائمقام المشيدة على الطراز الحديث، وعلى مسافة قصيرة منها بناية المدرسة الابتدائية وسائر المدارس الرسمية تحف بها حدائق واسعة ودور للاهلين كثيرة".

وتبلغ مساحة الهندية حاليا اكثر من 136648 دونما منها 32431 دونما خضراء من البساتين المغطاة بأجود انواع النخيل. اما بشريا فقد كانت الهندية دائما بين اكبر اقضية العراق من ناحية الكثافة السكانية اذ يقدر عدد سكانها حاليا بأكثر من 320000 نسمة، يسكن نحو ثلثهم في مركز المدينة الذي يعد عصب الحياة فيها. وحسب معلومات تخمينية للامم المتحدة في 2003 فان مجمل سكان قضاء الهندية هو 304035 فيما اشارت سجلات انتخابات 2005 الى وجود 61966 ناخب مسجل على اساس بيانات وزارة التجارة الى جانب عدة آلاف من المهجرين العائدين او الراغبين بالعودة الى ديارهم لا سيما ممن هاجر منهم الى ايران وسوريا والدول الاوروبية حيث وجدت على الدوام ولحد الآن تجمعات كبيرة لأبناء الهندية بينهم شخصيات ثقافية او علمية او سياسية متميزة ومرموقة.

وقضاء الهندية هو احد اهم الاقضية القديمة على الخارطة الادارية العراقية لاسيما قبل ان يتم تقسيمه عشوائيا بين محافظتي بابل وكربلاء من قبل النظام البعثي بقرار مجلس قيادة الثورة في 26/6/1969 وبموجب تطبيق قانون المحافظات في 1/10/1969 والذي كانت الهندية من المدن العراقية المتضررة جدا بآثاره اذ اقتطع جزء كبير من اراضيها متمثلا بكل من ناحية ابي غرق الزراعية الكبيرة وناحية الكفل الأثرية والسياحية ليظل ضمن محافظة بابل فيما الحق مركز القضاء ومناطق صغيرة اخرى بمحافظة كربلاء مما جعل الاهمال مضاعفا ولحد الآن في الواقع.

فبعد ان كان القضاء تابعا اداريا للواء كربلاء في مطلع القرن الماضي اصبح تابعا للواء الحلة بين الثلاثينات والسبعينات من نفس القرن قبل ان يتقرر اعادة الحاق الجزء الأكبر منه ومساحته الحالية نحو 1149 كيلومتر مربع بمحافظة كربلاء من جديد عند تشكيل محافظة النجف. وقد مثل هذا التقسيم حلا وسطا لصراع السيطرة على الهندية وثرواتها بين ادارتي كربلاء والحلة بعد نشوب خلاف بين محافظيهما هاشم قدوري وعزيز صالح اذ سعى كل منهما الى ضمها بكامل مساحتها الى ادارته.

بيد ان سكان القضاء عموما ظلوا يرفضون دون جدوى هذا التجزيء الاداري المجحف ويعبرون دوما عن الرغبة بعدم التبعية الادارية لهذه المحافظة او تلك التي تسببت دائما بالتهميش الاقتصادي والخدماتي مطالبين بتحويل القضاء الكبير والغني بالثروات الطبيعية والبشرية الى وحدة ادارية مستقلة بعد استرجاع المناطق المهمة التي الحقت بمحافظة بابل لأسباب واهية، وبهذه الطريقة يمكن تكون الهندية محافظة جديدة تفصل بين بابل وكربلاء وبين كربلاء النجف على ان تمنح ايضا امتدادها الطبيعي غربا في البادية الغربية العراقية حتى غربي العراق فتتصل بالحدود السعودية من جهة عرعر ليشمل وادي الابيض والجانب العراقي من وادي الخر ووادي عرعر، ومنح محافظة كربلاء بالمقابل امتداها في البادية الغربية العراقية لتشمل المثلث المقابل للرزازة وعين التمر والمنتهي قبالة جديدة عرعر جنوبا وبزاوية تلاقي الحدود العراقية السعودية الاردنية شمالا وهي مناطق الحقها النظام البعثي بمحافظة الانبار اداريا لأسباب سياسية وامنية.

فمن الناحية التجارية، كانت الهندية سابقا تعتمد على المجارش الوطنية التي كانت تدار بالايدي من قبل نساء ورجال وقد امتدت على طول الساحل حوالي 20 مجرشه وبعمق 30 ـ 40 مترا من الساحل والطنبي وهو الصوب الصغير وفيه 3 ـ 4 مجارش وكانت الاف الاطنان المنتجة من الارز في الشامية والمشخاب تجلب الى الهندية لتجرش وتصدر اما الى كربلاء والمسيب والكوفة او الى بغداد ومدن اخرى او الى مناطق نائية في البادية الغربية وذلك اذ كانت منافذ الهندية الرئيسية تشهد يوميا لا سيما في فصل الربيع مجيء افراد وجماعات من البدو الرحل للتزود بالرز المجروش وكانوا يضطرون احيانا على امضاء ليلة او اكثر في الهندية تاركين جمالهم في اماكن خاصة لربط حيوانات النقل تعرف بالطولات مقابل اجر زهيد.

ولقد حولت تلك المجارش الهندية الى محطة اقتصادية لامعة في المنطقة لاكثر من ستين سنة بين تاريخ سقوطها بيد العثمانيين اثر حملة نجيب باشا على المنطقة في 1842 وبين افتتاح سدة الهندية في نهاية 1913. فقد وفدت الى الهندية عشرات العوائل ومئات الايدي العاملة الرجالية والنسائية من مختلف انحاء العراق للعمل سواء كعمال في المجارش او في السفن النهرية التي صارت ترتاد شواطئ الهندية محملة ايابا بالشلب وذهابا بالرز، او في الخدمات والمهن اليدوية الكثيرة التي ولدت بفضل تلك الحركة الاقتصادية ومنها الحمالة والكيالة والمطاعم والمقاهي والخياطة..والخ. كما ظهرت بموازاتها طلائع حركة ثقافية وفنية مستفيدة من التفاعل والبحبوحة الاقتصادية الجديدة تلك. وفي مقابلة صحفية نشرت في عام 2004 يذكر الحاج علي ابو الخير وهو متابع جيد لاحداث الهندية، ان الصفة الغالبة للحياة في الهندية قبل افتتاح السدة كانت تحولها الى ما يشبه "معمل لجراشة الشلب". وقد استمرت الحال على هذه الشاكلة الى فترة قصيرة بعد افتتاح السدة حيث اضطر عمال الجراشة على الهجرة الى بغداد بحثا عن عمل جديد فيما بدأت الكوفة باقامة مجارش للشلب لديها لسد حاجاتها المحلية من الرز. كما اشتهرت ناحية الرجيبة في الهندية بزراعة التنباك (التبغ) الذي يستعمل في (الناركيلة) او ما تسمى (الغرشه) وهو نوع محسن وبجودة عالية.

والهندية القضاء مدينة حديثة البناء تأسست في القرن الثامن عشر على الارجح، اذ ان الطاعنين في السن يؤكدون ان العمارة الجديدة فيها لم تنطلق في مركزها الا مع حلول القرن التاسع عشر وان رجلا من زحّاف كان اول من بدأها وزحاف جماعة كبيرة تعيش في ظل الاسرة القزوينية الشهيرة، وينسب لأحد الظرفاء من زحاف القول يخاطب احد السادة القزاونة لكثرتها:
ادجاج زحاف عليك تزاحفت بيض العمائم في الليالي السود

بيد ان المعلومات التاريخية المتوفرة تؤكد بالمقابل ان الهندية كانت اكثر الاقضية سكانا في النصف الاول من القرن اللاحق. ففي 1935 كان عدد نفوس قضاء الهندية يفوق عدد نفوس سكان قضاء الحلة فقد كان 78279 نسمة للهندية وملحقاتها مقابل 57874 للحلة وملحقاتها حسب احصاء نشره الدليل الرسمي العراقي لعام 1936 (ص 673). ولم يدخل في ذلك الاحصاء عدد افراد قبائل الهندية وابرزها في ذلك الحين قبيلتا بني حسن وكان رئيسها عمران الحاج سعدون وال فتلة وكان رئيسها سماوي الحاج جلوب. وطويريج مدينة إخاء منذ الاصل. ففي مطلع القرن الماضي كان سكان المدينة يتألفون من اقوام متعددة من العرب، وهم الاغلبية الساحقة، والفرس والهنود والاكراد والتركمان واليهود الذين قدر عددهم في 1940 بأكثر من خمسين اسرة يعمل افرادها في التجارة والمهن الحرة.

وكان العراق بموجب التقسيمات الأدارية للعهد الملكي يتألف حتى نهاية 1969 من اربعة عشر لواء يشمل كل منها على مركز واقضية ونواح وقرى عديدة. وكان عددها الاجمالي 14 لواء و 66 قضاء و 174 ناحية و 9918 قرية، يتولى ادارة اللواء فيها المتصرف والقضاء القائمقام والناحية المدير، اما القرى فلها مختار يتولى شؤون ادارتها ويرتبط مباشرة بمدير الناحية. وكانت بغداد بمثابة المقر الاداري للألوية (المتصرفيات) كما لمراكز الوزارات ومجلس الأمة سابقا والمديريات العامة. واعتمد ذلك التنظيم على قانون أدارة الألوية الاول الصادر سنة 1927 والمستقاة اكثر مواده من قانون الولايات العثمانية، والتعديلات اللاحقة على قانون ادارة الألوية رقم 16 لسنة 1945 الذي عدل عدة مرات آنئذ قبل صدور اول تعديل في العهد الجمهوري على قانون ادارة الألوية وذلك في سنة 1959 حيث بقيت التقسيمات الأدارية كما هي عليه سابقا كما انشأت ادارات المحلية في جميع الألوية ولها مجالس مستقله وميزانية لكي تكون نموذج للأداره اللامركزية. وكان الهدف من ذلك رفع مستوى الألوية، لكن هذا التعديلات لم تجد طريقها الى التطبيق عمليا. الا ان كافة هذه القوانين السابقة الغيت بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في تموز 1968 بموجب قانون المحافظات رقم 159 لسنة 1969 الذي نص نظريا على تشكيل مجالس محلية وبلدية ومنح صلاحيات واسعة للمحافظين ورؤساء الوحدات الأدارية، لكن هذا القانون بقي حبرا على ورق ولم ينفذ منه شيء سوى الشكل والمسميات مقابل فرض الهيمنة الصارمة للسلطة البعثية المركزية، حيث استبدلت صفة الألوية بالمحافظات، واستحدثت اربعة محافظات جديدة هي تكريت والسماوة ودهوك والنجف. كما منح بعض المحافظات اسماء سياسية كالتأميم ومركزها كركوك وصلاح الدين ومركزها تكريت والقادسية ومركزها الديوانية وذي قار ومركزها الناصرية او اسماء تأريخية كنينوى ومركزها الموصل و وبابل مركزها الحلة وواسط مركزها الكوت والأنبار ومركزها الرمادي.

و ينحدر عرب طويريج من قبائل عربية عديدة عريقة تجمعها الاعراف والقيم التقليدية المشتركة الا انها دخلت احيانا في حروب دموية ومعارك طاحنة من اجل الكلأ والماء لا سيما عندما واجهت قبائل رئيسية منها خطر مجاعة افرادها بسبب انهيارات سدة الهندية المتكررة في القرن التاسع عشر مما كان يؤدي الى جفاف نهر الحلة خاصة وموت الزراعة في المدن والقرى المعتمدة في سقيها على مياهه. وقد وثقت احداث بعض تلك المعارك بقصائد شعرية معروفة لحد الآن احيانا. أما ابرز هذه القبائل فهي ال جشعم و بنو طُرف و آل فتلة وبنو حسن والدعوم وآل گريط وآل يسار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم افهم
Anaam -

لم افهم ؟ هناك خلط واشتباه كبير بين ناحية سدة الهندية وبين مدينة الهندية اين تقع جبال نينوى الأثرية هل جنوب ناحية سدة الهندية ام في مدينة الهندية التابعة لمحافظة كربلاء

عشائر الهندية
هزاع المسعودي -

بعض العشائر المتواجده في الهندية هيآل يسار ، وبني طرف ، وآل فتله ، والدعوم ، وآل كريط ، والزقاريط ، وبني حسن ، وآل جشعم وشيوخهم في كربلاء آل عبد الصاحب المطرود الحسين بن جشعم الاسرة الكريمة ، و بنو اسد ، وعشيرة السادة العرد ، وآل جميل ، وعشيرة الطفيل ، والسادة الخرسان والسادة آل الخطيب والسادة الغرابات وعشائر اخرى من الاشراف ، وآل عيفار ، والحواتم ، والثراون وغيرهم