عالم الأدب

الانترنت: ثقافة، جنس وتنمية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سلوى اللوباني من القاهرة: لا يزال الانترنت يشكل خطراً بالنسبة إلى بعض الدول العربية حيث تعتبره مهدداً لثقافتها وعاداتها وتقاليدها، كما يشكل تحدياً لبعض الحكومات العربية وهي ترى أن معلومات الانترنت عامل مهدد أكثر منه فرصة حسبما ذكرت د. رشا عبد الله في كتابها "الانترنت في مصر والعالم العربي" - دار آفاق -، قدمت لنا الكاتبة العديد من الدراسات والابحاث العلمية لاستخدامات الانترنت التي أجريت على طلاب عرب أو أجانب، فكان الاستخدام الاساسي لهذا الوسيط الاعلامي هو الحصول على المعلومات والاستكشاف وتبادل الثقافات، والى جانب ذلك هناك من أشار الى أنه وسيلة للدخول الى المواقع الاباحية أو الغير أخلاقية وهو ما يخشاه البعض وخصوصاً على جيل الشباب، وذهب البعض الى أنه وسيلة لاقامة علاقات مع الجنس الاخر فثقافة البلد تحد من قيام مثل هذه العلاقات على أرض الواقع، وقد أثير جدلاً واسعاً في العالم العربي منذ عدة أعوام عن الاثار السلبية المحتملة للانترنت على الشباب، وما يسببه استخدام الانترنت من الانجذاب نحو عالمها بعيداً عن الحياة الاجتماعية والتعليمية والعائلية، وإمكانية زيادة الاحساس بالوحدة وربما الاكتئاب بين الشباب، وقد أثير هذا الجدل في الغرب أيضاً وتمت بالفعل دراسته في عدد من الابحاث العلمية.

وحدة...وصداقة:
وفي مراجعة لأهم الدراسات العلمية لاستخدامات الانترنت أشارت د. رشا الى دراسةKraut et al التي أجريت عام 1998 بين 73 عائلة في عامهم الاول أو الثاني لاستخدام الانترنت، وجد الباحثون علاقة ضعيفة ولكنها معنوية بين استخدام الانترنت والاحساس بالوحدة أو الاحباط وفي دراسة أخرى تمت عام 2000Erbing amp; Nie أيدت النتائج السابقة، ووضحت الكاتبة الى أننا أمام دراستين فقط ضمن مجموعة من الدراسات توصل معظمها الى نتائج مغايرة لما توصلت اليه هاتان الدراستان، وثانياً أن معاملات الارتباط التي أوجدتها الدراستان تعتبر ضعيفة للغاية بأي مقياس علمي فهي تكاد لا تعني شيئاً، وثالثاً أن هناك الكثير من المتغيرات الدخيلة التي يمكن أن تدحض هذه النتائج، فالباحثون لم يضعوا في الاعتبار الحالة النفسية لمن قاموا باجراء الاختبار عليهم بعيداً عن استخدام الانترنت، ولم ينظروا إذا كان هناك عوامل أو أحداث أخرى في حياتهم يمكن أن تكون قد أحدثت هذا التغيير، على سبيل المثال قد يكونوا تعرضوا لحادث شخصي تسبب في إحساسهم بالوحدة أو الاحباط، فمن المستحيل من الناحية العلمية افتراض علاقة سببية بين إستخدام الانترنت والاحساس بالوحدة أو الاحباط إعتماداً على هذه الدراسات، كما أوضحت دراسات اخرى أجراها الباحثان Katz amp; Aspden عام 1997 وجود علاقة إيجابية بين استخدام الانترنت والاتصال بين الافراد، بمعنى أنه كلما زاد استخدام الانترنت كلما زاد التواصل مع العائلة والاصدقاء، وأشار من اٌجري عليهم البحث الى أنهم يقومون بعمل صداقات مباشرة من خلال التفاعل عبر الانترنت، وخلص الباحثان الى أن الانترنت يساعد في خلق مجتمع غني في الصداقات والعلاقات الاجتماعية المختلفة، وفي دراسة أخرى أشارت الى أن استخدام الانترنت يرفع من الروح المعنوية ويسهل تطوير العلاقات.

النساء والانترنت:
أما الاناث في البلاد العربية فيستخدمون الانترنت للتعرف على الجنس الاخر كما جاء في إحدى الدراسات العلمية التي وردت في الكتاب، ويرون في ذلك مصدراً تعليمياً في هذا الاطار لانهن لا توجد لديهن فرصة مباشرة لمعرفة كيف يفكر الرجال، وأضافت الاناث أنهن يقدرن التجربة لانهن يتعلمن من خلالها عن الجنس الاخر وبشكل آمن، مع الاقتصار على التعامل من خلال شاشة الكمبيوتر، كما اجريت دراسة اخرى حول الثقافة النسائية ونماذج استخدام الانترنت في العالم العربي Wheeler وذهبت الى أن النساء يستفدن كثيراً من استخدام الانترنت بشكل عام وبالاخص في المجالات التعليمية والمهنية، كما أجرت الباحثة مقابلات مع نساء في مصر والمغرب والسعودية والكويت والبحرين للتعرف على كيفية وأسباب استخدامهن للانترنت، وقد أشارت الدراسة الى بعض النماذج المختلفة بين المستخدمات باختلاف البلدان العربية فبينما تقوم النساء في "مصر" غالباً في إستخدام الانترنت في شئون العمل، يختلف الامر في "الكويت" حيث تقوم النساء باستخدام الانترنت كوسيلة للتسلية وإقامة العلاقات الاجتماعية، أما في "المغرب والسعودية" تطرقت النساء للحديث حول قضية الرقابة، وأختلف هنا مع الباحثة في تعميم نتائج مثل هذه الابحاث على نساء البلاد العربية، حتى وإن كانت صادرة عن دراسة علمية لانه بالتأكيد هناك سيدات في الكويت أو في المغرب أو في السعودية يستخدمن الانترنت في شؤون العمل أيضاً وليس فقط في إقامة العلاقات الاجتماعية أو للتسلية.


الحكومات العربية والانترنت:
وبالرغم من قدرة الانترنت مع الوقت من تحويل العالم الى قرية صغيرة لا يزال بعض العرب يقتربون منه بحرص شديد في محاولة لتقييمه وتقييم ما إذا كانت هذه القرية تسودها ثقافة غربية واحدة أم انها قرية متعددة الثقافات، فما زال بعض العرب يرون أن الانفتاح على عالم الانترنت يعد تهديداً للثقافات والعادات والقيم العربية، وتقول أن البعض يعتقد أن الاكتشاف البطئ والمتأخر للانترنت في بعض الدول العربية يرجع في المقام الاول الى رغبة الحكومات في السيطرة على المعلومات في تلك الدول، فهناك تبايناً كبيراً في نسب استخدام وانتشار الانترنت في مختلف الدول العربية كما أن هناك تبايناً كبيراً في الترحيب بالحرية المعلوماتية التي تتيحها الشبكة، فأشارت الى سياسة بعض الدول العربية وقوانينها بما يخص الانترنت مثل قرار الحكومة العراقية بين عامي 1997-1998 بمنع استخدام الانترنت، وسوريا بمنع مواطنيها حتى عام 2000 من الدخول الى الانترنت، وأن السلطات السعودية تقوم بمنع حوالي 200 الف موقع الكتروني سنوياً مما وصفتهم بالمواقع المضرة والتي قد تتنافى مع الدين والانظمة الوطنية، أما في تونس على الرغم من جهود الدولة لتحسين وتطوير خدمات الانترنت ومعدلات الانتشار الا أن هذه القواعد فرضت قيوداً كبيرة على حرية تدفق المعلومات، وتعد الامارات العربية المتحدة صاحبة أعلى نسبة انتشار للانترنت في العالم العربي نسبة لعدد السكان فعلى الرغم من أن عدد المستخدمين لم يتعد المليون حتى الان فهم يمثلون 31% من المواطنين، واكد المسئولون في الامارات ان الرقابة تمارس فقط ضد المواقع الاباحية وليس المواقع السياسية أو الدينية او أي مواقع اخرى، الى جانب ذلك تؤمن الامارات بقدرة الانترنت وأهميته للتنمية الاقتصادية وتمتلك معظم الوزارات إن لم يكن كلها مواقع الكترونية متطورة بالعربية والانجليزية كما تتعدد المواقع التجارية ومواقع الشركات، وعلى الجانب الاخر تميزت بعض الدول بالحرية المطلقة في تعاملها مع الانترنت ومن بين تلك الدول مصر والاردن والمغرب، فلم ترد أي تقارير من Human Rights Watch بحظر أي موقع في هذه البلدان، وكذلك في البحرين تتمتع بقدر جيد من الحرية وتدفق المعلومات من خلال الانترنت ولا تمتلك الحكومة أي رقابة مباشرة على المحتويات، ويتماثل الوضع في الكويت مع الوضع في البحرين، ومن الجدير بالذكر أن العديد من الحكومات العربية قد زادت أو بدأت بمراقبة تدفق المعلومات على الانترنت بعد هجمات 11 سبتمبر وهي جهود نشأ معظمها نتيجة لضغوط أمريكا من أجل مكافحة الارهاب في الدول العربية، نظرا لان التقارير قد اشارت عقب تلك الاحداث الى أن الارهابيين قد استخدموا البريد الالكتروني كوسيلة اتصال.

تساؤلات...
والجدير بالذكر أن اسلوب الكاتبة اسلوب علمي مبسط وجذاب، قدمت العديد من المعلومات حول تطور الانترنت واستخداماته، كما جمعت فيه العديد من الاراء باسلوب موثق يسهل على القارئ الاستفادة مما جاء فيه، وبدأت كتابها بالقاء نظرة على تكنولوجيا وسائل الاعلام وإستخداماتها في العالم العربي لتوضيح كيف أسهم ظهور كل وسيلة جديدة من وسائل الاعلام في إضفاء بعض أبعاد التغيير على المجتمع، ثم انتقلت الى التركيز على الانترنت وعلى الفرص والتحديات التي يقدمها، كما قدمت نبذة عن تاريخ الانترنت، وإنطلاقاً من إعتقاد د. رشا من أن الانترنت مثله مثل أي وسيلة إتصال أو إعلام اخرى يمكن أن يكون أداة سلبية أو إيجابية اعتماداً على الطريقة التي نستخدمه بها، وكما تعتقد بأن الانترنت يٌقدم لمصر وللعالم العربي إمكانيات خارقة وهائلة للتنمية والاصلاح، طرحت عدة تساؤلات من خلال كتابها حول استخدام الانترنت، فذكرت على سبيل المثال أن حادثة 11 سبتمبر عام 2001 أظهرت غياب التفاهم بين الحضارة الغربية وخاصة أمريكا والعالم العربي، فقد أصدر الجانبان تصريحات تنم عن فقر شديد في المعلومات وفهم الاخر، فتتساءل الكاتبة هل يمكننا من خلال إستخدام التكنولوجيا وخاصة الانترنت أن نسهم في سد هذه الفجوة؟ هل يمكننا نحن العرب أن نستخدم الانترنت لنطلع العالم على حضارتنا وأدياننا وما يعني الاسلام والمسلمين للعالم؟ وما هي الوظائف الاخرى التي يمكن أن يقدمها الانترنت للمستخدم العربي؟ وما إمكانية توفير منبر جديد لاصوات وجماعات غير حكومية غير الاصوات الرسمية من خلال الانترنت؟ وكيفية أن تسهم هذه الاصوات في تحويل المجتمع العربي الى مجتمع أكثر ليبرالية وتقدمية؟ وما سيفعله العرب بالانترنت؟ وهل يستغلونه ثقافياً وسياسياً وتعليمياً؟ وتلفت الكاتبة نظر القارئ الى أنه لا يوجد كتاب واحد أو دراسة واحدة يمكنها الاجابة عن كل التساؤلات المتعلقة بموضوع ما خاصة موضوع متسع مثل موضوع الانترنت، فحاولت من خلال كتابها الاجابة عن كل تلك الاسئلة فهو نتاج اطروحتها للدكتوراة بجامعة ميامي بولاية فلوريدا.

سياسة وتعليم واقتصاد:
وفي باب آثار تكنولوجيا الاتصالات على مصر والعالم العربي تقول الكاتبة بأن كل وسيلة جديدة من وسائل الاعلام والاتصالات أحدث بعض التغييرات على نسيج العالم العربي، فذكرت دراسة Masmoudi 1997 أن شبكة الانترنت سوف يكون لها آثار جانبية هامة على العالم العربي على كافة الاصعدة، فعلى الصعيد السياسي توقع أن تؤدي حرية تدفق وانتقال المعلومات عبر الانترنت الى إجبار القادة العرب على الانفتاح بشكل أكبر والسماح بمزيد من حرية التعبير في بلادهم، وهو الامر الذي سيؤدي بلا شك الى التأثير على الرأي العام ومن ثم صنع القرار السياسي، وبالتالي سوف يؤدي إستخدام الانترنت الى إيجاد نظام سياسي يتسم باللامركزية والانفتاح والديمقراطية، اما بالنسبة إلى التعليم فتحت الدراسة المجال لرؤية جديدة مفادها أن الانترنت سوف يقدم عالماً جديداً من التعليم عن بعد وتبادل المعلومات وسوف تجبر المنافسة الحكومات العربية على إعادة اختبار نظمها وسياستها التعليمية وتطوير مناهجها، لتشمل المزيد من المعلومات والبرامج المتخصصة في الحاسب الالي وتكنولوجيا المعلومات والانترنت، كما اوضحت أنه في حالة لحاق العرب بثورة المعلومات المتاحة على الانترنت سوف يتمكنوا من معرفة المزيد عن العالم الخارجي وكذلك سوف يفتح لهم المجال لتعريف هذا العالم الخارجي بكل ما يخص الثقافة العربية، وبالتالي سوف يساهم الانترنت في سد الفجوة بين الغرب والعالم العربي ومن ثم تمكن العرب من أن يصبحوا طرفاً أكثر فعالية ونشاطاً، اضافة الى دراسة alterman 1998 التي ناقش من خلالها قيام العرب باستثمار رؤوس أموالهم في خبرات الانترنت وتكنولوجيا المعلومات في بلدانهم، والى ضرورة إنعاش التعاون بين الدول العربية الكترونياً، أما عن أثر تعريب الانترنت رجحت الباحثة "مريم نجيب" في رسالة ماجستير 2000 أن استخدام الحروف العربية على الانترنت سوف يوقف اللغة الانجليزية عن السيطرة على الانترنت.

نافذة على العالم:
تنهي د. رشا كتابها بقولها أن الانترنت يعد نافذة مفتوحة للعالم على العالم يرجع لنا فيما يتعلق بما نقوم بمشاهدته أو عرضه من خلال هذه النافذة وما نختاره للعرض أو المشاهدة، وكذلك كيفية استخدامه وتأثيره علينا، يجب أن يكون في أيدينا نحن الافراد لا في أيدي الحكومات، ومن غير المجدي أن تقوم بعض الحكومات العربية المتحفظة بإهدار وقتها في محاولة رقابة محتوى الانترنت أو ممارسة السيطرة على المعلومات، لانها لن تستطيع أن تقف أمام التكنولوجيا وتدفق المعلومات، وأكدت أننا بحاجة ماسة الى مزيد من البحث العلمي لتقييم مختلف أبعاد الانترنت وأثره على حياتنا وهو البحث الذي يجب أن تقوم به الحكومات والمؤسسات الاكاديمية، كما أكدت أنه يجب أن نتبنى التكنولوجيات الحديثة حتى نواكب التطور مع العالم الخارجي وفي نفس الوقت نعتمد إرشاد الاسرة والمدرسة والمجتمع للحفاظ على الاخلاق وعلى السلوكيات الملائمة لثقافاتنا ودياناتنا، فاغلاق الابواب المطلة على العالم الخارجي بحجة الحماية سيؤدي الى الغرق وإنعزالنا عن عجائب العلم والمعرفة.

salwalubani@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف