ثقافات

مناجيات هاملت السبع

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الأولى

لا يكاد يختلف آثنان - مهما اختلفت مشاربهما - على أنّ مناجيات Soliloquy هاملت السبع، هي من لباب الشعر، ومن أروع ما أتتْ به ملكة شعرية في صناعة القول. تتوقّتُ المناجاة الأولى في مرحلة دقيقة من حياة هاملت، وهي بعد في مقتبلها، فهزّت صميمه، وصبغت نظرته إلى الحياة، وإلى الجنس البشري بصبغة أقرب ما تكون إلى العدميّة.

امراء، كلّ مناجاةٍ، مختبرٌ لتحليل الإنسان إلى عناصره الأوّلية. نعرف - كمشاهدين أو قرّاء - أن هاملت كان يعلم قبل المناجاة الأولى، علم اليقين عن طريق الشبح، أنّ عمّه هو الذي قتل الملك، واغتصب عرشه وامرأته الملكة، أي والدة هاملت. ما من إشارة في المسرحية إلى أنّ الملكة كان لها ضلع في الجريمة، إلاّ أنّ جريرتها في نظر هاملت هي سرعة زواجها إذ لم يمرّ على وفاة زوجها الأوّل إلاّ "شهر صغير". تبدأ المناجاة حينما يجد هاملت نفسَه وحيداً:

"أوه ليت هذه اللحمة الصلبة جدّاً جدّاً تنحلّ
تذوب وتحلّ نفسها إلى سائلhellip;"

قبل كلّ شئ، لماذا ابتدأتْ المناجاة بلحمة صلبة؟ ولماذا عرّفها فقال: اللحمة الصلبة أو الأفضل المتصلبة؟ ولماذا كرّر كلمة: جدّاً؟ هل كان يخجل من تسميتها؟ ربّما. ربّما. أمْ أنّه أراد التوكيد على توتّرها؟ مع ذلك، ما هي تلك اللحمة المتصلبة؟ ما من شارح فيما بين يديّ من مبسوطات نسخ هاملت، أتى على تلك اللحمة بحثاً وتنقيراً. على العكس، ظنّها بعض الشرّاح أنها Sallied بدلاً من Solid.الاختلاف لا على اللحمة وإنما على الصفة الملحقة بها. والصفات -كما نعلم - هي هوية الموصوف، ومن هنا خطورة هذا الاختلاف.
لا شكّ إنّ مسرحيّة هاملت قائمة برمّتها على جرائر الجنس. فالأخ يقتل أخاه بسببه، والأمّ تتزوّج سفاحاً لإطفاء شهوة، وبولونيوس يمنع ابنته أوفيليا من الاختلاء بهاملت خشية العواقب، حتى وإن قادها حرمانها إلى الجنون، فالموت غرقاً. يبدو أن شيكبير كان قد شخّص مشكلة الإنسان الأزلية في الشهوة الجنسية. على هذا فاللحمة المتصلبة التي تمنّى هاملت أن تنحلّ وتذوب ما هي إلاّ آلة الذكورة لدى الرجل، على ما يبدو من القرائن. إنها أصل النوازل والكوارث. أمنية هاملت في انحلال وذوبان اللحمة مستحيلة. ما المخرج؟ ما من مخرج سوى الاستغناء عن الحياة بالانتحار. ولكنّ الانتحار ببساطة محرّم. لا بدّ من العيش. كيف؟ باتت الحياة في عينيْ هاملت أشبه ما تكون بحديقة مهملة، اكتستْ بالأعشاب الضارّة. مخلوقاتها متوحشة ومغثية. عند هذه المرحلة، دشّنت المسرحية لأوّل مرّة الغثيان الذي سيأخذ من الآن فصاعداً أحجاماً قاطعة للتنفّس. ينتقل هاملت فجأة إلى استحضار أبيه الذي لم يمض على وفاته إلاّ شهران. يرتبك هاملت. لا يستطيع أن يتحمل ما جرى لوالده. من أمارات ارتباكه انفلات الزمن، فلا يدري كم مرّ بالضبط من الوقت على وفاته. يقول هاملت:
"شهران مرّا على موته - لا، ليس شهرين، ليس اثنيْن"

هل أُصيب هاملت بخبل موقت؟ تركيب العبارة يدلّ على ذلك. قال أولاً: شهران مرّا، وهي جملة سردية يقينية، ولكن حين قال بعدها مباشرة: لا، فكأنّما انفصمت شخصيّته من هول الصدمة. وحين ذكر: "ليس شهريْن، ليس اثنين": فكأنه فقد الوعي. فقد بؤرة التركيز.بعد أسطر قليلة يعود إلى الزمن فيذكر: خلال شهر، وبعد هذا بسطر يذكر: شهر، ويصفه بأنّه
شهر صغير. بكلمات أخرى أخذ الشهرا ن يتقلصان بالتدريج، فأصبحا أقلّ من شهر، وهذه طريقة بارعة لتقريب الفاجعة وكأنها وقعت البارحة. وحتى يبيّن شيكسبير تفاهة الشهر كمسافة زمنية، راح يقيسه بأغرب وأدنى مادّة:

"شهر صغير، أو قبل أن يعتق حذاؤها
الذي مشت به وراء جثمان أبي المسكين"

ذكرنا أعلاه أنّ جريرة الأم كانت في عجلة زواحها. كيف قاسها هاملت هذه المرّة؟:

"وفي خلال شهر تزوّجتْ
قبل أن تزول الدموع الملحية الزائفة
من عينيها المحمرّتيْن - آه يا أخبث عجلة -
تهرعين بمثل هذه السهولة إلى الشراشف المحرّمة"

بالإضافة إلى ذلك، نستطيع أن نرى ارتباكات هاملت النفسية أكثر فيما دار من حوار، بعد هذه المناجاة مباشرة، بين هوراشيو وهاملت وهما صديقان حميمان:
هوراشيو: مرحباً بسيّدي اللورد
هاملت: مسرور برؤيتك وأنت بصحّة جيّدة
هوراشيو أم أنني فقدت وعيي؟"
فقدان الوعي هذا سيكون منعطفاً شديد التعقيد في مسار المسرحية، بحيث يختلط الأمر علينا، فلا ندري هل كان هاملت شخصية حقيقية تمثّل دوراً مسرحيّاً أمْ انّه شخصية مسرحية تمثل دور إنسان واقعي؟ مما يزيد في حيرتنا، هو السطر الأخير الذي ختم به هاملت مناجاته:
"الصمت يكسر القلب ولكنْ عليّ أن أمسك لساني"

بهذا ينغلق هاملت حتى على نفسه، وتبات لغته ملغّمة وملغّزة تزيده ثراء وتزيدنا عيّاً. على أية حال؛ من تقنيات شيكسبير الأخرى في هذه المناجاة، هي الطريقة التي قارن فيها بين معدن أو طينة الملك القتيل وبين شقيقه القاتل. ففي حين شبّه هاملت، والده بـ "هايبيريون" إله الشمس والقمر والفجر، أي أنّه جعله مصدر النور والسموّ وهذا هو شأن الأجساد حين تتحرر من مادّتها وتصبح أثيرية محلقة. وشبّه عمّه بالكائن الأسطوري"ساتر" أي نصف إنسان ونصف معزى. كذا جعله هجيناً من مادة بهيمية وأخرى بشريّة. سل الفنان السومري ومعزاه، سل بيكاسو ومعزاه هل هناك رمز أكثر شبقاً وشهوة من المعزى؟ فإذا عرفنا أن "ساتر" هو رفيق باخوس ربّ الخمر، يكون جسد عمّه بهيميّاً ومخموراّ، فما أشدّ التصاقه بالأرض إذن. ما أشدّ تمرغه. ما أشدّ تعتعاته!

المناجاة الأولى

أوه ليتَ هذه اللحمةَ الصلبةَ (1) جدّاً جدّاً تنحلّ
تذوب وتحلّ نفسَها إلى سائل(2)
أوْ ليت الواحدَ الأزليَّ لمْ يُثَبّتْ(3)
مدفعَ شريعته ضدّ الانتحار (4)0 آه يا ربُّ! يا ربُّ
كمْ تبدو لي شؤون الحياة كلّها!
مضجرةً، هامدةً، كاسدةً ولا نفعَ فيها.
تعساً لها، آه تعساً، إنّها حديقة بأعشابها الضّارّة (5)
وقد بلغتْ التبزّر؛ ليس فيها إلاّ
مخلوقات متوحشة ومغثيةٌ تماماً. كيف انتهت إلى هذا !
شهران مرّا على موته - لا، ليس شهريْن، ليس آثنيْن -
ملكٌ فائقٌ جدّاً
هو كإله الشمس هايبريون (6)، وهذا كـ"ساتر"
كان عطوفاً جدّاً على أمّي، لا يسمح لرياح السماء
أنْ تجول في وجهها بقسوة/ يا سماء يا أرضُ
أمحتّم عليّ أن أتذكّر؟ عادتها أن تتعلّق به
كأنما شهيّتها ازدادت بما اقتاتتْ. مع ذلك فخلال شهر -
دعْني لا أفكّر في ذلك - أيّتها الهشاشة آسمك آمرأة -
شهرٌ صغيرٌ، أو قبل أن يعتق حذاؤها
الذي مشتْ به وراء جثمان أبي المسكين
مثل "نيوبي" (7) كلّها دموع. لكنّها -
آه حتّى الوحش القاصر عن العقل
يستطيع أن يطيل حداده - تزوّجتْ من عمّي
شقيق والدي، لكنّه لا يشبهه اكثر مما
أشبهُ أنا هرقل (8). وفي خلال شهرين تزوّجت
قبل أن تزول الدموع الملحيّة (9) الزائفة
من عينيْها المحمرتين -آه يا أخبث عجلة !
تهرعين بمثل هذه السهولة إلى الشراشف المحرّمة (10)
إنها لن، ولا يمكن أن تنجب شيئاً صالحاً
الصمت يكسر القلب ولكنْ عليّ أنْ أمسك لساني.


الهوامش
1- ثمّة قراءة أخرى: Sallied بدلاً من Solid يبدو أنّ Solid أفضل لأنها النقيض من: تذوب ومن الندى أو السائل في السطر التالي.
2-في النصّ Dew وفيها معنيان (1)حالة سيولة، و (2) Adew أيْ Adieu بمعنى وداعاً.
3- تكمن أهميّة هذه المناجاة في تثبيت هاملت لشخصيّته، وكشف حالته الذهنية. تركيب العبارات
هنا حادّ، وتتتابع الجمل بالإضافات والاعتراضات.علامات التعجب تتلوها توضيحات، وأسئلة وصيغ أمر.
4- من المسلّم به أن الانتحار محرّم كما في الوصيّة السادسة: "لا تقتلْ"_ "سفر الخروج: 20 -13"
5- يعترف شيكسبير أنّ الأعشاب الضارّة جزء من النموّ الطبيعي. (هارولد جنكنْز -نسخة آردن) بينما يذكر جيْ. آرْ هيبارد (طبعة أكسفورد) أنّ الحديقة المعتنى بها كانت بالنسبة إلى شيكسبير وإلى عصره على العموم، تستعمل كصورة لما يجب أن يكون عليه العالم: منظّماً، ومنتجاً وصحيّاً. كان شيكسبير قبل كتابة هاملت، قد رسم بحذق صورتيْن لا تنسيان عن الحديقة المعتنى بها: 1- في مسرحيّة ريتشارد الثاني: "3-4/ 42-47" و2- هنري الخامس "5 -2-38 -55".توضّح هذه الصفحات المفعمة بالحياة، المثل القائل: "الأعشاب تنمو في التربة الأكثر خصباً إذا لم تُحرثْ".
6- هايبريون: يشبه هاملت هنا والده بإله الشمس والقمر والفجر، بينما يشبه عمّه كلوديوس، بالكائن الأسطوري " ساتر": Satyr وهو نصف إنسان ونصف معزى، أيْ سكّير وشهواني، لأنّه رفيق باخوس.
7-Niobi: إحدى بطلات أسطورة إغريقية وهي زوجة ملك طيبة. كانت تفتخر بعدد ما أنجبت من بني ( ستة أو سبعة من كلّ جنس)، إلاّ أنّ أبولو وديانا رمياهم بالسهام فقتلوهم. فما كان من ذيوس كبير الآلهة إلاّ أنْ حوّل "نيوبي" إلى صخرة، ويعتقد أنّ النداوة التي تتكوّن عليها في الصيف ما هي إلاّ دموعها على بنيها.
8- كان بطلاً إغريفياً ذا قوّة خارقة. من بين مآثره أنه تمكن من السيطرة على الموت. عُبد بعد ذلك كإله.كان هيرقل شعار مسرح الـ: Glope الذي كان شيكسبير يمثل على خشبته، وكذلك كان شعار الممثلين.
9- يشير الملح هنا إلى تركيبة الدموع الملحية. اسْتُعْمل هنا صفة، لذا فقد تعني شهوة، كما في عطيل (الفصل الثاني - المشهد الأوّل -247 -248).
10- يعتبر هاملت زواج أمّه من عمّه غير شرعيّ، وهذا هو معتقد البروتستانت والكاثوليك. أنظرْ: لاويين: 18 / 16: "عورة امرأة أخيك لا تكشفْ. إنها عورة أخيك". وكذلك: 20/21 "وإذا أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة. قد كشف عورة أخيه. يكونان عقيميْن ".


Ham. O that this too too solid flesh would melt,
Thaw and resolve itself into a dew,
Or that the Everlasting had not fixrsquo;d
His canon lsquo;gainst self-slaughter. O God! God!
How weary, stale, flat, and unprofitable
Seem to me all the uses of this world!
Fie onrsquo;t, ah fie, lsquo;tis an unweeded garden
That grows to seed; things rank and gross in nature
Possess it merely. That it should come to this!
But two months dead-nay, not so much, not two-
So excellent a king, that was to this
Hyperion to a satyr, so loving to my mother
That he might not beteem the winds of heaven
Visit her face too roughly. Heaven and Earth,
Must I remember? Why, she would hang on him
As if increase of appetite had grown
By what it fed on; and yet within a month-
Let me not think onrsquo;t-Frailty, thy name is woman-
A little month, or ere those shoes were old
With which she followrsquo;d my poor fatherrsquo;s body,
Like Niobe, all tears-why, she-
O God, a beast that wants discourse of reason
Would have mournrsquo;d longer-married with my uncle,
My fatherrsquo;s brother-but no more like my father
Than I to Hercules. Within a month,
Ere yet the salt of most unrighteous tears
Had left the flushing in her galled eyes,
She married-O most wicked speed! To post
With such dexterity to incestuous sheets!
It is not, nor it cannot come to good.
But break, my heart, for I must hold my tongue.

******

الثانية

في هذه المناجاة نتعرف على أسرار جديدة. نتعرف على مكامن خفية في شخصية هاملت . قبل ذلك يروي شبح الملك أسراراً لهاملت قد لا تُكشف. بهذه الطريقة نكون، كنظّارة، على علمٍ بها دون بقية شخوص المسرحية.تتوقّت المناجاة عادة حين يكون البطل Protagonist وحيداً على خشبة المسرح. إنّه مقتنع أنْ ما من أحدٍ يسمعه. وعلى هذا يفضي بما يعتمل في صدره، وما الذي ينوي عمله، بحرية وبلا تحفّظ. بكلمات أخرى نتعرّف على فكرته المهيمنة المتكررة: Leitmotive. قيل لولا مناجيات هاملت لكانت شخصيّته أقلّ شموليةً وعمقاً. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ توقيتها يزيد من الإيقاع الدرامي" ويحدث توقفاّ أو انقطاعاًCaesura للتأمل في النقاط المهمة" تأتي هذه المناجاة في المشهد الخامس - الفصل الأوّل. وحتى نتعرّف على مراميهابصورة أفضل، فلا بدّ من تصفّح المشهد الرابع، لأنّه ممهّدٌ لها. يبدأ المشهد الرابع على الوجه التالي:

هاملت: الهواء يلذع يحدّة. الجوّ بارد جدّاً
هوراشيو: الهواء قاطع وقارس.
هاملت: ما الوقت الآن؟
هوراشيو: أظنّ أقل من الثانية عشرة.
مارسيليوس: لا، لقد دقّت الثانية عشرة
هوراشيو: صحيح؟ لم أسمعْها
إذنْ تقترب الساعة من الوقت
الذي تعوّد الشبح على أن يتمشّى
( هتاف أبواق وقذيفتا هاون)
ماذا يعني هذا يا سيّدي اللورد؟

في الحوار أعلاه، يبذر شيكسبير عدّة بذور مهمّة، لها صلة وثيقة بهذه المناجاة موضوعة البحث. ففي قول هاملت: "الهواء يلذع بحدّة. الهواء بارد جدّاً"، يتكشّف لنا مفهومان من العصر الاليزابيثي. فالبرد يدلّ على وجود هاجس غامض، وكذلك على خوف. هذان الشعوران الطارئان، سيعودان وينتابان هاملت حينما يلتقي بشبح أبيه، كما سنرى.
البذرة الأخرى التي زرعها شيكسبير، في الاقتباس أعلاه، هي ضيق الوقت. بهذه الحيلة أخذت الجمل تتدفق كاللهاث، أخذت الأفعال تنفجر بإيجازات سريعة، أخذت الأفعال طابع الاستنفار. من هنا يكون لسؤال هاملت، و هو سؤال بسيط في الظاهر: "ما الوقت الآن؟"، أهمية استثنائية. ذلك لأنّه ليس زمناً روانيّاً سرديّاً وإنّما هو زمن مشحون بالترقّب فيزيد من حجم الهاجس، ومن حجم الخوف. بالإضافة، حين قال مرسيليوس: "لا، لقد دقّت الثانية عشرة"، أجابه هوراشيو: "صحيح؟ لمْ أسمعْها ". لماذا لم يسمعْها؟ ألا يدلّ ذلك على ذهول طارئ أعمق من الذهول العادي؟ هذا هو فعل الهاجس إذنْ. يصيب الإنسان بالصمم ولو موقتاً. يبات مشدوهاً ومنصعقاً. الثانية عشرة ليست كأية ثانية عشرة تمرّ وتمّحي. إنّها الدقيقة التي يظهر فيها شبح الملك بكامل ملامحه الحيّة، وبكامل بزّته. ميتاً ويتنفّس. ميْتاً وينطق.
ترافق الموسيقى ظهور الملوك عادة . عُزِفَت الموسيقى فعلاً، وسُمعَتْ "قذيفتا هاونْ". المفارقة إنّها ليست إيذاناً بدخول شبح الملك، ولكنّها إعلان عن الحفلة الصاخبة التي شرع الملك بحضورها في تلك اللحظات. هكذا يتفاجأ النظّارة بزمن ردئ، بعد أن توقّعوا زمناً جليلاً.

هاملت: "سيبقى الملك سهران يشرب
ويقصف ويرقص الرقصة الألمانية
وكلّما عبّ جرعة كبيرة من خمر الراين
مرّةً واحدةً، إلى آخر قطرة، نهقت لانتصاره المجيد
موسيقى الطبل والبوق"

ربّما أراد هاملت بهذه التفاصيل نفسيّاً أن يبتعد عن مخاوف الانتظار. أما كلمة: " نهقت"، فكأنّه كان يقارن بين موسيقى روحيّة عالية، وبين موسيقى بهيميّة واطئة، على غرار مقارنته بين زمنين كما مرّ بنا. على أيّة حال، في هذا الجوّ الممتلئ جَلَبةً ودناءة وفوضى يظهر الشبح بأجلّ نظافة رصيناً ومتوازناً. أراد الشبح أن يكلّم هاملت على انفراد. ولكن ليست كلّ الأشباح خيّرة حتّى وإنْ بدتْ كذلك. ألحّ هوراشيو ومارسيليوس على هاملت ألاّ ينصاع لإرادة الشبح، إلاّ أنّ هاملت أجاب
برباطة جأش:
"ما وجه الخوف؟
لا تعدل حياتي خردلة"
ولكنْ لماذا قاس هاملت حياته بخردلة ، وهو لا يعرف لحدّ الآن أن عمّه هو الذي صبّ السمّ في أذن أبيه فقتله؟ هل كانت هواجس هاملت بهذا القدر من التوحّش والشراسة بحيث صيّرت حياته خردلة؟ حاول هوراشيو وهو الشخصيّة المثقفة العالمة في المسرحية أن يثني هاملت، فالأشباح تبطن غير ما تعلن. وحين لم ينفع المنطق، صوّر هوراشيو مشهدا طبيعيا ً يدخل الرعب في النفس، ويسبب الدوار المغثي حتى وإنْ خلا من أيّ شبح:
"ماذا لو أغراك صوب البحر، يا سيّدي اللورد
أو إلى قمّة المنحدر الصخري المرعبة
تلك المعلّقة فوق قاعدتها في البحر
وهناك ينتحل شكلاً مخيفاً آخر
قد يجرّدك من السيطرة على عقلك
ويسحبك قريباً من الجنون؟"

إلاّ أنّ هاملت يجيب ببساطة البديهيّات: "القدر يناديني: ."القدر يناديني" مشحونة بالاحتمالات وربما بأعراض جنونية موقتة، مؤدّاها استلاب العقل. مهما يكنْ من أمر، يبدأ المشهد الخامس حيث موقع المناجاة، بهاملت وهو مرتعدة فرائصه خوفاً. أين اختفت رياطة الجأش؟ وأين الخردلة التي ادعاها؟ وأين "القدر يناديني"؟ الآن يقول مخاطباً الشبح، بضعف بشريّ هشّ:
"أين تقودني؟ تكلّمْ لن أمضي أبعد من هنا"

ذكرنا في بداية المقالة أنّ قِصَر الوقت كان إحدى البذرتيْن الفنّيّتيْن اللتيْن بذرهما شيكسبير ممّا جعل الحوارات أحكم إيجازاً ونفاذاً . وها هو الزمن يتمظهر مرّة أخرى على الوجه التالي:
"تكاد ساعة الصباح تقترب
حيث يجب أن أسلّم نفسي
إلى تعذيب النيران الكبريتية"

الغريب؛ إنّ النور، مصنوعاً كان أمْ طبيعيّاً، وعلى الأخصّ الصباح في هذه المسرحية لا يأتيان إلاّ بالكوارث، وهما أشبه بصباح طوفان اوتونافشتم ( أيْ نوح) في ملحمة كلكامش، حينما زلزل الإله أدد، الأرض والسماء بهزيم أعتى الرعود، وأنزل أحلك ظلام في عزّ الفجر. لماذا قال الشبح: "ساعة الصباح تقترب؟ ولماذا يخاف من دنوّها ؟ وما هي النيران الكبريتية؟ (أنظر الهوامش أدناه) إذن ها قد حان موعد عودة الشبح إلى المطهر. لا بدّ له من الاغتسال بالنيران الكبريتية حتّى يتطهّر من ذنوبه.
توقيت اقتراب الصباح هذا، قطع على هاملت أيَّ سؤال. ثنّى الشبح قائلاً:
"محظور عليّ أن أخبرك
عن أسرار سجني، وإلاّ لرويت لك قصصاً
وأبسط كلمة فيها تمزّق الروح شرّ ممزّق
وتجمّد دمك الفتيّ
وتجعل عينيك تطفران من محجريْهما كنجميْن من مدارهما
وتفرق لها خصلات شعرك المعقودة
وتقف كلّ شعرة على طرفها
مثل حسائك قنفذ خائف"
هكذا نقل الشبح خوف هاملت من هواجس دنيوية إلى أقاليم سماوية من الرعب، غامضة، مجرد التفكير فيها يُذيب الروح. وكعادة شيكسبير في تطعيم التخيّلات الغيبية بصُوِرٍ قريبةٍ ملموسة لمس اليد، فقد لجأ هذه المرّة إلى خصلات شعر هاملت ومن ورائه شعر السامع. وهل هناك شئ أقرب من شعر الإنسان إلى الإنسان؟ وبكلمة "معقودة" جعلها أكثر خصوصية، ويتشبيهها بحسائك قنفذ جعلها مادّية، وبتشبيهها بقنفذ خائف فإنّما حددّ نوعيّتها، فباتت أقرب إلى التصديق. لم يُجِب هاملت إلاّ: "يا إلهي"، وكأنّه تشرّب كلَّ كلمة فاه بها الشبح، فاستغاث بضعف وذهول. ذهب اعتداده بنفسه، والاعتداد بالنفس رذيلة بأيّة صورة جاء. لا يفوتنا هنا أنّ شيكسبير بهذه الوسيلة في إرعاب هاملت عقلاً وعاطفة إنّما جعله أكثر استعدادا لتقبّل الوقائع التالية التي سيسردها الشبح. أيْ أنّ وصف المطهر ليس مهمّاً بحدّ ذاته، وإنما كان مجرّد حيلة فنية لاستلاب أوتخدير حواس هاملت حتى يسهل تمرير أفكار أساسية أخرى. حين تمّ التبنيج إن - صحّ التعبير - سرد الشبح عند هذا التوقيت، كيف وقعت جريمة قتله، وكيف جرى السمّ في جسده. مرّة أخرى يقطع الشبح على هاملت السبيل لأيّ سؤال، فيقول:
"عليّ أنْ أودعك في الحال
فحشرات الحباحب تنبئ بأنّ الصباح قريب
لأنّ الوميض على أجنحتها شرع يشحب ويضعف
وداعاً وداعاً وداعاً أذكرْني".
نتعرّف في الأبيات أعلاه على صورتين فنيّتيْن هما، أن الشبح لم ينتبه إلى الصباح بالنور في الأفق، أو ببوادر انكشاف الظلام، وإنّما بحشرات الحباحب، أي أنّه كان ينظر إلى أسفل أيْ إلى هاملت. بالإضافة قد يعني تكرار وداعاً ثلاث مرّات بأنّه راح يتلاشى تدريجيّاً. بعيداً بعيداً فأبعد. مع ذلك يبقى المفتاح المهم كامناً في الكلمة الأخيرة: "أذكرني". أصداؤها في تضاعيف المسرحية لا تتوقف. على إيقاع: "وداعاً وداعاً وداعاً أذكرْني" يجد هاملت نفسه وحيداً ، فتبدأ مناجاته التالية، وترتكز على مرتكزيْن أساسييْن هما: الذاكرة، والمداهنة المتمثلة بالبسَمات:

هاملت: آ ، يا ملائكةَ السماء جميعاً! يا أرضُ ! هل من شئٍ آخر؟
هل أدخل الجحيم في استغاثتي؟ تبّاً، لا تنكسر يا قلبُ
وأنت يا عضلاتي لا تشيخي الآن واصمدي بقوّة
أذكرك ؟أجلْ أيّها الشبح المسكين، ما دام
للذاكرة مكان في هذا الرأس(1) المتشوّش. أذكرك؟
نعم سأمسح من لوح ذاكرتي(2) كلَّ المدوّنات السخيفة الجنونية
كلَّ مأثورات الكتب(3)، كلَّ الأشكال، كلَّ الانطباعات الماضية
وأمرُك وحدَه سيبقى
مسطوراً في كتاب ذاكرتي الكبير
غير مخلوطٍ بمعدن خبيث (4) . نعمْ قسماً بالسماء
آه، أيّتها المرأة البالغة الخبث!
آه، أيّها الوغد، أيّها الوغد، أيها الوغد اللعين المبتسم!
مناضد كتابتي، من المناسب لي أنْ أسجّل
قد يبتسم المرء، ويبتسم ويكون وغداً -(5)
أنا متأكّد قد يحدث مثل هذا بالدانمارك في الأقلّ ( يكتب)
لذا، سجّلت يا عمّ تعليقي عليك في دفتري
" الوداع، الوداع، الوداع"

الهوامش
1 - في النصّ Globe وهو كذلك اسم المسرح الذي مُثِّلتء على خشبته مسرحيّة هاملت لأوّل مرّة.
2 - في النصّ Table وتعني كذلك: لوحة مرسومة.
3 - في النصّ Saws (اعتياديّاً هي صيغة ازدرائية بصورة ما )
4 - يُستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى أنواع من المعادن (في الغالب الحديد والرصاص)
التي يحوّلها الخيميائي إلى ذهب. قارنْ يوليوس قيصر: الفصل الأوّل - المشهد الأوّل_66، وكذلك الفصل الأوّل - المشهد الثاني 312 -314.
5 - مثل إنكليزي: "يبتسم في وجهه ويقطع رقبته". أنظرْ كذلك: هنري السادس (3) الفصل السادس: المشهد 3 -2 182: "لماذا ، أبتسم وأقتل بينما أنا أبتسم".



Hamlet - O all you Host of Heaven, O Earth,
What else,
And shall I couple Hell? - O fie, hold, hold, my
Heart,
And you, my Sinows, grow not instant Oldو
But bear me swiftly up. - Remember thee,
I, thou poor Ghost, whiles Memory holds a Seat
In this distracted Globe, remember thee;
Yea, from the Table of my Memory
Irsquo;ll wipe away all trivial fond Records,
All Saws of Books. All Forms, all pressures past
That Youth and Observation copied there,
And thy Commandment all alone shall live
Within the Book and Volume of my Brain
Unmixrsquo;d with Baser Matter; yes, by Heaven.
-O most pernicious Woman.
-O Villain, Villain, smiling damned Villain.
-My Tables, meet it is I set it down
That one may smile, and smile, and be a
Villain,
At least I am sure it may be so in Denmark.
-So Uncle, there you are. - Now to my Word:
It is lsquo;Adew, adew, remember mersquo;.
I have swornrsquo;t.

*****

الثالثة:

ما أنْ قابل هاملت، شبح أبيه حتى أضحتْ لغته أوفرَ تعقيداً، وذاتَ دكنة.دكنتها كخضرة الأوراق حين تبلغ كمال نضجها. لها ما لأشجار الغابة من تشابكٍ وغموضٍ ومفاجآت. يقول W.H. Clemens في كتابه: The Development Of Shakespeare's images: "إنّ الإمكانات الجديدةَ المذهلةَ للغة التي تجعل هذه المسرحيّة تبدو نقطة تحوّل في تطوّر أسلوب شيكسبير، إنّما تعود بجذورها إلى شخصيّة هاملت. نشأتْ اللغةُ الجديدة منه، ووصلتْ درجةَ الكمال فيهhellip; لا يمكن لشحصيّة هاملت أنْ تعبّر عن نفسها إلاّ بلغةٍ جديدة كليّة. وهذا يصحّ أيضاً في حالة الصور في المسرحيّة. (ص 106)
التطوّر الآخر الذي طرأ على شخصيّة هاملت منذ أن قابل الشبح هو أنّه شرع في التقاتل لا مع العالم الخارجي الزائف، بلْ مع نفسه لدرجة التمزّق. يفهم نوازعه ولا يفهمها. يهمّ ولا يهمّ. متردد. بلا مبادرة. يذكر A. C. Bradley في كتابه: Shakespearean Tragedy في تعليل تردّد هاملت: " لأنّه لا يسعه عمل أيّ شئ. عليه أنْ يقفل قلبه على سرّه. وإذا ما زلنا مستغربين ونسأل لماذا كان تأثير الصدمة عليه هائلاً جدّاً، فدعونا نلاحظ أنّ الظروف كانت قد تهيّأت لتصبح مواهب هاملت ووعيه الأخلاقي وعبقريته عدوّة له، (ص 95).
بات هاملت حلبةً يتصارع فيها مع دواخله. دواخله مستغلقة. عصيّة حتّى على فهمه هو. وصفه أحد النقّاد بأنه أصبح رمزاً لإنسان عصر النهضة. فهو من ناحية "طافح يالإمكانات والجمال والسحر، ومن ناحية أخرى يرزح تحت طائلة الخوف واليأس". صحيح حقّ الصحّة، أن المأساة التي مرّت بهاملت لا تُحتمل. إلاّ أنها لم تزددْ تشعباً ولم تتخذْ أبعاداً مدوّخة إلاّ لأنّ هاملت كان مفرط الحساسية ومثقفاً ثقافة شاملة كما سنرى في هذه المناجاة. على أيّة حال، قبل النظر في هذه المناجاة، قد يكون من المفيد الرجوع قليلاً إلى مَشاهدَ سابقة، عندما يستقبل هاملت فرقةً تمثيليةً جوّالة تضم "أفضل الممثلين في العالم".
يبدو أنّ هاملت كان يعرفهم معرفةً حميمة. إلاّ أنّه لم يلتقِ بهم منذ سنين. فالصبي الذي كان يمثل دوراً نسائياً (كان التمثيل محظوراً على الإناث)، قد التحى الآن، وأصبح "أطول مما كان عليه بالكعب العالي" ممّا يميّز صوت الصبيان الصغار أنّه أشبه بصوت النساء. الخوف إذا خشن أو غلظ، ساعة المراهقة. لذا خاطب هاملت صديقه القديم:" راجياً ألاّ ينثلم صوتك مثل قطعةِ نقودٍ ذهبية لا قيمة لها، إذا وصل تثلّمها إلى حلقة رأس الملك". ثمّ يلتفت إلى الممثلين ويخاطبهم:"أيّها المهرة، مرحباً بكم جميعاً. "ومثل صقّارين فرنسيين سنطير رأساً إلى أوّلِ مقطعٍ تؤدّونه".
قبل كلّ شئ لم يأتِ التشبيهان عفوَ الخاطر. فانثلام الصوت وتشبيهه "بانثلام حلقة رأس الملك" يومئ إلى فأل سيئ، لا سيّما وأنّ الحلقة المحيطة برأس الملك قد تُفَسّر على أنها التاج. وفي الحلقة تورية أخرى، وهي أنّ حلقة الفتاة إنّما هي بكارتها، فإذا ثلمت كفّت أن تكون عذراء. أمّا التشبيه الثاني:"ومثل صقّارين فرنسيين سنطير رأساّ" فيوحي بانقضاض وفريسة. كان الفرنسيّون في زمن شيكسبير صقّارين خبراء، إلاّ أنّ الإنكليز اعتقدوا أنّهم لا يختارون صيدهم بعناية كافية. بهذه المثابة يريد هاملت أنْ يستمع إلى الممثلين في بعض الأدوار، دون الاهتمام بما هي عليه تلك الأدوار.
لا ننسَ فقد ذُكِرَ الصقر من قبل، وذلك بعد أنْ قابل هاملت شيح والده ( الفصل الأوّل - المشهد الخامس) لا بدّ أنّ هاملت كان مشحوناً بشتّى الانفعالات حينما عاد من والده الشبح. يبدو أنه لم يجدْ مرسيليوس كلمات مناسبة للترحيب بصديقه هاملت، فأطلق أصواتأً لا تخلو من دلالة. دار بينهما الحوار، على ما صورته:
مرسيليوس: هلْلّو، هُوْ، هُو، يا سيّدي اللورد.
هاملت: هِلْلّو، هُوْ، هُوْ، يا ولد تعالَ، ياطير تعال.
في هذا الحوار تقلّد الشخصيّتان صوت نداء الصقّار لصقره، لكي يعود إلى يده. هكذا كان شيكسبير يمهّد بهذه الأجواء إلى زرع الهاجس تلو الهاجس. على أيّة حال، ذكّر هاملت، الممثّلَ الأوّلَ بمقطع كان ألقاه مرّة ولم يُمثلْه "لأنّ المسرحيّةلم ترضِ العامّة.كانت أعلى من مستواهم. بمثابة كافيار لم يتعوّدوا على تذوّقه.
لكن ما الحيلة الفنّية التي وظّفها شيكسبير لإدخال الملكة في الحوار حتّى تكتمل الصورة؟ قال هاملت:"من المقاطع التي أحبّها على وجه الخصوص، هو حكاية "أيْنياس"إلى "ديدو"، أو ما يقرب من ذلك الحدّ، ولا سيّما حينما يروي مقتل "فريام". المعروف أنّ أينياس أمير طروادة، في ملحمة الإنيادة لفرجيل، كان في رحلة بحرية طويلة. وبعد سبع سنوات ينْزل مع رجاله في قرطاجنّة، وهناك يلتقي بالملكة ويروي لها مغامراته ولا سيّما الصراع بين الملك فريام الشيخ، وخصمه بيروس. هنا يقرأ هاملت مقطعاً طويلاً عن ظهر قلب، منه:

" hellip; ومضى بيروس الجهنمي وهو مسفوع بالغضب والنار
ولذا بدا أكبر من حجمه بالدم المتخثّر عليه، وبعيْنيْن
كالعقيق الأحمر hellip; "

يتوقف هاملت ويطلب من الممثّل الأوّل إكمال المقطع:
" يهجم بيروس على فريام الأعزل العجوز
ومن غضبه، ضَرَبه فأخطأه، ولكنّ الأبَ الواهن
يسقط من عصفة السيف وريحه (3)
وبارتطامٍ مهول، اُسِرَ بيروس في وسط الضوضاء
ويا للعجب بدا سيفه الذي كان ينْزل على رأس فريام الأشيب (5) ، وقف بيروس ولم يفعلْ شيئاًمثل إنسان وجد نفسه على الحياد بين نيّته وتنفيذها

رأى بولونيوس أنّ المقطع أعلاه طويل جدّاً. سخر منه هاملت ، وطلب من الممثل أن يكمل المقطع من "هيكوبه". (هيكوبه هي زوجة فريام. هاملت مهتمّ هنا بتأثير مقتل زوجها عليها. وفي الإنيادة تصوير مؤثّر لهيكوبه وهي تسحب زوجها الشيخ، حيثُ هي وبناتها ذاهبات إلى المذبح):
الممثل الأوّل:لكنْ مَنْ - عجباً، الويل! - مَن رأى الملكة المعصوبة العينيْن -
hellip; تركض عارية ذات اليمين وذات الشمال، ودموعها
تهدد نور عينيها، وعلى رأسها قطعة قماش حيثُ
كان ينتصب عليه التاج إلى عهد قريب، ومن شدّة
ذعرها شدّت على خصرها النحيل الذي أنهكته الولادات
بطانية بدلاً من الثوب. - ومَنْ يرها كائن مَنْ كان،
لصاح ورأسه مغموس بالمرارة، بوجه سلطة ربّة الحظّ ودَمَغَها
بالخيانة والغدر
لكنْ لو رأتها الآلهة أنفسها آنذاك،
عندما كان بيروس وهو يلهو بحقد، ويمزّق أوصال زوجها
بسيفه، ولو سمعت تفجّرات عياطها، لَتحلّبتْ بالدموع نجوم
السماء المشتعلة، ولَرقّت لها الآلهة، إذا كانت الآلهة
ترقّ أبداً للأشياء الفانية hellip; "

بعد ذلك يقترح هاملت على الممثل الأوّل أن يدسّ في المسرحية ما سيؤلفه له، حوالي اثني عشر أو ستة عشر بيتاً. يوافق الممثل الأوّل. ينفضّ الجميع إلاّ هاملت. عند ذاك يلقي مناجاته.

من تقنيات المناجاة الثالثة:
تبدأ المناجاة باحتقار هاملت لنفسه. بالحطّ من شأنه. هذا هو ديدن المحبطين الذين يرون أنفسهم عاجزين. يقول هاملت: " يا لي من مشرّدٍ عاطل، ومن فلاّح قنّ لا أملك حرّيتي". هذه توطئة نفسية معتادة، طالما لجأ إليها الأدباء حتّى يمهّدوا، حتّى يخففوا على أنفسهم من أحكام الآخرين عليهم.
يقارن هاملت بعد ذلك نفسه بالممثل الذي كان يؤدي دوراً خياليّاً، وكيف كان صادقاً، بحيثُ "يصفرّ وجهه كلّه hellip; والدموع في عينيه، والانشداه في نظرته، وصوته واهن ممرود،، وكلّ قواه تستجيب بتعابير جسدية تتلاءم مع تلك التصوّرات الوهميّة. يستغرب هاملت من بكاء الممثّل على هيكوبه. ماذا تعني له، وماذا يعني لها حتّى يبكي من أجلها. إذن ما الذي كان سيفعله لو كانت مأساته حقيقية كمأساة هاملت؟ ومأساة هاملت واقعية وما تزال تنْزف، كما كانت، وأكثر. يقول هاملت:
"سيُغرق خشبة المسرح بالدموع، ويمزّق سمع الجمهور
بكلام مرعب، ويجعل المذنب مجنوناً، ووجوه الأبرياء صفراً hellip; "
ينُحي هاملت باللائمة على نفسه. كسولاً لا تحرّكه قضيّته العادلة. راح يُفتّش عمّنْ يعاقبه. عمّنْ يقول له أنتَ نذْل. عمّن يشجّ رأسه، وينتف لحيته، وحتّى أنْ ينفخها في وجهه، ويجرّه من أنفه جرَّ الدواب، أو أنّه قارن نفسه بها، أو أنّه انحطّ إلى مرتبتها. لا يخفى، إنّ النذالة وشجّ الرأس والجرّ من الأنف إنما هي ثلاث مراحل كبيره يمرّ بها هاملت بلمح البصر.
النذالة إيذاء معنوي. شجّ الرأس إيذاء جسدي. وجر الأنف عملية مسخ الإنسان إلى حيوان. حين يصل هاملت إلى هذه المرتبة من الحيوانية يفقد اللغة المهذبة. راح يكيل إلى عمّه أقذع الشتائم:"يا للنذل السفّاح الفاسق! يلا ضمير شهواني غدّار غير طبيعي"
هذه الصفات المندلقة متوالية كصراخ متحيّف، كنباح. توالي الصفات يوحي وكأن الشاتم يستحضر المشتوم فيراه قريباً منه. إنّها بلا شكّ شواطُ يأسٍ ناشب. كذا يواصل هاملت كتابة الأبيات التي سيدسّها في المسرحية عندما تمثّل أمام الملك.
"سأجعل هؤلاء الممثلين يؤدّون شيئاً شبيهاً بمقتل أبي
أمام عمّي. سأراقب ملامحه. سأسبره حتّى الصميم. فإذا
جفل بتألّم، عرفتُ كيف أسلك معه."

لكنْ ما أنْ يصل هاملت إلى هذه القناعة، حتى يفاجئنا بشكّ طارئ جديد لا علمَ لنا به من قبل. كيف دخل الوسواس في عقل هاملت، فراح يتشكّك الآن بهوية الشبح. مَنْ يلومه؟ ربما كان شيطاناً، اتخذ شكلاً مُرْضياً حتى يخدعه لقتل إنسان برئ. بهذه الوسيلة جعلنا المؤلف أكثر تحفزاً وأكثر تحرقاً لما سوف يقوم به هاملت. إلاّ أنّ هاملت لا يزيدنا إلاّ فضولاً على فضول، وتحرّقاً على تحرّق، حينما يقول:
" لا بدّ لي من أسباب أكثر إقناعاً من قصّة الشبح"
جعلنا المؤلّف هنا مشدودين لمعرفة تلك الأسباب. جعلنا جزءاً أكيداً من حبكة المسرحيّة. لا يكتفي المؤلف بذلك. ها هو هاملت يدير رؤوسنا، من جديد ولو مؤقّتاً إلى شئ آخر، فيقول وهي الجملة الأخيرة في المناجاة: "في المسرحية سأكتشف ضمير الملك". هذه حيلة فنيّة أخرى لشدّ النظّارة إلى المسرحيّة وجعلهم يلهثون وراء الوقائع، لا سيّما وأنّ المسرحية انتقلت الآن بهذه الوسيلة، من تمثيل ترفيهي على خشبة المسرح، إلى قاعة أشبه ما تكون بمحاكمة يعاد فيها تمثيل خيوط الجريمة. خيطاً خيطاً. لحظة لحظة. أغرب محاكمة. النظّارة شهودها. النظّارة قضاتها.


المناجاة الثالثة

هاملت: نعمْ إذن. مع السلامة. والآن أنا وحدي.
يا لي من مشرّد عاطل. ومن فلاحٍ قنّ لا أملك حرّيتي
ألمْ يكنْ تصرّفي غير طبيعيّ ، وأنّ هذا الممثّل هنا
في الخيال فقط، في الحزن الناجم من حادثة متصوّرة،
يجبر روحه لتكون طوع خياله، فيصفرّ
وجهه كلّه من عمل تلك الروح، والدموع في عينيه
والانشداه في نظرته، وصوته ممرود، وكلّ قواه
الجسديّة تستجيب بتعابير جسديّة تتلاءم مع تلك
التصوّرات الموهومة. وكلّ ذلك للا شئ!
من أجل هيكوبه
ماذا تعني هيكوبه له، أو هو لها حتّى يبكي من أجلها
ما الذي سيفعله لو كان لديه
الباعث والحافز على الألم كما هما لديّ؟
قد يُغرِقُ خشبة المسرح بالدموع، ويمزّق سمع الجمهور
بكلام مرعب، ويجعل المذنبَ مجنوناً، ووجوه
الأبرياء صفراً، ويشده الجهلة، وبالتأكيد يربك
وظائف العيون والآذان بالذات
مع ذلك فأنا الوغد البليد الروح، أحلم بكسل،
لا تحرّكني للعمل قضيّتي العادلة، ولا يمكنني
انْ اقول شيئاً. - لا، لا من أجل مُلك،
قاموا بإزهاق أعزّ ما يملِك: حياته. أجبان أنا؟
مَنْ هذا الذي سيدعوني نذلاً، ويشجّ رأسي، وينتف
لحيتي وينفخها في وجهي، ويجرّني من انفي، ويدعوني
كاذباً إلى الحنجرة، وأبلع الإهانة حتّى الرئة. مَنْ يقوم
بذلك لي؟
عجباً!
بربّي سأقبل بتلك الإهانات، لأني وديع كحمامة بلا مِرّة (9)
يا لَلْثأر
يا لي من أبله. هذا عرض مسرحيّ رائع!
إذْ أنا ابن الأب العزيز الذي قُتِل، محثوثاً على
الثأر من قبل الجنّة والجحيم ثُمّ أٌفرِغ ما بقلبي
_ كالمومس - بكلمات واُنْزل اللعنات كالمومس بالذات
خادم وضيع! تبّاً! تُفْ
واصل يافكري كتابة الأبيات للمسرحيّة
تعساً لقد سمعتُ أن المخلوقات المجرمة الحاضرة في المسرح
تُصاب بذعر إلى أعماق الروح، بفعل براعة التمثيل،
لدرجة أنّهم على الفور يفشون أعمالهم الشرّيرة
فالجريمة وإنْ لم يكنْ لها لسان
ستتكلّم بصوت هو من أكثر الأصوات إعجازاً.
سأجعل هؤلاء الممثلين يؤدّون شيئاً شبيهاً بمقتل أبي
أمام عمّي. سأراقب ملامحه، سأسبره حتّى الصميم. فإذا
جفل بتألّم، عرفت كيف أسلك معه. قد يكون الشبح
الذي رأيته شيطاناً، وللشيطان قدرة على أن يتخذ
شكلاً مرضياً، بلى، وربّما بسبب ضعفي وكآبتي

*****

الرابعة:

To be or not to be, that is the question

ما من مناجاة شُغف بها النقّاد، و في الوقت نفسه استعصى عليهم فهمها، كهذه المناجاة. كُتبتْ عنها مئات الدراسات، وفي كل دراسة اختلاف ذو نفع.ظنّ معظم الشرّاح، أنّ هاملت كان يفكّر في قتل نفسه، وظنّ آخرون أنّه كان يفكّر في قتل الملك، بيد أن البداية لا تشير إلى القتل مطلقاً (سنتحدث عن ذلك بتفصيل أوسع في الفقرات التالية)، كما أنّها لا تشير إليه شخصيّاً.
يقول G. Wilson Knight " السطران الأوّلان يشيران إلى المشكلة الشاملة للمصير المأساوي للإنسان" (The Wheel Of Fire, p304 ). ويقول: Wolfgang Clemen"في هذه المناجاة لا يشير هاملت إلى نفسه مطلقاً. المتكلم يأخذ صيغة الجمع. في حين يؤكّد Harold Jenkins أنّ "ما من شئ في أيّ مكان من هذه المناجاة يتعلق بحالة هاملت الفرديّة، إنه يستعمل الضمائر نحن:We و نا : Usوالـ: مَنْ غير المحدودة: The indefinite who والمصدر اللاشخصي: The impersonal infinitive ، إنه يتكلم عنا جميعا بوضوحً".
لذا فإن أيّ ترجمة لـ : To be or not to be بـ "أأكون أم لا أكون" (جبرا)"احيا أو لا أحيا" (القطّ)، أو" ألحياة أمْ الموت"(بدوي) وما إليها، عاطلة، لسببيْن : الأوّل صيغة الجمع التي كان يتكلم بها هاملت كما أسلفنا. الثاني هو أنّ هاملت كان يتحدث بالمصدر المصاغ من أن والفعل. بهذه الوسيلة جعل المؤلف ما هو خاص بمستوى العام الشامل. يقدم Wolfgang Clemen قائمة بالصيغ المصدرية التي وُظفتْ في هذه المناجاة وهي :/To be or not to be /To suffer To take arms
/To say/ To die/To sleep/To dream/ To grunt and sweat.
يستنتج الباحث بأن "صيغة اللامتناهي تمكّن المتكلم من أن يظلّ على مبعدة من مركز العمل او الفعل"(p.137)
على أية حال يدلّ المصدر ، كما هو معروف،ّ على حركة بلا زمن. هل أراد هاملت بهذه الوسيلة أن يجعل أقواله تتخطى المرحلية، أي أن يجعلها تجري مجرى الحكم الدائمة؟ أم أنه كان يستجيب لما كان يقرأ؟ بكلمات أخرى هل كان هاملت صدى وظنّه النقّاد صوتاً؟ وعلى هذا اختلفوا لدرجة التناقض؟

مرة أخرى هل كان هاملت صدى؟
حين يدخل هاملت ( الفصل الثالث - المشهد الأوّل) كان يقرأ باستغراق عميق في كتاب لا نعرف ما هو. يذكر بعض النقاد أن السؤال الأول الذي وضعه هاملت كان " بمثابة تعليق على ما كان يقرأ" إذن فالسؤال لا علاقة له به شخصياً، أو أنه كان ردّة فعل في أحسن الأحوال. ولكن ربما كان هاملت يستذكر ما كان قد حفظه من الكتاب، وهو ذو حافظة لا تُجارى. ربما لهذا السبب شذت هذه المناجاة عن الأخريات في كونها مقطوعة، أيْ لا علاقة لها بما قبلها ولا تأثير لها فيما بعدها.
يجب ألا يغيب عن البال كذلك أن مسرحية هاملت كانت مكتوبة قبل شيكسبير ومُثّلت مرتيْن. إذن فهاملت ليست من صنعته تماماً ,إنما ما فعله هو تغيير مقاطع في النصّ القديم، وتقديم مشاهد وتأخير أخرى، وربما إعادة صياغة بعض الفصول. هل كانت هذه المناجاة في النصّ القديم وإنما كان هاملت يقتبسه بالكامل؟ أم أنه اقتباس من كاتب آخر؟
مما يدعو إلى التأمل والاستغراب في هذه المناجاة خلوّها التام من عنصر النبات من أيّ نوع، وخلوّها من الحيوان من أيّ نوع، كما انها خالية من التشابيه والمجازات التي هي من العلامات الفارقة في التأليف الشيكسبيري، بالإضافة إلى ذلك فما من أثر للحواس التي بزّ بها شيكسبير الشعراء في رسم الصُوَر الشعرية. هذه المناجاة تجريدات ذهنية، تأثيرها من تساؤلاتها المرعبة، أوّلاً ومن موسيقاها الشعرية المدهشة، ثانياً. للأسف لا يمكن ترجمة الموسيقى، لأنها خاصية قومية لا يتذوقها إلاّ أبناؤها. مع ذلك نقدّم للتحليل شطراً واحداً، كنموذج، لنرى مفعول الموسيقى الشعرية.
يقول Sydney Bolt في كتابه : (p.44) Shakespeare Hamlet عن موسيقى البيت الخامس:
to sleep And by opposing end them.To die/
"حينما يضاف مقطع على الشطر المكتوب على بحر الـ Iambic الخماسي التفاعيل، بعد أن يكمل فإنه يُهمل. غير أنه في حالة البيت أعلاه، فلا بدّ من تكييفه في مكان ما إلى البحر الإيمبي". إذن كيف كيّفه شيكسبير؟ أولاً" أوقف الشطر ومن ثَمّ بدأه ثانية على الوجه التالي:
And by/ oppos/ ing end (them)./
To die/ to sleep.
هذا التوقف أو القطع الثقيل ذو مغزى. لأن هاملت شرع بسطر جديد من التفكير حين قال :
ldquo; hellip;to die
ذكرنا أن هذه المناجاة تجريدات ذهنية تخلو من أية أرضية واقعية، وبالتالي من أي حدث. ولأنها مجرد أفكار، لذا بدتْ وكأنها مفككة لا رابط لها. الأفكار عادة ما تكون باردة برودة الحقائق . إلا أنها في هذه المناجاة خلاف المعتاد، ساخنة، وذلك لأنّ شيكسبير شحنها بالحيرة والتشوّش فانبجست عاطفة.من ناحية أخرى فإن المناجاة بتبنيها الأفكار الفلسفية المجرّدة، إنما اقتربت من الأسلوب السقراطي مهما يكنْ من أمر ، فقبل التبسّط في اختلاف النقاد في فهم مكونات هذه المناجاة، قد يكون من المفيد أن نلفت الأنظار إلى ثيمتيْن أساسيتيْن في هذه المناجاة. الغاية من التنويه بهما هنا هي للتنبيه على تأثر مسرحية هاملت بملحمة كلكامش وإن كان بصورة غير مباشرة. الثيمة الأولى تشبيه النوم بالموت وبالعكس:
To die, to sleep
To sleep, perchance to dream -ay, there is the rub
For in the sleep of death what dreams may come,hellip;rsquo;

"أن نموت أن ننام
أن ننام، ربما أن نحلم- بلى هذه هي القضية
لأنّه في نوم الموت ذاك، أيّ أحلام قد تأتي..."
يتعقب Harold Jenkins محرر طبعة آردن الشهيرة تشبيه الموت بالنوم، فيردّها في البداية إلى شيشيرون، وقبل ذلك إلى سقراط. ويعتقد أن ترجمة هولاند لكتاب Moralia لبلوتارك قد تكون المصدر الأصلي ...إلخ"
يبدو أننا كلّما تمعنّا كيف يتوازى عنصرا النوم والموت في ملحمة كلكامش وكيف يتجاوران كصنويْن لأدركنا أن المنبع الأصلي لفكرة شيكسبير منحدرة بصورة غير مباشرة
من تلك الملحمة، لأنها أقدم من النصوص التي استند إليها محرر طبعة آردن. أقرب الأمثلة على ذلك موت أنكيدو بين يدي كلكامش وكأنّه نائم، وكذلك ما قاله أتو- نفشتم لكلكامش:
"ويا ما أعظم الشبه بين النائم والميت
ألا تبدو عليهما هيئة الموت"

لو صحّ هذا التأثر لانحلّت تناقضات كثيرة وقع فيها النقّاد الذين درسوا هاملت.من الجدير بالذكر أن شكسبير ذكر الموت والنوم في عدد من المناسبات منها مثلاً في مسرحية مكبث، حينما رأى مكدف، الملكَ مقتولاً:
"... أفيقوا
أنفضوا عن أعينكم هذا النوم الماكر شبيه الموت
وحدّجوا في الموت نفسه..."

الثيمة الأخرى هي رحلة الميت إلى وطن مجهول ولا تٌرجى له عودة. يقول هاملت:

But that the dread of something after death,
The undiscoverrsquo;d country, from whose bourn
No traveler returned puzzles the will
ِِ And makes us rather bear those ills we have
Than fly to others that we know not of?


"...لولا ذلك الشئ
المرعب بعد الموت، ذلك الوطن المجهول الذي لا يعود
منه مَنْ دخل في حدوده، ويربك الإرادة ويجعلنا
نتحمل تلك الأدواء التي نعرفها من أن ننطلق
إلى أخرى لا نعرفها..."

ربما يكون مصدر "درب الصدّ ما ردّ" هذا، كلكامش أيضاً، وهي عبارة ما تزال متداولة بيننا بالعراق حتى الآن. كان أنكيدو يروي لكلكامش حلماً طاف عليه :
"نظر إليّ وأمسك بي وقادني إلى دار الظلمة
...
إلى البيت الذي لا يرجع منه مَنْ دخله
إلى الطريق الذي لا رجعة فيه لسالكه..."

أدناه بعض ما ذكره النقّاد عن هذه المناجاة :

يقول Wolfgang Clemen :

"هذه المناجاة من أشهر مناجيات شيكسبير. في الواقع أشهر المناجيات جميعاً. أُعطيتْ لها أكبر عددٍ من التفسيرات... معظم المناجيات مصممة للكشف عن نوايا المتكلم، وإماطة اللثام عمّا خفيَ. لكنّ النظارة هنا لم يُعطوا الجواب عن كلّ المشاكل غير المحلولة في المسرحية. بالعكس، أُثيرت أسئلة جديدة. شكوك هاملت امتدّت إلى النظارة.نصّ المناجاة يعوزه التماسك المنطقي والبنائي، لذا فمعظم التفسيرات (يبلغ عددها عدّة مئات) لهذه المناجاة حاول

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف